اعتقال الناشطة الدارفورية حواء عبد الله وفرية التنصير في دارفور ؟؟!
بقلم / شريف ذهب
استوقفني خبر في قناة الشروق الفضائية نقلاً عن مركز السودان للخدمات الصحفية مفاده اعتقال أجهزة الأمن السودانية للناشطة الدارفورية حواء عبدالله محمد صالح بتهمة الانتماء لحركة التحرير / عبد الواحد نور وقيامها بتنصير أطفال في معسكرات النزوح بدارفور ؟؟! .
الجزء الأخير من الخبر أعاد بذاكرتي إلي الوراء قليلاً لاستحضار واقعتين كنت شاهد عيان في إحداهما ويعود فصولها لفترة ما قبل انقلاب يونيو 1989 م في حقبة الديمقراطية الثانية حيث كان السجال السياسي في أوجه بين كافة التكوينات السياسية في السودان وحزب الجبهة الإسلامية القومية . وقد جرت أحداث هذه الواقعة في مسجد المجمع الإسلامي بالحاج يوسف ( الوحدة ) الذي كان يتناوب على إمامة المصلين فيه أئمة ينتمون للجبهة الإسلامية ، وفي احد الأيام عقب انقضاء صلاة الظهر ” فيما اذكر ” ، نهض من بين المصلين شاب ينتمي لجماعة أنصار السنة المحمدية التي كانت في حينها على اشد خلاف مع الجبهة الإسلامية ، قام الشاب بوعظ جموع المصلين ثم عرج بالحديث في انتقاد حاد لنهج الجبهة الإسلامية وممارساتها ، مستدلاً بالقرآن والسنة ، ولم يكد يمضي في حديثه طويلاً حتى نهض إمام المسجد غاضباً يطلب منه الكف عن مواصلة حديثه في ذلك الاتجاه ” فيما بدا أنه مواصلة لسجال سابق بينهما حول ذات الموضوع ” ، لكن الشاب مضى في حديثه مخاطباً جموع المصلين بعبارة (( يا ناس نسيتو كتاب الله وأحاديث رسوله ( ص ) )) وهو يستدل بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة بأسانيدها ، ثم انتهي الأمر بشيء من الهرج والمرج والضجر من جموع المصلين داخل المسجد الذين استهجنوا أسلوب ذلك الإمام في تعامله مع ذلك المتحدث اللبق الذي لم يخرج في حديثه عن حدود الأدب والموضوعية . وعند الانصراف سمعت احدهم من مناصري الجبهة يحدث أخاه عن ذلك الشاب قائلاً ( يا أخي دا في ناس قالوا شافوه قبل أيام لابس صليب في رقبتو ) ؟ فاستهجنت ذلك الحديث المقيت منه ولم يبارح مخيلتي حتى هذه اللحظة . ولعل من جمهور القراء الكرام من شهد تلك الواقعة ليؤكد أو ينقض حديثي هذا ، ولو شئت إيراد اسم ذلك الإمام لفعلت ولكني تجنبت ذلك اتقاء التشهير المذموم واكتفيت بالواقعة للاستدلال فقط .
أما الواقعة الثانية فقد سردها لي أحد الأخوة من الثقاة حيث ذكر أنه في عهد هذا النظام كان يسير ذات يوم في شوارع مدينة الفاشر فلقيه رجل مسن يسأل عن موقع ديوان الزكاة ، فاستوضحه عن السبب ، فرد عليه ذلك الشيخ ( يا ولدي أنا عيان ومحتاج أعمل عملية وده ورق المستشفى بتكلفة العملية ) . ويواصل الأخ روايته بأنه قام باصطحاب ذلك المسن إلي حيث مقر ديوان الزكاة وبقي ينتظره بالخارج ، وما لبث أن عاد إليه الرجل فرحاً وهو يقول : ( يا ولدي أهل الخير كتير ، دخلت للجماعة ديل وقالوا لي أنو صرف المبلغ بأخذ وقت طويل والحمد لله لقيت شاب ولد حلال دفع لي نصف المبلغ من جيبو وشال معاه الورق عشان يطالب بيهو لو رجع ليهو حقه ولا الله يعوضو ) . يقول الأخ : ( غضبت شديداً من هذا الموقف وقلت له : ( أمشي رجع ليهم قروشهم وجيب ورقك معاك ) وعمل الرجل بذلك وأعاد المبلغ وسحب أوراقه منهم ، يقول الأخ : ثم قمت بأخذ الرجل مباشرة إلي حيث الكنيسة وقلت له : أدخل وقدم ليهم أوراقك ديل ، وبقيت انتظره في الخارج ، فعاد الرجل ومعه كامل المبلغ والأوراق “( هذه بضاعتنا ردت إلينا ) ” ، ومن هناك عاد ذلك المسن لفوره ومعه المبلغ والأوراق لجماعة ديوان الزكاة وخاطبهم قائلاً : ( شوفو يا عيالي دا المبلغ بالكامل دفعوه لي ناس الكنيسة ورجعو لي أوراقي كمان ، وإحنا الحمد لله إسلامنا دا راسخ فينا ، جينا بيهو من بدري ، لكن لو الإسلام ذي حقكم دا ، كان بدري الناس كلهم اتنصروا ) ؟! .
أوردت هاتين الواقعتين وأنا كفيل بهما لتبيان مدى الزيف والتبطيل التي يعتمد عليها منسوبي هذه الفئة التي تدعي الإسلام وهو منهم براء ، وعدم تورعهم عن الكذب والتلفيق واختلاق الأباطيل في مواجهة الخصوم السياسيين ، وما قصة الأخت حواء المفترى عليها هذه إلا واحدة من فصول ذلك المشهد الطويل ، فهي مسلمة أباً وأماً عن جد ومجتمعاً وإرثاً كذلك ، فأنى لها القيام بأعمال تنصيريه في حق بني جلدتها ؟
وتقديري أن أجهزة هذا النظام التي درجت على مثل هذه التلفيقات وفي سبيل محاولة إثبات هذه الأباطيل سوف لا تتورع كعادتها في إجبار بعض الأطفال من البسطاء وترهيبهم للإدلاء بإفادات كاذبة ضد هذه المناضلة الجسورة ، متناسين بان هذه الأساليب باتت مكشوفة لدى العامة بحيث لا تنطلي على احد كائن من يكن . ويا حسرة على هؤلاء المساكين حيث ينطبق عليهم مدول الآية الكريمة ( قل هل ننبؤكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ) والآية الكريمة ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) ، وحديث رسول الله ( ص ) ( لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتي يكتب عند الله كذاباً ) .
وسؤال بريء نطرحه في خاتمة هذا المقال على افتراض أنّ ثمة منظمات كنسية تعمل في مجال التنصير بدارفور باسم العون الإنساني ؟ : فمن قام بتشريد هؤلاء البسطاء من أهل دارفور ودفعهم لهذه المعسكرات البئيسة حتى يمتحنوا في دينهم بتعرضهم لمحاولات التنصير إن وجدت ؟ : أليس هذا النظام هو المسئول عن ذلك ؟؟ ، وهل قام أدعياء الدين هؤلاء بحفظ النفس البشرية المحرمة عند الله ، حتى يؤدي ذلك لحفظ الدين ، وكليهما من مقاصد الشرع ؟ ( كاد الفقر أن يكون كفراً ) .
أوبوا إلي رشدكم يا جماعة المؤتمر الوطني وكفوا أيديكم عن ذرع الفتن بين أهل دارفور ( فالفتنة اشد من القتل ) ، والإسلام في دارفور راسخ رسوخ تاريخ دارفور الناصع بالإسلام وكسوة بيت الله الحرام ، ولا احد يزايد عليهم في ذلك . واعلموا أن لكل بداية نهاية ، والدهر دهران ( لكم وعليكم ) وقد استنفذتم ما لكم وبطشتم فيه وسفكتم الدماء ، فانتظروا الذي عليكم ، ( وما ربك بغافلٍ عما تعملون ) .