الاتحاد الافريقي يعود إلى نقطة بدايته

مدينة سرت مسقط رأس الزعيم الليبي معمر القذافي ليست أكثر الأماكن سهولة من حيث الوصول إليها لحضور قمة الاتحاد الافريقي.

لقد كانت أربع ساعات من القيادة في جو ساخن وعلى طريق وعر من العاصمة الليبية طرابلس إلى مدينة لا يمكن الوصول إليها إلا عبر رحلتين جويتين كل يوم.

وأيضاً كان هناك نقص في تجهيزات الفنادق، حتى أن بعض الصحفيين والدبلوماسيين لم يجدوا سوى سفينة قديمة راسية في الميناء يملكها رجل اعمال يوناني لقضاء ليلتهم.

وكذلك كانت المساحات محدودة في غرفة الصحافة، ولم يكن هناك ارسال هاتفي، وعانى الصحفيون وهم يحاولون الحصول على خدمات الانترنت.

لكن لسرت مكانة مميزة في تاريخ الاتحاد الافريقي؛ فقد وقع إعلان الاتحاد الافريقي هنا عام 1999.

وقد كان في المدينة قادة وممثلون عن 50 دولة افريقية إلى جانب ضيوف من المجتمع الدولي.

الرئيس البرازيلي لويس اناكيو لولا دا سيلفا كان هنا، لكن لوحظ غياب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي الغى زيارته في اللحظة الأخيرة.

افكار ثورية

وكان الموضوع الرئيسي في مؤتمر القمة الافريقية هو الزراعة وكيف يمكن أن تقود القارة الافريقية إلى المزيد من الاستقرار الاقتصادي.

وافريقيا في حاجة دون شك إلى بعض الافكار الثورية؛ فالأمم المتحدة تقول إن الدول الافريقية جنوب الصحراء هي الأكثر تضرراً من التباطؤ الاقتصادي وليست الابراج البراقة في وول ستريت.

وقد انخفضت معدلات النمو بسبب تراجع عائدات التصدير والتحويلات المالية وأسعار البضائع وميزانيات المعونات.

ودعا رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي جين بينج صندوق النقد الدولي لدفع الاموال التي تعهد بها خلال قمة العشرين الاخيرة في لندن.

وكان صندوق النقد تعهد حينها ببيع أصوله من الذهب لتوفير دعم لافريقيا.

لكن العقيد القذافي يرى أن الحل على المدى الطويل هو الوحدة؛ حكومة فدرالية للتحدث باسم كل الدول فيما يتعلق بالاقتصاد والشؤون الدفاعية والسياسة الخارجية.

طموحات القذافي
وكانت الطموحات الكبيرة التي وضعها لانشاء الولايات المتحدة الافريقية قد رسمت على غرار الاتحاد الاوروبي بكتلة اقتصادية واحدة وعملة واحدة وربما حتى صوت واحد في مجلس الأمن.

لكن العوائق التجارية بين الدول الافريقية تمثل في الغالب العقبة الأكبر في وجه بناء اقتصادات متنافسة.

وهناك الكثيرون الذين يعتقدون أن طموحات الزعيم الليبي هي أفكار صعبة التحقيق، فقليلون هم الذين يتوقعون أن يتنازل الزعماء الافارقة، الذين حكموا بلادهم لسنوات، عن سلطات هامة لحكومة فدرالية بعيدة.

وهل يمكن لمثل هذه المؤسسة أن تبنى على التصدعات المتمثلة في الحروب والفقر والمرض؟

على سبيل المثال تقدر منظمة اوكسفام أن حوالي 1.4 مليون شخص أجبروا على الفرار من منازلهم منذ بداية العام الحالي نتيجة للعنف المتزايد.

وفي الصومال، أحاط القتال العنيف المستمر منذ أشهر بالعاصمة مقديشو، بينما تهدد حركة الشباب المتمردة، المدعومة بالمئات من مقاتلي القاعدة، بالاطاحة بالحكومة الانتقالية المعتدلة.

المحكمة الجنائية
وتقول تقارير غير مؤكدة إن قائداً افغانياً هو الثالث في ترتيب القيادة في حركة الشباب.

وليس مستغرباً أن ينظر القرن الافريقي كله إلى ذلك في حالة من القلق، وهناك 300 ألف لاجىء على الحدود الصومالية الكينية والمزيد قادمون.

وفي ملف آخر، هناك تذمرات متوقعة بشأن عمل المحكمة الجنائية الدولية، فقد أدان القادة العرب والافارقة مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الرئيس السوداني عمر البشير والتي يعتقدون أنها تعرض عملية السلام الهشة في السودان للخطر.

وقد عبر العقيد القذافي عن اعتقاده بأن القضايا الافريقية الأربع التي تنظر فيها المحكمة الجنائية هي مفروضة، إن لم تكن، مؤامرة من الغرب.

