الدكتور خليل إبراهيم .. في عيد ميلاده الثاني
حامد حجر ـ [email protected]
يصادف اليوم ذكري إستشهاده (ميلاده) الثاني، لست بصدد تعداد مناقبه وهي كثيرة، وإنما سأروي بعض مما كان يريد الرجل أن يتحقق، كان خليلاً ينام بالقرب من أحلامه، وذات يومٍ غفا في حضور عدد من الضباط المقاتلين، من بينهم إبراهيم البغدادي، فتمتم الشهيد خليل بكلماتٍ وهو في سِنوه تلك، من بينها “أرميه جيم”،(Armee JEM)، بالفرنسية، ثم صحا للحظته، فسئل عن ما قال وهو بين النوم والصحو فأجاب: (أيوه، قوات العدل والمساواة أحسن جيش في العالم)، هكذا كان الشهيد شديد الإعتزاز بجيشه، الذي كان يعتقد بانه سوف لن يخزله أبداَ، وسينتصر حتماً علي الظلم والإفقار المُمنهج.
بالنسبة لجنود وضباط حركة العدل والمساواة السودانية، لقد أصبح الشهيد خليل إبراهيم في مخيلتهم الجماعية، قديساً ملهماً للتمرد علي مؤسسات (الخرُدة)، بوعي أن النمل الابيض قد نخر فيه تماماً، وأضعفته تناقضات النظام الداخلية، ومظاهر عدم الفاعلية، وهذه هي خلاصة الحراك السياسي الاخير في البلاد، أي مظاهرات سبتمبر، أما الجبهة الثورية التي يتجمع الناس حولها لإسقاط النظام، وبعد مرور عشرة سنوات من عمر ثورة الهامش في دارفور، يستبين اليوم الأمور أكثر وضوحاً، والشهيد كان شجاعاً بقوله في “الكتاب الأسود” وبالأرقام بأن في الهيكلِ لصٌ.
في عيد ميلاده الثاني نتذكر، أنه كان حُلمه الشخصي أن تنتصر “ثورة الهامش” وتصل الجحافل المُحررة إلي الخرطوم، وفي الأسبوع الأول كان ينوي علي إقامة صيوان كبير وسرادق للعرس الجماعي الكبير للشباب المقاتلين، اللذين منعتهم إنشغالهم بالقتال من الزواج، وكل ذلك في ميدان (المُولد)، لينوب عنهم أجمعين ويوقع علي دفتر المأزون، ويترأي الأيادي المخضبة بالحناء، والوجوه التي ترتسم عليها علامات الرضا، والزغرودة تنطلق من حناجر الميارم من دار أندوكة الذي منح الثورة “حامد خميس” كأول شهيد للحركة والأرض الواسعة، من كارياري إلي أرتشرو في كفِل جبل مون، ولا تنتهي الهلهولة لا في دار ميدوب وجبل عيسي، ولا في دار المسيرية هناك في ناما والمجلد، الأرض التي أحبها “شهامة” الشهيد فضيل رحومة “خال فاطنة” والشهيد أبوزمام كير، وقبلهما الشهيد بابو محمد المسيري الذي أستشهد وهو يقاوم جيش النظام في معركة (تندي).
كان حلم الشهيد، بأن يعود النازين من “سام ونجو”، دقوبا، تريجن، بريجن، وحجر حديد، إلي قراهم النموزجية من جديد وقد تغيرت حياتهم نحو الأفضل وذلك بتدخل الدولة الراشدة والقيام بمسئولياتها من ناحية الخدمات ومن صحة وعلاج وتعليم، وبفرص متكافئة لكل الناس؛ وحلمه أيضاَ، أن يعقد مؤتمراً لعودة اللأجئين واللدياسبورا من المنافي البعيدة، في مدن الدردار، ليقوموا بمسئولياتهم في بناء السودان الخالي من التهميش، كان يريد أن يزجيهم شكر أهلهم علي المساندة ورفع الصوت عالياً في بلاد اللجؤ، كان يريد أن يضع شارات العرفان في صدورهم، إعتزازاً بهم ولشرف نضالهم الذي لم يتوقف منذ بداية ثورة الهامش. أولئك النساء والرجال الذين صنعوا فرقاً في وعي الناس، وتناول المُسكوت عنه في موقع “سودانيزأونلاين”، الرفاق تراجي مصطفي، محمد سليمان كوجوك، دكتور بشارة صقر، أبونمو، بكري أبوبكر، أبكر آدم إسماعيل، معتز تروتسكي، بوتشر، سجيمان، سارة عيسي، آدم بوش، إبراهيم بقال، منعم سليمان، صديق الموج، وقائمة الشهيد تتطاول بالأسماء ولا تسعهم وريقتي هذه فلهم العتبي.
صهيل خيول العدالة لا تنقطع علي مدي عشرة أعوام والرجال الصابرون، يتقاطرون تيناً وزيتوناً علي ميدان الحركة من دامرة (المِستريحة)، البطل الشهيد “أبوكزيمة”، والشهيد أحمد دلي “الجَسير”وكل “الجندي المظلوم” تنام عن شواردها في جبل عافون، والإرادة هي من تهزم الدبابة بعد إنطلاق الحناجر بالصياح بمعني الأثير “مافي حَل غير البّل”، ونزكر بالمناسبة الشهيد الهلباوي البطل الطاهر كاكوم، رجلاً نقياً صادقاً رحل بعد أن عاهد رفيقه الشهيد خليل، يستأهل الشكر هؤلاء الشباب وعلي صبرهم الجميل، وخيولهم التي لم تترك الخببَ، منذ طلائع كاتيا وأبو سروج، بل منذ صبيحة أبوقمرة ومستريه وجانقايا، في تلك الأرض الشاسعة ذات تجريدات فراغية تحفر علي رؤي طوباوية للعدل والمساواة، شديدة الكمال، وتتكامل الثورات القبائل في مجراها الرئيسي(main stream)، مقاتلي الإيرنقا من أبو سروج، ومقاتلي المسيرية من جبل مون، والمساليت من دار أندوكة، والميدوب من المالحة وعمبسارو، بل الحمَر من الدم جمد، والمسيرية الحُمر، والزرُق، الحوازمة، النوبة أنقولو، الفور، شات، تورو، الجنقو، البجا.. وكل الناس.
الدكتور خليل، أيقونة لا يمكن تكرارها علي مستوي العمل السياسي العسكري، فقد كان مسرعاً وراء مجده الثوري، الذي أنتهي به شهيداً من أجل العدالة في الهامش الكبير، وألهم آخرين علي مستوي حركة العدل والمساواة، لمواصلة رحلة الإرتقاء من أجل الأهداف النبيلة، رغم مرارة من تركنا في منتصف الطريق، وهادن عدو الأمس، بدون مبررات وجيهة، وعزؤنا بأنك يا خليل رحلت كما الأبطال وتعمقت برحيلك الثورة من أجل العدالة والمساواة والديمقراطية.
كمبالا 23/12/2013م