البشير يقترح مراجعة بنود اتفاقية السلام: لن نقبل بديلا عن الوحدة
المتحدث باسم جيش الجنوب لـ«الشرق الأوسط»: الحرب قد تشتعل في أي وقت.. ولن نكون أول البادئين
الخرطوم: فايز الشيخ لندن: مصطفى سري
في خطوة مثيرة للجدل، أعلن الرئيس السوداني عمر البشير، أنه «لن يقبل بديلا عن الوحدة» في الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان الذي سيجري في يناير (كانون الثاني) المقبل، مشددا على أن اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بين الشمال والجنوب عام 2005، وأنهت عقودا من الحرب الأهلية، هي اتفاقية «وحدة.. لا انفصال»، على الرغم من التزامه بتنفيذها. ودعا البشير لإعادة فتح الاتفاقية في ما يتعلق بالترتيبات الأمنية، لمنح حكومة الجنوب مسؤوليات الأمن في الإقليم كافة، ورفع مستوى الخدمات ومراجعة تقسيم السلطة على المستوى المركزي لتوسيع دائرة المشاركة. وقال البشير إن حكومته سوف تجري ترتيبات دستورية وتنفيذية كثيرة ومؤثرة، لمقابلة المستجدات المتأتية عقب الاستفتاء، مهما كانت نتيجة الاستحقاق. وقد رفضت الحركة الشعبية الحاكمة في الجنوب مقترحات البشير، وحذر الناطق باسم جيش الجنوب من أن الحرب قد تبدأ في أي وقت، ولكنه أشار لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن جيشه لن يكون البادئ بها.
وتزامنت تصريحات الرئيس السوداني مع الإعلان في أديس أبابا عن فشل المفاوضات التي كانت تجري في العاصمة الإثيوبية بين ممثلين للشمال والجنوب حول وضع منطقة أبيي الغنية بالنفط الواقعة على الحدود بين الشمال والجنوب.
وقال البشير في خطابه أمام البرلمان بمناسبة افتتاح دورته الجديدة: «على الرغم من التزامنا باتفاق السلام الشامل، فإننا لن نقبل بديلا عن الوحدة». وشدد على أن «الوحدة هي الخيار الراجح للجنوب إذا أتيحت له حرية الاختيار في استفتاء حر ونزيه». وأضاف أن «ترسيم الحدود عامل حاسم في إجراء استفتاء عادل ونزيه». ويربط البشير بذلك بشكل غير مباشر بين إجراء الاستفتاء وبين الاتفاق بين الشمال والجنوب على ترسيم الحدود.
في غضون ذلك، أعلن رئيس نواب الحركة الشعبية في البرلمان توماس واني لـ«الشرق الأوسط»، رفضهم لمقترحات الرئيس البشير حتى ولو أدت إلى زيادة نسب الجنوب في السلطة وحصته في الثروة، باعتبار أن مراجعة الاتفاق تعني التنصل من استحقاقات اتفاق السلام الشامل. وأكد واني على أن الحركة الشعبية تطالب بإجراء الاستفتاء في موعده المحدد، وفي أجواء من الحرية والنزاهة في الجنوب وفي منقطة أبيي، بينما اعتبر المسؤول السياسي للمؤتمر الشعبي المعارض كمال عمر «خطاب الرئيس البشير نوعا من الاستهلاك السياسي»، وقال: «لا أحد عاد يصدق ما يصدر من المؤتمر الوطني، والجنوب هو اليوم أقرب إلى الانفصال، والمطلوب فقط هو إجراء الاستفتاء بحرية ونزاهة وقبول النتيجة لأن خيار الوحدة لم يعد جاذبا للجنوبيين بسبب سياسات المؤتمر الوطني»، وتساءل عن مغزى تقديم العروض بمراجعة السلطة والثروة في هذا الوقت. لكن عمر دعا «المؤتمر الوطني» إلى «قبول حكومة انتقالية تشارك فيها كل القوى السياسية للقيام بإصلاحات سياسية ودستورية تتماشى مع المرحلة وتقوم بالإشراف على عملية استفتاء سكان جنوب السودان». وبموجب اتفاقية السلام الشامل، كان يفترض أن يتوصل الطرفان إلى اتفاق على ترسيم الحدود في غضون ثلاثة أشهر، إلا أنهما حتى الآن لم يتمكنا من تسوية الخلافات القائمة بينهما في هذا الشأن. ويقول الجنوبيون إنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود قبل الاستفتاء، لكنهم يؤكدون أن مثل هذا الاتفاق ليس شرطا لإجراء الاستفتاء. وتعد مسألة ترسيم الحدود بالغة الحساسية بالنظر إلى أن حقول النفط الرئيسية تقع في المناطق الحدودية.
