الإنقاذ كانت تجربة ضرورية..هي ليست سلطة دينية، وإنما فكرة مادية..

الإنقاذ كانت تجربة ضرورية..هي ليست سلطة دينية، وإنما فكرة مادية..كيف شوهت الاسلام وأخلاق الشعب النبيلة، وتقاليده العريقة.؟. ماتت فكرة الأخوان المسلمين ، وماتت معها جميع مدارس الفكر السلفي التقليدي السوداني.
الإنقاذ كانت تجربة ضرورية..هي ليست سلطة دينية، وإنما فكرة مادية..كيف شوهت الاسلام وأخلاق الشعب النبيلة، وتقاليده العريقة.؟. ماتت فكرة الأخوان المسلمين ، وماتت معها جميع مدارس الفكر السلفي التقليدي السوداني.
ثورة رجل الشارع العادي المغمور والطريق غير المطروق

” لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك”

بدرالدين يوسف دفع الله السيمت

سلطة الإنقاذ ولدت ميتة تحمل عناصر فنائها في ذاتها ومع ذلك
فقد إستطاعت أن تحكم السودان لأكثر من عشرين عاما
لقد ماتت فكرة الأخوان المسلمين ، وماتت معها جميع مدارس الفكر السلفي التقليدي السوداني، في يوم 30 يونيو 1989، يوم أذاع العميد عمر حسن أحمد البشير، بيان الإنقلاب العسكري، مموها به الهوية الإسلامية الحزبية للإنقلاب، بخديعة كبرى، وبكذبة بلغاء مشهورة، زج بها بصاحب فكرة الإنقلاب في السجن، وذهب هو إلى القصر، إمعانا في تضليل الشعب السوداني، وإستغفاله، والزراية به، والضحك عليه.

إن مجرد إستيلاء نفر من الضباط والجنود على السلطة، عن طريق إنقلاب عسكري، يعتبر خرقا للدستور، وخيانة للأمانة، وحنثا باليمين، وتنكرا لواجب المهنة، وخروجا عن مهمة الجيش الأساسية ، ولذلك فإن الإنقلاب العسكري، يقع في باب الجرائم الكبرى، التي تقتضي عند الإدانة بها، أقصى العقوبات وأقساها.
فكيف إذا كان كل ذلك الغدر والغش، تبريرا وتخطيطا مبيتا، من أجل إقامة دولة الإسلام المزعومة!!

وكيف إذا تم التوسل لتلك الغاية، بالمباغتة وبالتآمر مع مدنيين، يشكلون قبيلا يدعي الإسلام، و حزبا يشارك في العملية الديمقراطية، و يمثل بطائفة من أعضائه في المجلس المنتخب الذي قام ضده الإنقلاب!!
وكيف إذا إستمر ذلك الحزب في السلطة لأكثر من عشرين عاما، تحت أسماء مستعارة، مزيفا للحقيقة، وسائرا في طريق قوانين سبتمبر، التي بدلت القوانين السودانية المدنية المتحضرة، بقوانين مذلة للنساء والرجال… ومما زاد الطين بلة، أن تلك القوانين، ظلت تشرف على تنفيذها طوال أيام الإنقاذ أجهزة أمن لا تتورع عن أي فعل، ويقضي بها قضاء بعيد عن إستقلال القضاء وحيدته ونزاهته.

وما يقال عن القوانين والقضاء والأمن ، يقال عن تسيس هذا الحزب للخدمة المدنية وخرقه نظمها العريقة في التعيين والترقيات ، وإفساده لمناهج التعليم والحط من قدر المؤسسات التعليمية العالية، وتطفيف المعاني العلمية للألقاب الأكاديمية الرفيعة، وتدميره للاقتصاد الوطني ومشاريع البلاد الكبرى، ونشره للمحسوبية وإستغلال النفوذ، وتصرفه في المال العام دون رقيب ولاحسيب.

ولم تكتف سلطة الإنقاذ بكل ذلك التدمير، وإنما ظلت تسخر كل إمكانيات الدولة، من اجل التمكين لحزبها ولقبيلها ولمن نافقها… ثم إنها قد إنتهجت مناهج غريبة، في إذلال معارضيها، وتبخيس أقدارهم بالخداع والاستدراج، وبالترغيب وبالترهيب.. بالترغيب بالمال والوظائف، أوبدعوى المصالحة وجمع الصف الوطني… وبالترهيب بالقتل والسجن والتعذيب وما إلى ذلك من وسائل التخويف والإبتزاز.

إذا كان ذلك كذلك، الا يكون هذا الحزب قد شوه الإسلام، وأهدر القيم، و زيف الديمقراطية، وقسم بلاد السودان العظيمة، وفرط في وحدتها، وفصل جنوبها عن شمالها، وأشعل النار في غربها، ثم قضى على نفسه بالموت الزؤام ، لإجهاضه كل القيم الدينية والقانونية، وهزيمته لأخلاق الشعب السوداني النبيلة، وتقاليده العريقة، وأعرافه السمحة… بعد كل هذا، فإن إستمرار سلطة الإنقاذ في الحكم، أصبح غير ذي معنى وغير ذي هدف، فماذا يكسب الإنسان، إذا ربح العالم وخسر نفسه!!

إذا كان هذا التقرير صحيحا – وهو لابد صحيح – فإن جنين سلطة الإنقاذ، يكون قد ولد ميتا، دخل الوجود الحي الزاخر، من باب ضيق ضنك، ذبحت عند وصيد أعتابه القيم الدينية الرفيعة، وهريقت في قارعته أمواه الحق والعدل.

من تناقضات العقل البشري نبعت سلطة الإنقاذ

هذه المقدمة القصيرة ليست من صنع الخيال، وإنما هي وقائع ملموسة ومعاشة، ولم أفعل شيئا سوى سردها وتقديمها في موجز مختصر. إنها وقائع يعرفها ويحس بها جميع أفراد الشعب السوداني، على تفاوت بينهم، بل يعرفها ويحس بها أهل الإنقاذ أنفسهم، بصرف النظر عما يقدمونه من تبريرات لها.

إن سلطة الإنقاذ ليست سلطة دينية، وإنما هي فكرة مادية، نبعت من تناقضات العقل البشري، دبرها شيوخ ماكرون، ونفذها شباب مغامرون، وهم يبتغون من وراء ذلك حسب زعمهم إقامة دولة الإسلام، وتحقيق السعادة للشعب السوداني، ولكن لم تقم للإسلام دولة، وإنما طففت موازينه الدقيقة، ولم تتحق للشعب السوداني سعادة، وإنما تم تمزيق بلاده العظيمة.

لم يسعد بالإنقاذ أحد، لأنك لا تجني من الشوك العنب، ولاتصل إلى غاية الخير بوسيلة الشر… لم يسعد بالإنقاذ أعضاء مجلس ثورتها ومفجروها ورواد الحركة الإسلامية وآباؤها الأولون، فمنهم من قضى نحبه في حوادث مريبة، ومنهم من مات في الجنوب بما يربو على العشرين ألفا، في حرب إعترف بعض فقهائهم بأنها لم تكن حربا دينية وهي على التحقيق كذلك، ومنهم من أعدم، ومنهم من لم يزل حاملا السلاح ضدها، ومتربصا بها الدوائر، ومنهم من شرد، ومنهم من همش، ومنهم من ينتظر، بما في ذلك شيخ الإنقاذ وصانعها وأستاذها، والذي هو الآن حبيس معتقلاتها .

وقد يقول قائل، إن سلطة الإنقاذ قد أنجزت بعض المباني والطرق، وشيدت بعض المصانع والمستشفيات والمدارس وكذلك بعض المشاريع، ومنها إستخراج البترول الذي كان مكتشفا منذ السبعينات… هذا صحيح بالطبع، ولكن بأي ثمن تم هذا؟ وكيف تم؟ وهل تمت هذه الإنجازات وفقا للأصول القانونية والمهنية وقواعد النزاهة والأمانة ؟ وهل تمت مراعاة الأولويات فيها؟ ألم تهدر موارد البلاد في إنفاق بذخي على العاملين عليها وفي صرف على أجهزة الأمن، وأجهزة الحزب بصور غير مبررة؟ ومهما يكن من أمر، فإن مثل هذه الإنجازات لا تحتاج إلى ثورة دينية، وإنما يمكن أن تقوم بها حكومة مدنية متوسطة الحال، بصورة أكفا، وبتكلفة أقل، إذا تم منحها بضع أعوام.

إذا وضعنا كل ما ذكر في الإعتبار، فإن سلطة الإنقاذ لا محالة زائلة، لأنه لا يصح إلا الصحيح: ” فأما الزبد فيذهب جفاء ، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”… بل إن هذه السلطة الماكرة قد زالت بالفعل، ولم يبق منها إلا ألقاب مملكة في غير موضعها:” كالهر يحكي إنتفاخا صولة الأسد” وهي ستذهب في التاريخ مثلا من أسوأ الأمثلة التي أثرت عن جميع عهود الإنحطاط الفكري.

إنني لست بصدد الزراية بسلطة الإنقاذ، أوالتهكم عليها، أو التقليل من شأن ما يمكن أن تفعله، فيما تبقى لها من أيام في السلطة، ولكنني أحببت لقرائي الكرام، ولأهل الإنقاذ أنفسهم أن يتأملوا في الوقائع التي سردناها قبل قليل، وينظروا : هل الإنقاذ ثورة دينية؟ وفي سبيل ماذا سفكت الدماء؟ وفي سبيل ماذا جيشت المليشيات، وحمل الجميع السلاح؟

ثم إنني أحببت لكم ولنفسي، أن نعرف الأرض التي نقف عليها، فإن من لا يعرف مواطئ قدميه، لا يستطيع التحليق في الآفاق، وإن من لم يكن واعيا بطبيعة المشاكل والعوائق حوله، لا يستطيع أن يصنع ثورة، وهو إن صنع ثورة، فإنها لا تكون ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة، وإنما هو مجرد تغيير سطحي، يستبدل به الشعب السوداني الوجوه القديمة، بوجوه جديدة، وتظل على القلوب أقفالها، وعلى العقول ظلامها.

إنني أحب لكم ولنفسي، قبل إحداث أي تغيير، أن ننظر في الأسباب الحقيقية، التي مكنت سلطة ولدت ميتة، أن تعيش كل هذا العمر المديد، الذي لم يتسن لحكومة سودانية قبلها منذ الإستقلال .
مثل هذا الصنيع هو الذي يمهد الأرض للثورة الفكرية الحقيقية، وهو الذي يؤدي للتغيير السلمي مأمون العواقب، وهو هو الذي يجنب هذا الشعب الطيب تكرار التجارب الفاشلة، فإن كل تجربة لا تورث حكمة ، تكرر نفسها.

