الآن، سوف نقتلكم: بقلم: كولم لينش .. ترجمة: صلاح شعيب

ترجمة الكاملة للجزء الثاني من تقرير مجلة “فورين بوليسي” عن فشل بعثة يوناميد في دارفور


الآن، سوف نقتلكم: بقلم: كولم لينش .. ترجمة: صلاح شعيب

في جوف ليل من أيام أبريل الماضي اقتحم خمسة رجال يرتدون الزي العسكري السوداني، ويحملون بنادق AK- 47″”، مقر جنود حفظة السلام التابعين لبعثة الاتحاد الافريقي والامم المتحدة في بلدة مهاجرية بشرق دارفور، وأطلقوا النار على قفل الباب الأمامي.

ولما اقتحموا المقر المظلم أطلق المهاجمون النار عدة مرات على جدار غرفة الاجتماعات المخصصة للتنوير العسكري في المقر، وأطلقوا النار على الأرض بينما كانوا يتقدمون. وقام احد حفظة السلام النيجيريين القائمين بمهام الحراسة الدائمة عند مدخل المقر بالرد عليهم بتصويبات نارية فيما دخل جندي نيجيري ثان ارض المناوشة واشتبكا مع أحد المهاجمين في محاولة لرميه على الأرض. وهكذا تراجع المهاجمون أخيرا بينما توالت تعزيزات باتجاه الاشتباك قوامها سيارة جند مدرعة، تلك التي أنهت الهجوم قبل أن يصاب أحد بأذى جسيم.

ولكن ما حدث في تلك الليلة كان فقط البداية. فقد صاح أحد المتسللين المسلحين بتهديد تقشعر له الأبدان بينما كان يسير إلى خارج المرفق، والذي تعمل فيه قوة تعاني من نقص التمويل تسمى العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور (يوناميد ). ووفقا لأحد التقارير السرية عن الحادث التي حصلت عليها مجلة فورين بولسي، قال ذلك المتسلل: “يوناميد ظلت تراقب فقط بينما كان يتعرض أشخاصنا للقتل.. الآن سوف نقتلكم”

كان المتسللون على ما يبدو في مهمة كشفية، الهدف منها نقل معلومات استخبارية إلى زملائهم حول التخطيط لما يريدون فعله بالمجمع. حذر قائد قطاع يوناميد الضابط النيجيري في قيادة مقر مهاجرية، وكان على حق أنه “يبدو ان تلك القوة المهاجمة جاءت لاختبار الموقف في محاولة لمراقبة قوة ويقظة قواتنا، كمقدمة لهجوم وشيك.”

وما مرت نحو أربع ساعات إلا وشنت وحدة أكبر من القوات السودانية، والميليشيات الموالية للحكومة المسلحين برشاشات براوننج وAK- 47 هجوما على المجمع في الواحدة صباحا. كان الهجوم واسع النطاق ما أسفر عن مقتل أحد أفراد قوات حفظ السلام النيجيريين واصابة ثلاثة آخرين. وعندما أطل الصباح اتضح أن جنديا سودانيا سقط ميتا خارج المجمع.

في 17 أبريل، قبل الهجوم الأول من قبل الرجال الخمسة على مجمع يوناميد توغلت في مهاجرية مئات من القوات السودانية بالدبابات المدرعة وشاحنات البنادق. واستعادت تلك القوات السيطرة على المدينة من فصيل من جيش تحرير السودان، جناح مناوي، وهو زعيم قوي للمتمردين في دارفور وينتمي إلى قبيلة الزغاوة.

أعرب أحد المهاجمين الذين اقتحموا مقر البعثة بمهاجرية في اليوم التالي عن غضبه تجاه قوات حفظ السلام مدعيا أنها لم تشأ مساعدة الجيش السوداني خلال معركة بالأسلحة النارية في وقت سابق مع جيش تحرير السودان، وفي تلك المعركة قُتل عدد من الجنود السودانيين. ذلك التصريح جعل مسؤولي الامم المتحدة يتأكدون في وقت لاحق أن المهاجمين كانوا ينتمون إلى الجيش السوداني.

وبناءً على تقرير شرطة الأمم المتحدة وغيرها من الاستعراضات الداخلية، بدا وكأن هناك حالة تبين تواطؤ الحكومة السودانية. كما كشفت أن المسؤولين السودانيين كانوا قد رفضوا الاستجابة لطلب المساعدة التي تقدمت بها بعثة اليوناميد في الوقت الذي كانت المعركة بالأسلحة النارية مستمرة، متجاهلين الهجوم بأنه شجار بين قبائل المنطقة. وكتب لاندينق بادجي، وهو أحد حفظة السلام الغامبي الاصل، في تقرير داخلي خاص بيوناميد: “اتصلتُ بقائدي الاجهزة الامنية السودانية [التابعين للحكومة السودانية ] و [ قلت لهم ] سوف أسائلهم لكونهم سمحوا بمثل هذه الحادثة ان تقع أمام أعينهم”.

وقد أكد عدد من الشهود بما فيهم عناصر مصرية من قوات حفظ السلام للبعثة أن المهاجمين كانوا يرتدون الزي الحكومي. في صباح اليوم التالي وصل الملازم إبراهيم أبو بكر عبد الله، وهو ضابط سوداني، إلى المجمع مع الجنود النظاميين وطالب الأمم المتحدة بتعويض عائلة الجندي السوداني الذي قُتل خلال تبادل لإطلاق النار. وكتب شرطي تابع للأمم المتحدة في تقرير 19يوم أبريل: “وأصر الضابط على أن تدفع اليوناميد الدية فورا لعائلة الجندي القتيل” . وأضاف قائلا: “ثم هدد الضابط بانه اذا فشلت اليوناميد في الدفع فإنهم سوف يخلون المنطقة وإلا فإن شيئا رهيبا سيحدث لهم .”

رغم كل ذلك كان كبار ضباط يوناميد مترددين في إلقاء اللوم على الحكومة. ولم يُشر مقر الأمم المتحدة بأصابع الاتهام إلى الحكومة السودانية متبعا بذلك نمط استجابة التي ميزت الأمم المتحدة منذ زمن طويل حين يتعلق الأمر بهجمات مشتبه فيها على قوات حفظ السلام. وعوضا عن ذلك اصدرت الأمم المتحدة بيانا غير ملزم يحجب أي إشارة إلى تواطؤ حكومي محتمل.

واتهم بيان الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون “مهاجمين مسلحين مجهولي الهوية” وتلك هي العبارة النمطية المستخدمة في لائحة طويلة من الهجمات والكمائن التي واجهت موظفي الأمم المتحدة على مر السنين. الإشارة الوحيدة المُتاحة للجمهور والتي تناولت هذه الحادثة بتفصيل جاءت في تقرير للجنة مستقلة من مجلس الامن، والذي يشير بأنه “من المحتمل جدا” أن تكون الحكومة السودانية متورطة في الهجوم. التقرير ينص أيضا على تورط محتمل لعناصر ميليشيا مدربة من طرف الحكومة، وأشار كذلك إلى أن السلطات السودانية لم تحاول حتى إطلاق تحقيق في الحادث.

أعنف مكان على وجه الأرض

أنشأ مجلس الأمن الدولي يوناميد في صيف عام 2007 من أجل وقف أعمال العنف التي جعلت من دارفور واحدة من أعنف ساحات الموت في العالم في هذا القرن. البعثة – والتي بدأت عملها رسميا في يناير 2008 – حلت محل بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان (AMIS)، والتي كانت تعاني من نقص في الموارد.

في ذلك الوقت، كانت يوناميد أكبر بعثة لحفظ السلام في العالم والأكثر تكلفة. الذين خططوا لها أعربوا عن أملهم في أن حجم البعثة الكبير من شأنه أن يرسل رسالة قوية إلى العناصر المسلحة بأنها بعثة فاعلة جدا يصعب تحديها. ولكن البعثة – التي تتألف حاليا من حوالي 20،000 من قوات حفظ السلام، أفريقية في الغالب – كانت في موقف دفاعي منذ نشأتها وواجهت تحديات خلال حماية جنودها، ناهيك عن حماية المدنيين في دارفور .

