الدولة السودانية “شاخت” وأصبحت “بالية”
لو ولدتني أمي من جديد لاخترت نفس الطريق
ما يقوله سلفا في جوبا.. جناه المركز في الخرطوم
الوضع السياسي الراهن كيوم الامتحان “يكرم المرء فيه أو يهان”
مشروع السودان الجديد يمرض.. لكنه لا يموت
جثة الحركة الشعبية لن تظهر في اجتماعات مجلس التحرير
تغييب الإرادة السياسية سيؤدي إلى إجراء استفتاء “خشن”
الحركة الشعبية ثورة تحرر وطني.. يجب ألا يتقاصر ظلها مطلقاً
* هناك حديث عن ميلاد حزب جديد قوامه قطاع الشمال بقيادة الكوماندر ياسر عرمان ومبارك الفاضل، ما مدى صحة تلك المعلومات؟
في أعقاب عودته من العاصمة البريطانية “لندن”، طالبته بالإيفاء بوعد سابق في رمضان لإجراء حوار صحافي يتطرق إلى القضايا الشائكة والمُلحة وعلى رأسها مسألة الاستفتاء. استجاب الرجل، دعاني إلى مكتبه بحي أركويت، ذهبت في الموعد المُحدد الساعة الـ (12) ظهرا.. مازحته قائلا: “قالوا مشيت تبكي مشروع السودان الجديد في بريطانيا”.. أجاب ببرود ظاهر: “طيلة مسيرتي السياسية لا ألتفت إلى سفاسف الأمور، ذهبت إلى لندن للتسجيل لابنتي في إحدى الجامعات البريطانية وهذا ما يهمني”.. “الكوماندر” ياسر عرمان كما يحلو لمنسوبي الحركة الشعبية أن ينادوه، ظل مؤمنا بمشروع السودان الجديد، ولديه إيمان قاطع بأن المشروع سيتحقق اليوم، أو غدا.. اللافت للأنظار بلورة عرمان للمشروع في دواخله أولا، وفي مكتبه ثانيا.. عزيزي القارئ إذا أُتيحت لك فرصة الولوج إلى مكتبه ستجد صورتي زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق دي مبيور، والمناضل علي عبد اللطيف يضمهما إطار واحد، وصورة “بديعة” للملايين التي خرجت لاستقبال قرنق في الساحة الخضراء، واعتنى بها الرجل في مكتبه كأحد إنجازاته التي لن تتكرر في وقت قريب.. كما تلفت أنظارك صورة نادرة للقائد يوسف كوة مكي زينتها في أسفلها عبارات كتبت بعناية: “حين يكتب تاريخ السودان الحديث بقلم الحادبين عليه، المُنادين بوحدته من خلال تنوعه، المُخلصين لقضايا المجموعات العرقية، والدينية، والثقافية، سيفرد من ذلك التاريخ للتنويه بالدور الكبير والمُتميز الذي قام به يوسف كوة مكي في الدفاع عن شعوب السودان بتنوعها وتفردها العظيمين”.
حوار: بهرام عبد المُنعم: تصوير- أبو حريرة
* ما هو تقييمك للوضع السياسي الراهن؟
الوضع السياسي الراهن أكثر الأوضاع حساسية وخطورة في تاريخ السودان المُعاصر، وهو وضع سُيلقي تبعات هائلة على مستقبل السودان، وليس فقط على حاضره، وهو مشحون بقضايا موضوعية، وعواطف سياسية كبيرة، وهو في نفس الوقت يطرح كامل مسيرة السودان منذ الاستقلال، والوضع السياسي الراهن كيوم الامتحان “يكرم المرء فيه أو يهان”، لذلك أول ما يحتاج، يحتاج إلى مشاريع كبيرة وظل وارف ولا يحتاج إلى ظل قصير، أو مشاريع محدودة الأجل والصلاحية، يحتاج إلى رؤية إستراتيجية من كافة الأطراف، هو وضع مأزوم وبه مآزق ومطبات سياسية كبيرة، به قنابل موقوتة، إذا لم يحسن التعامل معها يمكن أن تنفجر في وجه أيّ كان، السمة الرئيسية في هذا الوضع هي موضوع الاستفتاء، لكن موضوع الاستفتاء إذا أُخذ دون نظرة شاملة لعلاقته بالتحول الديموقراطي، دارفور، المشورة الشعبية، الوضع السياسي الراهن؛ بقدر ما هو مأزق، هو فرصة لإعادة تأهيل الدولة السودانية، وهيكلتها، للانطلاق من منصة الاستفتاء، دارفور، المشورة الشعبية، والتحول الديموقراطي لبناء دولة سودانية تستطيع أن تستمر ولها ديمومة، واستدامة، أي كيفية بناء مشروع وطني مستديم، هذه هي النقطة الرئيسة، الآن هي فرصة لبناء مشروع وطني مستديم بقدر ما هي فرصة يمكن أن تمزق السودان، باختصار أي الاتجاهين سنختار؟ هل نختار مشروعاً وطنياً مستديماً متراضىً ومتفق عليه لمجابهة كل قضايا السودان؟ أم نذهب إلى الاتجاه الآخر الذي يؤدي بالسودان إما إلى الحرب، أو إلى التشتت؟
* هل أنت متفائل أم متشائم بشأن إجراء الاستفتاء؟
أنا دائما متفائل، الاستفتاء أنا مع عدم عرقلته، أرى أن الفرصة ليست في عرقلة الاستفتاء، بل الفرصة في طرح مشاريع سياسية كاملة في إطار سياسي جديد، إذا أردنا الوحدة يجب أن نرفع سعر الوحدة ونطرح مشروعا سياسيا جديدا، لتوحيد السودان على أسس جديدة، المؤتمر الوطني والقوى السياسية الأخرى يمكن أن تقدم رؤية سياسية جديدة لكيفية توحيد السودان يمكن أن تنافس في الاستفتاء، ليس في عرقلته، إذا كان هناك انفصال يجب أن نذهب إلى أقصى طريقة لقيام دولة في الشمال قادرة على البقاء والحياة، وقيام دولة في الجنوب قادرة على البقاء والحياة أيضا، بطرح مشروع يربط ويوثق ويؤسس لعلاقة جديدة بين الشمال والجنوب، لتكون العلاقة النموذجية والأمثل في إفريقيا والعالم العربي، ويمكن أن نبتعد عن التسميات “كونفدرالية” أم غير “كونفدرالية”، لكن علاقة تضع موارد الدولتين السياسية والاقتصادية، والترابط الاجتماعي، والثقافي لتكون معبرا لبناء دولتين قويتين مترابطتين، بدون ذلك سيكون “الطوفان”.
