الخرطوم تستبق الانفصال بصدمة اقتصادية تقشفية.. وترفع أسعار المحروقات والسكر

     الخرطوم تستبق الانفصال بصدمة اقتصادية تقشفية.. وترفع أسعار المحروقات والسكر

اجتماع استثنائي للحكومة حتى فجر أمس وقرارات بتخفيض مرتبات الدستوريين وحظر استيراد بعض السلع

الخرطوم: فايز الشيخ
أعلنت الحكومة السودانية عن خطة اقتصادية تقشفية، مثيرة للجدل، لمواجهة، أي صدمات اقتصادية قد تنتج بعد انفصال الجنوب، وخروج 70 في المائة من واردات النفط التي تنتج في آبار الجنوب. وتتعلق الإجراءات الجديدة التي أعدتها وزارة المالية وصادق عليها مجلس الوزراء فجر أمس، برفع أسعار المحروقات والسكر وإجراءات للحد من الإنفاق الحكومي وخفض مرتبات الدستوريين وموازنات البعثات الدبلوماسية، إلى جانب حظر بعض السلع من الاستيراد ورفع الرسوم الجمركية على بعض السلع غير الضرورية وترشيد الاستخدام الحكومي للنقد الأجنبي واستمرار سياسة الإدارة لسعر الصرف بواسطة بنك السودان. وتأتي هذه الخطوة التي تستبق إجراء استفتاء جنوب السودان الأحد المقبل، في وقت تتصاعد فيه أسعار السلع والعملات الأجنبية بشكل متسارع منذ عدة أسابيع في أول صدمة للاقتصاد السوداني.وعقد مجلس الوزراء مساء الثلاثاء جلسة استثنائية استمرت حتى فجر يوم أمس فور عودة الرئيس عمر البشير من زيارته لمدينة جوبا عاصمة الجنوب. وأقر مجلس الوزراء في جلسته الاستثنائية خطة وزارة المالية الرامية لإحداث إصلاحات اقتصادية وإزالة بعض الخلل في هياكل الاقتصاد الوطني. وقال وزير المالية علي محمود في تصريحات صحافية فجر أمس إن «مجلس الوزراء أقر الإجراءات التقشفية المتعلقة بخفض الإنفاق الحكومي، التي قدمتها وزارته حتى لا تتجاوز مصروفات الدولة إيراداتها». داعيا إلى ضرورة دعم الإنتاج بغرض إحلال الواردات لدعم ميزان المدفوعات، مبينا أن العجز الذي يحدث في الموازنة العامة للدولة يأتي نتيجة لتضخم الصرف والإنفاق الزائد. وأوضح الوزير السوداني أن إجراءات وزارته استهدفت دعم قطاعات الإنتاج باعتبار أن الخلل في العرض والطلب الكليين هو الذي يؤدي إلى حدوث فجوة في بعض السلع، مما يضطر الدولة للجوء إلى الاستيراد.
وأضاف وزير المالية «في الميزان الخارجي لدينا خلل أيضا لأن وارداتنا أكثر من صادراتنا، وهذا يشكل ضغطا على أرصدة الدولة من النقد الأجنبي واحتياطات البنك المركزي»، وأبان أن وزارته اتخذت إجراءات لترشيد الاستيراد وتوجيه موارد النقد الأجنبي لأغراض استيراد السلع الضرورية للمواطنين ودعم مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي.

وفسر اقتصاديون الإجراءات الاقتصادية الكبيرة لفقدان الشمال لما يقارب نسبة 70% من موارد الموازنة العامة والممثلة في النفط الذي ينتج في الجنوب ويصدر عبر الشمال، في وقت لا يزال شريكا الحكم (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) يتباحثان حول قسمة جديدة للنفط. وكان الجنوب يحوز نسبة 50% من عائد النفط، فيما تذهب ذات النسبة للشمال. واعتبر خبراء اقتصاديون وباحثون أن ارتفاع الأسعار والتضخم الذي تشهده البلاد هذه الأيام مؤشر لتداعيات الانفصال واستدلوا على ذلك باتجاه الدولة لإنشاء وزارة لحماية المستهلك.

وقال الخبير الاقتصادي وزير المالية الأسبق محمد خير الزبير، «ما يحدث من سياسة تجاه النقد الأجنبي وارتفاع أسعار السكر والخبز إلى جانب بقية السلع الأخرى مؤشر على أن تداعيات الانفصال قد بدأت بالفعل تطفو على السطح»، وأشار الزبير إلى آثار الانفصال على مسيرة الاقتصاد والتنمية، خلال ورشة نظمت بالخرطوم، وقال «إنه في حالة انفصال الجنوب ستكون هناك آثار سالبة متعددة تترتب مباشرة على مسيرة الاقتصاد والتنمية بالولايات بما في ذلك ولاية الخرطوم على المدى الطويل والقصير والمتوسط».

في غضون ذلك، عقد المجلس الوطني، أمس، جلسة أجازت السياسات المقدمة من مجلس الوزراء، وصادق البرلمان على قانون اعتماد مالي إضافي على الموازنة للعائدات النفطية والسكر تم بموجبه دعم العاملين في الدولة بنسبة 76% والشرائح الضعيفة والطوارئ بنسبة 24%. وقرر البرلمان بموجب الاعتماد المالي الإضافي زيادة أسعار المحروقات والسكر، وخفض مرتبات الدستوريين اتحاديا وولائيا، والسفر إلى الخارج وخفض موازنة البعثات الخارجية. وشملت الزيادات التي وافق عليها البرلمان رفع سعر جالون البنزين من 6.5 جنيه (أكثر من دولارين) إلى 8.5 جنيه سوداني، والجازولين إلى 6.5 جنيه، وغاز الطبخ من 12 جنيها إلى 13 جنيها، وغاز الطائرات إلى 6.5 جنيه، وفرض رسوم 20 جنيها على جوال السكر المحلي ليتوازن مع السكر المستورد، كما تم بموجب هذه الإجراءات الاقتصادية تخفيض مرتبات الدستوريين في المركز والولايات بنسبة 25%، وخفض موازنة البعثات الخارجية بنسبة 10% وخفض السفر الخارجي للدستوريين والتنفيذيين وموظفي الدولة بنسبة 30% وذلك بموجب مذكرة قرارات السفر بمجلس الوزراء إلى جانب خفض درجات السفر وعدد المرافقين وعدد الأيام والوفود الرسمية، وشملت الإجراءات الاقتصادية وقف شراء العربات الحكومية إلا للضرورة ووفق ضوابط محددة ووقف تصديقات المباني والمنشآت الجديدة وشراء الأثاثات الحكومية وتخفيض بند شراء السلع والخدمات للوزارات والوحدات بنسبة 30% عدا الوحدات الإيرادية والاستراتيجية والإنتاجية وذلك من خلال الربع الأول من عام التجربة.

وأعلن وزير المالية بموجب هذه القرارات منح العاملين بالدولة في الخدمة المدنية والعسكرية والمعاشيين منحة شهرية تبلغ 100 جنيه وتوفير وجبة مدرسية مجانية للتلاميذ والطلاب الفقراء وزيادة الكفالة للطلاب من 100 ألف طالب إلى 200 ألف طالب وتحمل الرسوم الدراسية للطلاب الفقراء بالجامعات ودعم 500 ألف أسرة فقيرة وزيادة اعتمادات العلاج المجاني وتضمينه في التأمين الصحي وكهربة المشاريع الزراعية التي تستخدم الجازولين لتلافي زيادة الأسعار للجازولين ومشاريع الثروة الحيوانية من خلال إنشاء صندوق للزراعة يودع فيه مبلغ 150 مليون دولار لتوفير المدخلات الزراعية الضرورية وإنشاء صندوق لدعم الصناعة بمبلغ 150 مليونا لزيادة الإنتاج الصناعي.

وتضمنت الإجراءات الاقتصادية الجديدة، إعادة هيكلة الدولة على المستويين الاتحادي والولائي، وتخفيض الصرف على بعض مشاريع التنمية غير الاستراتيجية ووقف الهياكل الوظيفية للوزارات والوحدات عدا الوزارات الجديدة التي أنشئت جديدا، وشملت القرارات الجديدة تصفية الشركات الحكومية وفق قرارات مجلس الوزراء بنهاية عام 2011، والتخلص من أسهم الدولة في شركات الاعتماد المشتركة بالبيع لتوفير موارد إضافية للخزينة العامة، وإلغاء إعفاء الضريبة على القيمة المضافة الممنوح لبعض السلع، وفي مجال الميزان الخارجي إعداد قوائم لحظر بعض السلع من الاستيراد، ورفع الرسوم الجمركية على بعض السلع غير الضرورية وترشيد الاستخدام الحكومي للنقد الأجنبي، واستمرار سياسة الإدارة لسعر الصرف بواسطة بنك السودان ومحاربة ظاهرة التلاعب في قوانين الصادر والوارد للسلع، ومحاربة تجنيب العملة بالخارج، ووقف استيراد بعض السلع غير الضرورية، وتوجيه النقد الأجنبي نحو استيراد السلع الضرورية مثل القمح والأدوية، وربط الخبير الاقتصادي ووزير المالية الأسبق الزبير بين السياسات وخروج جزء مقدر من الموارد النفطية على معدلات النمو الاقتصادي الكلي وعلى الموازنة العامة للدولة وميزان المدفوعات على المدى القصير والمتوسط إلى جانب أثر خروج ثلث مساحة السودان بما فيها (أراض زراعية وثروة حيوانية، ومياه الأمطار، والمعادن، والنفط)، ونوه بأنه سوف ترتب آثار سالبة ناتجة عن ضعف الإيرادات للحكومة الاتحادية وانخفاض حصيلة البلاد من النقد الأجنبي التي ستؤدي إلى ارتفاع حاد في معدلات التضخم، الأمر الذي سيكون له تأثير مباشر على المواطنين الذين سيتأثرون بارتفاع معدلات التضخم، فيما رأى الخبير الاقتصادي محمد رشاد أن «المرحلة المقبلة مرحلة لا يمكن تجاهلها، وأن الانفصال يعني اقتسام الموارد وبالتالي لا يمكن تجاهل مآلات ذلك على الاقتصاد السوداني الذي ضربته الدولة بإهمال الزراعة، وخصوصا المشاريع الزراعية الضخمة مثل مشروع الجزيرة، واعتمدت على النفط الذي بحدوث الانفصال سيكون في كف عفريت، خصوصا في حالة اندلاع الحرب».
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *