البشير ودبي في قمة المناديل البيضاء

البشير ودبي في قمة المناديل البيضاء
في سابقة نادرة في عالم البرتوكولات الدبلوماسية رفع الرئيسان السوداني عمر البشير وشادي إدريس دبي  مناديل بيضاء دليل قاطع على صدق نواياهما لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها , وتنفيذ ما تم وما سوف يتم بينهما من التفاهمات في الخرطوم .
جاء الرئيسان إلى السلطة في زمان متقارب نسبياً , عندما استولى عمر البشير على السلطة في السودان منتصف عام 1989م , كان إدريس دبي ثائراً أو متمرداً ضد نظام الرئيس حسين هبري في شاد , واتخذ من جبال في شمال دارفور ملجأً ينطلق منها  إلى عمق شاد , أول ما قامت به الحكومة في الخرطوم إزاء مشكلة المتمردين الشاديين في السودان يومذاك  أمر الجيش السوداني بحصر وتجميع المقاتلين الشاديين بقيادة ادرس دبي في معسكرات اللاجئين ونزع سلاحهم أو مغادرة الأراضي السودانية في خلال أربعة وعشرين ساعة فقط , وهذا بعد التفاهم مع حسين هبري تبعاً ,هذا هو القرار نهائي لحكومة الخرطوم ضد القوة المتمردة بقيادة إدريس دبي في دارفور .
رغم صعوبة الموقف اتخذت القوة قراراً بمغادرة الأراضي السودانية في خلال يومين , وقامت بسلسلة هجمات ألحقت القوات الشادية بخسائر فادحة , وعلى الحدود الشادية السودانية وفي معركة فاصلة هزم إدريس دبي قوات حسين هبري الخاصة , ووصل عاصمة انجامينا اثر فرار حسين هبري وأعوانه إلى سنغال  , كان ذلك في عام 1991م  أي بعد عامين من استيلاء البشير على السلطة في السودان , ما يردده الأعلام السوداني بأن الفضل يرجع للنظام الإنقاذ في استيلاء الرئيس دبي إلى السلطة في جمهورية شاد يجهلون هذه الحقيقة أو يريدون تزوير الحقائق ويستغفلون عامة الناس .ولكن نظام الإنقاذ ساند الرئيس دبي بعد أن احكم الأخير سيطرته على شاد, ليس من اجل سواد عيون الشاديين ولكن لأسباب الآتية:
– كانت حكومة الإنقاذ في حاجة ماسة إلى منافذ ومساحة للحركة وعلاقات حسن الجوار بعد الحصار الذي فرضته عليها القوى الغربية بسبب مشروعها الحضاري المزعوم ومقاطعة دول الخليج العربي ومصر من موقفها في حرب تحرير الكويت وهزيمة حليفها بغداد في الحرب.
– المساندة تعتبر اعتذاراً ضمنياً لموقف حكومة  الإنقاذ ضد الرئيس دبي عندما كان ثائراً في دارفور غربي السودان .
– كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان تحاصر حكومة الإنقاذ من الجنوب والشرق بحكم علاقاتها التاريخية مع دول الجوار في جنوب السودان – يوغندا وكينيا -, وأثيوبيا في الشرق , فلذا يعتبر غرب السودان هو الجسر الوحيد إلى العالم الخارجي ومساحة تحرك الآمن للسودان .
– منذ وقت مبكر فطن النظام في الخرطوم , أن باب غرب السودان من محتمل أن يدخل منه الريح لذلك يريد أن يؤمن هذا الباب ويستريح لا بسده ولكن بفتحه على طريقته  .
– النظام في شاد كان متعاوناً وصادقاً في انفتاح على السودان وساند مواقف الحكومة السودانية في المحافل الدولية وصار الرئيس السوداني عمر البشير صديق شخصي لرئيس ادرسي دبي.
ما الذي افسد العلاقات السودانية الشادية:
لا تستقيم العلاقة بين دولتين متجاورتين ومتماثلين عرقياً وثقافياً أحداهما تخوض حرباً أهلية الصراع وعدم الاستقرار في إحدى الدولتين ينعكس سلباً إلى الأخرى, هذا لا يحتاج إلى برهان,. فلنتفق في البدء على أن الحرب في دارفور لا علاقة له بالنظام الرئيس إدريس دبي في شاد البتة , قد لا يصدق البعض ما أقوله ولكن هذه هي الحقيقة , التي لا تريد الحكومة في السودان الاعتراف بها .دعني أوضح أكثر : لدارفور مظالم تاريخية معروفة للجميع , وبدأ الاحتجاج منذ منتصف الستينيات القرن الماضي – جبهة نهضة دارفور , وسوني ,  والخ..ما دور جمهورية شاد في ذلك!!, قاد داود يحي بولاد , وهو احد ابرز قيادات الحركة الإسلامية في السودان تمرداً مسلحاً في منطقة جبل مرة قادماً من جنوب السودان ..ما دور جمهورية شاد في ذلك !! , أسس عبد الواحد محمد نور نواة لحركة تحرير السودان في عام 2002م في قمة جبل مرة, ما دور جمهورية شاد في ذلك !!. الحكومة الشادية هي المستفيدة من العلاقات الدافئة بين الدولتين في جميع المجالات  , اقتصادياً وامنياً وثقافياً والخ.. لماذا تخرب العلاقات بدعم الحركات المتمردة هنا وهناك !!؟ .قديماً قيل : إذا أردت أن تطاع فأمر بالمستطاع  , بما أن قضية دارفور قضية سودانية داخلية مائة في مائة الا أن السودان طلب من جارة شاد المستحيل في العمل على تحقيق  السلام في دارفور , جمهورية شاد دولة مترامية الأطراف تقدر مساحتها بحوالي نصف مساحة السودان ( نصف مليون ميل مربع )  متنوعة  الثقافات و العرقيات والاثنيات والديانات مثل السودان تماماً كما ذكرنا في مقال سابق , لا تستطيع أي حكومة في شاد ضبط ومراقبة الحدود الممتد بين الدولتين حوالي نصف مليون كيلومتر مهما قويت قبضة الدولة على الحدود , وبإمكان المتسللين عبر الحدود الإفلات من المراقبة ونقل الأسلحة من والى الدولتين كما حصل , ومن وراء ظهر الأجهزة الأمنية ..ولم تستطع النظام في شاد إقناع أبناء الزغازة المتمردين  بعدم جدوى محاربة الحكومة السودانية كما تأمل النظام في الخرطوم , لأنها لم تصنع التمرد ولم تشارك في تأسيس التمرد في دارفور ولم تشارك في قتال ضد الحكومة السودانية , ولو حصل ذلك أكيد من مجموعات نهب مسلح لا علاقة لها بالحكومة الشادية , ولم ولن تستطيع الحكومة الشادية التحكم في قبيلة الزغاوة التي تنتشر في مساحة شاسعة في مثلث الصحراوي بين الجمهوريات الثلاث السودان , ليبيا , شاد ولم ينبغي لها أن تفعل ذلك ,ولو رغبت ذلك حكومة البشير.
قبيلة فوبيا :
منذ فراق الترابي والبشير, المؤتمر الوطني يعاني قبيلة ( phobia )
في التسعينيات أيام حرب المتحركات إلى الجنوب تعتقد حكومة الإنقاذ أن القضاء على قبيلة الدينكا في الجنوب تنهي الحرب , وبنفس المفهوم يعتقد المؤتمر الوطني أن القضاء على قبيلة الزغاوة تنهي الحرب في دارفور , ولكي يتم ذلك يجب الإسقاط حكومة إدريس دبي في شاد بأي ثمن , والتفاف الزغاوة من الخلف , ذلك أن الحملة العسكرية  المحتملة على منطقة دار زغاوة الحدودية قد يجد رفض أو مقاومة من القوة الشادية التي يقودها ضباط من أبناء الزغاوة على الحدود , لن تسمح هذه القوة اقتحام دار زغاوة بجحافل الجنجاويد بأي حال من الأحوال ,
فلذا يجب القضاء على نظام الرئيس إدريس دبي الزغاوي قبل اقتحام ديار أهله .
هذا هو سر وراء حملات العسكرية المدعومة من المؤتمر الوطني إلى شاد لإسقاط حكومة إدريس دبي,  في هذا السياق أعلن وزير الدفاع السوداني عبد الرحيم حسين في المجلس الوطني في 2007م- سوف تراءون عما قريب دولة عربية وليدة في شاد-  رغم أن النظام في شاد أو الحزب الحاكم ليس حزباً قبلية , يتألف من مجموعة قبائل,  والحكومة نفسها ليست حكومة عرقية , وقل ما تجد أبناء الزغاوة في مراكز التنفيذية والإدارية والعسكرية العليا في النظام الشادي كما حصل ويحصل في حكومة المؤتمر الوطني في السودان التي يسيطر عليها الشايقية والجعليين بصورة فاضحة , حتى الجيش السوداني تم أحلاله بمليشيات عرقية من أبناء القبيلتين , أصبح السودان تحت رحمة هذه المجموعة بعد أن استولت على أرث “التمكين” الحركة الإسلامية في السودان بعد إقصاء وتصفية العرقيات الأخرى من مثلت ( السلطة والثروة والأمن ) بعد مذكرة العشرة الشهيرة .هل تستقيم العلاقات السودانية الشادية هذه المرة على خفقان المناديل البيضاء 1؟.

حامد جربو /السعودية
مزيد من المقالات على موقعنا :
http://www.jarbo.110mb.com/

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *