السودان: إتفاق على «حدود مفتوحة» بين الشمال والجنوب… وفشل في تسوية مستقبل أبيي
الخرطوم – النور أحمد النور
جوبا – رويترز – بدأ آلاف المواطنين في جنوب السودان امس التسجيل للمشاركة في استفتاء طال انتظاره على الاستقلال، وهي الخطوة الملموسة الأولى قبل الاقتراع الذي قد يؤدي الى تقسيم اكبر دولة في افريقيا الى دولتين. وجاءت الخطوة في وقت اتفق فيه زعماء الشمال والجنوب على حدود تسمح بحرية حركة التجارة والبدو بين أراضيهم في حال الانفصال ضمن اتفاق اطار لحل قائمة من النزاعات بين الجانبين.
وسيجرى في التاسع من كانون الثاني (يناير) المقبل الاستفتاء على ما اذا كانت المنطقة المنتجة للنفط ستُعلن استقلالها وهو ذروة اتفاق السلام الذي وقع عام 2005 وأنهى عقوداً من الحرب بين الشمال والجنوب في أطول حرب أهلية في افريقيا أودت بحياة مليوني شخص.
ويتوقع المحللون على نطاق واسع أن يصوت الجنوبيون لمصلحة الانفصال. وقال شاهد من «رويترز» ان سلفاكير رئيس حكومة جنوب السودان، الذي أحاطت به حشود أخذت تغني وتقرع الطبول في جوبا عاصمة الجنوب، كان من بين أول من سجلوا أسماءهم. وحض سلفاكير مواطنيه على الحضور بأعداد كبيرة لتسجيل أنفسهم لأن الاستفتاء يجرى مرة واحدة، مشدداً «أنه يجب على المواطنين أن يقبلوا على التسجيل بأعداد كبيرة وإلا ستذهب أرواح الذين قاتلوا وماتوا سدى».
وأعلن وسيط الاتحاد الأفريقي في عملية السلام ثابو مبيكي أمس إن شريكي الحكم، «حزب المؤتمر الوطني» و»الحركة الشعبية لتحرير السودان» اتفقا على «حدود مفتوحة» بين شمال البلاد وجنوبها تمتد 2100 كيلومتر سيتم رسمها بعد الاستفتاء، أياً تكن نتيجة التصويت، من أجل إتاحة انتقال السلع والأشخاص وتأمين عملية انتقال سلمي بعد الاستفتاء، لكنهما فشلا في تسوية النزاع على ترتيبات الاستفتاء على مستقبل منطقة ابيي وأقرا إحالة الملف على مؤسسة الرئاسة.
وذُكر أن مبيكي وفريقه لم ينجحا في تقريب مواقف طرفي الحكم في شأن خطوات الاستفتاء على مستقبل منطقة ابيي المتنازع عليها بين شمال البلاد، الذي من المقرر أن يجرى متزامناً مع استفتاء الجنوب، ما يرجح طرح تسوية سياسية في شأن مصير المنطقة يتجاوز الاستفتاء الذي بات صعباً بسبب عامل الوقت وقلق الطرفين والوسطاء من أن تقود نتائجه إلى مواجهات يمكن أن تعيد الحرب الأهلية.
وأعلنت لجنة الاتحاد الأفريقي امس، التوصل إلى «اتفاق إطار» بين حزب المؤتمر الوطني و»الحركة الشعبية لتحرير السودان» يُحدد شروط المفاوضات لحل لائحة من الخلافات، من بينها كيفية تقسيم عائدات النفط والجنسية والمياه والدين الخارجي بعد الانفصال.
وينص الاتفاق على التزام الجانبين أن تُرسم «فوراً» الحدود البرية المتنازع عليها وتعهد الجانبين بعدم العودة الى الحرب وإعطاء الناس الحق في اختيار المواطنة بعد أي تقسيم وبدء ترسيم حدودهما المتنازع عليها على الفور.
وقال بيان الاتحاد الأفريقي إنه «في حالة الانفصال ستكون هذه أطول حدود بين دولتين في أفريقيا وإن الطرفين يلتزمان الحفاظ على حدود تسمح بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي والتفاعل من دون عرقلة»، مشيراً إلى انه إذا أصبح الجنوب مستقلاً، يمكن للجنوبيين الذين يقيمون في الشمال والشماليين في الجنوب البقاء في أماكن إقامتهم.
وأكد الاتحاد الأفريقي أن «الجانبين تعهدا بالإبقاء على حدود مفتوحة ستسمح بإقامة اقتصاد من دون عقبات ونشاطات اجتماعية وتبادل فعلي»، موضحاً أنها «أمور أساسية للرخاء الاقتصادي والانسجام بين الشمال والجنوب»، وتابع :»في حال انفصال جنوب السودان، ستقوم سلطات الخرطوم في الشمال وسلطات جوبا عاصمة الجنوب «بمواصلة التعاون وتبادل المعلومات» الإستراتيجية.
وتجنب البيان الإشارة إلى أربعة مواقع حدودية متنازع عليها، وقال إنه «لا تزال هناك حاجة إلى حل الخلاف في شأن ما إذا كانت منطقة أبيي الغنية بالنفط ستنضم إلى الجنوب، أو تبقى ضمن الشمال». وكان مبيكي قال أن «مؤسسة الرئاسة التي تضم الرئيس عمر البشير ونائبيه سلفاكير ميارديت وعلي عثمان طه ستناقش ملف منطقة ابيي عقب عودة البشير من الأراضي المقدسة.
وبدأ تسجيل الناخبين الاستفتاء في ولايات السودان الـ 25 لتقرير مصير جنوب السودان تحت شعار «نحو استفتاء سلمي و نزيه وحر». وشهدت مراكز التسجيل، بحسب شهود عيان، اقبالاً متوسطاً في ولايات جنوب السودان العشر، فيما كان الإقبال ضعيفاً بالنسبة للمراكز في ولايات شمال البلاد الـ 15.
ويبلغ عدد المراكز في الجنوب 2623 مركزاً وفي الشمال 165 مركزاً، وتشمل الدول التي بها مراكز للتسجيل في الخارج (أوغندا، أثيوبيا، كينيا، مصر، أستراليا، الولايات المتحدة، إنكلترا، وكندا).
وقال مسؤول الإعلام في مفوضية الاستفتاء جورج مكير بنجامين للصحافيين في الخرطوم أن عملية تسجيل الناخبين «تسير حتى اللحظة بصورة سلسة ولم تصاحبها أي اعتراضات حتى الآن».
وفي ولاية البحيرات الجنوبية، أدت بعض الارتباكات حول مواقع التسجيل على الحدود بين ولاية البحيرات وولاية غرب الإستوائية إلى تأخير بدء العملية، وبحسب إذاعة الأمم المتحدة ألقت السلطات في مقاطعة أمفولو القبض على اثنين من موظفي التسجيل، بحجة أنهما تجاوزا الحدود.
وأكد حاكم ولاية البحيرات شول تونق ماياي الحادثة وشدد على عدم الخوض في نزاعات حول مواقع مراكز التسجيل في حدود الولايات.
ووصلت لجنة دولية إلى السودان بهدف مراقبة عمليات تسجيل الناخبين التي تستغرق 17 يوماً، وقال رئيس اللجنة، والرئيس التنزاني السابق، بنجامين مكابا، في بيان: «نحن نعلم أن تنظيم عملية تسجيل الناخبين ليست عملية سهلة أبداً، وذلك بالنظر إلى حجم البلاد وحجم العملية.. لكننا واثقون من أن العملية يمكن أن تستكمل بنجاح»
وحذر المبعوث المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي إلى دارفور، إبراهيم غمباري، من انهيار العلاقات بين الشمال والجنوب حال انفصال الجنوب من دون الاتفاق على ترسيم الحدود المختلف عليها، إلى جانب تسوية القضايا العالقة بين حزب المؤتمر الوطني وشركائه في «الحركة الشعبية».
ونبه غمباري في مؤتمر صحافي في الخرطوم من أن التوتر العسكري بين شمال السودان وجنوبه يمكن أن يمتد إلى الصراع المسلح في دارفور، الأمر الذي من شأنه أن يقوض جهود السلام في الإقليم.
وقال : «لدينا ما يكفي من المشاكل الأمنية في دارفور ولا تنقصنا تعقيدات تنشأ عبر الحدود مع جنوب السودان» مشيراً إلى أن اندلاع القتال مجدداً في الإقليم ربما يجبر سكاناً على النزوح في الاتجاهين عبر الحدود.
وأضاف غمباري «كانت ثمة تحالفات على مر التاريخ بين الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب وبعض الحركات في دارفور، وأخشى أن يعاد إحياؤها نتيجة للقتال وأن تؤدي إلى تفاقم وضع معقد بالفعل في دارفور».
وأعرب عن أسفه لوجود حشد جديد للقوات والتحركات في دارفور والمواجهات مع اقتراب الاستفتاء موضحا سلفاكير يسجل نفسه للمشاركة في الإستفتاء. أن بعض الأوساط كانت تظن أن «حركة العدل والمساواة» المتمردة في دارفور انتهت وأنها باتت لا تشكل أي خطر عسكري بسبب تقارب تشاد والسودان، وزاد «لكنني بعدما تحدثت إلى زعيم الحركة خليل إبراهيم، فإنه يبدو لي أنهم يقولون ما زلنا هنا».
وأكد غمباري تسليم البعثة المشتركة حالات انتهاكات وجرائم رصدتها في ولايات دارفور الثلاث إلى السلطات الحكومية بما فيها حالات لأشخاص يتمتعون بحصانة قانونية، وشدد على ضرورة رفع هذه الحصانات وإعمال مبدأ المحاسبة وتقديم المذنبين للعدالة.
وكشف عن خطط طوارىء مشتركة بين البعثة الأممية الأفريقية في دارفور «يوناميد» وبعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب السودان يجرى صوغها لاحتواء أي تدهور في الأوضاع الإنسانية مع ارتفاع وتيرة النزاعات في دارفور، والتعامل مع تجدد التوتر أو الصراع.