تونس (رويترز) – دفع تفجر الغضب بالشوارع احتجاجا على القمع والفقر الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الى التخلي عن السلطة يوم الجمعة مما أثار حالة من القلق في أوصال حكومات لا تتمتع بدعم شعبي في المنطقة العربية.
وترك ابن علي السلطة بعدما أمسك بزمامها لنحو 25 عاما.
وقال رئيس الوزراء محمد الغنوشي في كلمة للتونسيين انه سيتولى السلطة لحين اجراء انتخابات مبكرة.
وساد الهدوء شوارع تونس في ظل تواجد أمني كثيف لكن بعض المحللين شككوا فيما اذا كان تغيير واجهة السلطة سيرضي المحتجين.
وبعد أيام من الاضطرابات التي انتشرت من بلدات اقليمية الى العاصمة تونس وخلفت عشرات القتلى بعدما حاولت قوات الامن احتواء مظاهرات الشبان الغاضبين أعلنت الحكومة حالة الطواريء وفرضت حظرا للتجول من غروب الشمس حتى الفجر.
وأثار العنف والتحول السريع في مسار الاحداث قلقا في أنحاء العالم العربي حيث تواجه أنظمة حكم ضغوطا مشابهة من أعداد متنامية من الشبان والمصاعب الاقتصادية وتزايد التشدد.
وتصدرت الولايات المتحدة دعوات دولية للهدوء واعطاء الشعب التونسي حرية اختيار حكامه. لكن القوى الغربية طالما غضت الطرف عن حكام بالمنطقة يعملون ضد المتشددين الاسلاميين.
وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الجمعة ان الحوار وحده يمكن ان يحقق تغييرا ديمقراطيا ودائما في تونس.
واضاف في بيان “الحوار وحده يمكن ان يحقق حلا دائما وديمقراطيا للازمة الحالية.”
ونقلت وسائل اعلام فرنسية عن مصادر حكومية قولها ان ساركوزي رفض السماح بدخول ابن علي الى فرنسا. وافادت محطات تلفزيون عربية انه توجه الى الخليج.
وبدت تونس هادئة بعدما أعلن الغنوشي عبر التلفزيون الحكومي أنه سيقوم بأعمال الرئيس لحين اجراء الانتخابات.
لكن بعض التونسيين كانوا غير راضين عن توليه المسؤولية. وقال فاضل بالطاهر شقيق رجل قتل في الاحتجاجات لقناة الجزيرة ان الاحتجاجات سوف تستأنف قريبا. وأضاف أنهم سيعودون غدا الى الشوارع وميدان الشهداء لمواصلة العصيان المدني الى أن يتغير النظام.
وكان البعض أكثر ابتهاجا. وقال محمد فاضل النشط النقابي المحلي ان نحو 5000 شخص تجمعوا في شوارع بلدة منزل بوزيان في جنوب البلاد للاحتفال برحيل ابن علي.
ولا يزال من غير الواضح مدى استعداد المقربين من ابن علي – الرئيس الثاني فقط لتونس منذ الاستقلال عن فرنسا – للتخلي عن السلطة لجماعات المعارضة.
وقال الغنوشي “اعتبارا لتعذر على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بصفة وقتية أتولى بداية من الان ممارستي سلطات رئيس الجمهورية.”
وأضاف “وأدعو كافة ابناء تونس وبناتها من مختلف الحساسيات السياسية والفكرية ومن كافة الفئات والجهات الي التحلي بالروح الوطنية والوحدة لتمكين بلادنا التي تعز علينا جميعا من تخطي هذه المرحلة الصعبة واستعادة أمنها واستقرارها.”
واندلعت الاضطرابات حين منعت الشرطة شابا عاطلا من خريجي الجامعات من بيع الفاكهة بدون ترخيص مما دفعه الى اضرام النار في نفسه ليلقى حتفه بعد ايام متأثرا بجروحه.
وكتب عبد الرحمن الراشد يقول في صحيفة الشرق الاوسط “عسى أن تكون جميع الحكومات العربية تراقب بعيون واسعة ما يحدث في تونس والجزائر وعساها أن تتعلم من أحداث البلدين لاننا نعيش في نفس الظروف تقريبا وفي نفس المكان.”
واضاف في تعليقات بعدما قدم ابن علي تنازلات كبيرة وقبل أن يترك السلطة “ان الكثير مما يحول دون الاحتجاج والعصيان هو الحاجز النفسي ليس الا … لكن الحاجز النفسي قد كسر.”
وأعلن ابن علي الذي يتولى السلطة منذ عام 1987 حالة الطواريء في وقت سابق يوم الجمعة وهدد باطلاق النار على المحتجين اذا تصاعد العنف. كما أقال الحكومة ودعا الى انتخابات برلمانية مبكرة.
ومع تصاعد العنف أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق حشود في وسط العاصمة تونس تطالب باستقالته فورا. ولم يقتنع المحتجون بتعهده بعدم خوض انتخابات الرئاسة القادمة في 2014 .
ووصف زعيم المعارضة نجيب الشابي -أحد أشد منتدقي ابن علي- ما حدث بأنه “تغيير نظام”.
وقال لتلفزيون اي-تلي الفرنسي “هذه لحظة حاسمة. هناك عملية تغيير نظام جارية. الان مرحلة الخلافة.
“يجب أن تفضي الى اصلاحات عميقة.. لاصلاح القانون وترك الاختيار للشعب.”
وقال البيت الابيض يوم الجمعة انه يتابع التطورات في تونس ودعا السلطات التونسية الى احترام حقوق الانسان.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض مايك هامر في بيان “ندين العنف المستمر ضد المدنيين في تونس وندعو السلطات التونسية لتنفيذ الالتزامات المهمة التي قطعها الرئيس ابن علي في كلمته امس للشعب التونسي ومنها احترام حقوق الانسان الاساسية وعملية اصلاح سياسي تشتد الحاجة اليها.”
ونصحت عدة بلدان غربية مواطنيها بتجنب السفر الى تونس بسبب انعدام الاستقرار.
وقالت مصادر طبية وشاهد ان 12 شخصا قتلوا في اشتباكات دارت مساء الخميس في العاصمة وبلدة راس الجبل في شمال شرق البلاد.
وقبل أحدث ارقام عن القتلى بلغ العدد الرسمي 23 قتيلا لكن الاتحاد الدولي لحقوق الانسان الذي يتخذ من باريس مقرا له قال ان لديه قائمة باسماء 66 قتيلا.
وحث الامين العام للامم المتحدة بان جي مون على ضبط النفس.
وقال “الوضع السياسي يتطور بسرعة وكل الاطراف المعنية يجب ان تبذل قصارى جهدها لاقامة حوار وحل المشاكل سلميا لمنع المزيد من الخسارة والعنف والتصعيد.” واضاف “وسأواصل بحث ذلك مع الاطراف المعنية.”
وبعدما اطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع واستخدمت الهراوات عند مبنى وزارة الداخلية تراجعت حشود الشبان قليلا عن المبنى وبدأوا في القاء الحجارة على الشرطة التي ردت بالقاء المزيد من قنابل الغاز. وسمع المراسلون ايضا اطلاق نار على مقربة.
ورأى مصور لرويترز الناس ينهبون متجرين كبيرين في ضاحية النخيلات على مسافة عشرة كيلومترات من العاصمة. واضاف انهم اضرموا النيران في مركز الشرطة المحلية.
وقال مراسل لرويترز انه في كل مربع سكني تقريبا في تونس العاصمة كان الناس يقفون في الشوارع وقد امسكوا بعصي لحماية العربات والمنازل من عمليات النهب.
من طارق عمارة وكريستيان لو