الحزب القومى السودانى .. نحروه .. أم إنتحر !!..( ١ – ٢

 

الحزب القومى السودانى .. نحروه .. أم إنتحر !!..

( ١ – ٢ )

 

بقلم/ آدم جمال أحمد – سدنى – استراليا

 

   إن عملية النقد فى أى حزب ضرورة للوقوف على بواطن الضعف والخلل والعمل على تصحيح مساره وتطوره والإرتقاء بمؤسساته وسلامة حركته من كل عطب أو خلل ، والنقد يهدف الى كشف الحقائق وتشخيص الداء والواقع وتحديد نقاط الضعف التى تعيق عمله وتحول دون تقدمه لفتح الآفاق وإبتكار الحلول الناجعة للمشكلات والأزمات ، والنقد بمثابة إشارات ولا ينمو إلا فى ظل الجو الديمقراطى الذى يوفر قدراً واسعاً من الحرية وحق التعبير ليغدوا حقاً مشاعاً للجميع يصدحون فيه بكلمة الحق لا يخافون من تزمر جماعة أو فئة أو غضب زعيم ، إنما هى مواقف تمليها المبادئ وتسندها الضمائر الحية ويجليها العلم والمعرفة ، ما دام النقد يهدف الى معالجة مظاهر الضعف والقصور لأجهزة الحزب وتمكيناً لتمتين الوحدة والثقة بين مكوناته وتحسيناً للأداء وتجويده وتوسيعاً لقاعدة المشاركة وتحقيقاً لفاعلية أجهزته لتحقيق نتائج أفضل فى تجربة الحزب ، والنقد يفتح أبواباً جديدة للمعرفة .. وكل ناقد له رؤيته الخاصة التى تستند الى مرجعيته الفكرية لإسراء الساحة لإنتاج المعارف والأفكار لتولد المفاهيم الجديدة.

 

وهذا يقودنا الى الحديث عن الحزب القومى السودانى والذى كنا نرى من خلاله مستقبل جبال النوبة والسودان ، فلماذا يتخلف حتى الآن ؟!.. أى بمعنى آخر لماذا تتعثر وتتعطل مسيرته فى الساحة السياسية فى مجابهة التحديات التى تحول دون تقدمه وبدأ يختفى ويتلاشى عن الساحة ؟ .. ولماذا فشل فى إستيعاب كل الإثنيات والعرقيات وبعض القيادات المنشقة منه أو الوصول معها الى حد أدنى من الإتفاق حول القضايا المصيرية لظرف المرحلة ؟.. وما هى رؤيته فى إيجاد آلية للحوار بين الحزب والأطراف الأخري ؟.. وهل يستطيع الحزب القومى أن يحقق من خلال منظومته الجديدة إذا تم ترميمه وإحيائه من جديد بجمع اشلائه المتبعثرة .. ما فشلت فى تحقيقه الأحزاب النوبية عبر تاريخها السياسى فى جبال النوبة ؟.. وهل يستطيع الحزب القومى أن يدفع بالقوى الأخرى المتمثلة فى أفراد وقيادات فى أحزاب أخرى أن تنتظم فى صفوفه أو تتاح لهم فرصة المشاركة فى مستقبل جبال النوبة ؟.. وهل يتمكن الحزب القومى من المساهمة فى تصحيح المسار السياسى فى جبال النوبة ، والتى فشلت فيها الحركة الشعبية ؟!.. وما هى رؤيته لتصحيح الأوضاع المتردية فى ظل الغياب السياسى بجبال النوبة ؟.. وهل بإمكانه العمل على حشد الشعب النوبى ( جماهير وسكان منطقة جنوب كردفان ) حول المعانى والقيم والأهداف والبرامج الخاصة بالحزب ليجعلها حامياً وحارساً لسياساته ؟!..

