الانقاذ تدفع دارفور للمطالبة بحق تقرير المصير

تعتبر اول الوثائق التى تناولت حق تقرير المصير بشكل واضح هى,  بيان الاستقلال الأمريكي 1776م من ثم وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية عام 1789م, الى مؤتمر السلام الذي أعقب الحرب العالمية الأولى 1919,  فميثاق الأطلسي 1941م , من ثم ميثاق الامم المتحدة لسنة 1945 المادة 2  , و اعتمادا على هذا الارث تطور القانون الدولي المعاصر، و برزت معاهدات ومواثيق لحقوق الإنسان تنص على مجموعة من الحقوق الفردية و الجماعية و انشات تباعا اليات تعمل على التأكد من احترام هذه الحقوق و حمايتها بل و الدفاع عنه و التعريف بها.
 و كنتيجة حتمية للانقسامات العرقية او الدينية داخل كثير من الدول، أدت في بعض الأحيان، إلى ارتكاب مجازر، وحروب ضد الأقليات العرقية، و القومية، أعطت حق تقرير المصير مبررات موضوعية و دلالات جديدة في ظل واقع الحروب الدولية و الاهلية التى فاقت 250 نزاعا بعد الحرب العالمية الثانية , رغم ان العالم بعد ان شهد فظائع الحربين العالميتين بذل جهود لضمان عدم تكرار تلك الماسي فى المستقبل , لكان غاب ظن الانسانية بتكرار الفظائع مرة اخرى فى كل من البوسنة , روندا , دارفور , ماينمار…الخ  , اثبتت بشكل قاطع فشل العالم فى حماية الاقليات من همجية و بربرية الدكتاتورية المتزاوجة مع التطرف الديني او الاثني .
و اذا نظرنا الى ماضي الدول ال192 اعضاء الامم المتحدة العديد منها تشكل امثلة و سوابق تخدم حق تقرير  مصير الشعوب المضطهدة  , فحق تقرير المصير يأخذ اشكال مختلفة منها ,  التحرر من الاستعمار الخارجي و هذا اوضح مثال له  , منح شارلس ديغول حق تقرير المصير للجزائر , إقامة دولة مستقلة مثل ما حدث فى بنغلادش وارتيريا و جنوب السودان او الانفصال عن الدولة الام و الانضمام إلى دولة مستقلة  او تغيير شكلها وطبيعتها كما حصل في الاتحاد السوفييتي و تشيكوسلوفاكيا , او توحيد البلاد المقسمة كما حدث في ألمانيا , الحق في حكم ذاتي كونفدرالي لمجموعات محدده مثل مطالب الأكراد و الأمازيغ, او حق المصير الداخلي في حرية اختيار شكل الحكومة كتبني النظام الديمقراطي و مثال له “هاييتي”,
شعب دارفور ينطبق عليه كل شروط المطالبة بحق تقرير المصير , لأنه مازال يعانى من ابادة جماعية , جرائم حرب , جرائم ضد الانسانية متواصلة لمدة 10 سنوات رغم عن تدخل مجلس الامن الدولى و احالة القضية الى المحكمة الجنائية الدولية و لأسباب تتعلق بضعف اليات المحكمة و انقسام المجتمع الدولى حول القضية , تمكن المتهمون من مقاومة امر التوقيف فبتالي افلتوا من العقاب لإكمال ما بدأوه من ابادة و جرائم و هذا ما تأكده الاحداث الاخيرة فى دارفور , ليست الجرائم التى وقعت فى معسكر كساب للنازحين بمحلية كتم ببعيدة , و لم نفيق من تلك الصدمة حتى تبعتها جريمة اخرى بقرية شاوة غرب الفاشر  فتم اعدام نفر من الشباب و الاطفال بواسطة المليشيات الحكومية و من ثم توجت هذه الجرائم باستهداف الناجين من الابادة الذين تمكنوا من مواصلة تعليميهم الجامعي ,فقتلت الأجهزة الامنية اربعة طلاب دارفورين كانوا قد طالبوا سلميا مع زملائهم الدارفورين بالتعليم المجاني حسب ما نصت عليه اتفاقيتي ابوجا و الدوحة لسلام دارفور ,و تواصل القمع و التعذيب ليشمل الناشطين و المحامين بالإضافة الى الطلاب الدارفورين بالعاصمة الخرطوم ,بعد ان خرجوا فى مظاهرات سلمية تندد باغتيال هؤلاء الطلاب و مطالبين بإجراء تحقيق نزية و تحقيق العدالة ,فحق المطالبة بإقامة جمهورية دارفورية مستقلة امر وارد فى ظل تصاعد العنصرية المركزية الرسمية الممنهجة اتجاه ابناء الاقليم , فقد يطالبوا بهذا الحق اسوة بأخوتهم فى جنوب السودان الذين كسروا الاصفاد و اعتقوا انفسهم ,
و هذا المطلب يعززه الظلم و التهميش التاريخي المتراكم منذ عهد الحكومات السابقة العسكرية و الديمقراطية , و التى شكلت الانقاذ الحلقة الصارخة و السافرة و الاخيرة من هذا القهر المركزي المنظم , نفس الاسباب التى قادت الى ان ينفصل الجنوب و يطلق على هذا الانفصال استقلال اعتمادا على تلك الممارسات , فالان توجهت الفوهة غربا بنفس الادوات و الممارسات , كل هذه الاسباب و غيرها مجتمعة قد تجعل كل الاحتمالات وارده بما فيها حق تقرير المصير لدارفور.
 و عندما تفقد الدولة شرعيتها فى تمثيل مواطنيها جميعا دون تمييز و تقوم بمضايقة مواطنيها أو مجموعات منهم على خلفيات دينية أو عرقيه أو اثنيه أو قوميه و استخدم الابادة والقتل الجماعي التعذيب و تسبيب المعاناة لهم ، بحيث يصبح المواطنين غير ملزمين بالإخلاص للدولة وبالتالي تفقد الدولة شرعيتها فى تمثيلهم ، ويصبح من الضروري أن يتدخل المجتمع الدولي لتأمين الحياة اللائقة والكريمة لهؤلاء المواطنين , و من غير المبرر افتراض ان بعد ان يقرر شعب ما مصيره سوف يدخل فى دوامة من العنف و الفوضى و كثير من التجارب اثبت ان حق تقرير المصير فرصة لانتقال الشعوب الى افاق ارحب و مستقبل اكثر اشراقا من الماضي المظلم المرصع بجرائم و انتهاكات فظيعة ,العيش بحرية و كرامة اسمى غيات الانسان فمن دونها لا تعنى حياته اى شيء.
كل هذا العنف لم يأتي مصادفة , لقد رجح كثير من المحللين ان هناك تيار من بين الاسلاميين المتمترسين بالسلطة , يرون فى انفصال دارفور المنافس الاوحد للنقب الشمالية , هو قربان الخروج من مازق الجنائية و خطر فقدان السلطة , عسكريا كان ام ديمقراطيا , فلأجل الحفاظ على السلطة و الخروج من الحصار الدولى و تأسيس دولة عربية من غير منافسة من القوميات الاخرى, يتوهمون صحة هذا الخيار ,كما قادتهم اوهامهم مقبل الى فصل الجنوب , فبفصل دارفور وحدها لن تحل مشاكلهم, فهناك اقاليم اخرى مهمشة رفعت السلاح فى وجه المركز , فهل تلك ايضا يتهمون اسكاتها و ابادتها لصالح مشروعهم , بالأمس وجدت نفسى امام مفارقة انسانية و اخلاقية عميقة , عندما تلى الرئيس الأمريكي بيانه بشان حادثة قتل 26 تلميذ و مدرس بمدرسة امريكية على يد مسلح , فكان اوباما يقاوم دموعه و احزانه امام عدسات الكميرات اما هنا لم ياسف المسئولين على موت اربعة طلاب جامعين بطريقة بشعة , بل بدأوا مهمومين بإلقاء المبررات و التخمينات التى تدفع الشبهات عن اجهزتهم الامنية.
فاذا اردت الانقاذ تكذيب هذه التحليلات التى تقول انها تدفع اهل دارفور لتبنى خيار الانفصال, عليها اولا محاسبة كل المتورطين فى الجرائم التى ارتكبت فى حق اهل دارفور و السودان عامة , و ان يسلموا المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية , و ان يدعوا كل القوى السودانية الحديثة , المسلحة و التقليدية على تكوين حكومة انتقالية لمدة عام , تعمل على صياغة دستور و تقوم بإجراء انتخابات , اما اذا ارادت ان الانقاذ ان تظل فى الحكم رغما عن جرائمها فعلى السودان السلام.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *