البشير: قرار الجنوبيين «على الرأس والعين» إذا اختاروا الانفصال … وسندعم دولتهم الوليدة للوقوف على أرجلها
الخرطوم – النور أحمد النور
تحدى الرئيس السوداني عمر البشير أمس معارضيه ورفض مطالبهم بتشكيل حكومة قومية في حال انفصال الجنوب عبر تقرير مصير الإقليم المقرر بعد 12 يوماً، لكنه رحّب بحكومة «ذات قاعدة عريضة ينضم إليها من يؤمن ببرامجنا». وسخر من تهديدات معارضين بإطاحة حكمه، كما رحّب بـ «الجارة جنوب السودان دولة جديدة إذا أرادوا الانفصال»، مؤكداً استعداده لدعمها أمنياً وسياسياً وتنموياً.
وجدد البشير لدى مخاطبته لقاء جماهيرياً في مدني، عاصمة ولاية الجزيرة في وسط البلاد أمس، تمسكه بتطبيق الشريعة الإسلامية، واعتبرها النهج القويم لحكم البلاد. وقال إن الشريعة الإسلامية هي المخرج من «الانحطاط الأخلاقي» الذي أصاب الغرب، مشيراً إلى اعتراف تلك الدول بزواج «المثليين». وأشار إلى أن الدول الغربية – التي قال إنها بدأت ترتفع أصواتها وتزداد ضغوطاتها على حكومته «لعدم العودة إلى تطبيق الشريعة» – «جرّبونا وجربناها، وخبرونا وخبرناها، وحاولوا تركيعنا عبر الحصار والضغوط والصواريخ، ولكن لن نتراجع عن الشريعة».
ورفض البشير دعوة المعارضة إلى تشكيل حكومة قومية وتهديدها بإسقاط نظام حكمه، وقال إن «الحكومة ليست مجلس قيادة ثورة ولا أي حكومة يمكن اسقاطها وانما هي الشعب السوداني». وأضاف: «إللي عايز يُسقط الحكم يجرّب لحس كوعه»، في إشارة إلى استحالة ذلك، مؤكداً أن الحكومة الحالية أخذت شرعيتها من صناديق الاقتراع.
وشدد البشير على أن الحكومة ورئيسها وبرلمانها ستبقى حتى نهاية أجلها بعد خمس سنوات أخرى، معلناً التزامه اجراء انتخابات حرة ونزيهة في موعدها «وعلى من يريد أن يحكم أن يستعد منذ الآن بالنزول إلى القواعد، بدلاً من الصراخ»، مؤكداً أن لا سبيل إلى حكومة قومية «لكننا نرحب بحكومة ذات قاعدة عريضة ينضم إليها من آمن ببرامجها»، مشيراً إلى انه استمد شرعيته عبر الانتخابات ولن يتخلى عنها إلا عبر صناديق الاقتراع.
كما أعلن البشير ترحيبه بقيام دولة جديدة في الجنوب «وإذا اختاروا (أي الجنوبيين) الانفصال قرارهم على العين والرأس»، وقال إن الشمال لن يدخر جهداً في مساعدة «الجارة لأننا نريدها دولة آمنة ومستقرة، ونحن مستعدون أن ندعمهم حتى يقفوا على أرجلهم». وتابع: «سنقف معهم للبدء من جديد وسنتبادل المنافع والنصائح».
وفي السياق ذاته، يُنتظر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة في السادس من كانون الثاني (يناير) المقبل للوقوف على آخر الترتيبات لإجراء استفتاء جنوب السودان. ورجّح القيادي في «الحركة الشعبية لتحرير السودان» الوزير لوكا بيونق، أن تزور البلاد وفود من مجلس الأمن قبل بدء عمليات الاقتراع للاستفتاء في التاسع من كانون الثاني.
وتوقع لوكا سقوط ضحايا في حال رجّحت نتائج الاستفتاء خيار الانفصال بسبب الحماسة الزائدة في جنوب البلاد، ورأى أن ذلك يمثّل تحدياً حقيقياً أمام حكومة الاقليم. وطالب الحكومة المركزية في الشمال بإرسال رسالة قوية إلى أئمة المساجد حول كيفية التعامل مع النتيجة قبل إعلانها لامتصاص أي غضب أو إحباط يمكن أن ينشأ في الشمال في حال اعلان الانفصال.
ورجّح لوكا حصول زيارات متبادلة على مستوى الرئيس عمر البشير ونائبه رئيس حكومة الجنوب سلفاكير ميارديت إلى جوبا عاصمة الجنوب، وإلى الخرطوم في الأسبوع الأول من كانون الثاني، لبث رسائل قوية تُحدد كيفية التعامل مع الحماسة في الجنوب والاحباطات والغضب في الشمال، وتأكيد الالتزامات في شأن العلاقات المتبادلة بين الدولتين في حال الانفصال.
وأوضح أن البشير سيزور جوبا لمخاطبة الجنوبيين وتأكيد تعهداته باحترام خيار الجنوبيين، بينما سيزور سلفاكير الخرطوم ويخاطب النخب الشمالية والقوى السياسية والمجتمع المدني والصحافيين بغية بث تطمينات حول مصير البلاد.
ورجح لوكا بيونق أيضاً أن تعلن النتائج الأولية للاستفتاء على مستوى الجنوب من مكتب المفوضية في جوبا في الثاني والعشرين من كانون الثاني، وقال إنها تمثّل الإعلان الأهم، على رغم أنها ليست نهائية (يجب إعلان نتائج التصويت في الشمال والمهجر أيضاً). وتوقع أن تُعلن النتائج النهائية للاستفتاء في الثالث من شباط (فبراير) المقبل في حال عدم وجود طعون، وفي الثاني عشر منه في حال الطعون «وفي الحالتين ستُعلن النتائج في 15 شباط حداً أقصى حسب القانون».
إلى ذلك، حذّرت روسيا من أن يتسبب استفتاء تقرير مصير جنوب السودان في تغيير ترسيم خريطة أفريقيا والشرق الأوسط. وأبدت مخاوفها مما أسمته تأثير «الدومينو» بفعل «دول كبرى»، لم تذكرها، تسعى إلى تفتيت عدد من الدول أبرزها السودان والعراق. وقال المبعوث الروسي للسودان ميخائيل مارغيلوف إن تقرير مصير الجنوب، المستند إلى نتائج الاستفتاء المرتقب، يجب ألا يؤدي إلى ما وصفه بـ «تأثير الدومينو» على خريطة أفريقيا أو الشرق الأوسط.
وأضاف مارغيلوف في مؤتمر صحافي في موسكو وزعته سفارته في الخرطوم أمس، أن أفريقيا تتميز بتقسيمات إقليمية وقومية ودينية شديدة التعقيد وغير عادلة أحياناً، ورثتها من الإمبراطوريات الاستعمارية، لكن «فتح صندوق باندورا هذا يماثل ارتكاب جريمة».
وفي تطور لافت، أظهر تقرير سري للأمم المتحدة كشفت عنه صحيفة «دير تاجستسايتونغ» الألمانية، أن خمسين خبيراً من الأمم المتحدة يعملون في برنامج الأمم المتحدة لتطوير جنوب السودان، قد حصلوا خلال العام الجاري على رواتب باهظة بلغت قيمتها 14 مليون دولار أميركي، وأشار التقرير إلى أن عدداً من هؤلاء الخبراء تلقوا رواتب شهرية «خيالية» لوظائف لا وجود لها في وثائق برنامج التطوير.
وكشف التقرير عن وجود اختلالات ونواقص كبيرة في البرنامج الذي ترعاه المنظمة الأممية بهدف تأهيل عشرات الآلاف من المقاتلين السابقين في صفوف «الجيش الشعبي لتحرير السودان» الذي يسيطر على الجنوب، لإعادة دمجهم في الحياة المدنية.
وذكر أن المنظمة الأممية رصدت لهذا البرنامج موازنة تصل إلى 430 مليون دولار، لكن ما ذهب بالفعل من هذه الأموال إلى مشاريع التطوير لم يتعد 105 ملايين دولار فقط، في حين صُرفت بقية المبالغ على رواتب ومكافآت الخبراء.