د.غازي : البشير يضيق بالافكار الاصلاحية،، المنصة بالمكتب القيادي لحزب البشير مهابة جداً. أجهزة الحزب الامنية الخاصة تثير تساؤلات.
قلنا كلمة في وقت كان من الضروري أن يتصدى شخص ذو ضمير حي ليقولها
ولا توجد حاجة اسمها حركة اسلامية الآن، وكلنا يعلم انها جهاز اداء لخدمة الحكومة،
المنصة في المكتب القيادي مهابة جداً، وما تريده المنصة يمضي
حوار: يوسف الجلال – خالد الفكي – تصوير: علم الهدى حامد
فجرت مجموعة الحراك الاصلاحي داخل المؤتمر الوطني، مفاجأة من العيار الثقيل، بعدما اعلنت امس رسمياً نيتها تكوين حزب سياسي جديد، على خلفية قرار لجنة المحاسبة الحزبية التي كونها رئيس المؤتمر الوطني لمحاسبة المجموعة التي مهرت المذكرة الاصلاحية الموصولة الى رئيس الجمهورية. ومعلوم ان اللجنة التي رأسها احمد ابرهيم الطاهر رئيس البرلمان والقيادي في المؤتمر الوطني قررت تجميد عضوية تسعة من اعضاء المذكرة، واوصت بفصل الدكتور غازي صلاح الدين رفقة الدكتور فضل الله احمد عبد الله وحسن عثمان رزق من عضوية المؤتمر الوطني. وهي القرارات التي افضت الى قطيعة بائنة بين المجموعة الاصلاحية وبين المؤتمر الوطني، بعد ان رفض الموقعون على المذكرة الاعتذار عما ورد فيها. المهم ان تلك الخطوات المتسارعة ادت في خاتمة المطاف الى بروز حزب سياسي جديد، يضاف الى قائمة الانشقاقات الكبيرة المتوالية التي ضربت جسد الحركة الاسلامية الذي عانى منذ سنوات غابرة من تصدعات كبيرة توجت قبل ثلاثة عشر عاماً بخروج الأب الروحي للتنظيم الدكتور حسن الترابي. الامر الذي يجعل تجربة الدكتور غازي تبدو مكرورة، لكن مع ذلك فإن الرجل ذو الفكر العميق، يكاد يجزم بأن فرص نجاحات التنظيم الجديد تبدو قائمة برغم العقبات الكبيرة، وهو ما حرص على تثبيته في الافادات أدناه.
* سريعا قررتم انشاء حزب سياسي جديد، على خلفية قرار لجنة المحاسبة التنظيمية، ألا يبدو ذلك قفزة في الظلام؟
نحن تداولنا في المشهد السياسي على خلفية القرارات المتعسفة التي اصدرها المؤتمر الوطني ضد بعض قادته واعضائه، الذين يحملون توجهاً اصلاحياً في أفكارهم وفي أطروحاتهم، وعلى ضوء ما جرى من نقاشات مطولة ومستفيضة وعميقة توصلنا الى أن الباب مفتوح حاليا أمام انشاء حزب سياسي جديد.
* لكن كثيرون سينظروا الى هذا القرار بأنه مخاطرة، فما هي ضمانات نجاح هذه الخطوة المباغتة؟
نحن نعول على الاستفادة من الخبرة التي تراكمت لدى هؤلاء النفر من خلال العمل داخل المؤتمر الوطني، وهي خبرة واسعة من خلال العمل السياسي المباشر، ومن خلال تقلد مسؤوليات كبيرة في المؤتمر الوطني، وفي الدولة في مناطق مختلفة.
* ألا ترى أن خطواتكم جاءت متسارعة جدا؟
قرارنا هذا مجرد اطلاق للفكرة، ولا يترتب عليه اجراءات عملية الآن بتشكيل الحزب وتأسيسيه وتسجيله لدى مسجل التنظيمات والاحزاب السياسية. ولكن نحن اطلقنا الفكرة التي تتضمن ضرورة ايجاد تشاور واسع بين قطاعات واسعة من السودانيين ليتكون حزب ذو تمثيل واسع، يستوعب الاجيال المختلفة، واشكال التنظيم الحديثة، مثل المجتمع المدني وما الى ذلك، وان يستخدم الآليات السياسية لتغيير الواقع السياسي للافضل، بما في ذلك المنافسة في الانتخابات او مع القوى السياسية الاخرى والتحالف معها في اي مشروعات مشتركة.
* لكن تكوين حزب يعتبر عملية طويلة وتحتاج الى جهود فكرية وحوارات ونقاشات مع الجماهير، فهل شرعتم في ذلك؟
كما ذكرت هذه هي مجرد الفكرة الاولية التي اتخذنا قرارا بشأنها، لكن هذا عمل سيتلوه عمل آخر، وهو التنادي مع شخصيات وطنية اخرى الى هذا الانشاء وهذا التأسيس، وايضا لنجيز سوياً الوثائق والمواثيق التي تصف اهداف الحزب ومبادئه، وهناك ايضا تسجيل العضوية في الولايات وتأسيس الحزب، وهذا سيأخذ بعض الوقت. لكن نحن الآن توصلنا الى هذه الصيغة المجملة بضرورة انشاء الحزب.
* هناك من يرى أن قراركم بتكوين الحزب هو رد فعل لقرار لجنة المحاسبة، وأنه ينطلق من مواجد شخصية وليس قناعات، وهذا يقلل من فرص نجاحه؟
نحن لا نعمل بردود الافعال، والفكرة كانت موجودة أصلاً، لأننا كنا نتوقع قرار اللجنة. بمعنى انه كانت هناك تهيئة نفسية له، ولكننا لذات الغرض عقدنا مؤتمراً صحفياً قبل يومين من القرار، وقلنا ان موقفنا والتزامنا مع الحزب الواحد، ومع البقاء داخل الحزب، رغم كل الاعتراضات التي كنا نبديها على اداء حزب المؤتمر الوطني، وعلى طريقة قيادته في ادارة الامور. وسجلنا موقفا تاريخياً بأننا مع وحدة الحزب، لأننا لا نؤمن بالانشقاقات في الساحة السياسية وفي الاحزاب السياسية. ولكن الآن القرار صدر من الحزب بصورة متعسفة وبجرأة مشبوهة قامت بها اللجنة التي رأسها احمد ابراهيم الطاهر. وبالتالي اصبح الخيار الثاني هو الخيار المتاح، ونحن لم نتخذه ردة فعل، بمعنى اننا لا نملك خياراً غيره، وكان وارداً لدينا، ولكننا كنا ننتظر لو أنه لم يصدر من من قيادة المؤتمر الوطني، لكنا الآن في نفس الحزب لكنهم اصدروا قراراً بصورة متعسفة كما ذكرت لفصل الأعضاء وتجميد آخرين.
* لكن هل هناك حاجة حالية لانشاء حزب جديد، بمعنى هل الساحة السياسية تحتاج الى تنظيم سياسي؟
نحن نتعامل مع هذه الحقيقة تعاملاً ايجابياً، بمعنى اننا لا ننظر الى الوراء ولكن ننظر الى الامام، وفي اعتقادي ان هذه المجموعة قد اثبتت وجودها في الفترة الماضية بأنها مجموعة ناضجة ولديها افكار حقيقة جديرة بالنظر ولها مبادرات، ولديها استعداد لأن تقيم علاقات بناءة مع القوى السياسية الاخرى، وهذا ما تم اخذه عليها من قبل لجنة المحاسبة، لأنها كانت تتحرك بفعالية ونشاط وبطلاقة في الساحة السياسية، وتتبادل الخبرات والافكار مع الآخرين.
* قلت انكم لا تنظرون الى الوراء، وهناك من يتحدث عن امكانية ظهور طريق ثالث لرأب الصدع بينكم بعد أن رفضتم الاعتذار عن ما ورد في المذكرة، هل هذا يعني أنكم لن تستجيبوا لأصوات ردم الهوة التنظيمية ؟
نحن لن نتخلى عن قرارنا بانشاء حزب جديد. وبصراحة شديدة فإن الحديث عن وجود طريق ثالث هو خيال منك.
* هل أنت قانع بعدم امكانية ظهور منصة ثالثة لتقريب الهوة التنظيمية والفكرية بينكم والمؤتمر الوطني؟
لا توجد امكانية لذلك. ولا توجد حاجة اسمها حركة اسلامية الآن، وكلنا يعلم انها جهاز اداء لخدمة الحكومة، وهي ملصقة مع الحكومة ولا تملك قراراً مستقلاً، وشهدنا كلنا تداعيات المؤتمر الثامن للحركة الاسلامية، وهي مجرد مصادرة للفكرة، ولا يوجد كيان كهذا يملك قلوب الناس، ويمكن ان يتحركوا بمقتضى مقترحاته وتوجيهاته، وهذا شئ قد ولى الآن. والقرار قد اتخذ بطريقة فيها تشفي واجيز في المكتب القيادي بالاجماع السكوتي، ولم يعترض أحد لأن المنصة في المكتب القيادي مهابة جداً، وما تريده المنصة يمضي، والمكتب القيادي في الحقيقة يمرر ولا يقرر، ومرر القرار بهذه الصورة، ولذلك لا تعولوا على مؤسسات داخل المؤتمر الوطني، لأنه لا توجد مؤسسات حقيقية، وتوجد سلطة تفرض وجودها وقرارتها بالصورة التي تروقها، وخلاص هم اتخذوا القرار بصورة واضحة ونحن سياسيون ولنا خبرة ونعرف الأشياء من ظواهرها.
* لكن التاريخ ربما يقول بفشل الانشقاقات التي تخرج من صلب الحركة الاسلامية وفي الباب حالات الخروج الكثيرة والشهيرة؟
هذا الكلام صحيح، وهي واحدة من التحديات التي نواجهها. ونحن لم نختر الانقسام ولم نتخر الانشقاق، وهذا شئ فُرض علينا فرضاً، ولكننا نتعامل ايجاباً، نحن نريد ان نقدم اطروحة مختلفة. ومعروف في طبيعة الحياة ان الفشل دائماً بنسبة 90%، والنجاح نسبته محدودة، والآن اذا احصيت الشركات التي تم تسجيلها في السنوات الماضية ستجد ان اغلبها قد فشل، ولكن بعضها نجح، وفي الطبيعة فإن علمية التلقيح هذه تتم بين ملايين الجزيئات ولكن ينجح منها القليل، ونحن نأمل أن يؤدي هذا القرار الى تجربة ناجحة وليس الى تجربة اخرى فاشلة.
* الظرف التقليدي لتأسيس الكيانات والتنظيمات السياسية في السودان ينحصر في مساري الطائفة او الايدلوجيا، فهل ستسلكون ذات المناهج القديمة أم أنكم تخططون للسير في مسار جديد، خاصة في ظل التطورات المجتمعية والمعرفية؟
نحن لا نؤمن بالايدلوجيات وهي مقيدة جداً، وهي مشوهة للواقع كما يقال، لان الانسان يفسر الواقع حسب رؤيته هو، ويضطر الى تشويه الواقع حتى يتوافق مع الايدلوجيا التي ينطلق منها، وهذا شيء معروف. فضلاً عن هذا فإن كلمة الايدلوجيا تعني ان الانسان متخدنق في موقف لا يستطيع ان يتخلص منه ولا يستطيع الفكاك منه. نحن لدينا خبرة سياسية واسعة ولدينا أفكاراً مرنة للتعامل مع اطروحات الساحة، قدمانها وسنقدم هذه الافكار ونرجو ان يكون في ما سنفعله جديداً يؤدي الى نجاح هذه التجربة، برغم ان احتمالات الفشل واردة أصلاً في أي مشروع. لكن نحن نعي مقومات النجاح اكثر مما نهتم بأسباب الفشل، وسنحاول تطويع مقومات النجاح حتى نقدم تجربة مفيدة للشعب السوداني وللتجربة السياسية السودانية.
* منذ أن تفاصل الاسلاميون في الرابع من رمضان، وجد جناح المنشية صنوفاً متعددة من التضييق المتكرر والاعتقالات الموصولة، فهل انتم مهيأون لهذا؟
نحن لم نفعل شيئا غير قانوني، وطبعاً بالضرورة نتوقعه، ورأيناه في الآخرين وكنا نعترض عليه، ولا توجد حرية حقيقية في البلاد برغم الادعاءات ، وكلنا يعلم ان تشكيل حزب والعمل السياسي مقيد جداً، لكننا سنمضي كما مضى آخرون في سبيل فرض هذه الارادة، وفي سبيل توسيع مدى الحريات وسنتعامل مع الاضطهادات كما تأتي، وأي فكرة في تاريخ البشرية جاءت بشيء جديد تعرضت للاضطهاد، وينبغي أن نوطن أنفسنا على هذا الاضطهاد والملاحقة وهي شيء وارد.
* تحدثت عن حورات متوقعة لكم مع الشخصيات القومية، هل هذا يتم بغرض الانضمام إلى الحزب أم للتشاور فقط؟
نحن اتخذنا هذا القرار اليوم (أمس)، لكننا مع ذلك بدأنا فوراً في مرحلة الاتصالات، خاصة ان هناك بعض الشخصيات استمعنا منها في اوقات سابقة الى آرائهم وكانوا يحضوننا على الخروج أصلاً، ونعرف ان هذا موقفهم، وهذا سنكشف عنه بالأسماء.
* جلستم مع الدكتور الترابي، فهل سيكون على رأس من تنوون الحوار معهم؟
الدكتور الترابي له حزب خاص به. ومعلوم إنه في التأسيس الجديد لابد أن يكون الانسان حراً من عضوية أي حزب وهذا أمر معروف بداهة.
* يحسب على مجموعة الحراك الاصلاحي أنها انتقدت سياسات الحركة الاسلامية ولم تنتقد الأفكار التي نبعت منها تلك السياسات، خاصة أفكار الدولة الاسلامية وغيرها؟
انا لدي كتابات كثيرة ولكن الناس لا يقرأون، ولا يمكن ان استدعي كل كتاباتي في هذه المسـألة وفي هذه الحدث، ومن يريد ان يقرأ افكاري فلدي مقالات وكتابات مستفيضة وتحدثت عن هذه المفاهيم. وشخصياً تحدثت في لقاء مشهور مع صحيفة مصرية قبل نحو ثلاثة أشهر تقريباً عن مفهوم الدولة الاسلامية وكيف نشأ في القرن العشرين وهو لم يكن موجوداً في التراث أصلاً، لكن هذه قضية فكرية أدليت فيها برأيي في وقت سابق ويمكن ان ترجع الى كتاباتي في هذه الصدد.
* انتقدت البرنامج الثلاثي مبكراً وقلت انه محض ألغاز، والآن ثبت صحة حديثك، فلماذا تأخر غازي عن الخروج كل هذه المدة، ولماذا سكت وهو يعلم نتيجة البرنامج الاقتصادي مسبقاً؟
على العكس، أنا لم أسكت وهذا مسجل. وعندما كنت رئيساً للهيئة البرلمانية أوقفنا قرار زيادة المحروقات قبل عامين، وقلت إن البرنامج الثلاثي عبارة عن ألغاز، وقصدت بذلك انه مفهوم بالنسبة لنا كبرلمانيين وسياسيين، لكنه غير مفهوم للشعب السوداني، ولأن الحكومة كانت تدافع بأن هذا برنامجها للخروج من الأزمة الاقتصادية، قلت إن هذا البرنامج غير مفهوم وهو ألغاز للمواطن الذي يُطلب منه أن يتفاعل معه. ولكن على كل حال ثبت أن البرنامج الثلاثي لم يؤد إلى الأهداف التي رصدها بنفسه، والآن نحن لا زلنا نعاني من أزمة اقتصادية، حتى بعد رفع الدعم من المحروقات ولا نزال نعاني من الغلاء الطاحن والتضخم. وأنا شخصياً لم اعترض على رفع الدعم عن المحروقات، ولكن قلت إذا ازلت الدعم غير المباشر فيجب أن يقابله دعم مباشر، ويجب أن نعني بالطبقات الفقيرة في المجتمع. صحيح يمكن أن نرفع الدعم عن المحروقات ولكن لابد أن تكون لدينا خطة واضحة للعناية بالطبقات الفقيرة، لأنها أصبحت طبقات محروقة ولم يعد أمامها خيار الحياة أصلاً. ولابد أن تستعيض عن ذلك بالدعم المباشر. ويسألوننا كيف نأتي بالدعم المباشر، ونقول أن أول شيء يجب أن تفعله هو أن ننظر في الانفاق العام، لأن تقليص الانفاق العام يساهم في الدعم المباشر. وعموما هذه مسألة يجر بعضها بعضاً ويمكن أن نقدم نقداً شاملاً عنها.
* هل تتوقع أن يتفاعل الاسلاميون المتواجدون على الرصيف ممن لا ينتمون إلى المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي مع فكرة الحزب الجديد؟
أتوقع أن يكون تجاوبهم كبيراً، لكن أتوقع ذلك أيضاً من الشعب السوداني عامة وليس من الاسلاميين وحدهم.
* لكن هناك رأي عام في الشارع يقول بأنكم كنتم جزءا من المنظومة الحاكمة لمدة ربع قرن من الزمان، وهذا يخصم من حظوظكم؟
لدينا تميز واضح جداً في داخل هذه المنظومة، وظللنا نسجل مواقفاً تلو الموقف، وأنا على المستوى الشخصي بقيت عامين خارج التشكيل الحكومي، ثمناً للموقف الذي سجلته. ولو انك نظرت الى تعاقب الأحداث عندما صرحت بأن الرئيس لم يعد لديه حق دستوري في الترشح تم ابعادنا من الهيئة البرلمانية، والآن أبعدنا تماماً من الحزب، لأننا قلنا إن الحكومة يجب أن تحقق في الأحداث الاخيرة.
* هل موقفكم هذا بمثابة نعي لفكرة الاصلاح داخل المؤتمر الوطني؟
نعم.. وهذا ما قلته، وواضح جداً أننا كنا مبالغين في التفاؤل شيئاً ما بأن الاصلاح يمكن أن يؤدي إلى تغيير. وكنا نعول كثيراً على أن الرئيس البشير يمكن أن يتقبل الأفكار، لكن واضح أن قيادة المؤتمر كتلة واحدة. وحقيقة هناك في عضوية المؤتمر الوطني أناس ممتازون جداً يحملون هذه الأفكار، ولخياراتهم هم لم يخرجوا عن المؤتمر الوطني ولم يعبروا عنها بقوة، لكنهم يحملون هذه الأفكار. ولا شك عندي أن مشروع الإصلاح داخل المؤتمر الوطني قد مات وشبع موتاً.
* المعارضة تزايد عليكم وتؤكد أن ما تقولونه حالياً، صدعت به هي قبل ربع قرن من الزمان؟
لماذا تزايد علينا، ونحن من حيث المبادئ ظللنا نقول وننادي بذات ما نقوله حالياً، ويمكن أن ترجع إلى تصريحاتي الشخصية وإلى مقالاتي منذ أكثر من 15 عاماً، وهي تحمل ذات المعاني. وإذا كانت المعارضة تنادي بهذه الأطروحات فإننا كنا ننادي بها ولم نقف ضدها، وبالعكس أيما موقع وُجد فيه بعض الأشخاص الإصلاحيين كانت أفكارهم فيها دعوة الحرية والعدالة بشكل واضح.
* اتهمك رئيس لجنة المحاسبة أحمد ابراهيم الطاهر بأنك تعاملت معهم بتعال؟
حقيقة أنا لا اعترف به أصلاً. وأساساً اعترضت على وجوده في اللجنة وفي رئاستها، وذكرت هذه الاعترضات في وقت سابق، وبالتالي لم يكن هناك سبب للذهاب لمقابلة اللجنة.
* تقصد أن عدم مثولك أمام اللجنة موقف وليس استعلائية؟
هو يفهمه بطريقته، وأنا لست معترفاً به، وأرسلت له رسالة وقلت له انني لست واثقاً في أمانتك.
* هل عدم الثقة في رئيس اللجنة لمواقف شخصية أم لمواقف تنظيمية؟
لمعرفتي به الشخصية، وعلى كل حال الورقة التي قدمها في النهاية توضح الانحياز الكامل وعدم الانصياع لمقتضيات العدالة، ويكفي أن التقرير قُدم أمام المكتب القيادي وهو تقرير اتهام ولم يُسمح بالدفاع أن يقدم تقريره.
* المراقبون شبهوا لجنة المحاسبة الحزبية بالمحاكمة وأن التقرير أقرب إلى رأي التكنوقراط منه إلى لجنة للضبط الحزبي؟
هي محاكمة ستالينية، القاضي والحكم ووكيل النيابة شخصية واحدة.
* بدا مستغرباً حديث رئيس اللجنة عن استعانته بتقارير الأجهزة الأمنية التابعة للحزب أو ما يعرف بأجهزة العمل الخاص، كيف ترى ذلك؟
الحديث عن جهاز أمن خاص والاعتراف به علناً، يثير تساؤلات كبيرة عن إلتزام حزب المؤتمر الوطني ولجنة المحاسبة بالقانون، وهؤلاء يفترض أنهم رجال قانون. هي كلها عقلية أمنية وتنظر الى الأمور بنظر أمنية وتستعين بالأجهزة الأمنية الخاصة التي كونتها، وهذا قد اعترفوا به صراحة في اللجنة.
* تذهبون الآن في المسار الذي ذهب إليه كثيرون قبلكم نادوا بفصل الحركة الاسلامية عن الدولة، مثل الدكتور عبد الوهاب الأفندي صاحب (الاصلاح السياسي في السودان)؟
حديثي قديم في هذه المسألة، ولي مقال منشور العام الفائت وذكرت فيه كل آرائي القديمة وظللت أدعو لهذا دوماً. والفرق بيني وعبد الوهاب انه اختار الخروج في وقت مبكر، ونحن اخترنا أن نثابر على فكرة الاصلاح حتى أوصلناها إلى ما أوصلناها إليه.
* بعد كل هذه الفترة من هم الأصوب، الذين خرجوا أم الذين ثابروا على الاصلاح من الداخل؟
أنا اعتقد أن كلا منا حقق نجاحاً بطريقته. والمؤتمر الوطني الآن من حيث أفكار الكتلة المكونة له لا خلاف انها تقدمت جداً، وأنا أتحدث عن قيادته وعن أفكار قيادته. ولكن هناك كثيرون يؤمنون بأفكار الاصلاح داخل المؤتمر الوطني.
* عاب عليك أهل المؤتمر الشعبي أنك توليت كبر المنافحة عن مجموعة القصر ابان المفاصلة الشهيرة، فهل انت نادم على ذلك بعد أن تيقنت بضرورة ترك المؤتمر الوطني؟
انا مقتنع بموقفي تماماً ولدي حيثيات خاصة. أنا ادعو لوحدة الصف السياسي، وسعيت رغم الموقف الذي اتخذته عبر مواصلات مشهودة، وفي أكثر من مبادرة لتوحيد الصف الاسلامي، حتى يئست من ذلك. أما موقفي أثناء المفاصلة فقد كان موقفاً مبدئياً مؤسساً على وثائق الحزب، وعلى أوراقه التي امتلكها أنا باعتباري مقرراً لمجلس الشورى، وأيضاً على مضابط الاجتماعات وهذا ما بنيت عليه موقفي.
* المنافحة والموقف المبدئي هذا هل أتى بنتائجه، والآن لجنة المحاسبة تقول أن موقفك يتطابق مع المعارضة ومع أعداء المؤتمر الوطني؟
الذين ينتقدون الرسالة المفتوحة يقولون أنهم لا يعترضون على مضمونها، ولكن يعترضون على توقيتها، ونحن قلنا كلمة في وقت كان من الضروري أن يتصدى شخص ذو ضمير حي ليقول تلك الكلمة، ونحن فخورون جدا بالكلمة التي قلناها أثناء الأحداث. والحكومة نفسها قالت إن الذين قتلوا المتظاهرين هي جهة غير معلومة، ومهمة الحكومة وليست الشعب هي ان تتعرف على هذه الجهة غير المعلومة وان تكف يدها عن المواطنين والحكومة لم تفعل ذلك، وهذا ما اعترضنا عليه، وسنعترض عليه مجدداً وفي كل مناسبة، وهذا ليس تحميلاً وخذلاناً للجيش لأن القوات المسلحة لم تكن معنية بهذه المظاهرات، ولا حتى بقوات الأمن ولا قوات الشرطة. نحن طالبنا بالتعرف على هذه القوة غير المعلومة التي صرح بها أقطاب الحكومة ومحاسبة هذه الجهة غير المعلومة وايقافها عند حدها.
* كيف تنظر لحديث لجنة المحاسبة بأنكم قمتم بالاتصال بالأحزب المعارضة والمعادية؟
هذه أحزاب مسجلة وموجودة في الساحة السياسية ونحن لم نتصل بها اطلاقا كأحزاب. واتصلنا بها كشخصيات سياسية ونحن شخصيات سياسية، فما الذي يمنعني أنا كشخص سياسي وباحث ومفكر الاتصال بالصادق المهدي وحسن الترابي. وهذه ليست المرة الاولى التي نتصل بهم، ونتصل بهم في الساحة السياسية العامة. وهذه العقلية الأمنية، فهل الاتصال بشخص سياسي يحمل أفكاراً سياسية مختلفة جريمة أمنية، (ايه المشكلة؟! مش هم التقوا مع حسن الترابي؟).
* تقصد لقاء الترابي وعلي محمود وزير المالية؟
ليس علي محمود. الترابي التقى مع من هو أكبر من علي محمود، وأما الصادق المهدي فليلتقوا به لأن ابنه معهم في الحكومة، وهل حرام علينا أن نلتقي بشخصية سياسية وأن نتفاكر معها، وأن نتبادل الأفكار معهم حول السودان، هل نحن أطفال في مدرسة، وهل وصلنا الى هذا الحد؟! عموما هذا يكشف عن الطريقة التي يتعامل بها المؤتمر الوطني مع قياداته، نحن قيادات ولنا دور كبير في المؤتمر الوطني، وشخصياً لدي اسهامات فكرية وثقافية فكيف يتم منعي من الحديث مع شخصيات سياسية، خاصة أننا لم نلتق بهم بصفتنا الحزبية، ولم نوقع معهم اتفاقاً، وكان اللقاء عفوياً عما يحدث في الساحة السياسية، وتبادلنا فيه المقترحات فقط.
الأهرام اليوم
[email protected]