رشا عوض
مواصلة في تضليله للشعب السوداني حاول البشير بيع فكرة انه فقير ابن فقراء وبالتالي هو خير من يشعر بمعاناة الناس، فحكى في خطاب له بقاعة الصداقة أمام تنظيم كرتوني موال له يسمي نفسه”تجمع المهنيين”، حكى حكاية انه في صباه اشتغل “طُلبة” ووقع من السِقالة(سلم يصعد عليه عمال البناء) وكسر سنه! وبعد ذلك واصل العمل بسنه المكسورة حتى لا يخسر اليومية!!
وهنا ورط البشير نفسه من حيث أراد النجاة!
فما دمت فقيرا أيها المشير ولم ترث من اهلك فلسا واحدا فمن أين لك ولأخوانك وأصهارك وزوجاتك كل المليارات والشركات والقصور والفلل والمزارع داخل السودان وخارجه؟
الإجابة: لأنك دكتاتور شرير وفاسد! فبدلا من أن يكون فقرك دافعا لك للانحياز للفقراء عن محبة وانتماء، جعلك عدوا لدودا لهم! هجمت على المال العام وظللت تنهب وتكدس وتغرق أهلك في الثراء الفاحش وكأنك تنتقم من ماضيك! تنتقم من فقرك على حساب فقراء السودان!
ليس هذا فقط، بل الأخطر هو ان نظامك وعلى مدى ثلاثة عقود أجهز على دولة الرعاية الاجتماعية في السودان فكانت دولة الاستعمار نفسها أكثر رفقا بشعبك منك! نظامك المتوحش رفع يده نهائيا عن مجانية العلاج والتعليم وحول كل ضرورات الحياة إلى سلع غالية عصية المنال على الفقراء!
وظلت الموازنات العامة في عهدك زاخرة بالمفارقات التي تعكس احتقار الفقراء ! إذ يقل الإنفاق على الصحة والتعليم مجتمعين عن 5% في جل موازنات الإنقاذ(بما في ذلك موازنات عهد النفط) وبلغ ازدراء الفقراء درجة ان خصصت أحد موازنات الإنقاذ لتنمية القطاع المطري التقليدي الذي يعمل ويعيش فيه 65% من سكان السودان الفقراء نصف المبلغ المخصص لكهرباء الفلل الرئاسية وعند التنفيذ حظيت الفلل الرئاسية بضعف المبلغ المرصود لها فيما تقلص نصيب القطاع المطري التقليدي إلى ثلث المبلغ المرصود! ولا عزاء للفقراء(كان هذا في موازنة عام 2005 أي موازنة السلام!!!)
أجهز نظامك على الخدمة العامة في البلاد مدنية وعسكرية وشرد منها أهل الكفاءة والخبرة واحتكرها لأهل الولاء فأفقر المواطنين الذين حرمهم من وظائفهم وأرزاقهم وأفقر الوطن بتجريفه من الأكفاء والشرفاء وتسليم إدارته للفاسدين الفاشلين!!
نظامك دمر القطاعات المنتجة مع سبق الإصرار والترصد وحول الوطن الزاخر بالموارد الطبيعية وعلى رأسها الأراضي الزراعية التي تبلغ 41 مليون فدان والثروة الحيوانية والغابية والمعدنية، حوله إلى دولة ريعية تعيش على عائدات تصدير النفط، وبسبب فساد نظامك الأرعن ضاعت مليارات النفط التي تبلغ في أقل التقديرات 60 مليار دولار وفي أعلاها 80 مليار دولار، ضاعت في تمويل رفاهية أهل الولاء وفي بناء آلة القمع والقهر للفقراء وتحول معظمها إلى أرصدة خارج السودان! لأن فساد نظامك هو من أسوأ أنواع الفساد على الإطلاق! أي نهب أموال البلاد لصالح أشخاص يستثمرونها خارج الوطن وليس داخله فلا يستفيد الوطن من أمواله المنهوبة مثقال ذرة ولو بطريق غير مباشر!