وأعلن وفدان من حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان أمس أنهما فشلا في التوصل إلى اتفاق بشأن منطقة أبيي الحدودية الغنية بالنفط المتنازع عليها بعد محادثات استمرت تسعة أيام في أديس أبابا، قدمت واشنطن خلالها مجموعة اقتراحات لم تجد تجاوبا كافيا من الطرفين. وفي بيان مشترك، أوضح الجانبان أنه «على الرغم من الجهود الجادة والمباحثات المثمرة لم يتم التوصل إلى اتفاق حول معايير مشاركة الناخبين في الاستفتاء حول منطقة أبيي». لكن البيان قال إن «الطرفين وافقا على درس (مسألة) أبيي في إطار مقاربة أوسع وأشمل في إطار ترتيبات» تتعلق بالاستفتاءات والفترة التي تعقبها حول جنوب السودان، مشيرا إلى اجتماع قريب «في إثيوبيا نهاية الشهر الحالي. وسيختار المواطنون في منطقة أبيي ما إذا كانوا يريدون الانضمام إلى الشمال أم إلى الجنوب، وذلك من خلال استفتاء يفترض أن يجرى في يناير (كانون الثاني) بالتزامن مع الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب». من جهته، حذر مسؤول كبير في جيش جنوب السودان من اندلاع حرب بين الشمال والجنوب في أي وقت، واصفا الأوضاع الأمنية في الحدود بينهما خاصة في منطقة أبيي، بأنها تشهد تدهورا كبيرا بسبب التوترات الجارية. وشدد على أن الجيش الشعبي لن يبدأ بالحرب، لكنه سيدافع عن سكان وأراضي الجنوب، في وقت استقبل فيه طلاب جامعة جوبا نائب الرئيس السوداني علي عثمان طه الذي وصل إليها أمس للاجتماع مع رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت، بمظاهرات غاضبة عبروا فيها عن رفضهم لما تعرض له طلاب في الخرطوم من اعتقالات ومحاكمات خلال أعمال شغب بين مؤيدين للوحدة ومؤيدين للانفصال.
وقال المتحدث باسم الجيش الشعبي كوال ديم كوال لـ«الشرق الأوسط» إن الأوضاع في أبيي متوترة للغاية، مشيرا إلى أن أحد جنود الجيش السوداني ضمن الوحدات المشتركة في أبيي أطلق نيران عشوائية في سوق أبيي مساء أول من أمس، وأصاب أحد التجار من أبناء دارفور. وقال إن بقية معسكر الجيش الحكومي في المنطقة أطلقوا النيران في الهواء حتى الساعات الأولى من صباح أمس لترهيب السكان. وتابع: «لكن انضباط قيادة معسكر الجيش الشعبي في أبيي حال دون أن يدخل جنودنا في أي اشتباك، ونزعوا فتيل حرب مؤكدة»، مجددا مطالبته لبعثة الأمم المتحدة في الجنوب بإجراء التحقيق، خاصة أنها هي التي تدخلت وأوقفت نيران الجيش الحكومي، متهما «المؤتمر الوطني» بالإعداد للحرب من خلال نافذة منطقة أبيي. وأضاف: «نحن لن نبدأ الحرب التي يمكن أن تحدث في أي وقت، وسندافع عن شعبنا في حال الاعتداء علينا».
وأشار كوال إلى أن قواته تتابع الوضع عن كثب باعتبار أن الجيش الحكومي و«المؤتمر الوطني» يسعيان لإشعال فتيل الحرب بصورة عاجلة، وقال إن التعليمات الصادرة لجنود الجيش الشعبي هي ضبط النفس وعدم الاعتداء إلا في حالة الدفاع عن النفس. وأضاف: «لقد سحبوا أسرهم من أبيي، وبعض التجار غادروا بتعليمات من (المؤتمر الوطني)»، وقال إن خطة الجيش الحكومي هي احتلال أبيي وجزء من ولاية الوحدة، وهما، استراتيجيا، المنطقتان الغنيتان بالنفط، مشيرا إلى وجود أعداد كبيرة من الجيش الحكومي في منطقتي دفرة وياما، وهما تتبعان منطقة أبيي بحسب قرار هيئة التحكيم الدولية حول المنطقة، وتابع: «إنهم يريدون تخريب اتفاقية السلام لأنهم مجرمون ويسعون للحرب بأي وسيلة».
من جهة أخرى، قالت مصادر في جوبا لـ«الشرق الأوسط» إن طلابا من جامعة جوبا تظاهروا أمس عند وصول نائب الرئيس السوداني علي عثمان إلى المدينة أمس للاجتماع مع رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت لإنقاذ انهيار المحادثات في أبيي التي فشلت أمس في أديس أبابا، وأضافت أن المتظاهرين هتفوا ضد طه ونددوا بالتعامل الذي وجده مؤيدو الانفصال في الخرطوم من اعتقال وتعذيب وقمع.