حامد حجر
سُررت لوفاء الرفاق في الخرطوم لتناديهم هذا اليوم في زكري رفيقنا الراحل الأستاذ بدرالدين مدثر، أمين سر القطر لحزب البعث العربي الإشتراكي، وعضو القيادة القومية، فلدّي بعضُ الديّن علي الرجل الصديق يمكنني إيفاءه ههنا، والبعثيون كل يعبر علي طريقته في هكذا موقف، رجلٌ نكن له الإحترام وتمتد بنا العلاقة إلي “الأيام طويلة” في الطوبجي والعطيفية في بغداد، في قوس قزح بين نيسان الميلاد، وتموز العطاء.. فالبعثي أول من يضحي وآخر من يستفيد.
المشهد الأول: المكان العراق، قضاء الكوت، كان الراحل بدرالدين برفقه القائد المؤسس ميشيل يوسف عفلق، الرجل الهادئ الذي شق الشرقَ بصمته، رتلٌ من السيارات الرئاسية الفارهة وهي تنهب الأرض بإتجاه الشرق، إلي حيث كانت الرياح الصفراء آتية، في مناسبة السابع من إبريل العام 1986م، والمقصود زيارة طليعة البعث السوداني في قاطع الفيلق الرابع في “جلات” ميسان؛ وكان القائد المؤسس وقد بدأ علي محياه السرور، كيف لا وقد أنبتت الفكرة في ساحة الميدان الدمشقية، وأذهرت هناك في إفريقية، “رسالة خالدة”عند أولي خلايا البعث وسط الإشتراكيين العرب بجامعة القاهرة فرع الخرطوم، ومن بينهم الراحل بدر الدين مدثر، واليوم يتخندق المئات بل الآلاف ضمن قاطع الخرطوم الأول المتقدم للجيش الشعبي، في محاولة لتجسيد النظرية بممارسة تبين صدق الإنتماء، الرفيق المؤسس عفلق، بتجريديته المختمرة في دمشق، يتذكر أيضاً الشهيدين الرائد فاروق حمدلله ومحمد سليمان الخليفة عبدالله “تورشين”، عضوا الحزب، وبتراكم العطاء الوطني يخلدُ في الذهن مجزرة شهداء رمضان العام 1990م، الذين رثاءهم الشاعر الدبلوماسي الحردلو في حي الوزيرية بإسم القوافي وتنقاسي، وكلمات أُخر، ووعدهم البعثيون والراحل بدرالدين مدثر بالقصاص العادل.
المشهد الثاني: المؤتمر القومي الثاني عشر؛ في جوٍ من رحيل القائد المؤسس، وإيحاءة الإبتعاد لمساعده شبلي العيسمي، في ظل غرق الحزب القائد في زوبعة تفاصيل الدولة، وكان لزاماً عليه تحمل اخطاء السلطة ورهق المسؤولية، وجاه الردة الشباطية، وبعث السودان يتساءل، ما إذا كان لضم الكويت”المحافظة” أسس في نظرية الثورة ومنطلقات البعث، وإلي أي حدٍ تتحمل القيادة القومية أخطاء التجربة مع البطل الراحل صدام حسين، الذي واجه الموت بسخريته ” هاي هي المرجلة”، وتبقي المراجعات الفكرية والحوار بين الرفاق في بعث السودان واجبة لأن موتُ البعث شيئ مستحيل.
المشهد الأخير: كل التأريخ الممتد لبعث السودان منذ السبعينيات من القرن الماضي، وحتي اليوم، السادس والعشرون من يناير زكري الراحل بدرالدين مدثر، السؤال هو ألم يُخلق إنسانٌ جديد يستطيع التكيف مع مبدأ تقبل النقد؟ لمغادرة التطبع السوداني بالإنشقاق الحزبي وتمترس الرفاق الأناني لتشييع الفكرة التي أساسها “الوحدة”، فسعة الحرية في نقطة البداية، يجعل من شهداء رمضان قناديل في درب النضال وليس قميص عثمان لدي البعض في بلاد الدردار، فالتأريخ لا يرحم أحد بينما الفشل مسؤولية تضامنية، يمكن تقبلها بالنقد الذاتي؛ فنم بهدوء يا الرفيق بدرالدين مدثر في جُبانتك في “بُري” الشريف، ولا تبتئس فإهتزاز المبادئ لدي بعض الرجال، لا تفقدهم حتماً قيم الرجولة، كما الحال مع البطل صدام حسين، والمشروع القروسطي (الإنقاذ)، خاصة منظري اليمين وإحتياط الرجعية، كما كان يصفهم الراحل بدرالدين مدثر، لا قيمة وجودية لها، وهي في إنحدار مستمر بالدولة السودانية وبالأمة، في فقدانٍ أيضاً بالثقة بالنفس، فتشرئب الأعناق مجدداً ليوم الخلاص والقصاص لشهداء رمضان، ليبذق فجرٌ للحرية والشمس والخبز، إليك يا أستاذ بدرالدين مدثر، ويا رفيقي بعضٌ من دَينك علينا.
حامد حجر 26/1/2013م
[email protected]