الرئيس السوداني عمر البشير حر في أن يعتبر ما يجري في بلاده منذ قرابة الأسبوعين جزءا من ‘الربيع العربي’ أم لا، لكن من حق غيره أن يراه بلا شك خريفا جليّا لنظامه.
من ألطاف الله أن لا أحد، إلى حد الآن، سقط قتيلا في المواجهات الحاصلة بين جموع من المواطنين وقوات الأمن في غالبية المدن السودانية على خلفية رفع الدعم عن المحروقات، ولكن إن حصل ذلك فلن تتوقف المظاهرات بل ستزداد شراسة. أما بقية أركان سيناريو ما حدث في أكثر من دولة عربية فمتوفر في السودان وأوله إنكار وجود أزمة في البلاد والعجرفة في التعاطي مع هؤلاء الذين ينزلون إلى الشوارع بعد أن ضاق بهم الحال إلى حد الانفجار.
كثير مما حصل في تونس وليبيا ومصر وسورية ازدادت حدته بسبب الرعونة وعدم المسؤولية في تصريحات قادته عندما شرعوا في رمي الأوصاف على مواطنيهم الغاضبين من سياساتهم الاجتماعية والسياسية. هؤلاء المحتجون في السودان هم من ‘شذاذ الآفاق’ في تقدير البشير، وهم كذلك من ‘المخذلين والمتآمرين والعملاء’ و’فقاقيع ستزول’. أكثر من ذلك، منّ البشير على هؤلاء بأنه لم يستعمل معهم وسائل القمع الأقوى التي لديه لأنه لو أراد ذلك لبعث لهم كتائب ‘المجاهدين’ التي كانت يرسلها لمحاربة أهل الجنوب من ‘الكفار’ قبل أن يستقل هؤلاء العام الماضي فيحرموا البلد من مليارات الدولارات ومن ثلاثة أرباع احتياطيها النفطي. ومع ذلك، فإن بعض التقارير تشير إلى أن النظام بدأ يستعمل هو الآخر ‘شبيحته’ لنرى في النهاية الطبعة السودانية لهذا الرهط من الناس بعد أن عرفنا الطبعة المصرية والليبية واليمنية وبالطبع السورية التي ما زالت إبداعاتها الإجرامية اليومية متواصلة.
‘إذا أراد شعب السودان أن ينتفض فسينتفض بأجمعه’… هكذا رأى البشير الذي يرى أن الشعب ما زال ملتفا حول قيادته بدليل أنه تجول، كما قال، في بعض أحياء العاصمة في سيارة مكشوفة فلما رآه بعضهم هتف ‘الله أكبر’!! أي منطق سياسي هذا؟!! وأي مسؤولية تليق بأعلى هرم الدولة عندما لا يجد ما يقوله سوى أنه ‘لا يخاف أن يقلعونا من الحكم.. لا أمريكا ولا غيرها.. لأن الحكم من عند الله والسعيد من يموت ميتة وجيهة’ وأن ‘الملك لله يعطيه من يشاء وينزعه مما يشاء’!!؟ . إذن هو يقود السودان بإرادة إلاهية ولن يترك دفة الأمور فيها إلا إذا أراد رب العالمين عكس ذلك. أي توظيف أسوأ من هذا عندما تجعل الرحمان الرحيم ضامنا لدكتاتورية عسكرية دينية مستمرة لأكثر من عشرين عاما؟!! فترة لم تقدم فيها قيادة ‘المشروع الحضاري’ للبلاد سوى المزيد من التفقير والتخلف والعزلة الدولية والتفريط في جزء عزيز من البلد ثم الانقلاب لقمع أبناء الشطر المتبقي منه عندما انتفض بعضهم احتجاجا على إجراءات رأوا أنها تزيد من إفقارهم مقابل فساد أهل السلطة الذي وصل إلى حد الهتاف ضد ‘لص كافـــوري’. كافوري هذه، منطقة في العاصمة الخرطوم يقول أهل السودان، إن الرئيس خصصها لأهله وعشيرته بعد أن أتى بهم من منطقة ‘حوش بانقا’ الفقيرة في شمال البلاد، فتحولت بهم ولهم إلى منطقة من أرقى وأغلى ما هو قائم في العاصمة.
لا أحد من رؤساء تونس وليبيا ومصر واليمن المطاح بهم، أو من هم في الطريق بلا شك، امتلك الجرأة ليحترم شعبه في أول ظهور له بعد بدء الاحتجاجات ضدهم. كلهم أخذتهم العزة بالإثم، لم يمتلكوا حتى شطارة محاولة احتواء حالة الغضب وتقديم التنازلات عندما تكون الأمور ما زالت في بدايتها قبل أن تفلت من أيديهم. البشير يعيد نفس السيناريو!! ما فعله مثلا لم يتجاوز إعفاءه لجميع مستشاريه التسعة وذلك في ‘إطار إعادة هيكلة الحكم والإدارة’. طبعا هو خارج هذا السياق… لأنه باق بإرادة رب العباد الذي يريد ‘توريطه’ في ظلم حرّمه رب العالمين على نفسه وحرّمه على عباده.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
محمد كريشان