* الاستفتاء، هل سيجري بصورة “سلسة” أم “خشنة” وفقا لتقديراتك؟
حتى الآن تغييب الإرادة السياسية هذا سيؤدي إلى إجراء استفتاء “خشن” ويؤدي إلى مصاعب كبيرة، المؤتمر الوطني سياساته خاطئة، عليه أن يأخذ المبادرة وطرح مشاريع واسعة وكبيرة في حالتي الوحدة أو الانفصال، الحركة الشعبية أيضا مطالبة بذلك، الحركة الشعبية حركة تحرر وطني وتدعو إلى وحدة إفريقيا، يجب ألا يتقاصر ظلها مطلقا، وعدم المُضي بأهدافها على نحو “تاكتيكي”، أو التقوقع حول مشاريع صغيرة، الحركة نهضت حركة كبيرة وطرحت مشاريع كبيرة، يجب عليها الآن طرح قضايا ومشروع إستراتيجي لتأسيس علاقات جديدة بين الشمال والجنوب في حالتي الوحدة أو الانفصال، مشروع كبير في حالة الوحدة على أسس جديدة، مشروع راسخ المعاني الإنسانية، يتجه نحو المستقبل، وينطلق من المستقبل لا من المرارات لبناء علاقة جديدة بين الشمال والجنوب في حالة الانفصال.
* برزت الآن مخاوف بشأن وجود الشماليين في الجنوب، والجنوبيين في الشمال، ما هي الآليات للخروج بتلك القضية إلى بر الأمان؟
أولا، وجود الجنوبيين في الشمال، ووجود الشماليين في الجنوب ثروة وطنية، يجب عدم التلاعب بها، هذه من حسن محاسن الحظ، إذا كانت للحرب أي إيجابية، ولا أعتقد أن للحرب إيجابيات، إن كانت لها إيجابية فهي وجود ملايين الجنوبيين في الشمال، إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لاستقطاب الأفارقة إلى أمريكا وأوروبا تسعى كذلك، فما بالك نحن الذين ترجع علاقاتنا إلى آلاف السنين؟ نحن ليس فينا من لا ترجع جذوره إلى الجنوب أو جبال النوبة، أو النيل الأزرق، أو شرق السودان أو غربه، أو وسط شمال السودان. الأمر الأهم، الذين يتحدثون فقط عن وجود الشماليين في الجنوب، أو الجنوبيين في الشمال يتناسون عمدا أن هناك (9) قبائل من القبائل الرعوية في حزام “التمازج” بين الشمال والجنوب من الناحية الشمالية، و(4) ملايين هم نصف سكان الجنوب من الناحية الجنوبية، هناك (13) مليونا يشكلون ثلث سكان السودان من القبائل الرعوية المتداخلة في حزام التمازج، فماذا سنفعل بهم؟ أنا أقول دستوريا، الدستور يعطي حق الجنسية المزدوجة، ويجب أن نصل إلى أبعد من ذلك، حاكم ولاية جونقلي القائد كوال منيانق كان بالأمس يتحدث معي عبر الهاتف، كان يسخر من الوضع السياسي الراهن، قال لي: “يجب أن نعمل دولتين برئيسين بدون حدود، وتكون حدود الرئيس الموجود في الشمال نمولي، وحدود الرئيس الموجود في الجنوب حلفا” كان هذا على سبيل “النكتة”، لكن له دلالات سياسية، يجب أن نبحث عن رؤى جديدة، يجب عدم التلاعب بالإرث الكبير في العلاقات بين الشماليين والجنوبيين، نحن لسنا رواندا، يجب ألا نُمهد لرواندا جديدة، نحن دولة قديمة، قدم البركل، سنار، المسبعات، دارفور، البجا في شرق السودان، إذا حدث انفصال دعه يكون حبيس الأطر السياسية، لكن الأطر الاجتماعية والثقافية، والعلاقات بين الشمال والجنوب هي في مستقبل الترابط، الشمال لن يكون شمال أفغانستان، والجنوب لن يكون جنوب البرازيل، أنا كنت منذ سنوات أقول هذا، وأكرره اليوم، نحن يجب أن نقف جبهة صلبة لامتداد العلاقات بين الشماليين والجنوبيين حتى وإن فشلنا سياسيا.
* ألا تعتقد أن الجنوبيين حال الانفصال هم أجانب في الشمال وفقا للقانون؟
لن يكون الجنوبيون أجانب، إذا كان السودانيون الذين يسكنون في كندا، أستراليا وبريطانيا، هم لا زالوا يحتفظون بسودانيتهم، إذا كان بعض الأعضاء الكبار الذين نعرفهم الذين يتحدثون بمثل هذا الحديث، يحملون الجوازات الكندية، علاقة الجنوب والشمال ستظل علاقة متميزة، ذات خصوصية، مترابطة في التاريخ، الجغرافيا، السياسة، الثقافة، الاقتصاد، والأمن، لذلك يجب عدم التلاعب بهذه العلاقة، بالعكس وجود الجنوبيين في الشمال، ووجود الشماليين في الجنوب يؤدي إلى أمن مشترك بين الدولتين إذا كانت هناك دولتان، ويؤدي إلى ترابط اقتصادي مشترك، الجنوبيون الموجودون في الشمال، والشماليون الموجودون في الجنوب يمكن أن يعملوا على إيجاد فرص اقتصادية جديدة للدولتين، هذه الثروة يجب عدم التلاعب بها كما قلت لك، أنا من مدرسة مختلفة، ولست كما قال البعض، لكي نستخدم الجنوبيين في قطاع الشمال أم غيرهم، قطاع الشمال والمؤتمر الوطني، والحركة الشعبية؛ ظواهر سياسية محدودة الأجل، السودان هو الأجل الأكبر والأطول الذي ينبغي أن يكون وليس غيره.
* هناك من يعتقد أن مطالبة ياسر عرمان بالجنسية المزدوجة والحريات الأربع هدفها ترسيخ قطاع الشمال، وطرح مشروع السودان الجديد “بالشباك” بعد أن خرج “بالباب”؟
هذه رؤية قاصرة، مثل رؤية أين سيذهب “فلان أو علان” إذا انفصل الجنوب؟ الأشخاص عابرون، نحن نتحدث عن دوام العلاقة بين الشمال والجنوب، كعلاقة إستراتيجية أكبر من الحركة الشعبية وأكبر من المؤتمر الوطني، ما هو عمر المؤتمر الوطني؟ وما هو عمر الحركة الشعبية مقارنة بعمر السودان؟ هذه العلاقات ترجع إلى آلاف السنين، أنا أتحدث عن علاقات بين الشمال والجنوب، وأنهم كانوا جزءا من حضارة وادي النيل القديمة وتربطهم صلات واسعة، أنا أتحدث عن (9) ملايين شمالي في الحدود مع الجنوب، وأتحدث عن (4) ملايين جنوبي في الحدود مع الشمال، هذه ليست قضية حزبية ضيقة، هذه قضية مربوطة بمستقبل السودان، مستقبل الأجيال المقبلة، الذين يتحدثون بهذا فاشلون سياسيا، وأخلاقيا وإسلاميا، ولا علاقة لهم بالإسلام، الإسلام دين جاء للتعارف، الإسلام جاء بصهيب الرومي، بسلمان الفارسي، وببلال الإفريقي، هؤلاء يتقاصر ظلهم، أصبحوا مهووسين وموتورين لا ينظرون إلى المستقبل، وينطلقون من مرارات ضيقة.
* تترقب الساحة السياسية موعد انعقاد مجلس التحرير، ما هي المُخرجات المُنتظرة من تلك الاجتماعات؟
أنا أقول لك، واسمعني جيدا، نحن بذلنا في الحركة الشعبية مجهودات جبارة، نحن أبناء “سرحتها” الذين غنوا لها، الحركة الشعبية بالنسبة إلينا ليست أمرا عابرا، أكبر من الحركة الشعبية هي قضايا الجنوبيين الذين لحقت بهم المظالم، عاملتهم الحكومات في المركز بقسوة، أنا مع حقوق الجنوبيين الآن وغدا وبعد غد، هذه قضية لا تحتاج إلى نقاش، ليس الجنوبيون فقط، نحن نريد هيكلة الدولة السودانية، مركز السلطة في الخرطوم هو الذي فعل ما فعل، مجلس التحرير الهدف الرئيسي فيه يجب أن يكون توحيد الحركة الشعبية، الحركة الشعبية ستتوحد لتقف مع إجراء استفتاء حر ونزيه في مواعيده والقبول بنتيجته، الحركة إذا تحدثت عن أي هدف سياسي يقسمها، هذا لن يستطيع أن يحقق الهدف السياسي نفسه، إذا قالت الحركة الشعبية إنها ستذهب وتحقق هدفا واحدا، ألا وهو الانفصال فقط، هذا سيضع كل أعضاء الحركة الشعبية في شمال السودان خارج الفعل السياسي، هذا لن تقوم به الحركة الشعبية، لأنها حركة ناضجة، ولها خبرة واسعة، وأنا أثق ثقة لا حدود لها في قيادة الحركة وفي رئيسها سلفا كير، سنصل إلى ما ينفع شعب السودان، وسنتحدث عن دارفور، التحول الديموقراطي، الاستفتاء، سنلتزم به، ونوحد صفوفنا، مجلس التحرير سيكون منصة انطلاق جديدة وليس منصة لتدمير الحركة الشعبية، ولن يقف أي شخص انتمى لهذه الحركة وعمل في صفوفها وينتمي إلى الأفكار التي ساقت أهداف الحركة على مدى الزمن أن يقف ضد مبادئها، وأهدافها، الذين ينتظرون ظهور جثة الحركة مرة أخرى في مجلس التحرير؛ لن تظهر، الحركة الشعبية ستظهر موحدة في مجلس التحرير، سنعمل على وحدتها، وسنعمل على الوصول إلى سلام دائم في السودان، هذه مهمة مجلس التحرير الرئيسية، كيفية العبور بأفكار كبيرة إلى سلام دائم في السودان، هذه مهمة لا يجب التراجع عنها، الحركة الشعبية يجب أن تكون قوة رئيسية للوصول إلى السلام الدائم في السودان، والبحث عن مستقبل أفضل له، ليس تمزيق الحركة الشعبية، نحن نريد أن نصل إلى مشروع أكبر للسودان نفسه، لا يبدأ بتمزيق الحركة الشعبية، بل يبدأ بالحفاظ عليها.
* ألا تتفق معي أن الشماليين داخل الحركة الشعبية وعلى رأسهم ياسر عرمان الآن في مهب الريح حال صوت الجنوبيون للانفصال؟
يا سيدي بهرام، نحن لسنا مسؤولين عن ما حدث من “التواءات” في تاريخ السودان، كم تمنينا أن نصحح مسودة تاريخ السودان، لتكون مسودة فاضلة، تجمع ولا تفرق، وتصون وتحمي، ولا تهدم، لكن حدثت أخطاء في تاريخ السودان، حق تقرير المصير حق ديموقراطي أنا دافعت عنه وعملت من أجله، أنا مع حق الجنوبيين إذا اختاروا الوحدة أو الانفصال، سأناضل من أجل توحيد السودان، وإن انفصل الجنوب، مهمتي لن تنتهي، نحن فعلنا ما ينبغي فعله، لو قامت الحركة الشعبية من جديد ووصلت إلى نفس النتائج التي ستصل إليها الآن لانضممت للحركة الشعبية، لو ولدتني أمي من جديد لاخترت نفس الطريق، كما قال المناضل الفرنسي العظيم “قابريال بيري”، نحن ليس لدينا أسف، بل العكس نحن أضفنا إضافات جديدة في الحياة السياسية السودانية، المستقبل واسع، الأجيال السودانية المقبلة ستكون أكثر مهارة منّا، نحن لسنا ضيقي الأفق، لن ندير ظهرنا لتاريخنا، شعب الجنوب له قضية، نحن في الشمال لدينا قضايا كبيرة، إذا انفصل الجنوب الشمال نفسه ستطرح فيه قضايا كبيرة، الشمال سيكون لديه جنوب جديد، جنوب النيل الأزرق، جنوب كردفان، النيل الأبيض، وجنوب دارفور، هؤلاء هم الجنوبيون الجُدد، كيف سُتعالج قضيتهم؟ الانفصال لن يعالج قضية الشمال، الجنوب إن لم يتفق على مشروع السودان الجديد، لن يبني دولة لها مستقبل، الجنوب متنوع، به أكثر من (137) قبيلة، به كل اللغات، لذلك مشروع السودان الجديد، لازم للشمال والجنوب، السودان يجب أن يتوحد الآن، سأعمل أنا ما استطعت بقدراتي المتواضعة من أجل الوحدة على أسس جديدة، إن لم نستطع فنترك نقاط التقاء للأجيال في المستقبل لتوحد السودان.
* هل من تنسيق بين قطاع الشمال والنيل الأزرق وجنوب كردفان وجبال النوبة حال انفصال الجنوب؟
يا سيدي، العالم كله أصبح مُنفتحا على بعضه، التنسيق لا يعني “المؤامرات”، لا يعني العمل على زعزعة الاستقرار هنا وهناك، هناك تنسيق حول رؤية فكرية مشتركة بيننا جميعا، في أوروبا توجد أحزاب الخضر في كل أوروبا، عبر البلدان الأوربية، توجد أحزاب العمال، توجد الأحزاب المسيحية الديموقراطية، في كل أوروبا، توجد أحزاب البعث في العالم العربي، يوجد الإسلاميون أنفسهم الذين يتحدثون هذا الحديث، لماذا يزورنا عدد كبير من قادة الإسلاميين من إيران، تركيا، لبنان، وكل أنحاء العالم العربي في السودان؟ ما هو المؤتمر الشعبي الإسلامي الذي كان غائبا؟ وكان الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل أحد المسؤولين فيه؟ يوجد اتحاد إفريقي، ومنظمات، لذلك العمل المشترك بين مُنظمات سياسية تحمل نفس الرؤى في كل العالم سيستمر، لا أحد يستطيع أن يمنعه، الذين يهددوننا بأننا لن نكون موجودين، نقول لهم نحن لم نأخذ إذنا منكم في الماضي، ولن نأخذه منكم في المستقبل، يجب أن يكون هذا معلوما لديكم.
الصحيح أنه لا يوجد حزب جديد، يوجد تنسيق مُستمر للتقارب بين كافة القوى السياسية، الحركة الشعبية قوة ضخمة موجودة في جنوب كردفان، النيل الأزرق، وفي مناطق شمال السودان المختلفة، إذا انفصل الجنوب ستكون قوة، سيكون هناك أيضا عمل مشترك مع كل القوى الديموقراطية، والقوى الجديدة، نحن منفتحون للوصول إلى أي عمل سياسي مشترك مع أي قوى سياسية تكون قريبة منا للعمل لسلام دائم في السودان، وللديموقراطية في السودان. السيد مبارك الفاضل تربطنا به علاقات وثيقة وقديمة، وهو شخص محترم، مثلما تربطنا بالإمام الصادق المهدي وحزب الأمة علاقات قوية ووثيقة، كما سنعمل مع كافة القوى السياسية السودانية.
* ألا تتفق معي أن الحركة الشعبية انكفأت جنوباً وركلت مشروع السودان الجديد؟
الحركة الشعبية تواجه مصاعب حقيقية، وهي ليست المرة الأولى، الحركة قامت على خلفية حركة “الأنانيا” التي كانت تُنادي بفصل الجنوب، الجديد هو الدعوة لوحدة السودان. إن رفض الفصل بين الدين والدولة وإقامة مشروع وطني على أساس المواطنة هو الذي أدّى بشعب الجنوب أن يمضي في سبيل الانفصال، لذلك ما يواجه الحركة الشعبية هو في الأصل ما يواجه السودان وليس الحركة الشعبية كحزب، الحركة الشعبية تواجه هذا المأزق وهو مأزق سوداني، يواجه كافة القوى السياسية السودانية، يواجه المؤتمر الوطني، فالمؤتمر الوطني أيضا لديه قطاع جنوبي، كما يواجه ذات المأزق المؤتمر الشعبي، الحزب الشيوعي السوداني، هذا حدث يجب أن تتوافق وتتواءم معه كل القوى السياسية، بما فيها الحركة الشعبية، يجب أن نعمل لتوحيد السودان، إذا لم نستطع توحيد السودان يجب أن نعمل على دولتين بسلام دائم، بعلاقات وثيقة، وأن نمضي للأمام لكي تكون هذه القوى السياسية الموجودة في الشمال والجنوب مدعاة للوحدة والسلام الدائم.
* كيف تستطيع الحركة الشعبية بكل سهولة التضحية بمشروع السودان الجديد الذي ضحى من أجله الكثيرون بدمائهم وعرقهم ونضالاتهم الطويلة عبر عشرات السنين؟
يا سيد بهرام، الاستفتاء لم يكن مفاجأة، هو جزء من اتفاقية السلام، وحق تقرير المصير طرح منذ الستينيات، فشل الدولة السودانية في أن تكون قائمة على التنوع وحق الآخرين في أن يكونوا آخرين؛ هو الذي يطرح المأزق السياسي أمام الحركة الشعبية، وأمام المؤتمر الشعبي، وأمام المؤتمر الوطني، وأمام الحزب الشيوعي. هذه الأزمة ليست من إنتاج الحركة الشعبية، بل هو فشل للمشروع الوطني السوداني منذ عام 1956م وحتى الآن.
* اتهامات حادة للحركة الشعبية باستغلالها للقيادات الرفيعة في القطاع الشمالي بصفة خاصة وبعض الشماليين بصفة عامة لاكتساب القومية والتخلي عنهم لاحقا، ما هو تعليقك؟
لا، بالعكس، الحركة الشعبية قامت بمبادرة بطولية وشجاعة لتوحيد السودان على أسس جديدة، إذ جاء شخص يسعى من قرية مواطنوها فقراء، قرية “وانقلي”، هو الدكتور جون قرنق بقامته وهامته الكبيرة؛ لتوحيد السودان على أسس جديدة. واجهتنا مصاعب كبيرة، مشاريع كبيرة، مثلما حدث في كل العالم، بعضها تحقق تواً، وبعضها تحقق بعد عدة سنوات، مارتن لوثر كنج لم يكن يظن أن باراك أوباما وميشيل أوباما تلك المرأة الطويلة “السوداء” سيدخلان البيت الأبيض في يوم من الأيام، ألمانيا توحدت بعد انقسام، فكر الحركة الشعبية مُهم لوحدة السودان الآن وفي المستقبل.
* أين وحدة السودان على الأسس الجديدة التي تتحدث عنها الآن؟
مشروع السودان الجديد واجهته مصاعب، واجهته قوة لا تريد أن توحد السودان على أسس جديدة، تم صراع طويل، أنا من المؤمنين بأن السودان ما زالت أمامه فرصة للوحدة على أسس جديدة، لم ينته الأمر بعد، لا بد من إجراء الاستفتاء ويجب عدم التنصل والتنكر وعرقلة الاستفتاء في الجنوب، يجب طرح مشروع وطني كبير جديد، هذا من مصلحة الجميع حتى المؤتمر الوطني، المؤتمر الوطني هو من أوصل السودان إلى ما وصل إليه، صحيح أنه ورث معضلات منذ الاستقلال، لكن قيادة المؤتمر الوطني حاليا مسؤولة عن عدم التناغم مع القوى السياسية، ورغبتها في طرح مشروع جديد لهيكلة الدولة السودانية يحافظ على وحدة السودان، الانفصال مُضرّ لكافة الأطراف لكنه ليس مسؤولية حزب، هو مسؤولية بناء سياسي كامل، وحركة سياسية كاملة بها العديد من المكونات، منذ استقلال السودان وحتى الآن، لعبت فيها أطراف دوراً سلبياً، لعبت فيها أطراف أخرى دوراً إيجابياً، إن كانت النتيجة الأخيرة غير متوافقة ومتوائمة مع وحدة السودان فلُتسأل الأطراف التي لعبت دوراً سلبياً.
* هل تملكك إحساس بأن الحركة الشعبية استخدمتكم أنتم ـ الشماليين ـ وقوداً لإشعال ثورتها التي امتدت لعشرات السنين؟
أولاً أنا لا يستطيع أحد أن يستخدمني، الحركة أم غيرها، أنا الذي ذهبت بنفسي وقررت الانضمام إلى الحركة الشعبية، أنا أملك إرادتي الآن وفي المستقبل، بل العكس، الحركة الشعبية أعطتني فرصة جديدة للتعرف على الشعوب، على قضايا لم أكن أعرفها، أنا شعرت بسودانيتي الحقيقية بالانضمام إلى الحركة الشعبية، أنا شاكر للحركة الشعبية ولقيادة الحركة الشعبية، أنا أعلم ما هي الظروف التي تدفع بأشخاص مثل سلفا كير في هذا الوضع المعقد، بالعكس أنا سعيد، لو لم أكن دخلت الحركة الشعبية لكنت قد ارتكبت خطأ كبيرا وظلما كبيرا تجاه نفسي، أنا كما قلت لك لست من الناس الذين يديرون ظهورهم لتاريخهم، هذا التاريخ صنعناه بوعي كامل، وشاركنا فيه بوعي كامل أيضا، ونتحمل نتائجه، سلبيا وإيجابيا، لا تراجع ولا اهتزاز، ولا ابتزاز ينفع معنا، نحن لا زلنا نعمل للخير لبلادنا، للسلام الدائم لبلادنا، لرفعة بلادنا، المعركة ليست معركة داخلية، ليست بيننا والمؤتمر الوطني أو غيره، المعركة بها جوانب أكبر، نحن نريد للسودان أن يكون كبيرا إقليميا ودوليا، السودان بلد فاعل في الحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين، يجب أن نحقق ذلك، إن لم نحقق ذلك فأنا متأكد وأرى مثلما أرى صورة علي عبد اللطيف والدكتور جون قرنق. “صورة وضُعت بعناية تضم المُناضل علي عبد اللطيف والدكتور جون قرنق دي مبيور على جدار مكتب ياسر عرمان” – من المُحرر”. أرى مُستقبل السودان في أن تأتي أجيال جديدة، ستضع هذا الوطن في الخريطة العالمية الآن أو في المُستقبل.
* الملاحظ أن الأستاذ ياسر عرمان لا زال متأثرا بقائده الدكتور جون قرنق دي مبيور، أو بالأحرى “ما قادر يصدق أن قرنق مات، وعلى طول في حالة شعر، ونثر عن الراحل ومآثره”، أما زلت تعتقد أن الدكتور جون قرنق لم يمت؟
“ضحك ضحكة حتى بانت نواجذه”: إنه لم يمت.. الدكتور جون قرنق صاحب فكرة عظيمة، الأفكار العظيمة لا ترحل، في الاحتفال الأخير بمناسبة تخليد ذكراه كان الشعار الرئيسي “الدكتور جون قرنق رؤية لا تموت”.. الدكتور جون قرنق رحل كجسد فان، لكن لم يرحل المهاتما غاندي، الرجل يوم أن اُغتيل ولد من جديد، ويوم أن اُغتيل قرنق ولد من جديد، جون قرنق أفكاره ستوحد السودان، الآن، أو في المستقبل، ستأتي أجيال ناهضة من جنوب السودان، ستمضي خلف الدكتور جون قرنق بعزيمة أكبر من عزيمتنا، ستأتي أجيال من شمال السودان، ستمضي خلف هذا الرجل العظيم. أسعدني، ومن دواعي شرفي؛ أنني عملت معه، وكان أخانا الكبير، صديقنا العزيز، احترمنا وقدّمنا للناس وتعلمنا منه الكثير، لا زلنا مُمتنين للسنوات العزيزة التي أمضيناها معه، لم نكن نتآمر على بلادنا، كنا نريد لبلادنا أن تكون مشروعا عظيما، وستكون، سنعمل من أجل ذلك، الآن وفي المُستقبل، لا يوجد شيء جديد، حق تقرير المصير كُنّا نعرفه، نعرف تركيبة الدولة السودانية، سنناضل حتى آخر يوم ليكون السودان بلدا أفضل من الآن.
* أما زال الدكتور جون قرنق يعطيك قوة دفع في العمل السياسي؟
مائة بالمائة، أنا عملت مع الدكتور قرنق، حضرت معه لحظات صعبة، رأيته كيف يتصرف، أيام انقسام الحركة الشعبية في العام 1991م وطُرح موضوع حق تقرير المصير وحدث اهتزاز واضطراب فكري وسياسي في الحركة الشعبية، كنت أناقشه وذكر لي أنه في حالة الاضطراب السياسي والفكري مثل الفيضانات إذا حدثت فعليك ألا تتحرك من الأعمدة التي قام عليها البناء، والأعمدة التي قام عليها البناء الجديد هي فكرة السودان الجديد، لن نتحرك من هذه الفكرة، “أوليفر تامبو” ذلك الإنسان العظيم كان لاجئا سياسيا ومشردا ومطلوبا ومجرما في جنوب إفريقيا، لكن الآن عندما تهبط إلى مطار جوهانسبيرج تخاطبك المضيفة والطيار بأنك تهبط في مطار “أوليفر تامبو”، هذا الرجل قال لـ “ويني مانديلا”، وكانت فتاة صغيرة تم اعتقالها: “في الأوقات التي يحدث فيها اضطراب؛ تمسكي بالبديهيات والأفكار الرئيسية لأن الحياة تحمل الحلول”، لذلك رؤيتي واضحة وصافية في هذا الوضع، لا تراجع من فكرة السودان الجديد.