فكان حصاد شعبك من مليارات الدولار تدمير البيئة الطبيعية في مناطق الإنتاج :أضرار صحية بالغة على الفقراء من آثارها الاجهاض المتكرر للنساء وولادة أطفال بتشوهات غريبة، تلوث التربة الزراعية ومياه الشرب، نفوق البهائم، لأن نظامك الفاسد يغض الطرف تماما عن إلزام شركات استخراج النفط بمعايير سلامة البيئة والمسؤولية الاجتماعية! ولأنه نظام معزول لا يتعامل إلا مع الشركات الفاسدة التي تجد ضالتها في هذا النوع من الأنظمة حتى تعمل بأقل التكاليف وتجني أرباحا مضاعفة لا تنفق منها إلا العمولات والرشاوى لتماسيح الفساد الذين يحظون بحمايتك!
مليارات النفط لم تستخدمها في الطرق والكباري والسدود على حد زعمك لان كل مشروع نفذ في عهدكم الخراب كان بقروض خارجية وداخلية ستظل دينا في عنق الشعب السوداني!
مليارات النفط لم تسدد منها حتى خدمة الدين السوداني الخارجي الذي تضخم حتى تجاوز الخمسين مليار دولار! ولا أمل في إعفاء هذا الدين ما دمت أنت رئيس السودان مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية!
فلو صدقنا وعودك بزيادة المرتبات والدعم الاجتماعي فمن أين سوف تأتي بالمال؟
والدولة مفلسة تماما لدرجة انك حتى الآن فشلت في العثور على وزير مالية لأن الجميع يعلمون ان الخزينة العامة مفلسة تماما بفضل سياساتك ولا أمل في انتعاشها في ظل وجودك!
اذا أردت انعاش الانتاج الزراعي والصناعي ومن ثم التصدير فكيف ستفعل ذلك والبلاد مفلسة ويستحيل ان تتحصل على قروض تنموية وهي مكبلة بالديون ومكبلة برئاستك التي تغلق الباب أمام إعفاء هذه الديون لأن الدائنين الرئيسيين أعضاء في نظام المحكمة الجنائية الدولية وسيادتك مطلوب القبض عليك! والأخطر من ذلك ان نظامك الفاسد الذي جعل السودان خامس أفسد دولة في العالم لا يمكن ان يشجع دولة محترمة على إقراض السودان أو السعي لاعفاء ديونه ولا يمكن ان يتكون بلاد هذا حالها جاذبة للاستثمارات الاستراتيجية ورؤوس الأموال المعتبرة!
حتى المحاور الإقليمية التي تتقافز بينها لن تحل مشكلة السودان كوطن! لأنك لا تتفاوض مع اي جهة خارجية على مصالح الوطن بل على مصالحك الشخصية ممثلة في تثبيت كرسيك الظالم ثقيل الوطأة! وعموما الحضيض الاقتصادي والتنموي الذي أوصلت إليه السودان لن تعالجه “عطية مزين” من هذه الدولة أو تلك بل يحتاج إلى تغيير شامل يطيح بك انت وبسياسات ومنهج حكمك الذي مزق البلاد وأفقرها !!
يا سيد عمر البشير إن الشعب السوداني الآن يبحث عن نظام سياسي مؤهل لحل مشكلة الفقر وفق منهج فكري وسياسي منحاز بطبيعته للفقراء ، ووفق رؤية اقتصادية تنموية شاملة توظف موارد البلاد لصالح الشعب السوداني الذي ترزح غالبيته تحت وطأة الفقر ، والشرط الابتدائي لذلك هو رحيلك عن السلطة ورحيل سياساتك التي اكتوى بنارها هذا الشعب ثلاثين عاما! فلا يمكن أن تأتي بعد كل هذه السنوات وبكل ما فيها من خيبات وتحاول إقناع الفقراء أنك في صفهم لأنك اشتغلت طلبة واشتريت عجلة بجنيهين وسقطت من سقالة حتى كسرت سنك!
سقوطك “المزعوم” من تلك “السِقالة” لن يمنع سقوطك “المحتوم” من “سِقالة بناء الوطن”!!