بقلم : صلاح سليمان جاموس
[email protected]
تحت نار هادئة وبوتيرة متسرعة تتحرك عصابة المؤتمر الوطني في إطار تحقيق (السيناريو الدارفوري) في إقليم كردفان ، وهو سيناريو التفكيك الجغرافي وتمزيق النسيج الإجتماعي الذي نجحت فيه العصابة الحاكمة بدرجة كبيرة خاصة فيما يخص الجانب المجتمعي حيث عملت الحكومة علي حرق القري وقتل سكانها أو تهجيرهم وإحلال القبائل المنتمية لمجموعات الجنجويد الإرهابية بمساكن القبائل الزنجية التي تستهدفها الحكومة في برنامجها وسياستها العامة تجاه السكان الأصليين بدارفور وهو ما بات يُعرف بـ (الإبادة الجماعية) والتي بسببها تتحرك العدالة الدولية منذ أمد بعيد لتوقيف السفاح البشير ومساعديه من قيادات حكومته إضافة لقيادات عصابات الجنجويد من أمثال موسي هلال وعلي كوشيب وغيرهم من المجرمين..
السيناريو الذي بدأت حكومة الخرطوم لإنزاله أرض الواقع الكردفاني بدأ منذ توقيع نيفاشا حيث كان أوضح برامجه تقسيم كردفان إلي ثلاثة ولايات آخرها غرب كردفان بعد أن دُمِجت في الولايتين في وقت سابق لنيفاشا. التحركات الفعلية لحكومة الخرطوم لتحقيق أهدافها يظهر جلياً في القوافل التي تتحرك الآن بين المواطنين في شكل قوافل دعوية ولكنها تحريضية وبغرض إيجاد الفِتن بين المكون الاجتماعي لكل كردفان وبخاصة منطقة جبال النوبة.
المنطقة المستهدفة حالياً وبصورة كبيرة هي المنطقة الشرقية منطقة تقلي التي حولتها حكومة الاستعمار إلي مجلس ريفي تقلي، واستمرت هكذا في عهد الحكومات الوطنية ، حتي جاء الرئيس نميري وحولها لمجلس ريفي رشاد. جغرافيا تقع حدود المنطقة بين طوطاح بين (أم روابة و العباسية) شمالاً ومنطقة اللير جنوباً ، وسارت بهذا الاسم ( ريفي أم روابة) حتي بداية ما يُعرف بحكومة الإنقاذ ليتم تحويلها إلي (محافظة رشاد) قبل توقيع إتفاقية نيفاشا تم تقسيمها إلي ثلاث محافظات هي ( أبو جبيهة – رشاد و تلودي ) بعد الحرب الأخيرة تم تقسيم رشاد مرّة أُخري إلي (رشاد – العباسية و أبو كرشولا ). كما تم تقسيم الجزء الشرقي من أبو جبيهة المتاخم للنيل الأبيض لخلق محافظة التضامن ، إضافة لمحليات تلودي – الليري – كادوقلي وكلوقي (قدير) وصل عدد المحليات إلي ثمانية في المنطقة.
عندما توجهت بالسؤال للإستاذ أحمد عبدالله عمر ، (أمبدي) – الناشط السياسي والحقوقي عن الأسباب الحقيقية التي بسببها تم تقسيم المنطقة بهذه الطريق قال : درجت حكومة المؤتمر الوطني لخلق بؤر صراع في مناطق الهامش لإفقارها وبالتالي إفقار سكانها والفوز بالثروات .. ومعروف أن كردفان عموماً غنية بالموارد البترولية والمعادن بخاصة الذهب الذي يوجد بكميات كبيرة بمنطقة تقلي وغيرها. وكان ردّه عندما سألته : هل هناك جهات تقف ضد سياسات الحكومة الرامية لتمزيق جغرافية تقلي وثقافتها .. كان رده بأن مواطن المنطقة مغلوب علي أمره فهو بين مطرقة الحرب المفروضة عليه من المركز وسندان الظروف الاقتصادية التي يعيشها نتيجة ممارسات النظام الذي مازال يجتهد وللأسف – بأفراد من أهل المنطقة لتنفيذ سيناريو التمزيق . في اللحظة التي تقتل فيها عصابات حكومة الخرطوم لمواطني كردفان فإن مليشيات النظام ذاتها التي تقتل تقوم بتوفير الأمن في مناطق التعدين عن الذهب.
لم أتناول سيناريو الحكومة التي تجتهد لتنفيذه بكردفان بسبب أنه يمثل تكرار وإعادة إنتاج لسياسات المركز منذ الإستعمار تجاه أهل الهامش ، تلك السياسات التي تندرج تحت المفهوم العام (فرِّق تسُد) . هذه السياسات التي نمت وترعرعت في عهد الحكومة الحالية وأصبح لها أنياب ومخالب ولا تتوّرع مكونات حكومة الخرطوم في سحق كل أهل الهامش من أجل تحقيقها. الكُرة الآن في ملعب مواطن الولاية الذي يستشعر خطر سياسات حكومة الخرطوم بحق المنطقة وأهلها ، وحتي أُلئك المُغفلين الذين ينفذون مخططات ضد أهلهم مقابل فتات من موائد اللِئام وهم لا يدرون. علي الجميع التكاتف لوأد المخططات الخبيثة لعصابة البشير وعدم الانسياق وراء دعوات الانشقاق الداخلي ومطالبة كل محلية بالانفصال عن بقية مكونات كردفان، والعمل علي الوِحدة. هل نعي نحن أهل الهامش ذلك الخطر القادِم ؟. رُبما..