الخرطوم تعلن إيقاف دفع عائدات النفط إلى جنوب السودان من حقول تم ضمها إلى الشمال…سلفاكير : اجتماع المكتب السياسي للحركة سيناقش مصير ومستقبل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان أشرف قاضى
أعلنت الحكومة السودانية أنها ستوقف دفع 50 في المائة، من عائدات النفط من حقول هجليج، كانت ترسل إلى حكومة الجنوب وفق اتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين في 2005، بعد قرار هيئة التحكيم الدولية في لاهاي إلحاق هذه المنطقة (هجليج) بالشمال. وقالت إن قرار توقيف الدفع سيبدأ اعتبارا من يوم صدور قرار التحكيم بلاهاي الأربعاء الماضي، في وقت أعلن النائب الأول للرئيس السوداني رئيس حكومة الجنوب سيلفا كير ميارديت، أن المكتب السياسي للحركة الشعبية التي يتزعمها سيدرس مصير ومستقبل رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان أشرف قاضي، على خلفية تصريحات سابقة للأخير، بوجود قوات تابعة لحكومة الجنوب حول ابيي قبيل صدور القرار بشأنها الأسبوع الماضي.
واعتبر عضو وفد الحكومة في التحكيم حول أبيي الدرديري محمد أحمد في تصريحات صحافية، أن الحكم الصادر من لاهاي حول ابيي بتبعية هجليج إلى الجنوب فإن هناك متأخرات ضخمة على الحكومة السودانية كانت تدفعها لحكومة الجنوب سيتم استردادها، وقال: «اعتبارا من إعلان التحكيم لن تدفع الحكومة منها شيئا لحكومة الجنوب سوى نسبة 2 في المائة تدفع لحكومة جنوب كردفان». وكشف الدرديري عن اتفاق بين حكومتي الوحدة الوطنية والجنوب على تصفية الحساب حول الأموال التي دفعت لحكومة الجنوب من حقول هجليج، وذلك بالخصم من نصيب حكومة الجنوب، معتبرا وجود أصوات مخالفة لقرار لاهاي ليس بالأمر المستغرب. وأقر بوجود آراء مخالفة بالمحكمة، وقال: «كل ما نستحقه لم نحصل عليه»، مشددا على أن حكم المحكمة لا يعني عدم التزام الحكومة بالقرار، مشيرا إلى أن المسيرية وسكان ابيي من دينكا نقوك سيقررون مصيرهم ومستقبلهم بالتصويت على أن تنضم المنطقة إلى الجنوب أو الشمال.
وكشف الدرديري، أن الحكومة قدمت مقترحات للحركة الشعبية حول المنطقة من قبل، ولكنها رفضت مؤكدا حرص الرئيس على الحل السياسي، وأضاف، «لم نترك سبيلا إلا سلكناه، ولولا مواقف بعض المتشددين داخل الحركة لما لجأت الحكومة إلى التحكيم»، وقال إنه في حال غياب التحكيم فإن الأطراف كانت ستتجه إلى الحرب، معتبرا الدخول إلى التحكيم كان الخيار الأخير في ظل غياب رؤية سياسية للطرف الآخر، وتابع «البديل كان هو الحرب ولذلك قبلنا بالتحكيم».
من جهة أخرى أكد رئيس حكومة الجنوب رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان سلفاكير ميارديت، أن اجتماع المكتب السياسي للحركة سيناقش مصير ومستقبل ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بالسودان، أشرف قاضى، في أعقاب تصريحاته التي قال فيها، إن وحدات من الجيش الشعبي وشرطة جنوب السودان انتشرت في منطقة ابيى الأسبوع الماضي. وقال زعيم الحركة، إن لحركته مطلق الخيار في قبول أو رفض وجود المسؤول الأممي في الأراضي السودانية.
غير أن نائب الناطق الرسمي باسم بعثة الأمم المتحدة في السودان زروق كويدار، اعتبر أن تصريحات رئيس البعثة أشرف قاضي، حول انتشار عناصر مسلحة في المناطق المحيطة بأبيي لا تمثل اتهاما لأي من الأطراف بخرق اتفاقية خارطة طريق أبيي، وقال إن تصريحات قاضي جاءت بمثابة تنبيه لأطراف النزاع في المنطقة لاتخاذ الاحتياطات اللازمة قبيل صدور قرار محكمة التحكيم بشأن ابيي، داعيا إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بين كافة الأطراف لتنفيذ اتفاقية السلام الشامل واتفاق خارطة طريق ابيى.
وعلا إلى السطح خلاف بين شريكي نيفاشا حول عملية الاستفتاء في ابيي، لتقرير مصيرها بين البقاء في الشمال كما هو عليه الآن، أو الانضمام إلى الجنوب، وركز الخلاف حول «من هو الشخص المسموح له بالتصويت في الاستفتاء. هل سيكون حصرا على دينكا نقوك فقط أم سيشمل التصويت المسيرية».
ورد الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم، بتشدد على حديث للرئيس عمر البشير، ليل أول من أمس، في لقاء مع أنباء المسيرية في الخرطوم، قال فيه، إن التصويت في الاستفتاء حول تقرير مصير ابيي «لأي سوداني في المنطقة»، وقال أموم في تصريحات صحافية، إن الاستفتاء حول تبعية أبيي «من حق أبناء دينكا نقوك فقط»، بحسب قرار المحكمة، الذي أشار إلى أن المنطقة تتبع لعموديات دينكا نقوك التسعة»، وحذر أموم من أن الحركة قد تضطر للتصعيد إذا استمرت محاولات المؤتمر الوطني للتراجع عن التزاماته، واعتبر تصريحات البشير محاولة للالتفاف علي قرار المحكمة حول ترسيم حدود ابيي. وكان البشير ذكر في لهجة متشددة، أن حق الاستفتاء لتحديد تبعية أبيي في عام ألفين وأحد عشر لن يكون محصورا علي أبناء دينكا نقوك فقط، وإنما كافة القبائل الموجودة في المنطقة. في الأثناء، طالب ناظر المسيرية الأمير مختار بابو نمر، رئاسة الجمهورية بتعويض أبناء المسيرية جراء «الظلم الذي لحق بهم بسبب قرار التحكيم بشأن ترسيم حدود أبيي، القرار الذي أفقد المسيرية بعض أراضيهم»، وقال نمر في تصريحات متشددة في الخرطوم «لا بد من إنشاء قرى نموذجية بالمنطقة إضافة لتوفير الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء المسيرية لتمكينهم من الاستقرار بالمنطقة»، غير أنه جدد الالتزام بتعهد المسيرية بقبول قرار المحكمة. من جانبه، اعتبر عبد الله الصادق، رئيس مفوضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، بأن قرار التحكيم متوازن، وكشف أن المفوضية ستعمل كذلك علي ترسيم الحدود بين ولايتي «الوحدة وجنوب كردفان» بعد الخلاف بين الولايتين حول ذلك، وأضاف أن المفوضية سوف تنتهي من عملها النهائي في الترسيم في موعد أقصاه الثلاثين من سبتمبر المقبل، ورفع تقريرا بذلك لرئاسة الجمهورية. في غضون ذلك، أعلن مسؤولون في «إدارية ابيي»، وهي إدارية مشتركة من شريكي الحكم في البلاد، أن لجنة دولية ستصل إلى ابيي اليوم، لتحديد الخارطة الجديدة لابيي على الأرض في الأثناء، هدد نافع علي نافع مساعد الرئيس السوداني، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، أن حكومته «لن تسمح بحرية لقلب النظام أو التحريض ضده»، واعتبر نافع الداعين لحكومة قومية «واهمين»، وقال في لقاء وسط أنصار حزبه في ولاية النيل الأبيض وسط السودان، إن الحكومة القائمة لن تتغير إلا بحكومة منتخبة، ودعا نافع الذي يشتهر بتوجيه الهجوم العنيف على المعارضة السودانية، للتصالح والاتفاق مع القوى السياسية بإقرار نهج قويم للبلاد، وقال: القوى السياسية لتأسيس أحزاب تقوم على الشورى والمؤسسية، وحرض قواعد الأحزاب بما فيها الوطني، على الرفض والتمرد على حكم الفرد. وأبدي ظني في إقامة حوار عميق مع القوى السياسية حول الحريات والوفاق، إلا أنه عاد. وفي السياق أكد د. نافع أن لا عزة ولا منعة للسودان إلا بإعداد القوة والتضحية والفداء، حسب تعبيره.
إلى ذلك طالب نائب رئيس الحركة الشعبية ووالي النيل الأزرق مالك عقار، بإيجاد آلية فعالة وسريعة لإنفاذ قرار محكمة التحكيم في لاهاي بشأن أبيي، معتبرا القرار بمثابة انتصار لطرفي النزاع، مجددا ترحيب والتزام الحركة الشعبية بالقرار. من جهته قال رئيس مفوضية ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب البروفسور عبد الله الصادق، إن قرار التحكيم الدولي متوازن، وأضاف أن المفوضية ستعمل علي ترسيم الحدود بين ولايتي الوحدة وجنوب كردفان بعد الخلاف بين الولايتين حول آبار النفط في منطقة هجليج، التي تم ضمها إلى الشمال بموجب قرار التحكيم الدولي حول ابيي، وقال إن مفوضيته ستنهي أعمالها في ترسيم في موعد أقصاه الثلاثين من سبتمبر (أيلول) المقبل ورفع تقرير بذلك لرئاسة الجمهورية.
إلى ذلك، رحب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ بالتزام الحكومة السودانية والمتمردين السابقين في جنوب السودان تطبيق القرار القضائي الدولي حول منطقة ابيي النفطية المتنازع عليها. وقال بينغ في بيان إن «هذا القرار ورد الفعل الإيجابي للطرفين يشكلان خطوة بالغة الدلالة في إطار الجهود الهادفة إلى ضمان نجاح تطبيق اتفاق السلام الشامل» بين الجانبين. وأضاف «عبر قبولهما القرار القضائي، أظهر الجانبان التزامهما الوفاء بواجباتهما في إطار اتفاق السلام الشامل، وإرساء سلام دائم واستقرار في بلدهما». وأنهى اتفاق السلام الشامل عام 2005 عشرين عاما من الحرب الأهلية بين الحكومة السودانية ومتمردي جنوب السودان. وبعدما لجأ إليها الطرفان إثر معارك عنيفة بينهما في مايو (أيار) 2008 في ابيي، قررت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي تغيير حدود المنطقة المتنازع عليها، بحيث تقلصت مساحتها من 18 ألفا و500 كلم مربع إلى عشرة آلاف كلم مربع. وأعلنت الخرطوم أن هذا القرار يعني سيطرتها على المنطقة الشمالية من ابيي الغنية بالنفط.
لندن: مصطفى سري الخرطوم: إسماعيل آدم
الشرق الاوسط