اربعة (4) ملايين ناخب جنوبي يقترعون في استفتاء المصير.. وسلفا كير: لا بديل عن التعايش السلمي
اشتباكات وقتلى تعكر صفو الأجواء في جوبا.. ووزير داخلية الجنوب لـ «الشرق الأوسط»: الاستفتاء سيمر بسلام
الخرطوم: فايز الشيخ جوبا ـ موفد «الشرق الأوسط»: مصطفى سري
وسط اهتمام دولي وإقليمي يدخل السودان اليوم أكبر مرحلة في تاريخه، يتجه نحو 4 ملايين ناخب من السودانيين الجنوبيين لصناديق الاقتراع، للاختيار بين البقاء مع الشمال في دولة واحدة، أو قيام دولة جديدة في الجنوب، في الاستفتاء على تقرير المصير، الذي يستمر 7 أيام، وسط هدوء حذر في الشمال، ومخاوف من اندلاع أعمال عنف في الجنوب الذي شهد اشتباكات بين ميليشيات متمردة مع الجيش الشعبي (جيش الجنوب) على مدى يومين أسفر عن سقوط 6 قتلى. وانتشرت القوات الأمنية بشكل مكثف في جوبا عاصمة الجنوب عشية الاستفتاء حول مستقبل جنوب السودان. واكتظت جوبا بالمراقبين الدوليين وكبار المسؤولين والصحافيين، في حين كشف الرئيس عمر البشير والزعيم الجنوبي عما ينويان القيام به خلال مرحلة ما بعد الانفصال الذي بدا بالنسبة إليهما حتميا.
وقالت اللجنة المنظمة للاستفتاء في جوبا إنها رتبت كل شيء لبدء التعامل مع نحو 4 ملايين ناخب مسجل في عملية تصويت تستمر طوال الأسبوع. وقال رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان برنابا ماريال بنجامين «اليوم ليس لدينا شيء نفعله. نحن في انتظار الغد.. قبل شهرين لم يعتقد أحد أن هذا سيكون ممكنا».
وواجهت الاستعدادات لهذا الاستفتاء مشكلات تتعلق بالإمداد والتموين وتأخيرات. وزينت جوبا أمس باللافتات المؤيدة للاستقلال فيما نظمت مجموعات من الشبان اجتماعات حاشدة واحتفالات تلقائية في الفترة السابقة على الاستفتاء، ولم تنم جوبا الليلة فقد ظلت ساهرة في انتظار الحدث. وكرر رئيس حكومة جنوب السودان سلفا كير وعودا بأنه لن تكون هناك عودة إلى الحرب مع الشمال. وقال في كلمة في جوبا «لم يتبق لنا سوى بضع ساعات لاتخاذ أهم قرار في حياتنا. إنني أدعوكم إلى اتخاذ القرار بطريقة سلمية».
وأعلنت مفوضية الاستفتاء التي تشرف على عملية الاستفتاء عن انطلاق عملية الاقتراع لاستفتاء جنوب السودان في الثامنة من صباح اليوم وحتى الخامسة مساء في جميع ولايات السودان في 3 آلاف مركز للتصويت داخل وخارج السودان. وتستمر العملية حتى 15 يناير (كانون الثاني) الجاري. وأعلنت الشرطة السودانية إكمال استعداداتها ونشر 17500 من أفرادها في ولاية الخرطوم فيما تقوم الشرطة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني بحماية الناخبين في الجنوب.
وقال رئيس مفوضية استفتاء جنوب السودان، محمد إبراهيم خليل في مؤتمر صحافي أمس إن عدد المسجلين الذين يحق الإدلاء بأصواتهم اليوم 3 ملايين و930 ألفا و916 نسمة.. وأشار إلى أن قبول النتيجة يحتاج إلى أن يتجاوز عدد المقترعين 60%. وأضاف أنهم غير معنيين بنتيجة التصويت لكنهم مسؤولون عن إجراءاتها بنزاهة وشفافية وصحية. وأشار خليل إلى أن نتيجة الاستفتاء ستعلن بعد شهر من نهاية التصويت، واعتبر أن أعمال مفوضية الاستفتاء ستستمر حتى نهاية الفترة الانتقالية وذلك لتكملة الإجراءات الإدارية.
من جهتها قالت المتحدثة الرسمية باسم المفوضية سعاد إبراهيم عيسى إن المفوضية زودت كل مركز بعدد 3 موظفين تم تدريبهم بصورة جيدة. وقالت إن المراكز مزودة بأفراد من الشرطة لتأمين العملية وأشارت إلى أن المراقبين المحليين والأجانب بلغ عددهم أكثر من ألف مراقب. من جهتها أكدت جامعة الدول العربية التي تشارك بأكبر بعثة مراقبة لعملية الاستفتاء حرصها على أن تتم العملية بحرية ونزاهة، معربة عن أملها بأن يتحقق الأمن والاستقرار في السودان وأن يتم التوصل إلى تسوية لباقي القضايا العالقة وفى الصدارة منها منطقة «أبيي» المتنازع عليها بين الشمال والجنوب.
وأعلن رئيس حكومة الجنوب سلفا كير أمس تمسكه بالتعايش السلمي بين الشمال والجنوب في السودان، وقال من مقر الرئاسة في جوبا «لا بديل عن التعايش السلمي بين الشمال والجنوب». وأضاف كير وقد وقف السيناتور الأميركي جون كيري إلى جانبه «اليوم لا عودة إلى الحرب.. والاستفتاء ليس نهاية المطاف بل هو بداية مرحلة جديدة».
وحسب اتفاقية السلام الموقعة عام 2005 فإن الفترة الممتدة بين الاستفتاء ويوليو (تموز) 2011 ستكون مرحلة انتقالية تمهد للانتقال إلى الانفصال في حال جاءت نتيجة الاستفتاء في هذا الاتجاه. وكان السيناتور كيري وصل إلى جوبا آتيا من الخرطوم حيث قابل كبار المسؤولين هناك وعلى رأسهم الرئيس السوداني عمر حسن البشير.
وقام سلفا كير مساء أول من أمس بالتوقيع في جوبا على 16 قانونا لها علاقة بالوضع الدستوري للجنوب خلال مرحلة ما بعد الاستفتاء وكأنه بذلك يستبق النتائج. وتتناول هذه القوانين شؤون دمج المسرحين من الجيش الشعبي في المؤسسات المدنية، والدفاع المدني والمؤسسات المدنية ومعاملة معوقي الحرب والسجون والمواصفات والمقاييس. وبعد التوقيع قال وزير الشؤون القانونية في حكومة جنوب السودان جون لوك جوك إن هذه الخطوة «تأتي ضمن ترتيبات الحكومة لمواجهة الأوضاع في فترة ما بعد الاستفتاء». وأضاف أن الجنوب الذي ما زال يرتبط بقوانين ودستور دولة السودان الموحدة سيحتاج إلى صياغة وسن قوانين خاصة به، لأن «القوانين الحالية ستصبح قوانين دولة أجنبية في حال اختيار الجنوبيين للانفصال، وهو ما سيخلق فراغا قانونيا نحاول أن نملأه بهذه القوانين».
من جهته قال جيش جنوب السودان إن ميليشيات متمردة اشتبكت مع الجيش أول من أمس وأمس السبت مما أسفر عن سقوط 6 قتلى. وألقت هذه الهجمات بشكوك على احتفالات في أجزاء أخرى بالجنوب. وتذكر هذه التقارير عن الهجمات بالانقسامات العميقة المستمرة في جنوب السودان الذي عانى أيضا من جرائم قتل عرقية وغارات لسرقة ماشية.
واتهم وزير الشؤون الداخلية في حكومة الجنوب الفريق قيير شوانق حكومة الشمال بمحاولة تخريب الاستفتاء بهجوم قوات ميليشيا تتبع لها على الجيش الشعبي في منطقة (تور أبيض) في ولاية الوحدة عشية ذهاب المواطنين إلى صناديق الاقتراع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الهجوم أسفر عن مقتل 6 أشخاص من القوات المهاجمة دون خسائر وسط قواته وتم القبض على 32 آخرين يتبعون للميليشيا تم عرضهم على أجهزة الإعلام. وتحدث أحدهم عن كيفية تسليحهم وتدريبهم في الشمال، وأضاف أن بقية المهاجمين فروا إلى منطقة هجليج الغنية بالنفط والمتنازع عليها بين الشمال والجنوب، مؤكدا أن درجة الاستعداد في كل الولايات الجنوبية وصلت أقصاها وأن الاستفتاء سيمر بسلام، وقال إن الحكومة ستواجه أي إشكالات أمنية بحسم، وتابع «الأوضاع كلها مستقرة وليس هناك ما يعكر صفو الأمن ونحن جاهزون».
وأشار شوانق في تصريحات صحافية داخل ساحة وزارته وأمام المقبوض عليهم إلى أن القوات المسلحة قدمت الدعم العسكري من تسليح وتدريب لعناصر الميليشيا التي يقودها القائد قلواك قاي – ضابط سابق في الجيش الشعبي وتمرد عليه قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل وانضم إلى القوات الحكومية – وقال إن الرئيس البشير أكد من جوبا أنه سيحترم الاستفتاء وسيحتفل مع الجنوبيين إذا اختاروا الانفصال، وتابع «لكن للأسف ما يتم هو عكس ذلك وعلى الرئيس البشير أن يحقق ويوقف هذا الاتجاه ويعرف من الذي يقف وراء ذلك داخل حكومته»، وقال «هؤلاء لم يأتوا من بيروت بل من شمال السودان حسب إفادات المقبوض عليهم»، وأضاف أن الجيش السوداني قام بتسلم بطاقات التسجيل للاستفتاء من المجموعة التي تم تجنيدها وكلهم جنوبيون قادمون إلى مناطقهم وقاموا بحرقها، معتبرا أن المقبوض عليهم أبرياء غرر بهم، وقال إن الحكومة ستجري تحرياتها وربما تطلق سراحهم، وأضاف «الحكومة قادرة على تأمين الاستفتاء لصالح مستقبل الأجيال القادمة ولشهدائنا وسيكون الاستفتاء حرا وشفافا ونزيها»، وتابع «قيادة الجنوب جاهزة ونحن في أقصى درجات الاستعدادات».
وفي رد الفعل الدولي قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أمس إنها تأمل في أن ينظم الاستفتاء حول استقلال جنوب السودان الأحد في أجواء سلمية وأن يتمكن سكان هذه المنطقة «من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية». وقالت في بيان «أتوقع استفتاء يكلل بالنجاح يتمكن خلاله سكان جنوب السودان من ممارسة حقهم في تقرير المصير بحرية».
ودعت أشتون «كل الأطراف إلى تنظيم الاستفتاء في أجواء سلمية ذات مصداقية» مذكرة بأن الاتحاد الأوروبي نشر بعثة مراقبة مستقلة كبيرة في هذه المنطقة.
وفي نيويورك دعا بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة كل الأطراف السودانية إلى التحلي بالهدوء والتعقل. وطالب أن يجرى الاستفتاء في «إطار روح الأخوة والسلام». كما طالب بأن كل الأطراف الموقعة على اتفاقية السلام بمراعاة أن يجرى الاستفتاء بحرية ونزاهة وفي أمان، مؤكدا أن الأمم المتحدة ستسهم بدورها في ذلك.