وقالت الانقاذ (٢٧)
الاستيطان فى دارفور …. اكتمال مشروع ” تسليم مفتاح” لحميدتى/محمد بشير ابونمو
من تصريحات الرئيس البشير قبل فترة :
( اسْلم قرار اتخذته فى كل عهد الانقاذ هو قرار تأسيس قوات الدعم السريع ) !!
بالطبع علامات التعجب فى التصريح اعلاه هى من طرف كاتب هذا المقال ، ولكن الرئيس البشير فات عليه ذكر قرار آخر مهم غير تأسيس الدعم السريع ولكنه مقرون به تماما من حيث الاهمية الهدف ، وهو قرار اعادة صلاح قوش مديرا للأمن بعد ان جرده من نفس الوظيفة فى وقت سابق قبل حوالى الثمان سنوات بطريقة مهينة حتى كاد ان يقضى على الرجل من آثار الصدمة ، فلزم العناية المركزة لايّام فى أحدى مستوصفات الخرطوم الخاصة وخرج منها معافى فى النهاية كما هو معروف . اذِّكر( فخامة ) الرئيس بهذا القرار المهم الذى لم يذكره فى تصريحه اعلاه ، لان معظم قراراته ليس الغرض منها خدمة الوطن كما يتبادر الى ذهن البعض بقدر ارتباط هذه القرارات ببقائه فى السلطة ، وبالتالى كل القرارات (العجيبة ) التى يصدرها البشير غرضها فى النهاية تثبيت البشير فى كرسى السلطة لا اكثر ولا اقل ، هذه فقط مقدمة عرضية للموضوع وربما يجد القارئ العلاقة فى خاتمة هذا المقال .
هنالك ثلاث احداث حصلت خلال الشهر او الأسابيع الثلاث الماضية ولكنها للاسف مرت مرور الكرام دون تعليق معمق ، القرار الاول هو نقل القيادة (الاقليمية) للدعم السريع من مدينة نيالا الى الفاشر ، اما الحدث الثانى فهو الزيارة التى رتَّب لها قيادة الدعم السريع بعناية ونفذها والى شمال دارفور بمعيّة قائد الدعم السريع الفريق محمد حمدان دقلو الى معسكرات النازحين حول مدينة الفاشر و” تبشير ” النازحين هناك بنية الحكومة – وبتدبير من الدعم السريع – لتخطيط المعسكرات كمدن لاستقرار النازحين فيها بصفة دائمة ، ورافق ذلك تغيير اسماء المعسكرات باسماء احياء حتى تُمحى بشكل تدريجى من مخيلة النازحين الاحداث التى تسببت فى نزوحهم فى الاساس من مناطقهم الأصلية ، والتى أدت الى استقرارهم موقتا فى المعسكرات كل هذه المدة املا فى العودة الى مناطقهم الأصلية ، والملفت فى هذه الزيارة (التزام) حميدتى بدفع رسوم القطع السكنية لكل الأسر وهم – اى الأسر – بمئات الآلاف ، فى كرم
” حاتمى ” لا يخفى اغراضه ومصادر تمويله على احد . اما القرار الأخير والذى شكل مفاجأة للبعض هو نقل القيادة المركزية للدعم السريع من الخرطوم الى مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور .
سياسة الاستيطان فى دارفور للمجموعات العربية العابرة للحدود منها والمستقرة فى السودان ، قديمة وسابقة حتى لاحداث دارفور ، رغم ان احداث دارفور قد أكسبتها دفعاً ودعماً وزخماً ، وقد قطع هذا المشروع مراحل متقدمة فى كل من ولايتى غرب ووسط دارفور منذ سنوات ، وقد جاء تتويجه الان بما عُرف بأحداث ” زُرق ” بشمال دارفور حيث دشَّن قبل فترة نفس والى شمال دارفور بمعيّة قائد الدعم السريع مستوطنة ” زُرق” حيث خاطب يومها الزعيم القبلى وعم حميدتى ، العميد دعم سريع / جمعة دقلو الوالى الزائر بمعيّة لجنته الامنية مرحبا بهم ومدعيا ان تلك المنطقة ، وبل كل حاكورة ما يعرف تاريخا ب ” دار زغاوة ” هى تتبع لهم تاريخيا وقد اُجِّلوا منها قسرا قبل حوالى ٣٨٠ سنة ( لم يذكر يومها من الذى أجلاهم ) وعادوا اليها الان منتصرين على أسنة الرماح ، ولا رماح بالطبع غير أسلحة مليشيا الدعم السريع الحكومية . ولكن الملفت انه لم يحرك مثل هذا الحديث ” الفتنة” والمهدد لأمن الولاية ساكن الوالى ولا لجنته الامنية ، سكتوا ( والسكوت رضى ) واكلوا وشربوا من لحم النوق ولبنها وتمتعوا بطيب الأجواء المناخية هناك ورجعوا الى الفاشر بعد ان هنئوا (العمدة ) عميد دعم سريع جمعة دقلو على إستعادة ” أندلس ” الضائعة !
ولكن ماذا تعنى الاحداث الثلاثة المتلاحقة المذكورة وما علاقتها ببعض ؟
اطماع الاستيلاء على ارض شمال دارفور والصراع حولها ، وخاصة مناطق الزغاوة من قبل القبائل العربية او من قبل ما يُعرف بالأبالة ، صراع قديم ومتجدد ليس لحق تاريخى مسلوب عكس ما يدعيه الان آل دقلو ، ولكن فقط لمناسبة طبيعة المنطقة الممتدة من شمال كتم وحتى وادى هور للرعى وخاصة لرعى الإبل ، وعلى مدار السنة عكس المناطق الجنوبية ( غرب ووسط دارفور ) حيث يضطر رعاة الإبل الهجرة الى الشمال فى موسم الأمطار ، هربا من الأمطار الغزيرة والناموس الذى يتولد تبعا لهذه الأمطار . ولان ما يجرى فى دارفور هى اساسا صفقة بين البشير والمجموعات العربية الطامعة للأرض ، خاصة بعد اعتلاء حميدتى على راس مليشيات الجنجويد وتحديثها وتسليحها وتطويرها وتحويلها الى ما يشبه القوة النظامية الضاربة و الموازية للجيش ، وبعد ان تم التخلص من الحليف الرئيسى السابق لنظام الانقاذ الشيخ موسى هلال (فك الله أسره ) . تم الاتفاق بين البشير وحميدتى على اعلان اكتمال مراحل التوطين فى كل أقاليم دارفور على ان يتولى حميدتى حماية وحراسة وفرض الامر الواقع لمجمل مناطق الاستيطان وخاصة شمال دارفور ، والذى ينذر الان باندلاع فتنة قبلية بين اصحاب الدار ( الزغاوة ) والغزاة الجدد ( آل دقلو) . اذن ما تم هو تسليم دارفور لحميدتى (كمشروع مكتمل تسليم مفتاح ) ، اى ما يعرف اصطلاحاً ب completed turnkey project، ليبقى هناك حميدتى بيده الطولى وبنفوذه وسنده المستمد من البشير لفرض الاستيطان وديمومته وقفل اى امل للنازحين واللاجئين للعودة الى قراهم الأصلية ، وفى سبيل ذلك لن يستجيب حميدتى لاى احتجاجات او (مجمجةً) من قبل اصحاب الارض ولا يستمع او يطيع اى والى من ولاة الولايات الخمسة المكونة لإقليم دارفور الكبرى فى هذا الخصوص .
اما الحدث الأخير والذى فاجأ بعض المراقبين وربما حميدتى نفسه ، هو نقل القيادة المركزية للدعم السريع من الخرطوم الى الفاشر ، وهذا الحدث باكمله من ترتيب وصنع وتنفيذ مدير جهاز الامن الفريق اول صلاح قوش ، يعنى بالبلدى كدا ” شُغلْ معلمين متخصصين ” ، وحقيقة القرار هو ليس نقل قيادة الدعم السريع بقدر ما هو ابعاد حميدتى من العاصمة . بعد ان جهز صلاح قوش بعناية الكورة ( مسودة القرار ) فلم يتردد البشير من التهديف محرزا هدفين ، الاول هو ابعاد حميدتى كشخص متهور وربما طموح ، من العاصمة لقفل اى فرصة للمغامرة للإطاحة به ، وهو امر صار يسجل هاجسا مشتركاً للبشير وصلاح قوش ولكنه هاجس غير معلن . الهدف الاخر هو ارضاء اهل العاصمة الذين ضاقوا ذرعاً بوجود قوات منفلتة لا تراعى حرمة ولا ذوقا عاما ، وبذلك يتنفس اهل الخرطوم الصعداء ويقللون من سخطهم على البشير ونظامه . رب سائل يقول ان وجود حميدتى فى دارفور مطلوب لتنفيذ اجندة الاستيطان هناك واستدامته حسب شرحنا اعلاه ، ولكن هولاء ينسون ان هنالك حوالى الخمسين من عائلة دقلو يشكلون اهم قادة فصائل الدعم السريع ، ويمكن لحميدتى ان يوكل لهولاء اى مهام تنفيذية وعملياتية فى دارفور ويمكن ان تصله التقارير على راس كل ساعة وهو جالس فى مكتبه فى الخرطوم ، ليستمتع بامسياته فى الخرطوم متجولاً بين قصوره فى احياء الخرطوم الراقية ، ولكن هذا حال هولاء ( بشير / قوش ) دايما ، يطوعون الشيطان الرجيم نفسه ، تقول لى دقلو !!
محمد بشير ابونمو
٢٠ نوفمبر ٢٠١٨ م