أحب لقرائي الكرام، أن ينظروا نظرا دقيقا، في المنابع التي نبعت منها سلطة الإنقاذ ، وأن يتأملوا تأملا مليا، في السيرة التي سارت بها في مسيرة مخضبة بالدماء، ومشوبة بالفساد، ومليئة بالمكائد، ومحفوفة بالمفجآت:

نمشي عليها فوق كل فجاءة كالطير فوق مكامن الأشراك

النظر إلى صور ألأشياء حولنا فيما يجري في العالمين الأفريقي والعربي

زيادة على ما تقدم، فلا بد من النظر فيما حولنا ، ولا بد أن نتأمل في تفاصيل الأحداث التي تجري في هذه الأيام ، في العالمين العربي والأفريقي، من حركات شعبية، تأمل سلطة الإنقاذ توظيفها لإطالة عمرها، بالمكر والخديعة، مثلما حدث لها من إنساء في أجلها ، بفضل إتفاقية السلام الشاملة، وغيرها من أحداث، في مرات عديدات.
فإذا نجحت سلطة الإنقاذ هذه المرة، فإن الشعب السوداني على التحقيق مقبل على نكبات أعظم، ولكن ذلك لن يتم لسلطة الإنقاذ بفضل الله ولطفه، وبعناية أزلية سابقة، من لدن حكيم عليم، ويؤيد تجلى هذه العناية الأزلية السابقة، ظهور حكم الوقت، حكم السلام والمحبة والإستقامة، فمهما تعاظم الفساد، فإن ربك لبالمرصاد.
فلا يرهبنكم أن القوة السلفية، قد رمتكم بفلذات أكبادها، وعادت اليوم تبتغي إجلاء الصدأ عن فكرها الذي شوه الإسلام، والذي يقوم على إثارة العواطف الفجة وإستغلال الحماسة الدينية، فانتهزت سلطة الإنقاذ إستضافة الخرطوم لمؤتمر القدس، فدعت له كل زعماء الهوس الديني، من قادة حماس واضرابهم، والذين بدت عليهم نشوة ظاهرة، وهم يهمون بخطط جديدة، ولكن هيهات هيهات ، فإن حكم الوقت الحاضر للسلام وليس للحرب.

في ذلك المؤتمر العجيب رفعت شعارات المقاومة المضللة، والتلويح بالحرب الجهادية، وهو عمل ما أريد به الشعب الفلسطيني، وإنما أريد به إستغلال الدين لأغراض السياسة.
وبالطبع فإن الشعب السوداني لم ينس أحاديث الرئيس البشير عن تطبيق الحدود، وعدم الإعتراف بالتنوع الثقافي، كما أن زيارته لمصر ومقابلته لزعماء الأخوان المسلمين لسيت ببعيدة عن الأذهان. قام الرئيس البشير بتلك الزيارة العجيبة المفاجئة، متنكرا لوده القديم للرئيس السابق مبارك، ومن غير أن يراعي شعور الشعب المصري، الذي لم تجف دماء شبابه، الذين أسقطوا دولة شمولية قاهرة، مثل دولته تماما، بل أفضل منها في كثير من الوجوه… لقد أحسن الزعماء المصريون الذين إعتذروا عن مقابلة الرئيس البشير، فذلك أمر طبيعي ، فإن مقابلة رجل شمولي مثله، أمر غير لائق بهم ولا بشعبهم.

إن حكم الوقت الحاضر يقتضي إقتلاع الفكر السلفي من جذوره، وعلى الأخص فكرة الجهاد، لاسيما أن الدعوة السلفية، تحت قهر سنة التطورالغلابة ، قد الغت توابع الجهاد من جزية ورق…. كما ان حكم الوقت الحاضر يلزم بإلغاء تشريعات الحدود، و التمييز بين النساء والرجال وتوابعه من إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وما إلى ذلك من تشريعات الوصاية المرحلية .

وليس أدل على أن كل أولئك تشريعات مرحلية ومؤقتة، يلزم حكم الوقت الحاضر بتطويرها، أن دعاتها قد تخلوا عنها، فهاهم إخوان سلطة الإنقاذ في تونس يدعون اليوم إلى الحرية والمساواة في الحقوق، والإعتراف بالآخر، ومعلوم أنه قد سبق للأخوان المسلمين بتونس، أن نقدوا نقدا واضحا تجربة سلطة الإنقاذ في تطبيق الإسلام، والجدير بذلك أن حزب النهضة التونسي، قد تخلى عن إسم الأخوان المسلمين من زمن بعيد.

وهاهم إخوان سلطة الإنقاذ في مصر، يركلون إسمهم القديم (الأخوان المسلمين)، وينتحلون إسما وسطيا جديدا، يدعون تحت مظلته للإعتراف بالآخر، ثم يقولون إنهم قد نبذوا العنف، كما إنهم لا ينكرون المعاهدات الدولية التي أبرمتها جمهورية مصر، بما في ذلك إتفاقية السلام التي قررت الصلح مع إسرائيل، غير عابئين بسلطة الإنقاذ وقادة حماس الذين دعوا إلى مقاومة إسرائيل في مؤتمر الخرطوم الأخير… والأغرب من ذلك أن إخوان مصر يزعمون أنهم حزب سياسي، لا يدعو إلى دولة دينية، وإنما يدعو إلى دولة مدنية ولكنهم يضيفون إليها بإستحياء عبارة ( ذات مرجعية دينية).
وهاهم أخوان ليبيا ينفون علاقتهم بالقاعدة، ويقولون إنهم مجرد مواطنيين عاديين ، آذاهم الظلم، وتجبر الطاغية، فثاروا عليه، ويؤخذ من هذا أنه ليس في نيتهم إقامة حكومة دينية.

إذا كان إخوان تونس وإخوان مصر وإخوان ليبيا، يعنون ما يقولون، ففي ذلك خير كبير لهم وللمسلمين وللعالم أجمع، لأنهم بهذا الصنيع قد أطفأوا نار فتنة عظيمة، من حيث لا يشعرون، وذلك بقضائهم قضاء مبرما ونهائيا على أسس دعوة حسن البنا وسيد قطب، وثوابت الدعوات التقليدية منذ أيام الخوارج، وإبن تيمية، ومحمد بن عبدالوهاب، ومن دار في فلكهم… وبهذه التصفية الشاملة، لا يبقى أمر مستأنف تتسلط به الدعوة السلفية على رقاب الناس.

وإذا كانوا لا يعنون ما يقولون، فإن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، وإن سوء صنيعهم سيكفي الناس شرهم، والأمل معقود ، طالما أن الله موجود ” فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم”

سلطة الإنقاذ كانت تجربة ضروريه، فهل يتعلم الأخوان المسلمون والسلفيون من درسها الأليم الشديد؟؟

وهل يتعلم معارضو الإنقاذ من تجربتهم معها ، ام أن الفريقين سوف يستمرون في تكرار التجارب الفاشلة!!

وهل تتعلم الأغلبية الصامتة، من تجربة الفريقين، أم أن ما تبقى من السودان سوف يكون ضحية لكل أولئك؟

لا شك أن الأخوان المسلمين، وذوي الإتجاهات الإسلامية في مصر، وغيرها من الدول العربية قد تعلموا هونا ما من تجربة الإنقاذ، فلم يجرأوا على رفع شعاراتهم القديمة لتحكيم القرآن وللدستور الإسلامي، والإسلام هو الحل، بل ظهروا في جميع الأمكنة، بمظهر حركات المجتمع المدني الحامية لحقوق الإنسان، وبمظهر الجمعيات الخيرية الحريصة على الفقراء والمساكين، هذا فضلا عن إعلانهم أنهم حزب سياسي، ملتزم بالقوانين وقواعد الديمقراطية، شأنه شأن أي حزب آخر، من احزاب دعاة الحرية، وحماة الديمقراطية والمساواة على أساس المواطنة، وليس على اساس العقيدة.
ظهروا بجلد ناعم، وملبس جديد، وظلوا يرددون مع جماهير الشباب، الشعارات التي تدين الطغاة الذين أتوا إلى سدة الحكم، عن طريق الإنقلابات العسكرية.

لماذا فعلوا كل هذا؟

السبب واضح، فإنهم يريدون الا يلتبس أمرهم مع الخطأ القاتل الذي تورط فيه إخوانهم في السودان، بتدبيرهم لإنقلاب عسكري ظل جاسما لأكثر من عشرين عاما على صدر شعب مغلوب على أمره، وممسكا بكل مفاصل السلطة، في تشبث وإصرار عنيد، بكل الوسائل، بما في ذلك سفك الدماء، ومخالفة أي قانون.
لابد أنهم قد تعلموا هونا ما من تجربة الإنقاذ، لأنهم قد رأوا بأم عيونهم، كيف أن الإستيلاء على السلطة، لا يؤدي إلى إقامة دولة الإسلام، بل قد أدى إلى الإنحراف، مثل ما حدث لإخوانهم في السودان، الذين آثروا المال والجاه، وتقريب ذوي القربى، ولذة النهي والأمر، على كل عقائدهم القديمة!! وهم قد رأوا أو سمعوا بالترف الذي يرفل فيه قادة الإنقاذ، والترح الذي يرزح تحته شعبهم ، ومن غير شك، فإنهم قد سمعوا بالفساد المالي وإستغلال النفوذ والإتهامات الكثير ة التي لا حد لها ضد رموز الإنقاذ وقادتها، والتي شهد بها شاهد من أهلها، وتلك شهادة قاطعة جازمة ونهائية.
تلك الإتهامات لم تأت من أعداء الإنقاذ، بل أتت من بعض زعماء الحركة الإسلامية السابقين، الحادبين عليها، ومن بعض قادة الإنقاذ ورموزها، الذين أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، بما فيهم كبيرهم وأبوهم صاحب فكرة الإنقلاب، والذي يقول إنه قد ندم أشد الندم على فعله الذي فعله، بعد أن أقصاه تلاميذه، بنفس الأساليب الملتوية، و بذات المكر القديم.

ومن غير أدنى ريب، فإن الأخوان المسلمين في مصر وغيرها من الدولة العربية قد تابعوا خلال العشرين سنة الماضية، كيف هدمت حكومة الإنقاذ جميع ثوابتهم، فهي قد قبلت أن يكون المسيحي رئيسا لدولة الإسلام، وأعفت المسيحيين من دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، كما أنها قد قبلت عدم تطبيق الشريعة الإسلامية في جنوب السودان، بعد أن سفكت دماء الالاف ، من شباب الحركة الإسلامية، من إجل أسلمة الجنوب.

ليس هذا فحسب، بل إن حكومة الإنقاذ قد قبلت تطبيق الأعراف المحلية بدلا عن الشريعة الإسلامية في جنوب النيل الأزرق، أي في شمال السودان والذي يعتبرونه دار إسلام وليس دار حرب!! إلى غير ذلك من المسائل ذات التناقض البين الواضح، مثل الإختلاط بين الرجال والنساء في الجامعات والمعاهد العليا، وسائر مرافق الدولة، بل إن الإنقاذ قد دأبت على تعيين النساء في مناصب القضاء، مع إبقائها لشهادة المرأة معادلة لنصف شهادة الرجل، جاهلين أو متجاهلين ، أن القضاء هو أرفع شهادة، وأعظم تحكيم.
هذا يعني فيما يعني أن شهادة رجل أمي، لايعرف القراءة ولا الكتابة، تعادل شهادة قاضيتين من قضاة المحكمة العليا، أو تعادل شهادة المستشارتين، اللتين يستنير بنصائحهما وآرائهما القانونية ، رئيس الجمهورية الإسلامية المزعومة!! فهل سمع الناس بمثل هذا التخليط الذي لا يستقيم!!

إن الإنقاذ كانت تجربة ضرورية، لأنها قد كشفت لكل ذي عينين، ما تنطوي عليه الدعوى السلفية من جهالات وتناقضات، وعكست للناس كل الناس، مدى التزييف والتضليل الذي ظلت تمارسه هذه الجماعات باسم الدين… الحمد لله، فإنها قد كتبت كتابها الأسود بيدها،وأبانت للناس النموذج الذي ينتظرهم في بقية الدول الإسلامية الأخرى، وهم لم يفيقوا بعد، من ظلمات دولة الملالي في إيران، وتفجيرات مليشيات مجاهدي طالبان في أفغانستان وباكستان ، وبقية الجماعات الأخرى التي شوهت صورة الإسلام، وسودت وجه البسيطة، في كل زوايا الأرض بالعنف والإرهاب.

من حسن الطالع، ان تجربة الإنقاذ قد ألجمت ألسنة إخوانهم في البلدان العربية، وطامنت من غلوائهم ، وأجبرتهم على التخلي من جميع الشعارات المميزة للمواطنين على أساس العقيدة أو الجنس، والتلويح بأحكام الردة المحقر لحرية الفكر والضمير والعقيدة … حدث هذا في مصر الوطن الأم لدعوة الأخوان المسلمين، ويبدو لي أن هذه الجماعات قد تعلمت هونا ما من تجربة الإنقاذ، فهل يتعلم أهل الإنقاذ من تجربتهم المريرة !!
أما بقية الناس في الجبهة السودانية ، فإنهم في حيرة من أمرهم فالمعارضة ظلت تضرب ذات اليمين وذات الشمال، فهي مرة حركة مقاومة عسكرية ، ومرة حركة جهاد مدنية، وتارة أخرى شيوعية في زمان تخلت فيه روسيا عن النظرية الماركسية، ومرة صديقة للسلطة، وتارة أخرى عدوة للسلطة، وفي جميع الأوقات ، فإنها عجزت عن إلغاء قوانين سبتمبر المهينة المذلة، ايام كانت في السلطة، كما أنها عجزت عن المطالبة بإلغائها وهي خارج السلطة.
وفي جميع الأحوال فإن المعارضة السودانية تقف مع الإنقاذ في ارض فكرية واحدة، وتلتقي معها في كثير من أطروحاتها، مما جعل الكثيرين من أعضائها يتحولون للمؤتمر الوطني دون أدنى مشقة… هذا هو السر في فشل المعارضة المستمر، وتخبطها الذي كان سببا من الأسباب التي مكنت للإنقاذ.. هل في إمكان المعارضة إستيعاب هذه الدروس المريرة، والتعلم منها؟

إذن يبقى الأمل الوحيد ، كامنا في الأغلبية الصامتة في السودان… يبقى الأمل في رجل الشارع العادي المغمور … يبقى الأمل فيك وفي وفي الثالث وفي الرابع من النساء والرجال، لا سيما إن بذرة النهضة الروحية، ونواة الثورة الفكرية ، موجودة في ضمير الأغلبية الصامتة في السودان، ولكن من يستطيع أن يقدح زنادها!! من يستطيع أن يدل هذا الشعب على الكنز المخبوء تحت جداره؟؟ من يفجر في هذا الشعب القوى الكامنة في قلبه وفي عقله !! ليت شعري من يدل الشعب السوداني، على ذلك الأمل الدفين ، الذي ما زال حيا متوهجا في ضميره!!

ماهي النهضة الروحية؟ وما هي الثورة الفكرية؟

وهل صحيح أن بذرة كل ذلك موجودة في ضمير الأغلبية الصامتة في السودان؟

ثورة مصر ثورة عظيمة، ولكنها ليست نموذجا و لاقدوة يقتدي ويهتدي بها الشعب السوداني

قبل أن نحاول الإجابة على الأسئلة السابقة، فلا بد أن ننوه بأن ثورة مصر ثورة عظيمة ،ولكنها ليست ثورة بالمعنى الحقيقي للثورة الفكرية والنهضة الروحية، وإنما هي هبة شعبية، أسقطت حكومة عسكرية وهي بذلك ليست النموذج ولا القدوة التي يهتدي ويقتدي بها الشعب السوداني.
سبب ذلك ، يرجع إلى أن الشعب السوداني قد سبق الشعب المصري، وسائر الشعوب العربية الأخرى، في هذا المجال مرتين: مرة في أكتوبر 1964 ، ومرة في إبريل 1985 ، حيث تمكن الشعب السوداني الأعزل من إسقاط نظام الفريق عبود العسكري، وإسقاط نظام المشير نميري العسكري، وتمتاز الهبتان الشعبيتان السودانيتان على الهبة المصرية، بقلة عدد الضحايا، إذ لم يسقط في ثورة اكتوبر 1964 ، إلا شهيدها الأول القرشي، وشهيدها الثاني بابكر عبد الحفيظ، هذا فضلا عن أن ثورة أكتوبر ، إتبع فيها الشعب السوداني أسلوب الإضراب المدني الشامل، وتلك درجة متقدمة من درجات الوعي السياسي .

ولكن الشعب السوداني ، وقف حائرا، لايدري ماذا يفعل وإلى أين يتجه، بعد إن إنجاز تلكما الهبتين العظيمتين، مثلما يقف الشعب المصري اليوم، ومثلما يقف الشعب التونسي.
ولا بد أن الشعب السوداني ما زال يذكر في أعماق أعماقه، كيف تمكن آخرون ، في غمار ربكة تلك الحيرة ، أن يسرقوا الثورة، وأن يزيفوها لتحقيق أغراضهم السياسية والطائفية والمذهبية.
لعل هذا هو السر في عدم تحرك الشعب السوداني ضد حكم المشير البشير، حتى هذه اللحظة، فضمير الشعب السوداني الحي، ومخزونه الفكري الخلاق، وحاسته السياسية المتقدمة، تتطلع إلى شئ كبير، وإلى أمر جلل، وإلى ثورة جذرية، فكأنه لا يريد أن يتحرك ويقدم تضحياته في طبق من ذهب، ليسرقها أناس لا يختلفون عن الإنقاذ، إلا قليلا…

كأن الشعب السوداني لا يريد أن يقدم أفراده قرابين في مذابح الجماعة، لأن الثورة القادمة ليست ثورة جماعية، يساق فيها الناس سوق السوام، وإنما هي ثورة فردية!! إنها ثورة فكرية!! إنها ثورة الأفراد الأحرار!! ثورة البنائين الجدد الذين يبنون السودان الجديد، على أساس مدنية جديدة، تقوم على التدبر والتفكر والتذكر والتأمل… تقوم على القلوب السليمة والعقول الصافية.

ما هي النهضة الروحية؟ وما هي الثورة الفكرية؟

وهل صحيح أن بذرة كل ذلك موجودة في ضمير الأغلبية الصامتة من الشعب السوداني؟

أرجو من القراء الكرام، ان يتأملوا مليا في قوله: ” فإذا سويته ونفخت فيه من روحي” عبارة ” ونفخت فيه من روحي” تعني فيما تعني، أن روح الله موجودة وجودا أبديا، في كل إنسان، كما أن عبارة: ” فإذا سويته” تشير إلى أن تسوية الإنسان المادية في الهيكل البشري، تظل تسوية مستمرة دائمة ، لأن الفعل الإلهي لا يتناهى … إقرأ مرة أخرى : “فإذا سويته”

والتسوية تقع في منطقة وسطى بين بداية قاعدتها الخلق في الماء والطين، وقمتها الإعتدال في أعلى عليين، كما هو واضح من قوله تعالى :” الذي خلقك فسواك فعدلك”… بمعنى آخر، فإن قمة التسوية المادية، تعانق الروح الإلهي المنفوخ في الهيكل البشري، وبذلك يقوم الوزن بالقسط، بين المادة والروح، في إعتدال شامل.
ذلك الإعتدال الشامل لكل صور الوجود ، المنظور منها وغير المنظور،والمبين في قوله تعالى: ” الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك” وإنما تسنى للإنسان ركوب كل صور الوجود، بفضل روح الله المنفوخ فيه، ذلك الروح الذي ملأ المكان وزحم الزمان، وإن صم عنه غلف الآذان… إقرأ مرة أخرى، ببطء شديد : ” ونفخت فيه من روحي”
كلمة الثورة، أصلها ثار بمعنى تحرك في قوة وشكيمة وهيجان، وهو صاعد إلى أعلى، ومن هنا سمي الثور ثورا، ويتضح المعنى اللغوي لأصل كلمة الثورة من قول شاعر العرب بشار بن برد:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه
هذا المعنى اللغوي يستقيم مع المعنى العرفاني المخبوء في قوله تعالى: ” فأثرن به نقعا* فوسطن به جمعا” أي أن مثار نقع التسوية، يلتقي بالله في مقام الجمع، بفضل نفخ الروح، في وسطية وإعتدال، لأن الجميع من لله: “جميعا منه”، ويكون ذلك في سرعة فائقة، تقدح موريات النار المقدسة، وتشعلها قبسا جذوة، في ليل الفكر، حتى تشرق شمس صبحه: ” والعاديات ضبحا* فالموريات قدحا* فالمغيرات صبحا”

الثورة الفكرية التي نتحدث عنها تعني التغيير الجذري الشامل الذي يقوم على طفرة ووثبة، في حركة سريعة مستقيمة عديلة، في قوة ومضاء، تقفز بها بشريتنا من محدودية الجسد وظلمة طينه، إلى إطلاق الروح ومشارق النور، في إستواء موزون، يستوفي به الإنسان سماء الروح، من غير تفريط في أرض الجسد، وهذا هو معنى تأويل القرآن، الذي يستوفي المعاني ، دون أن يفرط في المباني، أعني يفيض على الكلمات من دقائق المعاني ما لم يكن مألوفا ومعروفا في اللغة، ولكنها تستقيم وتتسق ، مع مباني الكلمات: ” وأوفوا الكيل، إذا كلتم، وزنوا بالقسطاس المستقيم، ذلك خير وأحسن تأويلا”
تأمل مليا قول الله تعالى: ” ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون * ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين * ” ومن كل شئ خلقنا زوجين، تشير إلى صراع ثنائية الأضداد في مرحلة التسوية، عسى أن نتذكر روح الله المنفوخ فينا… فإذا اشرق روح الله فينا، تذكرنا وطننا القديم، في جنان الرحمن، ثم فررنا إلى ربنا في حركة وجدانية مستقيمة، عبرنا عنها بالثورة الفكرية… الا تشعر في كلمة “ففروا” معاني الوثبة في حركة سريعة، وكذلك حركة الفكر، فإنها أسرع من سرعة الضوء، ويمكنك أن تلاحظ ذلك في الأحلام، إن كنت لا تزال حالما.

أما إذا ثبت الفكر من جولانه السريع، بين الماضي والمستقبل، فإنه يكون أثبت من الجبال : “يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”… وقديما قال السيد المسيح: ” تزول السماوات والأرض، ولكن كلمات ربي لاتزول”
وغني عن البيان أن السيد المسيح نفسه كلمة من كلمات الله، لثبات عقله في اللحظة الحاضرة : ” إن الله يبشرك بكلمة منه إسمه المسيح عيسى ابن مريم” وما إتفق لعيسى إبن مريم، يمكن أن يتفق لأي عبد أنعم الله عليه،لأن عيسى عليه السلام قد كان مجرد مثلا ضربه الله لبني إسرائيل، بسبب إكتمال نعمة الله في عقله : ” إن هو إلا عبد أنعمنا عليه، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل”.
ولكن بني إسرائيل، لم يفهموا المثل، لأنهم ما حملوا معاني التوراة ، وإنما حملوا كلماتها : ” مثل الذين حملوا التوراة، ثم لم يحملوها، كمثل الحمار يحمل أسفارا” … فأرجو الا نكون نحن المسلمين، مثل أسلافنا اليهود، نحمل كلمات القرآن، ولانحمل معانيه، وهذا أمر ليس ببعيد، بل إن الله قد حذرنا من هذا المصير: ” الم يأن للذين آمنوا، أن تخشع قلوبهم لذكرالله ومانزل من الحق، ولايكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل، فطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم”
وبالمثل، فإن جميع الأنبياء الكرام قد كانوا أمثلة طيبة، ضرب الله لنا بها الأمثال : ” وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” ويدرك هذا، كل من كان عندالله في جميع أوقاته وأحواله: ” إن مثل عيسى عند الله، كمثل آدم” فعيسى كلمة طيبة، ضرب الله بها مثلا، وإبراهيم كلمة طيبة ضرب الله بها مثلا، ومحمد كلمة طيبة ضرب الله بها مثلا، وقل مثل هذا في سائر الأنبياء، حتى تأتيك من نفسك الذخائر بالتلقي عن المثل الأعلى، الذي هو الله العظيم: ” وله المثل الأعلى في السماوات والأرض”
ولكننا في حالة غفلتنا، لا نرى ذلك ومن هنا جاء قوله تعالى: ” ألم تر كيف ضرب الله مثلا، كلمة طيبة، كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء” على سبيل التقريع، لأن الآية تعني ألم تر نفسك التي هي كلمة طيبة، لأنها ذرة ثابتة في تراب الأرض، تم خلقها وتسويتها في إعتدال صعد بها في السماء، بفضل روح الله المنفوخ فيها: ” وفي أنفسكم أفلا تبصرون” فإذا أبصر كل واحد منا، روح الله المنفوخ فيه، فقد وقعت الثورة الفكرية، في حقه، وهذا هو معنى قولنا، ان الثورة الفكرية، هي ثورة فردية.

الروح هو المستقر، والتسوية هي المستودع
فماهو المستقر وما هي المستودع؟

تأمل مليا قول الله تعالى: ” وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع، قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون” النفس الواحدة هي النفس البشرية، المنبثقة أزمانها وأكوانها من الحضرة الإلهية العظيمة … من الله صدرت النفس البشرية الواحدة، وإلى الله تعود، وهذا هو معنى قوله: ” إنا لله، وإنا إليه راجعون”
النفس البشرية، فيها ماهو مستقر، والذي وردت الإشارة إليه بقوله: ” ونفخت فيه من روحي” وفيها ماهو مستودع، وردت الإشارة إليه بقوله : ” وإذا سويته” … وإليك بيان المستقر والمستودع.
المستقر
المستقر، أصلها اللغوي قر بمعنى ثبت وسكن، والمعنى العرفاني للمستقر هو الثابت الساكن الصامت الذي ينتهي فيه كل شئ، ومن هنا كان ثابتا وصامتا وساكنا غير متحرك، بل غني عن الحركة، لإمتلائه، ولوجود كل شئ فيه، وهذا هو روح الله المنفوخ فينا ، وهذا هو الله رب العالمين: ” إلى ربك يومئذ المستقر” .
ونحن لا نشعر بوجود المستقر فينا، أعني لا نشعر بوجود الله فينا، ولا نرى الله، بل لانحس بروحه المنفوخ فينا، إلا إذا استقرت عقولنا في اللحظة الحاضرة، إستقرارا ثابتا ساكنا… إقرأ: ” ولكن انظر إلى الجبل، فإن إستقر مكانه، فسوف تراني” وإنما تستقر عقولنا في اللحظة الحاضرة، بفعل روح الله المنفوخ فينا : ” فلما رآه مستقرا عنده، قال هذا من فضل ربي” فضل ربي يعني فضلته وبقيته، أي روحه المنفوخ فينا: ” بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ”.
وأس الرجاء في قوله: ” وما أنا عليكم بحفيظ” إذ بذلك ترفع الوصاية النبوية، في حق كل من شعر بأن الله هو الحفيظ، وان روح الله المنفوخ فيه، يرعى ذلك038 الحفظ ، ابد الآبدين، دون أن يتأثر العقل البشري، بما لحقه من ظلمة الطين، ونقص الأرض : ” قد علمنا ما تنقص الأرض منهم، وعندنا كتاب حفيظ” وعندنا كتاب حفيظ بحفظ الله: ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”… ولكن اين يحفظ الذكر؟ يحفظ في صدور الذين اوتوا العلم: ” بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم” .
كل من تأمل في كل ما ذكرناه، وجده محفوظا في كل آيات القرآن، ومستقرا بها في مكان عال، يشهده المقربون من الأبرار في كل لحظة: ” كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين* وما أدراك ما عليون* كتاب مرقوم * يشهده المقربون”
هذا المكان المستقر، هو المكان العلي، المشار إليه بقوله: ” ورفعناه مكانا عليا” عليا ، إشارة إلى الصعود بحركة الثورة نحو الروح، حيث الإشراق: ” واذكر في الكتاب مريم، إذ إنتبذت من أهلها مكانا شرقيا * فاتخذت من دونهم حجابا، فأرسلنا إليها روحنا، فتمثل لها بشرا سويا”
بشرا سويا، إشارة إلى إكتمال التسوية في مكان سوى، لانخلفه نحن، ولاتخلفه أنت أبد الآبدين، من دقة إستوائه، عندما يحين وقت بلوغنا موعده: ” موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى”.. مريم إشارة إلى كل نفس عذراء طاهرة، تمثل بها الروح، ولكننا نجهل هذا الروح، لقلة علمنا: ” ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا” ولوجود حجاب الهيكل البشري بحواسه الخمس وعقله المقيد بحدودها، والمشار إليه بقوله:” فاتخذت من دونهم حجابا”.
ومن البشائر العظيمة، أن هذا الحجاب يزول، عندما يزيد علمنا القليل، بالنور الذي يقذفه الله في العقول، التي أنعم الله عليها بلقاء الروح، الذي هو من أمر الله : ” يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده” والروح من أمر الله، كما هو واضح من هذه الآية، وكما هو واضح مماتقدم: ” قل الروح من أمر ربي”
وامر الله ، يعني نظامه القائم بدون قوائم، وبدون أسباب، ولا يتحرك بعوامل خارجية، لأن كل شئ مودع فيه… وخلق الله يعني نظامه القائم بقوائم وأسباب تظهر كأنها مودعة فيه : ” الا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين” ” ولقاء عالم الأمر ، بعالم الخلق، هو موضوع الدين، وهو موضوع الثورة الفكرية.
ويكون هذا اللقاء بالإلقاء النوراني المتواتر،عن طريق الإلهام و”الدراية”، وليس بتكرار الكلمات و” القراية” : ” ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا” … وتكون الواردات في هذا المقام، ساطعة دائمة، لا مقطوعة ولا ممنوعة… وإلى ذلك المقام الرباني ، وردت الإشارة بقوله: ” كونوا ربانيين، بما كنتم تعلمون الكتاب، وبما كنتم تدرسون” وتعليم الكتاب وحفظ كلماته، مقدمة لدراسة الكتاب، ودراسة الكتاب تعني تأويل الكتاب بتجاوز كلماته، والعبور إلى حضرة القدس، إذ ان الدرس هو الإهلاك، كما هو واضح من قولهم الطلول الدارسة، وتعليم الكتاب ودراسته هو موضوع جذوة تأويل القرآن المبسوط خبرها في غير هذا المكان.

وسبب آخر من أسباب جهلنا بالروح، هو أن النفس العذراء، عندما تحمل أنوار الروح، يسطع شعاعها ، في مكان قصي عن نظر العقول القواصر: ” فحملته، فانتبذت به مكانا قصيا”… هذا المكان البعيد، هو أقصى مكان في مدينة العلم ، حيث تستوي علوم جميع المرسلين لوحدة الأصل المعلى: ” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى، قال ياقومي، اتبعوا المرسلين” أي اتبعوا جوهر رسالات المرسلين، و لا تتبعوا مظهرها،لأن الجوهر واحد، والمظهر مختلف.
وكل من بلغ هذا المكان العالي في سماء الروح، مكن الله له في أرض النفس: ” ويسألونك عن ذي القرنين، قل : سأتلوا عليكم منه ذكرا* إنا مكنا له في الأرض، وآتيناه من كل شئ سببا” ذي القرنين إشارة إلى كل فرد من النوع الإنساني، إذ أن في كل واحد منا قرن الروح حيث المستقر بلا أسباب، وقرن التسوية حيث المستودع المسبب فيه كل شئ باسبابه.
والتمكين في الأرض إنما يتسنى لكل من رضي بالله، فرضي الله عنه جزاء وفاقا: ” وليمكنن لهم دينهم الذي إرتضى لهم” والرضا هو أساس بنيان الدين : ” أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان”… والتمكين في الأرض، قد كان حظ القلة من الأنبياء والأولياء ، والمأمول أنه سيكون حظ الناس جميعا، بمحض منة الله وإرادته: ” ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ، ونجعلهم الوارثين* ونمكن لهم في الأرض” وهذا هو معنى الثورة الفكرية.

والتمكين في الأرض، يعني أن تكون للسماء مكانة في الأرض، أو قل أن ترتفع الأرض مكانا عليا، حتى تصير سماء… ولن تبلغ الأرض هذا المبلغ الرفيع، إلا إذا تعلم سكانها كلام الله، وامتلكوا المقدرة على تأويله، وهذا ما إتفق لنبي الله يوسف: ” وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ، ولنعلمه من تأويل الأحاديث”.
ما اتفق ليوسف الصديق، يجوز في حق كل المحسنين، وإن كان أكثر الناس لا يعلمون ذلك، كما هو مجلو ومبسوط في الآية السابقة ، والآية التي تليها … إقرأ: ” وكذلك مكنا ليوسف في الأرض، ولنعلمه من تأويل الأحاديث ، والهف غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لايعلمون* ولما بلغ أشده، آتيناه حكما وعلما، وكذلك نجزي المحسنين”.
وهذا هو السر في أن الملك عندما سمع كلام يوسف في التأويل مكنه في الأرض في التو وفي الحال: ” فلما كلمه قال : إنك اليوم لدينا مكين أمين” و كلمة “الملك” تعني في مستوى آيا ت الآفاق ملك مصر، ولكن كلمة ” الملك” تعني في مستوى آيات النفوس، الله العظيم، حيث تعلم النفس أنها لا تملك شيئا، فقد زالت أوهام الآفاق: ” يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله” … يومئذ، هو كل يوم نعلم فيه علم يقين، أن الملك لمالك الملك وحده، وغني عن البيان، ان التأويل هو الملك، لأن التأويل هو كلام الله، في حق من علمه الله: ” رب قد آتيتني من الملك، وعلمتني من تأويل الأحاديث”
بقي أن تعلم ان الرسول الكريم محمد، قد قال بالقرآن عندما تمكن بقوة من عرش قلبه : ” إنه لقول رسول كريم* ذي قوة عند ذي العرش مكين” فسالت الحكمة من لدن الله، وفاض العلم من قلب النبي ، فتلقاه لسانه الشريف : ” وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم”
التمكين مشتق من مكن بمعنى قوي ومتن ورسخ، والمكان مشتقة من كان كونا وتكوينا، وكل من كان له في السماء مكانة كان له في الأرض تمكين، وأهل السودان يقولون للولي الكامل: ” عندو في السما مرق وفي الواطة عرق” أي عنده عمود في السماء ، وجذور في الأرض.

بهذا الفهم، فإن التمكين، لايعني إستيلاء بعض الناس على وظائف الدولة وإمكانياتها عن طريق الغدر، ثم تقديم أهل الولاء، على أهل الكفاءة، مع التجاهل التام لمبدأ مساواة المواطنين في الحقوق والواجبات.

المستودع

المستودع يعني في لسان العرب، مكان الحفظ ، أو مكان الولد من البطن، أي الرحم، وهذا المعنى اللغوي هو معنى طيب، في غاية الطيبة، لأنه يستقيم مع العرفاني والذي يعني الدماغ، فالدماغ البشري مثل المخزن أو المستودع… وهو مستودع دائب الحركة بإدخال المعلومات فيه، وإخراجها بالتذكر وبالنسيان… بهذا المعنى فإن المستودع يعني الوعي البشري، الذي هو وعاء الذاكرة… الذاكرة هي النفس البشرية، التي يكتسبها أحدنا بين الميلاد والموت.
الدماغ البشري هو مستودع المعلومات والذكريات، الموروث منها والمكتسب، وهو دماغ واحد، ولكن لكل واحد منا نسخة منه، فيها ماهو مستقر تحدثنا عنه قبل قليل، وفيها ماهو متحرك عبر عنه القرآن أبلغ تعبير بتسميته ” مستودع” : ” وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة، فمستقر ومستودع”… هذه النفس الواحدة ، هي الدماغ البشري، الذي خلقت منه ثنائيتنا التي إنبثقت في كل نفس بشرية، كما هو واضح من قوله: ” يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا”
الأرحام ، إشارة إلى المستودع، والذي قلنا إنه يعني في لسان العرب الرحم، ولعل القراء الكرام، قد لاحظوا ورود كلمة التقوى مرتين في هذه الآية ، لأن التقوى تشير في المرة الأولى إلى تطهير المستودع، وفي المرة الثانية إلى البقاء في المستقر، بالرقابة المستمرة للمستودع، والمشار إليها بقوله: ” إن الله كان عليكم رقيبا”… ولكن مماذا نطهر المستودع؟؟
في مستودع الدماغ البشري، يكمن ويظهر صراع الأضداد بين الأمر الواقع وبين تصوراتنا لما هو خير ولما هو شر، ولما هو حق ولما هو باطل، إلى آخر تلك القائمة الطويلة من صراع المتناقضات… هذا الصراع المرير هو الذي قطع النفس البشرية أيدي سبا، وجعلها في حلة تناقض… ذلك التناقض هو سبب الجريمة بين الأفراد ، وهو سبب الحروب بين الأمم.
النزاع الخارجي هو مجرد مظهر، سببه النزاع الداخلي في مستودع الدماغ البشري… وما لم يهدأ هذا الصراع فسوف يستمر القلق والإضطراب عند الأفراد، وسوف تستمر الحروب بين الجماعات… ولذلك فإن اوجب واجبات كل واحد منا، تطهير مستودعه … تطهير المستودع هو الثورة الفكرية.
إذا فهمنا هذا فهما جيدا، فقد إلتقى الفكر بالواقع ، وقد إنتصرت الثورة الفكرية، لأن الثورة الفكرية هي إرادة الله التي لا تقهر: ” إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ، أهل البيت ويطهركم ، تطهيرا” أهل البيت ، هم اهل البيت المعمور، وأصحاب الكتاب المسطور،أصحاب المكانة العلية، المعبر عنها ب ” المستقر” بصرف النظر عن جنسهم، او لونهم ، أو عنصرهم أو زمانهم .
هؤلاء العارفون، هم أيضا المشار إليهم بقول الله على لسان النبي: ” قل ياقومي إعملوا على مكانتكم ، إني عامل فسوف تعلمون” أي إعملوا على مكانتكم التي أنتم فيها الآن، وسوف أعمل أنا على مكانتي التي أنا فيها الآن، لأن تلك هي إرادة الله، وسوف تعلمون أن الله قد أقام العباد فيما أراد، وسوف تعلمون أن الله لم يرد بعباده شرا.

إقرأ ببطء: ” كلا سوف تعلمون* ثم كلا سوف تعلمون * كلا لو تعلمون علم اليقين ” هذا هو علم اليقين الذي يتمادى لحق اليقين، في حق أهل القرآن الذين سبحوا مع نبيهم بحمد ربهم العظيم: ” وإنه لحق اليقين * فسبح باسم ربك العظيم”.
هذا العلم اليقيني المحقق هو الذي يقود للحرية التامة والتخيير الكامل… هذا العلم هو وقود الثورة الفكرية التي تقود إلى التحرر من عبادة الأشخاص، والإفتتان بالذوات البشرية الفانية…. هذا العلم هو الذي يجعلك أنت أنت في مكانتك، ويجعلني أنا أنا في مكانتي، ويجعل محمدا محمدا في مكانته: إقرأ هذا العلم اليقيني المحقق، الذي أجراه الله العظيم على لسان نبيه الكريم : ” قل ياقومي اعملوا على مكانتكم ، إني عامل وسوف تعلمون”
وقد ذكرت كلمة ” مكانتكم ” في القرآن أربع مرات مرتين في سورة هود ، ومرة في سورة الأنعام، ومرة في سورة الزمر، لما للرقم أربعة من قيمة روحية، تستوفي البعد الرابع، ثم تغيب في أنوار الذات الإلهية.
فلكل آية في القرآن معنى ظاهر في الآفاق، ومعنى باطن في النفس البشرية، ومعنى ثالث يطالعك في أول التجليات فيما وراء المادة حيث بيان الحق، ومعنى رابع منشور في حدود الله، في جنة شهوده: ” سنريهم آياتنا في الآفاق، وفي أنفسهم، حتى يتبين لهم أنه الحق، او لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد”
إستمرار الصراع في المستودع، هو أعدى أعدائنا ، والأعداء الخارجيون مجرد أوهام،وهذا هو معنى قول النبي المعصوم: ” إن أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك”، ولن يهدأ الصراع في المستودع، إلا بإصلاح بالنا، وإصلاح بالنا هو التعريف الصحيح للجنة كما هو وارد في قوله: :” سيهديهم ويصلح بالهم* ويدخلهم الجنة عرفها لهم” ولذلك فإنه عليك هداية نفسك، وعلي هداية نفسي، وعلى كل آخر هداية نفسه، ولاتوجد في الإسلام وصاية من احد على أحد، ولا يوجد أحد يقرر لك إيمانك أو ردتك عن الإيمان: ” يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا إهتديتم”
ومهما عظم الصراع في مستودع الوعي الإنساني، فإن المستقر يظل هادئا ساكنا ممتلأ ، لا يتأثر بإضطراب أنباء الزمان، مهما كذب الناس ومهما اتبعوا أهواءهم، وهذ هو معنى قوله: ” وكذبوا واتبعوا أهواءهم، وكل أمر مستقر” … شمس الحقيقة تجري في اللحظة الحاضرة حتى تستقر في قلب كل إنسان :” والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم” وشمس الشريعة ، تجري في فلكها لا تستقر أبدا، حتى تزول يوم ينتهي أجلها ، وهذا هو السر في أنه عليه السلام قد قرأ، في رواية أخرى : ” والشمس تجري لا مستقرلها ذلك تقدير العزيز العليم” وقد كان إبن عباس يقرأ بالرواية الثانية،: ” والشمس تجري لا مستقر لها” لأنه كان يعلم طرفا من التأويل، بفضل دعاء النبي الكريم له: ” اللهم فقهه في الدين وعلمه من التأويل”

المستقر هو الوعي الإلهي، الذي تستقر فيه كل أنباء الزمان، فإذا علمت ذلك، فقد وقعت الثورة الفكرية في مستودعك، وإذا لم تعلم ذلك، فقطعا سوف تعلم ذلك:
فلا تعجل على ما لست تدري، فإنك سوف تدري بالتأني
إقرأ ثم أقرأ قول الله: ” لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون”
وقد ذكرت كلمة مستودع في آية أخرى على النحو التالي: ” ويعلم مستقرها ومستودعها ، كل في كتاب مبين” … ولا يخفى على أولي الألباب البشارة العظيمة المطوية في قوله: ” كل في كتاب مبين” إذ أنها تشير إلى أن القرآن العظيم ، قد شمل علوم المستقر، وعلوم المستودع، أعني علوم الوعي الإلهي، وعلوم الوعي البشري
من هنا كان أهتمامنا بتأويل القرآن الكريم، لأن هذا الكتاب العزيز، هو كتاب الثورة الفكرية، ومن هنا كان الإنسان هو موضوع الثورة الفكرية، لأن في قلب الإنسان علوم المستقر: ” ما وسعني أرضي ولا سمائي ، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن” وفي عقل الإنسان علوم المستودع التي تزيد في كل لحظة: ” وقل رب زدني علما”.
ومن هنا أيضا، فإن كل إنسان مطلق إنسان، هو بذرة الإمام المبين : ” وكل شئ أحصيناه في إمام مبين” … ولذلك، فإن الأمل في الإنسان … الإنسان ذلك الكائن المقدس ، الذي بظهوره في الهيكل البشري ، فقد إستقر روح الله في الأرض : ” ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين”
مستقر، إشارة إلى روح الله المنفوخ فينا، ومتاع إشارة إلى المستودع ، المخزون في العقل البشري… فإذا تم تطهير مستودع العقل البشري من صراع المتناقضات، يصير المستودع وديعا ساكنا صامتا، نقيا، خاليا من الإضطراب.

بهذا الصفاء ، وبهذا النقاء، يلاقي المستقر المستودع… يلاقي الروح التسوية… يلاقي الله الإنسان، وهذا هو المعنى الحقيقي للثورة الفكرية:

طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله.
طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.
طوبى للمساكين بالروح، لأنهم يرثون ملكوت السماوات

هذه هي الثورة الفكرية، الموجودة في قلب كل إنسان، ولكننا زعمنا أن بذرتها موجودة في ضميرالأغلبية الصامتة في السودان، فعلى أي أساس نزعم هذا الزعم، وعلي اي أساس نقول هذا القول؟
الحديث عن الثورة الفكرية فنونه كثيرة في تنوع الذكر واشراق الفكر
لأنها ثورة داخلية تنبع من الأعماق وتنتشر في الآفاق
دون مواكب أو مظاهرات، فهي سلام حتى مطلع الفجر
لقد كانت الثورات في الماضي تتفجر من المستودع، حيث القلق والإضطراب والتناقضات التي يرزح تحتها العقل البشري، ولذلك فقد كانت كلها ثورات مسلحة، وتعبيرا دمويا عن التنازع الداخلي في العقل البشري، ولا يستثنى من هذا أي من الثورات القديمة، ومعلوم أن الثورات تأكل بنيها ، بما فيها ثورة الإنقاذ التي أكلت أباها ذاته.
جميع ثورات المستودع ثورات عنيفة، كماحدث في أمريكا وفي فرنسا، ولكن عنف ثورة المستودع ينطبق أكثر، على الثورات الدينية السطحية، كما حدث في إيران، داخل بلادها، وخارجه في محاولاتها العديدة في نشر الثورة الشيعية بواسطة أتباعها في العراق وفي لبنان وفي البحرين، بل أن الثورة المصرية الحاضرة السلمية، لم تسلم من غوائل العنف، حيث سقط فيها ما يربو على الثلاثمائة قتيلا.
الثورة الفكرية ، وحدها هي الثورة السلمية ، لأنها تنبع من المستقر، حيث الأمن والطمأنينة والسلام، وسوف تجئ الثورة الفكرية بدون مواكب وبدون مظاهرات، لانها تعبير عن العلم والذكر والفكر وسلام هي حتى مطلع الفجر.
لعل القراء الكرام قد لاحظوا، اننا قد أيدنا ودعمنا ضرورة قيام الثورة الفكرية، بالعديد من آيات القرآن الكريم ، وسبب ذلك أن الثورة الفكرية، تقع في داخل النفس البشرية، حيث الروح ، وحيث المستقر، وحيث وحدة الفاعل، وقد كان في الإمكان الإستطراد وإيراد المزيد من الآيات، لو لاخشية التطويل.
القرآن ميسر للذكر : ” ولقد يسرنا القرآن للذكر ، فهل من مدكر” وبالذكر تكون طمأنينة القلوب: ” الا بذكر الله تطمئن القلوب” إي أن الذكر يقود إلى المستقر الداخلي، حيث الطمأنينة والسكون… بدوام الذكر يذكرنا الله : ” فاذكروني أذكركم”… بذكر الله لنا نكون في صلة مع العقل الكلي القديم… بفضل هذه الصلة يستقيم فكرنا، وهذا هو السر في أن الله قد ربط بين الفكر والذكر، لأن الفكر هو الثمرة المباشرة للذكر: ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم، ولعلهم يتفكرون”
” ولعلهم يتفكرون” هو إكسير الثورة الفكرية المتصلة بالله الفاعل الوحيد في هذا الوجود… لقد وكد القرآن، توكيدا قاطعا، وحدة الفاعل، وهاهو الاستاذ محمود محمد طه يقول: ” فإذا إستقرت مدركات العقول في طوايا الصدور، ظهر أن ليس هناك حرف واحد في القرآن لا يدعو إلى وحدة الفاعل”
إستقرار مدركات العقول في طوايا الصدور، هو لقاء المستودع ” مدركات العقول” بروح الله المنفوخ فينا” المستقر”… هذا اللقاء هو هو الثورة الفكرية، التي أشرنا إليها أعلاه… وقد إشار الأستاذ محمود إشارة بليغة إلى المستقر بقوله: ” إذا إستقرت ” ، ولاغرو في ذلك، فإن الأستاذ محمود هو رائد الدعوة للثورة الفكرية، في السودان ومن ثم في العالم، وهي عنده تغيير لم يسبق له مثيل ، منذ بدء النشأة البشرية، كما أورد ذلك بصريح العبارة، في بعض كتاباته.

بذرة الثورة الفكرية موجودة في ضمير الأغلبية الصامتة في السودان

هناك شواهد كثيرة، يؤخذ منها وجود بذرة الثورة الفكرية في ضمير الأغلبية الصامتة في السودان، منها دخول الإسلام في السودان عن طريق التصوف الإسلامي، ومنها ظهور بعض كبار الأولياء والصالحين ذوي القلوب السليمة، والمفكرين ذوي العقول الصافية، في أرض السودان، في فترات مختلفات.
في هذه العجالة، فإني سوف أقول قولا ميسورا، في دخول الإسلام في السودان عن طريق التصوف الإسلامي، ثم أقوم بإيراد نموذج لأحد كبار الأولياء والصالحين، الذين بذروا بذرة الثورة الفكرية في السودان، وهو الأستاذ الجليل محمود محمد طه، وسوف أشفع ذلك، بنموذج آخر للمفكرين ذوي العقول الصافية، هو الشاعر المجيد التجاني يوسف بشير.

التصوف الإسلامي

مع أن أقطاب التصوف وكبار أساتذته من أمثال الجنيد والجيلي والبدوي والشاذلي والدسوقي ومحي الدين بن عربي والنابلسي وإبن الفارض والبسطامي وإبراهيم بن أدهم والحلاج والرومي والغزالي والسهروردي لم يكونوا من أهل السودان، إلا أن التصوف الإسلامي قد طبع الكثير من أهل السودان بصورة متفاوتة، بطابع مستديم من الرضا بالله، والتوكل عليه، والشجاعة والكرم والمروءة والشهامة، مع اللطف ولين العريكة والتطلع إلى العالم الأسنى في شوق وأمل في الله سمح.
وتعليل ذلك ، يرجع بعد فضل الله ، إلى أن الإسلام لم يدخل السودان عن طريق السيف، وقد حاول عبدالله إبن أبي السرح، في عهد الخليفة عثمان، ايام ولاية عمرو بن العاص على مصر، إدخال الإسلام في السودان عن طريق السيف، إلا أنه أخفق وفشل، ولم يدخل الإسلام في السودان، إلا بعد ذلك بقرون عديدة، وبواسطة أساتذة أجلاء من شيوخ الطرف الصوفية.
لقد كان اولئك النفر من الأساتذة الأجلاء، رحماء طيبين، بسطاء زاهدين، أدخلوا الإسلام في القلوب، بالحكمة والموعظة الحسنة، والقدوة والنموذج، مع مراعاة تامة للتقاليد الإفريقية، في الغناء والطرب ودق الطبول، دون حاجة لسيف، ودون حاجة لإكراه، كما جرى في البلاد الأخرى ألتي دخلها الإسلام بالسيف وبالفتوحات المعروفة والشهيرة في التاريخ.
لهذا السبب فإن للإسلام الشعبي الصوفي السوداني نكهة وطعما ومذاقا وأريجا ، لا تجده في البلاد الإسلامية الأخرى، التي لها طابعها الخاص المتعلق بخلفيتها التاريخية والثقافية، والطريقة التي دخل بها الإسلام في بلادها.
بالإضافة إلى هذا التميز الواضح، فقد حبا الله السودان، بحشد هائل من أساتذة التصوف ، الذين جعلوا حياتهم وقفا لتعريف خلق الله بالله، وتحبيب الله لخلقه في بساطة ولطف، مع جهودهم المقدرة في تدريس وتعليم الكتاب الكريم.
إن المتأمل في تاريخ التصوف في السودان، لابد أن تتملكه الدهشة، من هذا الحشد الهائل من الأساتذة ، كما وكيفا، وكيف كانوا منارة هدي في شمال ووسط وشرق السودان وغربه .
سوف تجد الطريقة القادرية في قرية أبي حراز، حيث يرقد في سكون وطمأنينة ، في قبابها الباهرة، شيوخ السادة العركيين، في حشد هائل من الأولياء، أشهرهم الشيخ دفع الله ابوإدريس الملقب بالمصوبن، والشيخ يوسف بن محمد الطريفي الملقب ب “ابوشرا” والشيخ محمد يونس الملقب بالاستاذ … بالإضافة إلى شيوخ العركيين المنتشرين في كل بقاع السودان وأصقاعه النائية في النهود والكرمك، ولعل معظم الناس بالسودان، يعرفون ضريح الشيخ حمد النيل إبن الشيخ أحمد الريح، بمدينة أمدرمان، والذي هو من أشهر مراكز الذكر في السودان…. هذا فضلا عن الأعداد الكبيرة من الزهاد السائحين من الاولياء في جميع بقاع السودان، من العركيين ، ومن غيرهم من أبناء البيوتات الدينية، او الأفراد الأفذاذ الذين لا ينتمون لطريقة معينة.

وسوف تجد سجادات الطريقة القادرية منتشرة في السودان بصورة مذهلة، ففي المندرة والسوكي والهلالية تجد السادة الصادقاب، وأشهر شيوخهم الشيخ الجنيد والشيخ محمد ود عبد الصادق والشيخ علي المرين، وفي مدينة ود مدني تجد ود مدني السني الذي أخذت المدينة الشهيرة إسمها من إسمه، وبقرية العليفون تجد الشيخ إدريس ودالأرباب وذريته من الصالحين، وفي ود حسونة ، تجد الشيخ حسن ود حسونة، وفي أم ضبان تجد الشيخ العبيد ود بدر وذريته المباركة وتلاميذه الميامين المنتشرين خارج أم ضبان مثل الشيخ عبد القادر ودأبكساوي ، وفي كدباس تجد الشيخ الجعلي وذريته من الصالحين ، وفي جزيرة ترج تجد أولاد جابر الأربعة الذين طبقت شهرتهم الآفاق، وفي قرية مورة وما جاورها تجد السادة الركابية، واشهر شيوخهم الشيخ عيسى ودبليل وحبيب نسي، والشيخ صالح فضل الركابي… ومن سجادات القادرية الشهيرة سجاد ة السادة المكاشفية في الشكينبة وعلى رأسها الشيخ عبد الباقي المكاشفي المشهور .
وفي قرية الكباشي تجد الشيخ إبراهيم الكباشي وذريته، وفي مناطق كبوشية وشندي تجد الكثير من الأولياء، أشهرهم الشيخ عمر وإبنه الشيخ حامد أب عصا في جبل أم علي.
وتنتشر الطرق الصوفية في مناطق كثيرة من كردفان، حيث يوجد السادة الدواليب ببارا، بالإضافة إلى وجود الطريقة الإسماعلية بالأبيض، وينتشر ابناء مؤسس الطريقة السيد إسماعيل الولي من الأولياء والصالحين في مناطق كثيرة من السودان، كما أن وجود الطريقتين القادرية والسمانية بكردفان، ظاهر وواضح، حيث ينتشر كثير من أوليائهما، وقد كان لذلك آثارحميدة وبركات كثيرة.
وسوف يجد المرء سجادات الطريقة السمانية منتشرة في السودان ، واشهر سجاداتها سجادة السادة الطيبية، في أمرحي وأمدرمان، وطابت ، واشهر شيوخها مؤسسها في السودان الشيخ الطيب ود البشير والشيخ قريب الله والشيخ عبدالمحمود نورالدائم، والاستاذ محمد شريف…. كذلك تجد من شيوخ السمانية، سجادة السادة اليعقوباب، في جهات سنار في العمارة الشيخ هجو، والسبيل وديم المشايخة، وأشهر شيوخهم الشيخ موسى ابوقصة والشيخ هجو ابوقرون … وفي جهات كركوج يوجد الشيخ بلة الشيخ النور وذرية الصالحين من آل نورالله من وكذلك الشريف الخاتم، وبجهة الصابونابي ، يوجد الشيخ الصابونابي، وذريته من الصالحين.
ومن الطرق التي دخلت السودان حديثا في القرن التاسع عشر وانتشرت إنتشارا واسعا، الطريقة الختمية، واِشهر أوليائها اليسد الحسن الميرغني إبن مؤسس الطريقة، والذي طارت شهرته في الآفاق ، وضريحه الميمون مشهور ومزار في مدينة كسلا، وينتشر خلفاء السادة المراغنة، في الخرطوم بحري وفي سنكات وسواكن وشرق وشمال السودان .

وتزدحم منطقة مروي وكريمة والدبة ودنقلا العجوز ودويم ود حاج بطائفة من الأولياء، حيث ينتشر القرآن الكريم، منذ زمان بعيد، ويرقد بالكاسنجر بالقرب من كريمة، ضريح ود حاج الماحي، المادح المعروف، والذي له قصيدة إستغاثة شهيرة، ذكر فيها كثير من أسماء اولياء االسودان المشهورين بصلاحهم.
ومن الطرق التي دخلت السودان حديثا بعيد الطريق الختمية الطريقة الإدريسية وهي منتشرة في شمال السودان، وكثير من بقاع السودان الأخرى، ويكفي أن ضريح السيد عبد المتعال إبن السيد أحمد إبن إدريس الفاسي المغربي، مشهور ومزار بمدينة دنقلا، والسيد أحمد بن إدريس هو استاذ السيد محمد عثمان الأكبر، مؤسس الطريقة الختمية.
وكذلك الطريقة الهندية في الخرطوم ومنطقة الجزيرة، والطريقة البرهانية في الخرطوم وسائر بقاع السودان، كما ان الطريقة التجانية موجودة وراسخة في غرب السودان حيث ينتشر تحفيظ القرآن الكريم بكثرة، بل إن الكثير من طلبة القرآن، في أوسط السودان ، يجيئونمن غرب السودان، فتزدحم بهم خلاوي القرآن.
وتزدحم بلاد السودان، بكثير من المشايخ الذين إشتهروا بالحكمة وضرب الأمثال مثل الشيخ فرح ود تكتكوك، والشيخ العبيد ود بدر، ويوجد أيضا بالسودان كثير من صالحات النساء مثل هدا الغرا ومريم المرغنية.
ومن أحدث وأشهر الطرق التي نشأت حديثا في داخل السودان الطريقة العجيمية في مناطق جلاس والبصرة وبربر، والتي أسسها العارف بالله الأستاذ محمد علي العجيمي، وهي طريقة لطيفة نشرت دقائق المعارف والفيوضات الربانية، المتعلقة بوحدة الوجود ووحدة الفاعل ، والتحرر الإنساني، وخاصة حرية المرأة .
ولم نذكر الكثير من الأولياء الصالحين من الرجال والنساء، نسبة لصلتهم الوثيقة بمن ذكرنا من أولياء بالبنوة المعنوية، ونسبة لضيق المجال أيضا … فلهم منا العتبى، حتى يرضوا، ولنا لهم عودة بإذن الله… وتجدر الإشارة إلى أن بعض الصالحين من أهل السودان، قد آثروا إخفاء ولايتهم فلم يشتهروا، ولم يعرفوا، إلا عند القلة من أهل البصائر.
كل هذا العمل العرفاني الممجد، وكل هذا الحشد من الأولياء، الذين يطلق عليهم أهل السودان لقب ” الصالحين” تيمنا وتبركا ،مصداقا لقوله تعالى: ” ولقد كتبنا في الزبور،من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون” هو الذي وضع بذرة الثورة الفكرية في السودان، ورسخ اقدامها.
ويطيب لي في هذا المقام، أن أشير إلى أنه عليه السلام قد قال في تأويل قوله تعالى ” ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين” الحديث الغريب: ” مني وإلى آدم ثلة، ومني إلى قيام الساعة ثلة ولن تستكمل ثلتنا إلا إذا ستعنا عليها برعاة الإبل من أهل السودان، ممن يشهد الا إله إلا الله وحده”
وفي هذا الحديث من لطائف المعارف ما أشرت إليه في مواضع أخرى ، ولم يكن ذلك تعصبا مني لأهلى في السودان، وما ينبغي لى وما أستطيع، ولكن ذكرت ذلك ، من أجل إظهار حقيقة كبرى، تنبأ بها نبي الإسلام العظيم، وساذكر في هذه العجالة رجلين من رواد الثورة الفكرية التي أرجو أن يكون قد حان زمانها وأظلنا أوانها.

التجاني يوسف البشير قيثارة الجديد الذي رمز لفرديته ولثورته باسمه اللطيف ” إشراقة”

لقد عرف الناس التجاني شاعرا فذا، وأديبا مجددا، تميز بعبارته الرشيقة، وكلماته الأنيقة المسحورة… ولكن الناس لم يعرفوا التجاني، كرائد من رواد الثورة الفكرية، رغم انه قد دعا دعوة صريحة لثورة الشباب العارمة، فهو قد شعر بالموات والسبات العميق الذي كان يرقد فيه الشعب السوداني ، على جدار يريد أن ينقض، اليس هو القائل:

قف بنا نملأ البلاد حماسا ونقوض من ركنها المرجحن
إنه كان يريدها ثورة الشباب الذين كان يود إستنهاض هممهم:
إنها ثورة الشباب، لم اجد كالشباب يبسا مراعيه ولا كالصبا أعز لعيني
بل إنها ثورة الحياة، التي إستفاقت على أسلحة فتاكة، وقذائف رعناء، في الحرب العالمية الأولى:

إنها ثورة الحياة فمن للكو ن يحميه من قذائف رعن

ولكن التجاني، لم يكن يملك لصد الشر القادم من كل الإبواب، سوى قلمه الصارم الذي يقاتل به وطرسه أي كتابه الذي يتوشح به صدره الوضاء المزين بفنه البديع:

من لهذا الأنام يحميه عني قلمي صارمي وطرسي مجني
هو فني إذا إكتهلت وما زا ل على ريق الحداثة فني

بالرغم من هذا، فلم يعرف الناس التجاني ثائرا فكريا، لأن التجاني الحقيقي قد إختبأ خلف كلماته، مثلما يختبئ العطر في الورد، وقد رمز لفرديته ولثورته ب ” إشراقة” … أسمعه يقول:
انا إن مت فالتمسني في شع ري تجدني مدثرا برقاعه
وكيف تجد التجاني في شعره؟

أنت قيثارة الجديد بك استظه رمن في الوجود سرمتاعه
أدب ملؤه الحياة وشعر مفعم بالسمو في أوضاعه

عبارة ” من في الوجود” تشير إ‘لى الهي المستقر الثابت في كل ذرات الوجود، وخصوصا قلب الإنسان، وعبارة ” سر متاعه” تشير إلى المستودع، حيث العقل البشري خزينة الأسرار الإلهية، ولذلك فقد كان شعر التجاني مفعما بالسمو في أوضاعه… وبالطبع فإن التجاني قد كان يعلم أن الجمال هو جمال الله، المستقل عن الوجود ، كما يبدو ذلك في ابيات كثيرة من شعره البديع، كما أن التجاني كان يفهم أن الحرية أرفع من الحياة، وأن الحب أسمى من الحياة، لأنه نفحة من الزمان الأبدي المطلق:
والهوى نعمة الزمان ونعمى الخلد أسمى من الحياة وأرفع
ثم أن التجاني قد أخفى فرديته تحت إسم إشراقة… اسمعه يقول:
قطرات من الندى رقراقة يصفق البشر من دونها والطلاقة
ولكن ما هي قطرات الندى هذه؟ إنها نفس التجاني ذاته، اسمعه يقول:

هي نفسي من الندى قطرات لم تنالها يد الزمان بخلط
وما هوإسم هذه القطرات؟ إسمع التجاني يقول:
قطرات من التأمل حيرى مطرقات على الدجى مبراقة
تترسلن في جوانبي آفا قي شعاعا … أسميته إشراقة
ثم يقول التجاني صراحة ، إن إشراقة هي نفسه ذاتها:
هي نفسي إشراقة من سماء الله تحبو مع القرون وتبطي
لهذا فقد كان التجاني لا يكتب بقلمه، وإنما يكتب بدمه:
من دمي يستدرها حر أنفاسي لهيبا… اسميته ” إشراقة”
لقد كان التجاني ثائرا ورائدا من رواد الثورة الفكرية، ولكن نسبة لصغر سنه الحسية والمعنوية ، فقد كان في بداية طريق التجليات الإلهية، وفي أعتاب باب الدخول في الحضرة ، وهذا هو السر في تردده بين الشك واليقين، كما يظهر من قوله:
بين إثنتين، أسر أم أبكي قبس اليقين وجذوة الشك

ولكن مع كل هذا، فقد إستطاع التجاني بنضجه اللغوي وإشراقه الصوفي المبكر أن يضع بذرة الثورة، في أرض السودان، في محاولته لإيقاظ قومه من مضاجعهم ، فهاهو يقول لقومه النيام:
كم صباح نسجته انا والنج م وارسلت شمسه من محطي
قلت سيري على اسرة قومي واستحري على مضاجع رهطي
انا جراءهم سهرت ليستغشوا من اجلهم اصيب واخطي
إذن لم يكتف التجاني ، بإرسال شمس الحقيقة من ذاته، على أسرة قومه، عسى أن يستيقظوا، بل أرسلها لمضاجعهم أي الى مكان رؤوسهم النائمة، وهم قد إستغشوا، يعني تغطوا بثيابهم… والمضجع هو ” المخدة” مكان النوم!!

محمود محمد طه العارف الكامل المحقق، رائد الثورة الفكرية
الذي رمز لفرديته، ب “الحزب الجمهوري” وب ” السودان”
ومن حيث إنتهى التجاني، بدأ محمود محمد طه… أسمعه يقول:
” إن عصرنا الحاضر، يمكن أن يوصف بأنه عصر الذرة، ويمكن أن يوصف بانه عصر أستكشاف الفضاء الخارجي، ولكن ينطبق عليه أكثر، كونه عصر الرجل الشارع … الرجل العادي المغمور، الذي إستحرت على مضجعه شمس الحياة الحديثة، فنهض وحمل عصاه على عاتقه وانطلق يسير في الشعاب، يبحث عن نفسه وعن حريته، بعد أن أذهل عن كل أولئك، طوال الحقب السوالف، من تاريخه المكتوب وغير المكتوب”
أرجو أن يلاحظ القراء الكرام، عبارة الاستاذ التجاني” أرسلت شمسه من محطي… قلت سيري على أسرة قومي واستحري على مضاجع رهطي” وعبارة الاستاذ محمود: ” الذي إستحرت على مضجعه شمس الحياة الحديثة، فنهض وحمل عصاه على عاتقه وانطلق يسير في الشعاب”
الا ترى كيف بدأ الأستاذ محمود من حيث إنتهى الاستاذ التجاني، وكيف نهض الإنسان على يدي الأستاذ محمود من نومه… ليس هذا فحسب وإنما حمل عصاه على عاتقه… ليس هذا فحسب، وإنما إنطلق يسير في الشعاب.
ويرجع هذا إلى حكم الوقت وتطوره، ويرجع أيضا إلى نضج الأستاذ محمود الروحي، ودرايته بحركة سير التاريخ، ومعرفته بخبايا النفس البشرية ، وهو بذلك يختلف عن الاستاذ التجاني الذي كان في بداية التجليات الإلهية، رغم عرفانه الزاهر.
وبالرغم من أن الأستاذ الجليل محمود ، قد دعا إلى الثورة الفكرية، بعبارات واضحة ورصينة وبليغة، إلا أن حكم الوقت ، وإرادة الله، قد قضت، الا تنتشر الثورة الفكرية في زمانه، لإسباب كثيرة، نلقى بعض الضوء عليها في ختام هذا المقال الذي طال فيه بنا السرى.
ونسبة لشعورالاستاذ محمود محمد طه بتخلف الثورة الفكرية، والذي عبر عنه في بعض كتاباته، فقد آثر أن يرمز لفرديته ولثورته الذاتية، ب ” الحزب الجمهوري” … اسمعه يقول:

” إن الحزب الجمهوري لعلى ثقة بدعوته، وعلى يقين بربه، وهو يسمضي في سبيله غير هياب ولا وجل… فإن أقض ذلك مضاجع أقوام فلا نامت أعين الجبناء”
وقد ظهر مصداق ذلك عمليا، في إلتحاقه بربه ، بصورة مشرفة، غير هياب ولا وجل، فقد رفض أن يتنازل عن دعوته مقابل الإبقاء على حياته، لأنه قد كان وحده على ثقة بدعوته، وعلى يقين بربه، فمضى في سبيله وحده، خلافا لإتباعه الذين قبلوا يومذاك التنازل عن الدعوة.
لقد كان أتباعه مقلدين، وكان هو وحده الأصيل بينهم، بل إن أتباعه لا يزالون مقلدين إلى يومنا هذا، ومن حسن إكرام الله لهم ، انهم لم يحاولوا أن يقوموا بثورة، لأنهم إن قاموا بثورة، فإنها تكون ثورة تقليد، لا ثورة أصالة.
ومن دلائل حسن تربية الأستاذ للجمهوريين، ومن دلائل علم قادة الجمهوريين أيضا، أنهم لم يتبنوا دعوة لقيام الحزب الجمهوري، بل تنازلوا عن الدعوة ، عندما طلب منهم فقهاء النميري ذلك ، وفي ذلك خير لهم وخير للشعب، فإن الثورة الفكرية لا يبعثها المقلدون ، وإنما يبعثها الأصلاء، المتصلون بالله.
إن الثورة الفكرية ليست ثورة مواكب ومظاهرات، وإنما هي ثورة مستكنة في أعماق النفس البشرية، تقوم على الوعي الإلهي في المستقر، وليس على الوعي البشري في المستودع، كما سلفت إلى ذلك الإشارة.
وأحب أن أنوه في هذا المقام ، أن مقام تجويد التقليد ليس بالمقام الهين، لأنه إذا أحسن إستقصاؤه، فإنه حتما يقود إلى الفردية وسقوط التقليد، بلقاء روح الله المستقر في قلوبنا.
كذلك رمز الأستاذ الجليل لنفسه ب “السودان” أسمعه بقوله:
” أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم… وأن القرآن هو قانونه … وان السودان إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة للأمن، وحاجة الفرد إلى الحريةالفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب” فالسودان لم يقدم ذلك القانون، في أي صورة من الصور!! وإنما قدمه الأستاذ محمود، كما ان عبارة مركز دائرة الوجود، تشير إلى صاحب المقام العرفاني، الذي هو موضع نظرالله في الوجود، للصلة التي قامت بين القديم والحادث!! بين القلب والعقل!! أي تشير إلى الأستاذ محمود نفسه، ولم يذكر ذلك صراحة، من قبيل اللطف والأدب، الذي عرفه عنه كل من إتصل به.
ومعروف في ادبيات التصوف الإسلامي أن يشير العارف إلى نفسه، بقومه وببلاده، فهاهو العارف النابلسي الدمشقي يشير إلى فرديته بالشام وبالبلاد، فهو يقول:
وأنا البلاد وأهلها أنا لا سوى والشام دون البرية شامي

ولو لاضيق المجال، لأفضنا في ذكرى الثورة الفكرية عند الأستاذ محمود محمد طه ، ويمكن لمن شاء أن يلتمس ذلك في مظانه، فالاستاذ محمود صاحب مؤلفات كثيرة، وله كتيب إسمه ” الثورة الثقافية” ومؤلفات اخرى ورد فيها ذكر الثورة الفكرية، وقد قام تلاميذه بحفظ تراثه العظيم، وذلك عمل جليل، يحمده الله ويحمده لهم الناس.
إذا كانت بذرة الثورة الفكرية راسخة الجذور في السودان
فلماذا لم تقم في السودان ثورة فكرية؟
هناك عوامل كثيرة، أدت وما زالت تؤدي إلى تأخير قيام الثورة الفكرية في السودان، أهمها الآثار السالبة للتصوف الإسلامي، وما صحب ذلك من تدهور روحي، أدى إلى إنحراف عن مبادئه القويمة في التربية والإرشاد، حتى إنطفأت أنواره ، وعاد التصوف طائفية دينية تستغل الولاء القديم، او طائفية سياسية تحول الأتباع إلى تحقيق منافع حزبية.

لقد كان لهذا الوضع سود العواقب، في الحياة السودانية الفكرية، التي سارت في طريق إنكار الآخر، وتقييد حرية الفكر منذ زمن بعيد، ويكفي أن النموذجين من نماذج المفكرين العظام ، والمشار إليهما أعلاه، قد تم تكفيرهما.
فهاهو نابغة الفصحى، ومفخرة السودان، التجاني يوسف بشير قد تم فصله من المعهد العلمي، بتهمة الكفر، فلندع التجاني يروي القصة بنفسه… يقول التجاني:
قالوا وارجفت النفوس واوجفت هلع وهاج وماج قسور غابه
كفر ابن يوسف من شقي واعتدى وبغى… ولست بعابئ أو آبه
أنظر إلى هذا التصوير الفني الدقيق الذي يجعلك تحس وتشعر ببداية الهوس الديني في أواخر العشرينيات من القرن الماضي… قسور جمع قسورة، وهي تعني الأسد… لقد كان شيوخ المعهد العلمي بأجسامهم الممتلئة، ولحاهم الطويلة ، مثل الأسود المفترسة، التي تجول في غابة المعهد العلمي، ونفوس تلاميذهم واجفة راجفة…. لماذا كل هذا؟؟ وضد من هذه المعركة ذات العيار الثقيل؟؟ إنها ضد صبي صغير، المعي فطن، رموه بالكفر وهوغير خائف، ولا آبه.
ماذا كان سيفعل اولئك الشيوخ ، لو كانت لديهم سلطة زمنية، مثل سلطة الإنقاذ؟ أسمع التجاني يجيب على هذا السؤال:
قالوا احرقوه بل اصلبوه بل انسفوا للريح ناجس عظمه وإهابه
ولوان فوق الموت من متلمس للمرء مد إلي من اسبابه

ولما كان السودان في ذلك الوقت بلدا متحضرا، يحكم بالقوانين الأنجليزية، بعيدا كل البعد عن قوانين سبتمبر وقوانين الإنقاذ، فلم يستطع شيوخ المعهد حرق التجاني أو صلبه، ففعلوا ما يستطيعون عليه وهو فصله من المعهد العلمي، وقد كان ذلك خيرا كبيرا للتجاني، لأن مثل ذلك المعهد، غير جدير بنابغة مثله.
ومن المؤسف حقا، أن فتنة الهوس الديني في السودان، ظلت تنمو وتترعرع، حتى جاءت قوانين سبتمبر المهينة المذلة، كمقدمة لعهد الإنقاذ، فتمكن السلفيون من تنفيذ خطتهم في قتل رجل هو من خير بني الإنسان، علما وفكرا، وخلقا وسلوكا، بنفس تهمة الكفر التي وجهت للتجاني.

ذلك الرجل هو الأستاذ محمود محمد طه، نموذج الثورة الفكرية التي تقوم على القلب السليم والعقل الصافي…. لقد تمت محاكمته في محكمة، أو مهزلة، وصمت القضاء السوداني بميسم الخزي والعار، ابد الدهر.
كل هذه التداعيات اجلت قيام الثورة فكرية في السودان، وما زاد الأمر سوءا، ان المدارس الثانوية التي انشئت خلفا لكلية غردون التذكارية، أخذت تستقطب الطلاب لدعوة الأخوان المسلمين التي تقوم على قشور الإسلام ، وقشور المدنية الغربية.
بعد ذلك صارت جامعة الخرطوم وطنا لدعوة الأخوان المسلمين ، ومكانا لتقييد العقول، وإهدار النبوغ، ثم لحقت بجامعة الخرطوم بقية المعاهد العليا، بالإضافة إلى رصيد الدعوى السلفية الجاهز، في المعاهد العلمية التي فصل منها التجاني يوسف بشير.
هذا الوضع لم يؤد إلى تأخير قيام الثورة الفكرية فحسب، وإنما أدى إلى الإفلاس الفكري والتخبط السياسي ، الذي تتم تتويجه بقيام ثورةالإنقاذ.
الثورة الفكرية لا تقوم على التراث القديم، وإنما تبدأ من حيث إنتهى
التراث القديم… إنها ثورة رجل الشارع العادي تطرق طريقا غير
مطروق… وهي تبني السودان الجديد…. تبني العالم الجديد
الثورة الفكرية ليست أصداء للتراث الصوفي السوداني ، ولاتكرارا للشاعر الفذ التجاني يوسف بشير، ولا تردادا للأستاذ الجليل محمود محمد طه، وإنما هي ثورة تحفظ لكل أولئك ولسواهم مكانتهم السامية ، وتتعلم من تجاربهم الثرة، ثم تنطلق في الشعاب، متجاوزة الحدود القديمة، وهي تعبر إلى حضرة القدس، بعد أن وجدت مكانها تحت الشمس: ” لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب” عبرة، يعني معبرا إلى أمر وراءه.

إن العلم الروحي مثل العلم المادي، يقوم على البحث الواعي، والملاحظة الدقيقة، والمراقبة والتامل والفهم للأمر الواقع، مع إستيعاب التجارب السابقة، والإستفادة منها … على سبيل المثال، فإن علماء العلم المادي يفهمون ويهضمون علوم من سبقهم كأرخميدس ونيوتن وأنشتاين ، فيستفيدون من تجاربهم ويتعلمون منها، ويحفظون لإولئك الأساتذة مكانتهم، ولكنهم لا يتقيدون بهم ، ولا يعبدونهم ، وإنما يبدأون من حيث إنتهى أسلافهم.
وبالمثل في العلم الروحي، فإن العارف لا يقدس الذوات البشرية، ولا يفتتن بالأشخاص الفواني ، بل يستفيد من تجارب ومعارف السادة الصوفية، ولكنه لا يعبدهم ولا يتقيد بهم، وإنما يبدأ من حيث إنتهى اسلافه… وقل مثل هذا في سائر الانبياء، وفي سائر الأديان والأفكار، مهما عظمت تلك الأديان، ومهما دقت تلك الأفكار، فإن الله كل يوم في شان، والأصل في المعرفة الحقة، الحيوية والتطور والتجدد في كل يوم، بل في كل لحظة من كل يوم… وذلك هو الثورة الفكرية.

الثورة الفكرية ، هي ثورة رجل الشارع العادي المغمور، الذي يبني السودان الجديد، بل العالم الجديد، بالعلم وبالفكر ، وبالـتامل الروحي… إنها ثورة داخل النفس البشرية، لاتقوم على المظاهرات والمواكب، وإنما هي ثورة في أعماق النفس البشرية، لتطهير مستودع العقل البشري حتى يرجع إلى سيرته الأولى ، فيغدو طاهرا بريئا وديعا، متصلا بالمستقر… في صفاء المستقر وفي نقائه، يجد العقل البشري، الله العظيم: ” إلى ربك يومئذ المستقر”
الثورة الفكرية مثل الشمس ، لا يملكها احد، ولكنها تشرق على كل أحد… إنها ثورة يسهم فيها كل واحد منا حسب طاقته، ثم يؤثر سواه بحقه : ” ويؤثرون على أنفسهم، ولوكان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه، فأولئك هم المفلحون”

هذا هو الطريق غير المطروق الذي يحقق السلام، ويبسط الأمن، ويجعل الإنسان – كماهو في الحقيقة – كائنا مقدسا، تستقر فيه روح الله، ولذلك لا يجوز سفك دمه، ولا إنتهاك حقوقه: ” لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ، ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك”
بهذا وحده، يعرف كل واحد منا نفسه، وينتجع لنفسه الحلول المناسبة التي بمواصلة السير فيها، تحل مشاكل السودان، ومن ثم مشاكل العالم، لأن مشكلة الفرد البشري، تحكي قصة النوع بأجمعه… إنها مشكلة واحدة، تتلخص في الخوف والحزن والمقاساة والإضطراب والقلق والتناقض والجشع والطمع والجهل والألم والجوع والفقر والظلم … بهذه الثورة يحل في الأرض السلام، وإلا فلا… وعلى الله قصد السبيل.

بدرالدين يوسف دفع الله السيمت
كتبه في البحرين في يوم الخميس:
السابع عشر من مارس 2011 ميلادية
يوافق الثاني عشر من ربيع الثاني 1432هجرية

بدرالدين يوسف دفع الله السيمت
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *