الخرطوم وجوبا تتفقان على بدء ترسيم الحدود بينهما في غضون أسبوعين
حريق ضخم يقضي على أكبر سوق في عاصمة دولة جنوب السودان.. وتوقعات بندرة في السلع
لندن: إمام محمد إمام ومصطفى سري
يبدأ وفدا السودان وجنوب السودان مفاوضاتهما حول موضوع النفط وسط تفاؤل حذر من الطرفين اليوم، بعد أن اتفقا على تحديد نقاط الخلاف بينهما في هذا الشأن. وفي الوقت نفسه، توصلا إلى اتفاق على بدء ترسيم الحدود بين البلدين في غضون أسبوعين من التوقيع على الاتفاق الإطاري حول الحدود، وفق المقترح الذي قدمته الوساطة الأفريقية التي يترأسها الرئيس الجنوب أفريقي السابق ثابو مبيكي.
وقالت مصادر من مقر المفاوضات في أديس أبابا لـ«الشرق الأوسط»: إن الخرطوم وجوبا اتفقتا على بدء مفاوضاتهما في قضية النفط التي كانت وراء انهيار جولات من التفاوض الشهر الماضي، مما دفع جوبا إلى إغلاق آبار النفط والبحث عن بدائل للتصدير عبر موانئ كينيا وجيبوتي. وأضافت أن هناك تفاؤلا حذرا من الطرفين حول إمكانية حسم هذا الملف. وأضافت أن الطرفين تباحثا في إمكانية معاودة تصدير النفط عبر السودان بشرط أن يتم التوصل إلى اتفاق تجاري يشمل رسوم العبور، ومعالجة وترحيل النفط وفق المعايير الدولية المتعارف عليها في صناعة النفط. وقالت المصادر إن الطرفين اتفقا على الأجندة التي سيتفاوضان عليها وفقا لملف النفط والتي اشتملت ضمان قيام دولتين ناجحتين على أساس التعاون بينهما من ناحية، وعلى الاعتراف واحترام سيادة الدولتين وسلامة أراضيهما، والكف عن النزاع على المناطق الحدودية بين الدولتين.
وقال الدكتور صابر محمد الحسن، محافظ بنك السودان السابق عضو وفد المفاوضات السوداني في أديس أبابا، لـ«الشرق الأوسط»: «إن النهج الذي يتبعه وفد جنوب السودان في تجميع القضايا المختلف عليها في جولة المفاوضات الحالية يجعل الوصل إلى اتفاق حولها أمرا عسيرا؛ لذلك من الضروري التركيز على ثلاث قضايا مطروحة حاليا، هي: الجنسية والحدود والنفط»، مشيرا إلى أن النهج «غير بنَّاء» من قبل جنوب السودان الذي اتهمه بالتسبب في إنهاء اجتماع أمس.
وأضاف الدكتور الحسن أن وفد السودان في المفاوضات عرض إنشاء لجنة عليا لحل المشاكل المتعلقة بالجنسية، لكن ممثلي جنوب السودان «أصروا على الدخول في التفاصيل، وهذا ما رفضناه، فانتهى الاجتماع من دون الوصول إلى اتفاق».
ويوجد ما بين 300 و500 ألف من أبناء جنوب السودان في السودان، الذي أمهلهم حتى 8 أبريل (نيسان) المقبل لمغادرة أراضيه أو توفيق أوضاعهم. وترى الأمم المتحدة أنه من المستحيل عمليا إعادة هؤلاء كلهم خلال هذه المهلة. وقال الدكتور الحسن: «إن جوبا أصرت على أن يتم مقدما تحديد كيفية إعادة هؤلاء إلى جنوب السودان». أما في ما يتعلق بموضوع النفط، فقال الدكتور الحسن: «اتفقنا على تحديد نقاط الخلاف، ومن ثم الدخول في مناقشتها غدا (اليوم). بينما قال باقان أموم، رئيس وفد جنوب السودان للمفاوضات، إنه ما زال متفائلا بإمكانية توصل الجانبين إلى تسوية لمشكلة الجنسية، على الرغم من هذا الخلاف، في الوقت الذي يرى نظيره السوداني أنه من غير المرجح التوصل إلى اتفاق محتمل قبل انتهاء جولة مفاوضات أديس أبابا المقررة في 16 مارس (آذار) الحالي. وقال الدكتور الحسن: «إن الاتفاق يتم بمشاركة الطرفين. وأنا شخصيا لست متفائلا حقا». ويتعين أن يتفق الطرفان أيضا على رسوم مرور نفط جنوب السودان عبر خط الأنابيب الذي يعبر الأراضي السودانية.
من جانبه، قال باقان أموم، رئيس وفد دولة جنوب السودان في المفاوضات، في تصريحات عقب الاجتماع: إن هناك روحا إيجابية سادت المحادثات. وأضاف: «الروح كانت إيجابية، وسنعود لمناقشة إمكانية التوصل إلى اتفاق إطاري يتضمن رؤيتنا والتباحث حولها كحزمة واحدة لتقديم مساعدة مالية لجمهورية السودان في مقابل اعترافها واحترامها لسيادة جنوب السودان وسلامة أراضيه، التي تشمل أبيي وغيرها من المناطق الحدودية». وقال إن الطرفين سيتناقشان حول إمكانية معاودة إنتاج النفط وتصديره عبر السودان في حال وافقت الخرطوم على توفير ضمانات كافية تتطلب وجود طرف ثالث كالصين أو الهند أو ماليزيا، لضمان تنفيذه إذا تم التوصل إلى اتفاق تجاري، وقال: «حينها سنقوم بإبلاغ الرئيس سلفا كير ميارديت ومجلس وزراء حكومة جنوب السودان لتقديم الاتفاق إلى البرلمان للمصادقة عليه، ولاتخاذ قرار معاودة الإنتاج وتصديره عبر السودان؛ لأنه الجهة التي اتخذت قرار الإغلاق في المقام الأول».
على صعيد آخر، قضى حريق ضخم على أكبر أسواق جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان، ولم تتمكن فرق الإطفاء من احتوائه، وقد جاء على 95% من المحال التجارية، في وقت تظاهر فيه العشرات أمام البرلمان أول من أمس احتجاجا على مقتل 8 أشخاص في نزاع حول أراضٍ في إحدى ضواحي العاصمة.
في غضون ذلك، حذر زعيم معارضة في الخرطوم من ثورة الجياع في السودان وأنها ستصبح أسوأ من الصومال، وتوقع أن يتحد الشمال والجنوب بعد إسقاط نظام الرئيس السوداني عمر البشير.
وتضاربت الأنباء حول أسباب حريق سوق كونجي كونجي، وهي كبرى الأسواق الشعبية، ومبانيها مختلفة من الأخشاب والمواد المحلية، وأخرى من المواد الثابتة والطوب، وقد أعاد الحريق إلى الأذهان ما حدث في مقري رئيس الدولة سلفا كير ميارديت والأمانة العامة للحركة الشعبية الحاكمة في الدولة حديثة الاستقلال، ويعمل في السوق، إلى جانب مواطني الجنوب، تجار من وسط السودان ودارفور ودولة أوغندا.
وقال محمد باب الله، عمدة جوبا، لـ«الشرق الأوسط»: إن الحريق سببه تماس كهربائي، وليس بفعل فاعل، مشيرا إلى أنه لا توجد خسائر في الأرواح، لكنه توقع أن تحدث ندرة في السلع باعتبار أن هذه السوق يتم من خلالها توزيع جميع السلع في العاصمة والمدن القريبة في الجنوب. وأضاف أنه شكل لجنة تحقيق من الشرطة والأجهزة الأمنية لحصر الخسائر المادية والأضرار التي سببها الحريق وحجم الأضرار. وقال إن كل الحرائق التي شهدتها جوبا، بما فيها مقر إقامة الرئيس سلفا كير ومبنى الحزب الحاكم، كانت بسبب الكهرباء وتوصيلاتها.
من جانبه، قال أتيم قرنق، زعيم الأغلبية في البرلمان الجنوبي القيادي في الحركة الشعبية، لـ«الشرق الأوسط»: إن الحريق ليس عفويا، وإن الهدف من ورائه خلق ندرة في السلع، خاصة أن هذه السوق هي الكبرى في جوبا. وأضاف: «لا أستبعد وجود مخطط تدميري من قبل المؤتمر الوطني الذي أعلن موقفه بإحداث فوضى في جنوب السودان لضمه بالقوة، وآخر تلك التصريحات لنائب الرئيس السوداني الحاج آدم يوسف وقبله نافع علي نافع، مساعد البشير». وتابع: «قادة المؤتمر الوطني رددوا أكثر من مرة سرا وعلانية أن لديهم خلايا نائمة لنسف الاستقرار في جنوب السودان، سواء بالميليشيات أو افتعال هذه الأحداث». إلى ذلك، تظاهر العشرات، أغلبهم من النساء، احتجاجا على مقتل 8 أشخاص، وقد حملوا جثامين القتلى أمام البرلمان، بعد أن أغلقوا الطريق المؤدي إلى مباني الوزارات في جوبا إلى أن وصلوا إلى مباني البرلمان وطلبوا الحديث مع رئيسه وأعضائه.
من جانبه، قال الدكتور برنابا مريال بنجامين لـ«الشرق الأوسط»: إن القتال الذي نشب في بلدة بوقلي لم يكن قبليا ولا تقف وراءه جهات سياسية، وإنما بسبب الأراضي. وأضاف أن الجهات المختصة ألقت القبض على المتسببين في الأحداث، مشيرا إلى أن حكومة ولاية الاستوائية الوسطى كانت قد قررت هدم بعض المباني. وأضاف: «لكن الحكومة القومية أوقفت الإجراء حتى يتم تعويض أصحاب تلك المباني».