 

نحن نسرد هذه الأسئلة ونعلم ما يدور فى أذهان الكثير من جماهير جبال النوبة من تساؤلات والتى تحتاج الى إجابات ، حتى تزول ضبابية رؤيتها والغشاوة فى مفاهيمها ونظرتها للحزب ، رغم إتهامه بما آلت اليه الأمور فى جبال النوبة وضعف تحقيق مطالب النوبة فى مفاوضات نيفاشا بسبب موقف قياداته ، ونحن نعلم يقيناً بأن الأهداف التى توحدت عليها الأحزاب الأربعة فى مؤتمر ( كاودا ) تحت شعار ومظلة ( القومى المتحد ) لم يكن فارغ المحتوى والمضمون كما يعتقد البعض ، وخاصة بعد أن صار ولاء أفراد جبال النوبة اليوم موزعاً بين تيار قيادات الحركة الشعبية التى أثبتت فشلها فى تحقيق أدنى مطالب ابناء النوبة ، وتيار حزب المؤتمر الوطنى الذى إختزل قضية جبال النوبة وبدأ يعمل ضد رغباتهم ، ونجد رغم أن الأحزاب النوبية لقد توحدت فى أول إجماع نوبى لعموم النوبة ، لأن النوبة لم يصلوا الى إتفاق يوماً ما على مستوى تاريخهم السياسى والنضالى إلا فى مؤتمر ( كاودا ) ليصبح مدافعاً عن قضاياهم فى جبال النوبة والساحة السياسية وبين قيادات وأحزاب سياسية أخرى ولكن أللهم لا شماتة!!.

 

وهذا يجعلنا نعرج قليلاً للحديث عن إيجابيات الحزب ودوره منذ نشأته وحتى اليوم ومتابعة تطوره الذى واكب مسيرة المعارضة السودانية قديماً وحديثاً ، رغم الإتهامات ضده ، لقد إستطاع بحكم حجم المسئوليات المستقبلية أن يقف مدافعاًعن القضايا المصيرية والرؤية المستقبلية لجبال النوبة ، ولقد حقق إنجازات ملموسة على أرض الواقع فى الخارج والداخل ، إلا أن قصوراً قد أعترى مسيرته من حيث التفعيل الجيد لآلياته وأدائه فى مراحله المختلفة ، لكنه رغم ذلك إستطاع أن ينال القبول المحلى فى السودان والإعتراف به فى المحيط  الاقليمى والمجتمع الدولى.

 

والتحديات القادمة كبيرة .. والحزب سيواجه عدة تحديات تتمثل فى إحياء الحزب من جديد ، وبرنامج عمل ورؤية سياسية وطرح فكرى وعلاقات الخارجية وداخلية للإلتقاء مع الأخرين ، وهذا ما تعانيه كل الأحزاب السودانية فى الساحة السياسية ، بالإضافة الى ضعف الجانب الإعلامى الذى غيب دور الحزب كتنظيم ، وفقدان الثقة وضبابية الرؤية الفكرية تجاه بعض القضايا وكذلك عدم وجود رؤية واضحة للفترة الإنتقالية والسلام والمشورة الشعبية والإنتخابات وما هى مساهماته فى إطار القضية النوبية ، وما هى رؤيته حيال جبال النوبة فى حالة إنفصال الجنوب ، وذلك كله يحتاج لخلق آلية للحوار ومآلات المستقبل لتلافى القصور فى الممارسة والمؤسسية التى أدت الى الفشل فى عدم خلق توازن تجعل العمل يسير بالصورة المتوازنة ، بالإضافة الى التمويل الذى يعتبر عصب الحركة والحياة فى أى حزب وكذلك التأهيل والتدريب والتجديد.

 

لذا إننا نعتقد بأن الحوار مع الأخرين يجب أن يكون الحزب القومى سباقاً اليه بالرغم من أنه لا يملك إمكانيات مالية ، ولكنه يملك شبكة من القدرات والمعلومات وبعض النخب السياسية الشابة  ( القيادات الشابة الحديثة ) غير الخاضعة للتوجهات الإثنية والعرقية وغير المصبوغة بالعصبية القبلية الضيقة ، والتى تنطلق من أرضية قومية وطنية لها القدرة على الإنفتاح وإستوعاب الأخر ، خاصة بعد التحولات الأخيرة فى الساحة السياسية السودانية والنوبية على وجه الخصوص !!.

 

التحولات والمتغيرات القادمة بعد إنفصال الجنوب كبيرة والتى لا محالة أنها قادمة ، ولكن لا ندرى بأى شاكلة فلذلك لا بد من معالجة مظاهر الضعف والقصور فى أداء وأجهزة الحزب ، وما يتحتم على الحزب القومى هو كيفية التصدى للمسئولية التاريخية فى الساحة السياسية النوبية على وجه الخصوص والسودان بصفة عامة .. ونحن لا سيما سوف نشهد فترة تحولات والساحة النوبية مقبلة الى إنتخابات ومشورة شعبية لرسم مستقبل جبال النوبة وشعبها ، والتى تحتاج لفتح وإجراء الحوار مع الأخرين ، وخاصة الحركة الشعبية فى جبال النوبة والتنسيق معها ومع القيادات الأخرى وبقية الأحزاب السياسية بجبال مهما كان حجم الخلاف بينهم !! والوسط النوبى يحتاج لجسم فى شكل وعاء جامع لاستوعابهم جمعياً حتى تصبح قوة متحدة بفهم ووعى جيد ، لأن جموع كبيرة من أبناء جبال النوبة تتابع ما يحدث فى الساحة السياسية بوعى ، لذلك نحتاج فى الحزب القومى السودانى والحركة الشعبية وبقية الأحزاب وقيادات النوبة لأسلوب فيه نوع من المرونة بالنزول الى جماهير وقواعد النوبة من خلال برامج طموحة تجد فيها نفسها عبر خطاب سياسى تتجرد فيه القيادات النوبية من الصبغة الجهوية والعصبية والقبلية ، لتجد الجماهير إجابات وحلول لكثير من أسئلتها التى تدور فى أذهانها ؟!!…

 

فإنطلاقاً من المسئولية الوطنية التى تستلزم التصدى الأمين والشجاع لتجربة الحزب القومى السودانى منذ تاسيسه وحتى الآن حول قضايا جبال النوبة والسودان وخاصة علاقتة مع ( الحركة الشعبية ) إن وجدت ، مع الحفاظ على قيمه التاريخية .. يجب أن نقف عندها طويلاً نراجع ما تم إنجازه فى هذه المرحلة ونؤمن عليها ونراجع ما لم يتم تنفيذه آملاً فى الوصول الى تحقيق ما لم يكن قد تم تحقيقه فى الفترة الماضية .. فالحزب قدم مساهمات إيجابية ومقدرة لا يمكن لأحد أن ينكرها مهما إختلفنا أو إتفقنا معه ، ونعتقد أنها أثرت على حركة العمل السياسى فى جبال النوبة وحركة المعارضة السياسية ، وفرض وجوده وأصبح مؤثراً على مجريات الأحداث المحلية والاقليمية بفكر لكنه غير مكتمل ، مما يحتاج لإعداد دراسات من خلال لجان متحصصة لجميع قيادات وقواعد الحزب لتقييم تجربته فى مراحلها المختلفة والتفكير فى كيفية إحيائه وضخ روح العمل فيه من جديد.

 

وإيماناً منا بأن الخلافات بين قيادات النوبة لا تحل قضية .. لذلك نرغب فى تجاوز الخلافات بالحوار السلمى والطرح الموضوعى البناء وذلك بتوحيد الرؤى للوصول الى صيغة مشتركة بينها للحل السياسى ، ( لأن الإختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية ) ، من أجل الدفع بالجهود لتقارب الشقة بينهم لتوحيد الصف النوبى وإيجاد آلية للحوار بين الحركة الشعبية والحزب القومى وحزب العدالة والحزب اللبرالى وحزب البعث العربى والأطراف الأخرى لدرء كافة المخاطر المحدقة بمنطقة جبال النوبة ، وإنتهاج علاقات سياسية متوازنة تراعى مصالح المنطقة وكل حزب .. تقوم على الإحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى تنظيم أو حزب والتعاون مع بعض على الساحة السياسية السودانية رغم تحفظاتنا على بعض الأحزاب التى ساهمت ولها ممارسات خاطئة فى جبال النوبة.

 

إن قصور الحزب هو قصور موجود فى أى حزب سياسى فى دول العالم الثالث قياساً بتجربته القصيرة فى تعاطى السياسة مقارنة ببعض الأحزاب الأخرى فإن الحزب القومى أحسن حالاً ، فالصراعات بين قياداته أقل حدة من صراعات قياداتها لأنها غير عميقة والحزب كفيل بمعالجتها ومعالجة اى قصور للعبور به نحو النجاح وبر الأمان لتحقيق إستراتيجية الأهداف الموضوعة .. فهناك محطات أساسية فى عمر الحزب القومى ولقد حقق فيها إنجازات وكان على رأسها توحيد الأحزاب الأربعة فى حزب واحد فى مؤتمر ( كاودا ) والخروج بتوصيات وقرارات كانت مثار جدلاً واسعاً فى الأوساط السياسية ، ولكنها كانت سابقة أولى وخطأ فى العمل السياسى والتى تعتبر إنتحار جماعى ، وبذلك لقد ( إنتحر ) الحزب القومى حينما فوضوا القائد جون قرنق للتفاوض نيابة عن النوبة فى مفاوضات نيفاشا بكينيا .. ولكن للأسف بفترة وجيزة أقل من شهر دب الخلاف مرة أخرى بين قياداته ، ولقد تم ( نحر ) الحزب القومى السودانى من بعض قياداته التاريخية حينما نفضت غبار مقررات ( كاودا ) من أياديها وذهبت وتوالت مع نظام الخرطوم الحاكم ، أى ( نحروه ) وجاءوا كممثلين عن النوبة فى وفد الحكومة للمفاوضات وهم بدورهم فوضوا كذلك النظام للتحدث نيابة عن النوبة ، فكان التناقض الكبير والخزلان المبين ، وحينها خرج النوبة من مولد المفاوضات بما تسمى بالمشورة الشعبية.  

 

وكذلك إستطاع الحزب المساهمة فى طرح القضية النوبية والممارسات اللإنسانية لمنظمات المجتمع المدنى ومن خلال منابر المحافل الآقليمية والدولية ، وكشف ممارسات النظام وتعريته أمام المجتمع الدولى ، ولقد واصل الحزب القومى سياسية دبلوماسية فى الضغط على دول الإيقاد وأصدقاء وشركاء دول الإيقاد من خلال مذكراته وزياراته المتكررة ، وفى إطار لقاءاته مع قيادات الحركة الشعبية لتناول قضية جبال النوبة والإصرار على مناقشتها فى منبر الإيقاد ، والتى رفضتها الحكومة من جانبها ولكنها رضخت ووافقت أخيراً مما يعنى الإعتراف بالحزب القومى وقوة تأثيره !!.. بالإضافة الى لقائه بمبعوث السلام الأمريكى .. السيناتور ( دانفورث ) .. وتمليكه كل الحقائق عن منطقة جبال النوبة وما يحاك ضدها من مؤامرات ، والحزب القومى هو الحزب السودانى الوحيد الذى أطلق على نفسه كلمة ( القومى ) وفتح باب عضويته لكل قطاعات الشعب السودانى دون أى فوارق عرقية أو دينية أو مكانية.

 

ونواصل ما تبقى فى الحلقة القادمة إنشاء الله …………….

 

استراليا    سدنى       13  نوفمبر 2010

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *