السودان: الحكم يهاجم المعارضة ويرفض إرجاء الإنتخابات
الخرطوم – النور أحمد النور
تصاعد الجدل بين «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في السودان والمعارضة في شأن إرجاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة بعد 27 يوماً، وتوعد الحزب الحاكم المعارضين بهزيمة قاسية، لكن المعارضة رأت أن استمرار حكم الرئيس عمر البشير سيقود إلى تمزيق البلاد بولادة دولة عدائية في الجنوب وإطلاق العنف في الشمال والحرب في دارفور.
ونفى «المؤتمر الوطني» أي وعد منه لمرشحي الرئاسة بإرجاء الانتخابات، ورفض مطالب المعارضة تشكيل حكومة قومية، وحذر من مغبة «نكوص الغرب» وعدم قبوله بنتائج الانتخابات في حال فوزه. وقال مساعد الرئيس نائبه في الحزب نافع علي نافع أمام حشد جماهيري في أم درمان إن مطالب المعارضين بإرجاء الانتخابات «حيلة جديدة مرفوضة». واعتبر أن «الأمر محسوم، ولا يوجد سبب واحد لتأجيلها»، متسائلاً عن صفة الحكومة القومية التي يطالبون بها، «هذه أحلام يقظة، وعلى الأحزاب التوحد خلف مرشح واحد حتى نراها صرعى في رجل واحد في ضربة واحدة، أو نجزهم كلهم في ضربة واحدة».
وحمل نافع في شدة على المعارضة، ووصفها بأنها «أحزاب الهوان والضعف»، مؤكداً أن حزبه «لا يتشرف بالتوافق مع الأحزاب التي ترى في المحكمة الجنائية الدولية مخرجاً لها، وبيننا وبين هؤلاء المرجفين والخونة والمتخاذلين برزخ لا يُعبر إلا إذا تخلّوا عن العمالة للسفارات والخوف من عبيد الله». وانتقد الأحزاب التي تنادي بإعادة الإحصاء السكاني ومراجعة قانوني الانتخابات والأحزاب والتسجيل وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات، قائلاً: «إذا أرادوا أن ينقضوا كل هذا الغزل فهو مستحيل».
وحذر مستشار الرئيس للشؤون الأمنية مرشح «المؤتمر الوطني» للبرلمان في الولاية الشمالية الفريق صلاح عبدالله، من «نكوص الغرب وعدم قبوله بنتائج الانتخابات» في حال فوز حزبه. وقال في لقاء جماهيري إن «الفكر الإسلامي في السودان الذي قاده حزبنا شكل خطراً على الغرب بتقديم نفسه لقيادة العالم الإسلامي».
لكن زعيم «حزب الأمة» الصادق المهدي قلل في ندوة نظمها اتحاد الصحافيين أمس من رفض الحزب الحاكم إرجاء الانتخابات، وتوعده بهزيمة المعارضة. وقال إن «المعارضة لم تطلب تأجيلها بلا مبرر… هناك قضايا عالقة في جنوب البلاد ودارفور وشكوك في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. وحركات دارفور لا تريد الانتخابات في الوقت الحالي. وإجراء انتخابات جزئية يعتبر علاجاً غير قانوني وغير دستوري ومرفوضاً سياسياً».
وذكر أن «المعارضة لديها تحفظات عن عدد من القضايا، وترى أن الانتخابات لن تكون نزيهة ما لم يعدل قانون الأمن الوطني الذي يعطي السلطة حق الاعتقال والاحتجاز والمصادرة… إذا وجدت طريقة لمعالجة هذه الأشياء ستجرى الانتخابات نزيهة وحرة، وإذا لم تعالج هذه النقاط فمن المستحيل أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وسيُطعن في نتائجها»، مشيراً إلى أن «أي انتخابات لا تعترف القوى السياسية بنتائجها سيكون مختلفاً عليها وستجرفنا إلى السيناريو الكيني»، في إشارة إلى أحداث العنف التي شهدتها كينيا عقب الانتخابات الأخيرة.
واعتبر أن الرئيس البشير «معاق» بسبب المحكمة الجنائية الدولية التي تلاحقه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، وان إجراء انتخابات «معاقة» ورئيس «معاق» سيؤدي إلى «ميلاد دولة عدائية في الجنوب وتعطيل عملية السلام في دارفور وتمزيق البلاد».
من جهة أخرى، نظمت عائلات معتقلي «حزب المؤتمر الشعبي» والمحكومين بسبب قضية دارفور منذ 2004 إضراباً عن الطعام في مقر الحزب في ضاحية الرياض في شرق الخرطوم أمس، بمشاركة الأمين العام للحزب الدكتور حسن الترابي. وطالب المضربون بإطلاق المعتقلين سياسياً والمحكومين على خلفية أزمة دارفور، ورددوا هتافات تحيي المعتقلين وصمودهم، كما رفعوا لافتات تطالب بوقف «الإجراءات التعسفية والتجاوزات القانونية» بحق المعتقلين.
وأعرب الترابي خلال مخاطبته المضربين عن أمله في أن تحرك صور عائلات المعتقلين وأطفالهم الضغوط الخارجية للإفراج عن المعتقلين والمحكومين. وندد باستمرار اعتقالهم على رغم توقيع اتفاق إطار في الدوحة. وقال: «كنا ننتظر فرجاً، لكن قبضة القساة تركت المعتقلين كما هم». وقال المسؤول السياسي في «المؤتمر الشعبي» كمال عمر إن حزبه «يعتزم إنشاء تحالف قوي لمصلحة قضية دارفور خلال الانتخابات المقبلة»، داعياً وسطاء محادثات الدوحة والمجتمع الإنساني الدولي إلى ممارسة ضغوط على الحكومة لإطلاق المعتقلين.
إلى ذلك، استبعد رئيس وفد «حركة العدل والمساواة» إلى مفاوضات الدوحة أحمد تقد لسان التوصل إلى اتفاق نهائي قريب مع الخرطوم، مؤكداً إصرار حركته على إرجاء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في نيسان (أبريل) المقبل. وقال في تصريحات لوكالة «فرانس برس» إن موعد 15 آذار (مارس) الذي حدده الاتفاق الإطار الذي وقعت عليه الخرطوم والحركة الشهر الماضي من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي «لا يمكن تحقيقه، والمهم ليس التاريخ بل السعي نحو تحقيق السلام». واعتبر أن السلام «هو الهدف الاستراتيجي». وأوضح أن الاتصالات والمشاورات مع الوساطة لم تتطرق بعد إلى مناقشة القضايا الأساسية. وأكد موقف حركته الرافض لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها. وقال: «موقفنا في ما يخص الانتخابات هو موقف ثابت، ونحن نادينا بضرورة إرجاء الانتخابات، والموقف الأميركي الداعي إلى إجراء الانتخابات في موعدها لا يمثل الموقف في دارفور والسودان».
وأضاف أن «القوى المسلحة جميعها تطالب بتأجيل الانتخابات ولا أحد يريد إجراء الانتخابات في موعدها سوى المؤتمر الوطني، وحتى الحركة الشعبية ليس لديها مانع من تأجيل الانتخابات». واعتبر أن الانتخابات «غطاء للبشير الذي يريد الاحتماء بالشرعية الانتخابية لمواجهة الشرعية الدولية». وكان المبعوث الرئاسي الأميركي إلى السودان سكوت غرايشن أعلن السبت أن الولايات المتحدة تؤيد إجراء الانتخابات في موعدها.
وأكد رئيس الوفد الحكومي السوداني المفاوض أمين حسن عمر عدم إمكان إنهاء المفاوضات كما هو محدد في الاتفاق بين الطرفين. وقال: «لا أرى أن شيئاً سيحصل الإثنين (اليوم)، لم نجتمع في لقاءات مباشرة مع العدل والمساواة، تبادلنا فقط الأوراق مع الوساطة، وما زال من المبكر القول إننا قريبون من توقيع اتفاق».
وأضاف: «لا نستطيع أن نبقى في الدوحة بعد أواخر الشهر الجاري، إذا وصلنا إلى نهاية آذار (مارس) ولم يتم التقدم في موضوع المفاوضات، عندها سنتشاور مع الوساطة لنرى كيف ستكون الأمور، وأي حديث الآن سيكون سابقاً لأوانه». وأوضح: «لم ندخل بعد في المفاوضات المباشرة».