* كيف يعبر الأستاذ ياسر عرمان عن حزنه حينما يستذكر شريط أستاذه ورفيق دربه زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق دي مبيور؟ بالقلق أم بالدموع أم بماذا؟
الدكتور جون قرنق “حُزن خاص” بالنسبة إلينا، من ناحية شخصية لا أريد أن أتحدث عنه، لكن من الناحية العامة نُعبر عن احتفائنا بالفكر العظيم، أنا سعيد بأن الدكتور جون قرنق جاء إلى الخرطوم وشهد ملايين السودانيين الشماليين قبل الجنوبيين، يحتفون به ويستقبلونه، هو القادم من الجنوب، كان هذا حجرا كبيرا في محاولة توحيد السودان، فكرة الدكتور جون قرنق ستبقى وستستمر، هو الدكتور جون قرنق، هو انتمى إلى الشمال، بقدر ما انتمى إلى الجنوب.
* هل ذرفت عليه الدموع في وقت قريب؟
لا أريد أن أتحدث عن القضايا الشخصية، لكن ما أريد أن أقوله أنا كنت من المحظوظين في العمل معه للتعرف عليه، ذكرت في واحدة من قصائدي “عد لمن عاش عصرك ولم يلتقيك”، الذي عاش عصر الدكتور جون قرنق ولم يلتقه فات عليه أن يلتقي شخصا عظيما، لا زال الدكتور جون قرنق حاضرا بنفاذ بصيرته، وبحبه للسودان الكبير، هو شخص كان يتطلع لإرجاع السودان إلى الخريطة السياسية والجغرافية في العالم مثلما كان، السودان بلد قديم، جزء من حضارات وادي النيل، هو من بنى الأهرامات، هو الذي عرف الحديد قبل “بيرمنجهام” في بريطانيا، عرف الديانات قبل أن تأتي من السماء في جبل البركل المقدس، لذلك هذا السودان مشروع عظيم، كان وسيظل في الغد، السودان جاء وتكَوّنْ كبلد لهدف سينشده، قال بذلك العديدون، في لحظة من اللحظات قال لي الطيب صالح بحسه الصوفي: “يا جماعة ما تختلفوا في البلد دي، لأنو البلد دي، لو ما اتفقتوا دي بلد عظيمة ربنا حياخدا مننا”، لذلك السودان بالنسبة لي مشروع كبير سيتحقق، لا أعلم أسيتحقق غدا أم لا، لكن إن لم يكن غدا فبعد غد.
* الوحدويون أصيبوا بخيبة أمل كبيرة نتيجة لإعلان النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس الحركة الشعبية الفريق أول سلفا كير ميارديت تصويته لصالح الانفصال، ما هو تعليقك؟
يا بهرام، أنا عرفت سلفا كير خلال (24) عاما جيدا، خيبة الأمل في مركز الدولة السودانية في الخرطوم، هذه هي الحقيقة. سلفاكير إنسان مهذب ومؤدب، يحب السودان مثل الآخرين، الدولة السودانية الحالية ومركزها في الخرطوم مركز عصي، يهضم طموحات السودانيين من الجنوب، الغرب، الشرق، الشمال، ومن الوسط، هو مركز لا يستطيع تكوين إرادة مشتركة، لذلك ما يقوله سلفا في جوبا، جناه المركز في الخرطوم، لا زالت هناك فرصة، سلفاكير إنسان إذا لم تستطع أن تتعامل معه؛ فمن الصعب أن تتعامل مع آخرين، لذلك هو يتحدث عن قضية مشروعة وعادلة، هي قضية شعب الجنوب. لا زال هناك وقت، يجب على القادة السودانيين جميعا أن يصلوا إلى تفاهم عميق وكبير الدلالات مبني على العدالة؛ للعبور مع المستقبل، مع سلفا كير. أنا من المؤمنين بذلك، ولا أحاكم سلفا كير في تصريحات صحفية، أنا أعرف من هو، وعملت معه لفترة طويلة، أعرف تفاصيل التفاصيل، وأسرار الأسرار، ما قاله سلفاكير لي حول قضايا كثيرة، وفي عمل مشترك، أعلم عما يتحدث سلفا كير، أعلم أيضا مدى أهمية الهموم التي يطرحها، أدعو إلى التعامل معه بطريقة كبيرة وإستراتيجية، وليس بطريقة “تاكتيكية”، فهو شخص غاية في المعقولية، شخص يمكن الوصول معه إلى سلام دائم في السودان.
* النائب الأول رجل مهذب ومؤدب كما تقول، لكنه “انفصالي”، وهذا يتنافى مع رؤية الحركة الشعبية الكلية التي ناضل من أجلها الكثيرون لعشرات السنين؟
يا بهرام، قضية “انفصالي” ليست جعلي أو زغاوي أو شايقي أو نويراوي، لا تورد مع الشخص، سلفاكير ناضل من أجل توحيد السودان على أسس جديدة لسنوات طويلة مع الدكتور جون قرنق، هناك معادلات سياسية الآن غير مُستقيمة هي التي تدعوه ليدعو إلى ما دعا إليه، العيب ليس في سلفا كير، العيب في الدولة السودانية، العيب في الخرطوم، في سياسات الخرطوم، أنت عليك ألا تترك “الفيل وتطعن في ظله”، كل الطاعنين الآن يطعنون ظل الفيل، وأنا أريد أن أطعن الفيل نفسه، الفيل هو الخرطوم، إن لم تتغير سياسات الخرطوم؛ فدارفور ستطالب بالانفصال، النوبة سيطالبون بالانفصال، النوبة غير راضين عن الدولة السودانية، البجا أيضا غير راضين، الجعليون أنفسهم والشايقية غير راضين عن الدولة السودانية، فابحث عن الداء قبل أن تتحدث عن الدواء.
* لماذا تتحمل الأجيال الجديدة أخطاء سياسات الخرطوم حول ما يتعلق بمستقبل السودان؟
لأن الخرطوم هي مركز السلطة، إذا لم تتغير سياسات مركز السلطة؛ فإن المشكلة لن ترواح مكانها. ما يحدث الآن هو ما حصدناه من قبل، بنجامين لوكي طالب بالفيدرالية في العام 1955م، قام إعلان الاستقلال على “الفيدرالية”، لكن رُفضت الفكرة، أنا نشرت قبل مدة حديث “فرانك ويل قرنق” المؤثر، بعدها جاءت اتفاقية أديس أبابا، مطالب الجنوب كانت محدودة وعادلة، لكن تعاملت معها الخرطوم بقسوة، الآن الخرطوم بنفس القسوة تتعامل مع دارفور، شرق السودان، وسط السودان، مع مزارعي الجزيرة الذين خدموا السودان عشرات السنين، ما هو واقعهم اليوم؟ نريد إعادة هيكلة الدولة السودانية، ورؤيةً جديدة لها، الدولة السودانية “شاخت” وأصبحت “بالية”، ولا تستجيب لأحد، الدولة السودانية لم تُنزل في أي نص من النصوص، هي كائن صنعناه نحن، يمكن أن نغيره مع المؤتمر الوطني، ما هذه “الغلبة” الكبيرة؟ يمكن لقادة المؤتمر الوطني، وهم قادة “مُجربون” ولديهم رؤية وخبرة سياسية، يمكن أن يغيروا ويصلحوا من شأن الأمور الحالية، دون الحديث عن سلفا كير أو غيره، المُعضلة في الخرطوم، فاذهبوا إلى حيث المعضلة واتركوا “الغلبة”.
* ما هو دوركم أنتم ـ كوحدويين ـ في تغليب خيار الوحدة؟
نحن مع طرح رؤية وتصور وبرنامج جديد، ليس لعرقلة الاستفتاء، لكن لننافس به في الاستفتاء، إذا طُرح برنامج جديد؛ يمكن الدفاع عنه، سندافع عنه، وسيدافع عنه الجنوبيون قبل الشماليين، لكن ليس بعرقلة الاستفتاء، يجب الالتزام بالاستفتاء، لكن نحن مُستعدون للدفاع عن أي برنامج حقيقي، عادل، يخاطب جذور المشاكل في كل هذه المناطق، من دارفور إلى الجنوب، هذا ما ينفع الشعب السوداني.
* من خلال زيارتك للعاصمة البريطانية لندن، ما هي حقيقة الجبهة العريضة التي دعا إليها الأستاذ علي محمود حسنين؟
علي محمود حسنين يمكن أن يتحدث عن نفسه بشكل أكثر دقة وقدرة مني، الأستاذ علي محمود حسنين شخص محترم، للأسف مطالبته بجبهة لإسقاط النظام؛ تعني انعدام الحوار، لأن علي حسنين لم يُعرف عنه أنه داع لحمل السلاح، أو شخص متطرف، الرجل شخص معقول يعمل في المجتمع المدني، عملت معه في عدة مناسبات، وعدة قضايا، لذلك السودان يحتاج إلى حوار، نحن لسنا أعضاء في هذه الجبهة التي دعا إليها الأستاذ علي محمود حسنين، نحن نرى أن المساحة المتوفرة حاليا بالدستور والاتفاقية سنعمل بها، لكن أن يصل شخص مثل الأستاذ علي محمود حسنين “للإحباط”؛ فهذا سيقود آخرين إلى نفس الاتجاه، لذلك الصحيح أن نُعلي من راية الحوار، وفتح السبل والوسائط والوسائل للأستاذ علي حسنين ولغيره، وألا نزرع الشك واليأس في نفوس السودانيين، هذه السياسة يجب أن تتغير من المؤتمر الوطني، عليه أن يتحاور مع الجميع.
* عبرّت قيادات رفيعة في قطاع الشمال عن استيائها وتذمرها من اندثار مشروع السودان الجديد، ما هي رؤيتك أنت شخصيا؟ هل هي الرؤية القديمة بأن “مشروع السودان الجديد” يمكن أن يمرض ولكنه لا يموت؟ أم تبدلت تلك القناعات؟
قلت لك إن مشروع السودان الجديد يمكن أن يصيبه المرض أحيانا، لكنه لا يموت، الذين يعبرون عن قلق، وشيء من الإحباط زملاء وأصدقاء؛ أنا أتفهم قلقهم وإحباطهم، لكن لا أشاركهم في رؤيتهم أن مشروع السودان الجديد يمكن أن يُذبح، نحن سنستمر في عملنا، في نضالنا، نحن جميعا متفقون، من حق أي شخص أن يعبر عما يراه، هم عبّروا بصدق عما رأوه، لكن أنا لا أقنط من المُستقبل، لي ثقة عظيمة في مستقبل السودان وقدرة شعب السودان.
نقلا عن “الأحداث”