و لدى مصير البعثة آثار مهمة أيضا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، والتي لعبت دورا حاسما في إنشاء البعثة، إذ تغطي أكثر من 27 في المئة من ميزانيتها السنوية البالغة 1.3 بليون دولارا. وأشارت واشنطن باضطراد لقوة حفظ السلام كدليل على التزامها بالحد من معاناة أهل دارفور. ومن شأن انهيار قوات حفظ السلام هاته تصعيد الضغط على الولايات المتحدة، والتي لا ترغب في إرسال قواتها إلى البلد، وفي بذل المزيد من الجهد لوقف القتل ربما عبر استخدام القوة الجوية، او الدفع بوكالة الاستخبارات المركزية.

فعندما انطلقت بعثة اليوناميد في عام 2008، بدا أن دارفور الخارجة من أحلك سنوات حملة إبادة مدبرة من طرف الحكومة والتي اندلعت بين عامي 2003 و2005 وأدت إلى مقتل أكثر من 200،000 من المدنيين. رئيس البعثة الأول، رودولف أدادا، وهو سياسي ودبلوماسي من جمهورية الكونغو، أعلن في عام 2009 أن الحرب في دارفور قد انتهت بشكل تام. ولكن ثبتت وهمية تقييمه المتفائل حين دخلت دارفور في جولات متتالية من العنف. ان تقييمه مناقض أيضا للحقيقة القاتمة بأن دارفور أصبحت تتميز بكونها أخطر مكان على وجه الأرض لأصحاب القبعات الزرقاء التابعين للأمم المتحدة.

وخلال العام الماضي وجه مقاتلون مجهولون ضربات قوية ضد قوات اليوناميد ما أسفر عن مقتل سبعة من قوات حفظ السلام التنزانيين في يوليو الماضي، وذلك خلال كمين نُصب في طريق يوصل إلى غرب منطقة خور أبشي وقتل كذلك ثلاثة من قوات حفظ السلام السنغاليين في أكتوبر الماضي خارج مدينة الجنينة. ولم يتم حل قضية كلا الحادثتين. وحتى 28 فبراير 2014 قُتل ما مجموعه 191 فردا من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور منذ يناير عام 2008، حينما تولت البعثة المشتركة بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة مهمتها في دارفور. وهناك عدد قليل لعمليات الأمم المتحدة منذ الستينات التي فاقت خسائر بعثة اليوناميد بما في ذلك العملية الأصلية للكونغو ( 249 ) قتيل بعثة الامم المتحدة في لبنان ( 303 )، وفي يوغوسلافيا السابقة ( 213 )، وفي سيراليون ( 192 ).

وكانت 62 من تلك الوفيات التي بلغت نحو 191 نتيجة لهجمات عنيفة تمثلت في نصب كمائن، وسرقة سيارات، و السطو على قوات اليوناميد. ولقد فتح المدع الخاص بالجرائم في دارفور العديد من التحقيقات، ولكن حتى اليوم لم تتم محاسبة أي فرد على مقتل أحد أفراد حفظ السلام يوناميد.

وقال الدبلوماسي الرواندي البارز أوليفييه ندوحنقيرهي لمجلة فورين بوليسي: إن “قوات حفظ السلام يُقتلون كل يوم تقريبا، وليس هناك تحقيق يمضي قدما في هذا الصدد. فالحكومة وعدت بالقيام بشكل جاد للتحقق والمقاضاة، ولكن نحن لا نرى أي شيء في هذا المجال”. ثم إن الإحاطات من قبل بان كي مون و غيره من كبار المسؤولين توفر عددا قليلا من المعلومات. واضاف ندوحنقيرهي: “نحن لم نتعرف على أي شخص تمت محاسبته”.

وبينما الاشتباه في المقام الأول يركز على القوات المدعومة من طرف حكومة السودان فلقد واجهت قوات حفظ السلام الأفريقية أيضا هجمات شنها ضدها قطاع طرق وعناصر من المتمردين الذين سرقوا مركبات اليوناميد، ومعدات الاتصالات، وغيرها من المعدات. في الواقع يوجد ادعاء دولي واحد عن الهجمات ضد قوات حفظ السلام الأفريقية ولقد استهدف مجموعة من المتمردين ولم توجه اتهاما لقوات الحكومة السودانية. وفي عام 2007، أطلق مدعي المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في مزاعم بأن المتمردين السودانيين قتلوا 12 من قوات حفظ السلام النيجيريين في بلدة حسكنيتة، وتم تقديم واحد من متمردي دارفور لمحاكمته في لاهاي في وقت لاحق ذلك العام.

في 20 ديسمبر 2012 زار وفد من حركة جيش تحرير السودان التابع لفصيل ميناوي مقر يوناميد في خور أبشي، و أقر الوفد أنه سبق للحركة أن أطلقت النار أحيانا على قوات اليوناميد، موضحا ان هذه الحالات كانت مجرد حوادث. “اعترفوا أنه في بعض الأحيان أطلقوا النار على بعثة اليوناميد عن خطأ، إذ حسبوا قافلة البعثة أنها قافلة تابعة للحكومة السودانية”، وفقا للتقرير. ” كما اتهموا اليوناميد بعدم إرسال تقارير كافية عن الوقائع والأحداث في دارفور (مثل حرق القرى وحالات القتل) إلى السلطات العليا “. وقالوا إن بعثة اليوناميد “كان من المفترض أن تكون عنصرا محايدا. “

وعبرت مؤخرا السيدة فاتو بنسودة، المدعية العام للمحكمة الجنائية الدولية، عن احباطها من فشل السودان في التحقيق في جرائم ضد قوات حفظ السلام بشكل كاف، وأنها حثت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لتبادل التحقيقات الداخلية الخاصة بهما مع مكتبها. قالت بنسودة لمجلس الأمن الدولي في ديسمبر الماضي: “يبدو ان الهجمات على قوات حفظ السلام قد أصبحت هي القاعدة مع عدد قياسي من حوادث قتل بلغت 57 ” وأشارت إلى أن الهجمات ضد قوات حفظ السلام تمثل جريمة بمقتضى نظام روما الأساسي، والذي أنشئت بموجبه المحكمة. ” للأسف، يبدو أنه لم يتم القيام بالجهود الكافية لتحديد المسؤولين عن ذلك، على الرغم من الإصرار المتكرر للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي على وجوب أن تجري الحكومة السودانية تحقيقا على النحو الواجب . “

بعثة لم يكن الحظ حليفها

يعود تاريخ الاعتداءات على قوات حفظ السلام يوناميد إلى الأيام الأولى للبعثة. فقوات الحكومة السودانية، وكذلك من يوالونها، يشتبه في أنهم نفذوا العديد من هذه الاعتداءات، وفقا لوثائق يوناميد الداخلية. ولكن الأمم المتحدة ظلت مترددة في الكشف عن شكوكها نحو ذلك، ويُعزى ذلك لخوفها من أن يكون رد فعل القوات السودانية أكثر عنفا، أو أن يطرد السودان قوات حفظ السلام من البلاد، وتلك خطوة من شأنها أن تعرض المدنيين في دارفور إلى مخاطر جمة، بل وتكون علامة على الفشل الذريع لاستراتيجية السلام الدولية في دارفور. وبدلا من ذلك، تقول يوناميد بشكل روتيني إنه من المستحيل معرفة بأي قدر من اليقين من كان وراء أي من هذه الهجمات.

في 7 يناير 2008، بعد أسبوع من تولي الامم المتحدة والاتحاد الافريقي المهمة المشتركة للبعثة، فتحت عناصر من القوات المسلحة السودانية النار على قافلة تموين ليوناميد بالقرب من بلدة الطينة في ولاية شمال دارفور. لكن مبعوث السودان في الامم المتحدة في ذلك الوقت نفى الأمر في الوقت الذي اعترف فيه قائد سوداني بان قواته أطلقت النار على قوات حفظ السلام، مدعيا بأنه كان حادثا.

منذ ذلك الحين تصاعدت الهجمات ضد قوات البعثة.

في 8 تموز، 2008، نفذت مجموعة من 200 مقاتل تمتطي خيولا، معززة بأكثر من 40 مركبة تعلوها مدافع رشاشة، هجوما متعمدا ومنظما بدقة على قافلة صغيرة ليوناميد مما أسفر عن مقتل سبعة من قوات حفظ السلام، معظمهم روانديين، واصابة 22 آخرين، وفقا لإحاطة سرية إلى مجلس الأمن الدولي من قبل قائد قوات حفظ السلام المنتهية ولايته، جان ماري غينو.

في إفادته، والتي قمتُ بتغطيتها في صحيفة واشنطن بوست – لمح غينو بشدة بأن قوات الحكومة السودانية شاركت في الهجوم. الكمين الذي استهدف اتصالات القافلة، والذي حدث في منطقة تحت سيطرة الحكومة السودانية استخدم أسلحة فتاكة التي لم يتم استخدامها من قبل الجماعات المتمردة السودانية.

لقد كان غينو المسؤول الكبير في الامم المتحدة الذي كاد أن يلقي اللوم على الحكومة السودانية لقتل أصحاب القبعات الزرقاء. وقال في مقابلة أجريتُها معه مؤخرا: ” لم أكن أبدا من المؤيدين لهذه البعثة (اليوناميد) “. وأضاف أنه ” لم يكن الحظ حليفها”.

وقال غينو أن قائد القوة الرواندية كان “يعتقد” ان الحكومة السودانية وراء الهجوم. و أضاف قائلا” وكان يجب على القائد أن يتخذ قرارا صعبا “. “وبطبيعة الحال لدى الحكومة قوة نارية متفوقة بلا حدود وأي رد على قواتها كان سيكون عملية انتحارية، وكان الحادث من بين العديد من الاحداث التي تم من خلالها اختبار ضعف يوناميد. أعتقد ان البعثة لم تتعاف أبدا. “

وقال غينو إن رفض مقاومة المهاجمين يعكس خللا عميقا في تكوين البعثة. وفي حين أن الحكومة السودانية اضطُرت لقبول قوات حفظ السلام، فإنها لم تلتزم أبدا بنجاح هذه البعثة.

لقد منعت حكومة الخرطوم جهود الامم المتحدة لنشر الوحدات العسكرية المتقدمة، بما في ذلك الأفضل تدريبا والأفضل تجهيزا – مثل الجنود النرويجيين و النيباليين، مصرة على أن تكون جنود حفظ السلام مكونة فقط من الحكومات الإفريقية الصديقة – والتي لن تتحدى الحكومة السودانية – هي التي قد تنتشر في دارفور.

واضاف “ان الخرطوم أرادت ان تكون البعثة ضعيفة بقدر الإمكان” ، وقال ” [ الرئيس السوداني عمر البشير ] لم يقبل فكرة فقدان السيطرة على دارفور بأي شكل من الاشكال. لم يستطع منع نشر قوات حفظ السلام، ولكن تأكد من أنه لن يكون للبعثة أي تأثير حاسم على الوضع. “

حرب الترهيب الخفية التي يشنها السودان

عاد العنف في دارفور مجددا في عام 2012، عندما انشأت العديد من الفصائل المتمردة في دارفور الجبهة الثورية السودانية، بدعم من الحركة الشعبية لتحرير السودان، وألحقت خسائر فادحة في صفوف القوات الحكومية، ووضعت الحكومة في موقف دفاعي. ووفقا لتحليل الامم المتحدة قتل 362 جندي سوداني في عام 2012، و هذا يشكل ارتفاعا من 160 في العام السابق.

وقد رد السودان على هذا الوضع بحملة مكافحة التمرد التي تحمل الكثير من السمات التي ميزت العمليات في وقت سابق، والتي كان أبرزها القصف الجوي للقرى و المقترن بالهجوم الأرضي من قبل القوات السودانية والميليشيات العربية.

وتقول مذكرة مؤرخة يوم 13 يناير 2013 التي أعدها مركز التحليل المشترك للبعثة، والذي يقدم تحليلات لقيادة يوناميد: “شهد الربع الأخير من عام 2012 خسارة القوات [ السودانية ] تقريبا في جميع المواجهات مع [ الجبهة الثورية السودان ] و هذا أثر بشكل كبير على الروح المعنوية للجنود” وهذا” مما جعل القوات [ السودانية ] تسعى ل[ للانتقام من خلال ] استخدام قوتها الجوية”. وفي معقل المتمردين في جبل مرة تسببت غارات القصف الجوي العشوائية في أضرار تبعية على نطاق واسع وأدت إلى تشريد المواطنين”، وفقا للتقرير.

وقد نجحت الخرطوم في منع قوات يوناميد من التحقيق في تقارير عن انتهاكات خلال الصراع عبر منع وصولها إلى ساحة القتال، أو في بعض الحالات، تهديد قوات اليوناميد. وفي الوقت نفسه ازداد قتل جنود حفظة السلام. وقد زاد عدد القتلى من الهجمات العنيفة من خمسة قتلى في عام 2010 وتسعة في 2011 واثنى عشر في عام 2012 و 16 في عام 2013.

في حادثة وقعت مؤخرا صُوبت النيران نحو قوات اليوناميد في 25 أكتوبر 2012، بينما كانت في دورية بالقرب من بلدة أبو ديليك، التي كانت مسرح القتال بين القوات الحكومية والمتمردين من الجبهة الثورية السودانية. في وقت الهجوم كانت يوناميد تحاول تقييم تأثير القتال – الذي أدى إلى خسائر فادحة في الجانب الحكومي – على المدنيين. ومع اقتراب قافلة يوناميد من القرية انطلقت طلقات تحذيرية. ثم بعد دقائق مرت اثنين من عربات لاند كروزر عسكرية التابعة للقوات السودانية مُحملة برشاشات ( 12.7 ) ملم – مرت بقرب فريق الدورية واختفت دون أن ينطق أحد منهم بكلمة واحدة. وبعد فترة وجيزة من مغادرتهم، تعرضت الدورية لإطلاق نار من التلال المحيطة بها. وأشار تقرير داخلي رفعته الشرطة التابعة للأمم المتحدة إلى أن “اطلاق النار مشتبه أنه تم من طرف الجيش السوداني، الذي لم يشأ للفريق أن يمضي قدما خوفا من التفاعل مع سكان المنطقة”،

لكن قيادة الامم المتحدة حجبت بشكل مستمر المعلومات التي تربط الخرطوم بالتهديدات – ناهيك عن العنف – ضد أفراد يوناميد.

في حادثة أبو ديليك تم محو أي إشارة لتواطؤ الحكومة السودانية من التقرير الذي رفعته البعثة إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وقد قدم السيد بان كي مون تقريرا إلى مجلس الأمن بشأن الحادث بدون أن يذكر شكوك قوات حفظ السلام بان القوات السودانية اطلقت النار عليهم. وذكر تقريره ببساطة أن فريق يوناميد “قد واجه إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولي الهوية في المنطقة المحيطة . ولكونها عجزت عن تقييم الوضع الأمني تراجعت الدورية عن مهمتها. “

كما أن الأمم المتحدة لم تعترف أبدا علنا أن القوات الجوية السودانية كانت قد هددت في سبتمبر عام 2012 بتفجير قافلة للأمم المتحدة كانت تصطحب مفتشا تابعا للامم المتحدة كان يحقق في تقارير الغارات الجوية الحكومية في منطقة كوشينا. بعد فترة وجيزة من توجه القافلة اتصل مقر القيادة العسكرية بالراديو بقائد قافلة يوناميد محذرا من أن السودان قد هدد بقصف القافلة ما لم تتوقف فورا.

وبينما وقفت القافلة التابع لليوناميد في انتظار مزيد من التعليمات حلقت طائرتي هليكوبتر هجوميتين على القافلة على علو منخفض ، انتهاكا لحظر مجلس الأمن الدولي على الرحلات الجوية الهجومية في دارفور. في هذه الحالة احتجت الامم المتحدة على هذه الحادثة. ولكنها محت أي إشارة لما جاء في التقارير الداخلية و التي أفادت بأن الحكومة السودانية قد هددت بمهاجمة القافلة.

وفي أكتوبر 2012 تلقت يوناميد تقارير أفادت بأن القوات الجوية السودانية قد قصف بلدة هشابة التي يسيطر عليها المتمردون خلال اشتباك مع الجبهة الثورية السودانية مما أسفر عن مقتل 70 إلى 100 من المدنيين. و أفادت التقارير بأن الميليشيات العربية المتحالفة مع الحكومة قد نهبت البلدة وارتكبت أعمالا وحشية ضد المدنيين في المنطقة يُشتبه في دعمهم للمتمردين.

منعت الحكومة السودانية في البداية بعثة اليوناميد من القيام بتقصي الحقائق في منطقة هشابة بدعوى أنها مهمة خطيرة جدا. ورضخت الحكومة لطلب البعثة بعد أن وصل إلى المنطقة قائد قوة يوناميد التنزاني اللواء الجريء وينجونس ماثيو كيزامبا ، والبالغ من العمر 61 عاما، ليقود شخصيا دورية التحقيق. ولكن بعد وقت قصير من اتجاه الدورية نحو هشابة تم اعتراض الدورية من طرف ميليشيا عربية مما اضطر أصحاب القبعات الزرقاء لا تخاذ طريق بديل مُنحدر يمر عبر قاع نهر جاف. هكذا تعرضت الدورية لكمين من قبل مسلحين مجهولين جاثمين على أرض مرتفعة ومسلحين بأسلحة ثقيلة – بما في ذلك مدافع الهاون والقذائف الصاروخية ، وبنادق 12.7 ملم ذات العيار الكبير – والتي لم تستخدمها من قبل الميليشيات في دارفور. وقال مسؤولون في يوناميد ان الجيش السوداني هو الوحيد الذي ُيعرف باستخدامه لمثل هذه الأسلحة الثقيلة

وأشار تقرير داخلي ليوناميد إلى أنه “من المرجح أن الميليشيات العربية قد نفذت الهجوم ربما بدعم من الجيش السوداني، بما أن الميليشيا حتى ذلك الحين لم تستخدم اسلحة عيار 12.7 ملم أو قذائف الهاون في عملياتها “. “ومن الجدير بالذكر أن محاولات سابقة من قبل اليوناميد للوصول إلى هشابة قد رُفضت باستمرار من قبل السلطات [ السودانية ] بحجة أن المنطقة لم تكن آمنة بسبب وجود فصائل مسلحة خارجة عن السيطرة. “

عيون واسعة مغلقة

ربما كان السؤال الأكثر إرباكا والذي يتعلق بدور السودان المزعوم في الهجمات هو لماذا كانت استجابة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، ومجلس الأمن للأمم المتحدة لذلك ضعيفة؟.

الهجمات على قوات حفظ السلام المفوضة من الامم المتحدة تشكل جريمة دولية تعاقب عليها المحكمة الجنائية الدولية. ولكن ليس هناك أي ملاحقات قضائية ذات مصداقية نُفذت ضد الحكومة السودانية بارتكاب جرائم مزعومة ضد قوات حفظ السلام التابعة ليوناميد. ولم تسأل الأمانة العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمطالبة المدعي العام في لاهاي بإجراء تحقيق.

قيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي – ربما تخاف ان تتهم السودان باعتداءات قد تثير استجابة أكثر عنفا أو يتم طردها من البلاد – قد قللت من أهمية الأدلة التي تشير إلى مسؤولية الحكومة عن مثل هذه الهجمات. و يتم تنظيف تصريحات يوناميد العلنية حول مثل الحوادث بحيث أنه من النادر أن تشير إلى الجهة المسؤولة عن هذه الهجمات. يقول ريتشارد غوان ، خبير في عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة في مركز جامعة نيويورك للتعاون الدولي .” لقد وجدت الحكومة السودانية شكلا فعالا من أشكال الردع ، فإذا كنت تتهمها بالتواطؤ في هذه الهجمات فإنها قد تستجيب بنطاق أوسع من الهجمات “.

مهما كانت دوافع بيروقراطيي يوناميد فإنهم قد مارسوا نوعا من الرقابة الذاتية عندما تعلق الأمر بمواجهة مسؤولية الحكومة السودانية الممكنة عن الهجمات. في حادثة مهاجرية، سلطت سلسلة من تبادل المراسلات الإلكترونية الداخلية الضوء على كيف ساهمت بيروقراطية الامم المتحدة في محو ذكر دور السودان في تصريحاتها العلنية بشأن الحادثة.

في صباح اليوم التالي للهجوم على مقر البعثة في مهاجرية، تحرك بسرعة رئيس أركان بعثة اليوناميد السيد كارين تشاليان للتأكد من أن عددا قليلا من الناس يعرفون شيئا عن الهجوم. نصح تشاليان رئيس البعثة بألا تتضمن تصريحات البعثة العلنية أي إشارات إلى الجيش السوداني، حتى في الوقت الذي تؤوي الشكوك بأن سلطات الحكومة السودانية قد اختلقت قصة تزعم بأن قوات حفظ السلام في مهاجرية قد حوصروا في القتال بين القبائل – وذلك لإخفاء دور الحكومة . كتب تشاليان: “في هذا الوقت نحتاج فقط لجملة أو جملتين ( لتغذية الوحش ) واصفين أمرين: الهجوم على [ موقع الفريق ] و خسائرنا “. ثم أضاف قائلا: ” بعد بضعة أيام ، عندما نوضح الموقف بما يرضينا (وهو ما لم يتم حتى الآن القيام به حتى هذه اللحظة نظرا لما يشبه ضباب الحرب) يمكننا إصدار تقرير أشمل . دعونا لا نتسرع . إنه من المبكر جدا للإفصاح عن كل شيء “

وقامت المتحدثة باسم الامم المتحدة آنذاك، عائشة البصري بالدفاع عن ضرورة الكشف عن مزيد من تفاصيل الحادثة ، مشيرة إلى أنه من الواجب على بعثة اليوناميد القيام بذلك وأضافت ان سمعة البعثة يمكن أن تتضرر إذا ما تم حجب التفاصيل الهامة. وطلبت دعم موقفها من مدير قسم التواصل التابع ليوناميد ، السيد مايكل ماير، مراسل مجلة نيوزويك السابق الذي كان قد شغل سابقا منصب مدير التواصل بمكتب السيد بان كي مون. وكان ماير قد واجه صعوبات مع الحكومة السودانية التي رفضت منحه تأشيرة دخول للعمل في دارفور ، مما اضطره للعمل من أديس أبابا ، إثيوبيا.

اتفق ماير مع تشاليان أنه كان أكثر حكمة للحد من الكشف عن التفاصيل الحرجة المتعلقة بالحادث، قائلا: ” أود أن اكون حذرا من وصف الناس رسميا الذين اقتحموا قاعدة البعثة بأنهم يرتدون زي حكومة السودان . يمكن لأي شخص اقتناء هذا الزي بشكل أو باخر ” .

في نفس الوقت كان ماير يدرك التداعيات السياسية واعترف بأن عائشة البصري محقة في رأيها: ” عائشة على صواب أيضا: كلمة [ التقرير ] الأولية سوف تتسرب. إذا لم نتعامل معها بشكل صريح ، مرة أخرى سوف نظهر كما لو أننا نقوم بالتستر. هذا أمر ليس حسنا بالنسبة لمصداقيتنا “.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *