الذين يهينون المعلمين .. أبناء “الّذين” وليسوا أبناء ناس
قبل انهيار “السيستم” في الدولة السودانية، وتؤول إلى ما هي عليها من تردي شامل، ليس وارداً أن يلتحق أذكى طالب بكلية الشرطة، لو “كسر رقبتو” قبل التدقيق والتأكد من أنه تربى في أسرة كريمة، وتشّرب القيم السودانية الفاضلة في بيئة أسرية معافى من العقد الاجتماعية. ذلك أنّ رجالات الدولة في حينه، يدركون أهمية وخطورة رجل الشرطة في الحفاظ على الهوية الأخلاقية لهذا الشعب الكريم، ودرء استباقي لاستغلال النفوذ المخولة لهم، ناهيك عن القوانين واللوائح المنظمة لمهامهم في حفظ الأمن العام والسلامة المجتمعية.
تابع الشعب السوداني على بكرة أبيه، بكل حسرة أسى يوم 14 مارس 2022م اعتداء ضباط الشرطة على المعلمين بمدرسة نيالا الثانوية العريقة أمام طلابهم، وهي إهانة متعمدة وسابقة لا يشهده المجتمع السوداني من قبل، ولا شكّ أنّ أولئك الضباط الغشماء، يجهلون أن المعلمين هو أساس المجتمع، وهم في مصاف الرسل ومقام الآباء الواجب تبجيلهم وتوقيرهم.
يقول الحسن البصري: “لولا العلماء، أي المعلمين، لصار الناس مثل البهائم، أي أنهم يخرجون الناس من حضيض البهيمية إلى أفق الإنسانية.”
ولا غرابة أن تتخذ قوات الشرطة في معظم دول العالم “الشرطة في خدمة الشعب” شعاراً لها، وهي ليست كلمة في غنوة، وليست أمنية تتمناها الشعوب، ولا شك أنّ قيادات الشرطة السودانية تردد ذات الشعار، بمناسبة وبدون مناسبة، لكن من الواضح، أنهم مجرد كلام والسلام، إذ لا يستقيم أن يكون خادم الشعب مهين له، فمن يهين المعّلم، كمن يهين الناس جمعيا، ذلك أن فضل المعّلم، يعم الناس جميعا، ومن يسئ له، تحت أية ذريعة، كمن يسئ لوالديه تحت أي مصوغ، وليس هنالك عقوق أفظع من هذا.
الذين ولغوا في ضرب المعلمين، وإهانتهم في مدينة نيالا، لا شك أنهم موتورون عن قيم هذا الشعب الكريم، وأنهم أبناء “الّذين” وليسوا أبناء ناس محترمين، وإلاّ أدركوا أن “المعلم” خطر أحمر في ثوابت المجتمع السوداني واحترموا أنفسهم، واحترموا الزي الرسمي الذي يرتدونه.
لا يجدر بالشعب السوداني، التساهل مع من يحاول العبث بثوابته الأخلاقية، أو يتعمّد المساس بمعايره القيمية، ومن صميم هذه الثواب، احترام المعلم وتبجيله، والثقة فيه، وأنه رمز من رموز “الكبار” والمثل السوداني الراسخ يقول “الما عندو كبير يشتري له كبير” “والما عندو كبير يقع في البير”.
فجع الشعب السوداني عام 2018م في المساس بأحد رموزه المهنية المجتمعية بالاعتداء البشع من جهاز الأمن السوداني على الشهيد أحمد خير قبل أن يتم تصفيته، لم يسكت الشارع الثوري عن تلك الحادثة الفظيعة، إلى أن أسقطت نظام الإنقاذ، والآن مع بوادر عودة كوادر النظام البائد، وإطلاق أيديهم الباطشة بمراسيم رئاسية للتنكيل بالجميع بدون استثناء، وجب على جميع قطاعات الشعب الوقوف وقفة رجل واجل، وأن يهبوا لحماية ثوابتهم، وهزيمة الإنقلابيين، الذين يخططون لرده ثورة ديسمبر، وتعمد الدوس على كرامة الشعب السوداني، في أشرف رموزه المهنية “المعلم والتعليم”، وقبل ذلك قد أساء إليه، أن جعلوا التعليم سلعة معروضة للمزايدة المادية، وخاضعة للربح والخسارة في أسواق الله أكبر!
كل الشكر والتبجيل لك أيها المعلم الرائع على ما منحته لنا من عطاء واهتمام.
# الثورة مستمرة.
# والردة مستحيلة.
أقلام متّحدة ــ العدد ــ 43
31 مارس 2022م