لكن القذافي نسي أن يذكر أن خمسة من قضاة المحكمة الـ18 أفارقة.

أما الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان فقد كتب في صحيفة (هيرالد تربيون) قائلاً “ستكون الحاجة أقل للمحكمة الجنائية الدولية لحماية الضحايا الافارقة، فقط عندما تحسن الحكومات الافريقية سجلها في جلب هؤلاء المسؤولين عن الانتهاكات الجماعية أمام العدالة”.

وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش حاضرة في أروقة القمة في اليوم الأول مذكرة الزعماء الافارقة بأن الاتحاد الافريقي دعا السنغال قبل ثلاث سنوات لمحاكمة دكتاتور تشاد السابق حسين هبري. لكن لم تجر محاكمة حتى اليوم.

الأفارقة يبحثون إنشاء سلطة اتحادية

تبحث قمة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في ليبيا استكمال إجراءات تحويل مفوضية الاتحاد إلى سلطة اتحادية، إضافة إلى قضايا أخرى مثل الأمن الغذائي والاستثمار الزراعي والتنمية الاقتصادية.

ويناقش المجتمعون في القمة -التي تنعقد في مدينة سرت بحضور نحو 48 رئيس دولة وحكومة- الوضع في عدة دول أفريقية مثل الصومال وغينيا بيساو وإقليم دارفور غرب السودان.

تجاوب كبير
وقال وزير الشؤون الأفريقية في الجماهيرية الليبية علي عبد السلام التريكي إن هناك “تجاوبا كبيرا” من دول الاتحاد مع فكرة إنشاء سلطة أفريقية موحدة.

وأضاف التريكي في تصريح للجزيرة أن القرار محسوم وأنه يجري الآن فقط بحث صلاحيات ومهام هذه السلطة، وأكد أن الجهازين التشريعي والقضائي الأفريقيين تم إنشاؤهما وبقي فقط إنشاء الجهاز التنفيذي.

من جهتها قالت الناطقة باسم مفوضية الاتحاد الأفريقي حبيبة الماجري في تصريح للجزيرة إن أعضاء الاتحاد “متفقون على ضرورة المضي قدما نحو تحقيق الولايات المتحدة الأفريقية، لكن الذي مازال يحدث نوعا من الاضطراب هو متى وكيف” يكون ذلك.

وكانت القمة الأفريقية التي انعقدت بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا في فبراير/ شباط 2009 الجاري وافقت بالإجماع على تحويل مفوضية الاتحاد إلى سلطة اتحادية بمناصب وزارية سيادية تكفل اتخاذ قرارات على المستوى الأفريقي.

روابط تاريخية
وحضر قمة سرت ضيوف من خارج الاتحاد، منهم أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني، في حين تغيب عنها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في آخر لحظة لأسباب لم تفصح عنها السلطات الإيرانية.

وأكد أمير قطر أهمية الارتباط التاريخي بين العالم العربي وأفريقيا، مشيرا إلى ما تتميز به العلاقات بين الجانبين من “روابط تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية وثقافية قوية ومتينة”.

وشدّد الشيخ حمد على حرص بلاده واهتمامها الشديد بقضايا وهموم القارة الأفريقية ودعم مسيرة تنميتها وتعزيز التضامن والعمل الأفريقي العربي المشترك.

من جهته ثمن عمرو موسى اختيار موضوع “الاستثمار في الزراعة للتنمية الاقتصادية والأمن الغذائي” عنوانا لهذه القمة، وعدّ ذلك “استجابة ذكية لاحتياجات حقيقية للمجتمعات الأفريقية ومنطلقا لتعبئة وتخطيط وتعاون دولي وإقليمي لتحقيق الأمن الغذائي في إطار من التقدم الاقتصادي للقارة”.

مواقف مشهودة
وأكد موسى أن الفضاءات العربية والأفريقية متداخلة ومتكاملة وأن مصالحها واحدة، مشيرا إلى أن تحديات تنمية الإنسان والمجتمع في القارة الأفريقية والعالم العربي متشابكة في معظم مفرداتها.

وأعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية عن قرب إنشاء منتدى عربي-أفريقي للتنمية سيعقد دورته الأولى العام المقبل، وحيا “المواقف المشهودة والثابتة” للقارة الأفريقية الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني.

أما الرئيس البرازيلي فجدد وقوف بلاده إلى جانب أفريقيا “لدعم السلم والأمن”، وعبر عن تأييد البرازيل للجهود المبذولة في القارة الأفريقية لمواجهة التحديات وإيجاد آليات لحلول مشاكلها.

وحمّل لولا دا سيلفا جهات أجنبية، لم يسمها، مسؤولية تغذية النزاعات والصراعات في القارة، مشيرا إلى أن هذه النزاعات “موروثة” من فترة الاستعمار التي عاشتها القارة و”تغذيها جهات أجنبية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *