احزاب القبلة(الامة والاتحادي والشعبي) .. اقتسام جلد الفهد قبل اصطياده !!
بعد مرور أكثر من شهر علي خطاب البشير(الوثبة) حول الوفاق الوطني المزعوم , والحوار بين مكونات الساحة السياسية, تراجعت فرص نجاح الحوار بصورة كبيرة, وظلت قوي الاجماع الوطني تتشكك من جدية الحزب الحاكم في الحوار, ورفضت دعوة المؤتمر الوطني للحوار وقدمت جملة من الشروط قبل الدخول في أي حوار. ويرى المراقبون وعلي نطاق واسع أن فرص حوار سياسي جاد بين الوطني والمعارضة بشقيه المدنى والعسكرى تبدو بعيدة المنال مع التطورات المتلاحقة في الساحة.
أما بما يسمى بأحزاب القبلة(الامة والاتحادي والشعبي).. الآن وبعد كل الفساد الذي طفح في السطح وازكم انوف الملايين اصبحوا يتحدون بكل جبروت وعدم مبالاة وموت ضمير!!
يتحدون هذا الشعب المسالم, ويضعون أيديهم مع من افسدوا ودمروا وقتلوا وشردوا هذا الشعب, كانت وسوستهم واطلاق سمومهم في الخفاء, والآن اصبحت علي الملأ وامام روؤس الاشهاد وغصبا عن أي مواطن ليتقاسموا جلد الفهد قبل اصطياده!!
ليس هناك من خطأ أشد فداحة من خطأ الصراع الخفي أو المعلن علي السلطة بين القوي السياسية المشاركة في حراك شعبي أو مجتمعي , قبل الانتصار علي نظام الحكم الذي يراد التخلص منه. وليس هناك ما هو أشد خطورة علي شعب يقاوم الاستبداد من تقسيمه الي أتباع لهذا الفريق أو ذاك من الفرق(الاحزاب) المنخرطة في الشأن العام علي الجانب من المعارض. أخيرا, ليس هناك ما هو أكثر ضررا بمصالح النضال العام من مشروع قوي دخلت متأخرة اليه, أو كان حضورها ضعيفا فيه عند بداياته, في خوض معارك خفية ضد بقية قواه, خصوصا ان كانت تحمل- وهي غالبا ما تحمل- سمات سلوك تآمري سري و خفي, باختصار شديد: من الخطأ الفادح و الجسيم اقتسام جلد الفهد قبل اصيطاده.
حدث شئ من هذا أو ما يماثله في مصر, حيث خاضت قوي اسلامية معركة اسقاط النظام باعتبارها معركة ربطتها أكثر فأكثر بوصولها الي السلطة, رغم أن النظام لم يكن قد سقط بعد. هذه القوي, عملت علي الانفراد بجلد الفهد قبل اصطياده, ولو لا بطولات المواطن العادي لكانت هددت الانتفاضة الشعبية أو أفشلها, نتيجة لما انتهجته من سياسات متعددة الأهداف والمستويات, تجسدت من جهة في محاولات مدروسة لازاحة “حلفائها” عن مواقعهم, رغم حساسية لحظة الصراع واتصالها بموازين قوي كان يجب أن تبقي موحدة ليكون الحسم سريعا ومضمونا, ومن جهة أخري في خططها لحرق قطاع واسع من الجماهير عن هدف نضالها الاساسى ، ولحشدها وراء أهداف حزبية ضيقة ترجمت قراءة أيدولوجية محدودة, ويرجح أن لا تكون صحيحة للمرامي المجتمعية العامة.
وبالنظر الي أن قوي وجماهير الاحزاب السياسية السودانية ليست متماثلة في طابعها وهويتها, مع أنها متفقة علي هدفها: اقامة دولة مدنية ديمقراطية, فان ركض واحدة من قواها الرئيسية هي فضلا عن ذلك قوة شعبية ومنظمة, وراء هدف حزبي خاص يكون غرضه حرق جهدها نحو تغيير موازين القوي لصالحها داخل الحراك, وتمكينها من احتلال مواقع تتيح لها التحكم بموازين وعلاقات القوي الثورية, وحسم مسألة السلطة قبل سقوط النظام, وهذا يلحق ضررا جديا بوحدة وفاعلية الحراك الشعبي والسياسي, ليس لأنه بشق صفوف المجتمع وتعبيراته المناضلة وحسب, وانما كذلك لانه ينقل المعركة في مرحلة مبكرة, وفي وقت غير مناسب, الي داخل هذه القوي وعلاقاتها, مع ما يمكن أن يترتب علي نقلها من هوامش واسعة يمارس النظام ألاعيبه عبرها, بينما تتحول المعارضة, التي كانت موحدة الارادة, الي معارضات متصارعة, متنافرة الرأي وحتي المقاصد, تجد نفسها مجبرة علي خوض معارك خفية لا لزوم لها, ما دام من الحماقة اقتسام جلد الفهد قبل اصطياده, وليس بوسع أي قوة اسقاط نظام قديم ومتحكم وممارس للابادة الجماعية بمفردها. هذا الأمر, يزداد سوءا الي درجة الخطورة الحقيقية علي العمل الثوري المشترك, ان كانت القوي الموحدة قوية وفاعلة في المجتمع, وكان لها شعبية واسعة تفوق في مرحلة الانطلاق شعبية أي قوي أخري, لكنها تصير مستهدفة من الذين يريدون حسم مسألة السلطة خلال المعركة, قبل سقوط الاستبداد, مثلما تفعل اليوم بعض جهات سياسية سودانية منضوية في قوي الاجماع الوطني وخارجه, تعتقد أنها ستحقق مآربها عبر دفع القواعد الشعبية الي التطرف السياسي والطائفي أو عبر الحوار مع الجلاد, مع ما يحمله هذا كله من مخاطر قد تقوض تماما النضال في سبيل الحرية, ويحدثه من تبدله في طبيعة الصراع ويلحقه من ضرر بالشعب وقضاياه العادلة.
ثمة نموذجان رئيسيان من العمل الثوري يتقاطعان عند حالات وسطية متنوعة. هنالك أولا: الثورة ضد حكم استبدادي أعاد انتاج مجتمعه انطلاقا من سلطته وتوطن أمنيا وأيدولوجيا بقوة فيه, ونجح لفترة طويلة في ارغامه علي رؤية نفسه بدلالة السلطة والخضوع لقيمها ومصالحها. في هذا النموذج, لا تنجح الثورة ان لم يصب مجهود المعارضة فى عمل مشترك تسهم فيه أغلبية الشعب وجميع المنخرطين في العمل السياسي العام والمنظم, علي أن يكون بينهم حد أدني من التناقضات غير العدائية وقدرا أعلي من التوافق في القول والفعل, والعمل علي تسوية وازالة أي تناقضات توجد فيما بينهم أو داخل المجتمع يمكن للنظام استغلالها لدق أسافين داخل أطراف النضال الشعبي, وينقلوا تناقضات المجتمع الي السلطة, كي لا تبقي موحدة وتفقد قدرتها علي الصمود في وجه الحراك وقواه وهذا حالنا اليوم في السودان من قبل بعض الاحزاب. والامر كذلك , لابد من تحقيق أعلي حد من وحدة المنطلقات والسبل والأهداف علي صعيدي القاعدة المجتمعية وقياداتها. بغير ذلك لا يسقط الاستبداد, وبخاصة ان كان وراءه جزء وازن من الشعب, واستطاع تحويل معركة مجتمعه ضده الي صراع جهوي أو اثني يشق المجتمع, ونجح في قلب المعركة الي عراك يدور حول أهداف لا علافة لها بمطالب الشعب الأصلية, وخاصة منها مطلب الحرية الجامع والموحد, ودولة المواطنة الديمقراطية. في هذا النموذج, يسقط الاستبداد بقدر ما يتوفر شرطان: وحدة الشعب ووحدة القوي المعارضة التي تعبر عنه من جهة, وسرعة تصدع النظام من جهة أخري.
هناك, بالمقابل, نموذج تنخرط فيه قوي متصارعة تتنافس وتتسابق علي أهداف خاصة بكل منها. يحدث هذا عندما تتوزع بدائل الوضع القائم علي قوتين أو مجموعة قوي ترشح كل واحدة منها نفسها للحلول محل القوى الاخرى فرادى او جماعات , مثلما حدث في تاريخ روسيا الحديث, حين تنافست قوتان مجتمعيتان متناقضتان هما العمال والبرجوازية, عبرت عنهما قوي سياسية متصارعة الي درجة التنافي, علي ارث النظام القيصري. في هذا النموذج, نحن السودانيون أمام تطور يأخذ الدولة من نظام الي بديله أي اسقاطه, ولسنا أمام انتقال من شكل حكم الي آخر, مثلما يحدث اليوم في ما نسميه ب(الربيع العربي) .
في هذين النموذجين, لا ينجح التغيير اذا لم تتقاطع أهداف وسياسات قواه المنظمة وجماهيره في موقفها المشترك من النظام القائم. أو ان هي اختلفت علي رؤيتها له وأهدافها الخاصة حياله. انه تقاطع يحدث في جميع الثورات, وقد حدث في الثورة الروسية ووصل الي حد قيام تحالف بين خصمي النظام القيصري المتصارعين, أدي الي تشكيل حكومة مؤقتة مشتركة بينهما, وان كان قيامها لم يضع حدا نهائيا لصراعاتهما, مع أنه غلب وقتيا, عداءهما المشترك للقيصرية علي تناقضاتهما الخاصة, التي لو بقيت مستعرة لكانت ربما أفضت الي هزيمة كليهما.
في النموذج المصري بالأمس, والسوداني اليوم, نحن أمام نمط معدل من النموذج الثاني, لا يدور حول مصير النظام الاقتصادى /الاجتماعي, بل حول شكل الحكومة السياسي. ثمة مشكلة حقيقية هي أن الانتفاضة أو الثورة لا تواجه قيصرية متخلفة, بل نظام معاصر ولكنه امنى واستبدادى من رأسه الي أخمص قدميه, دأب علي تفكيك المجتمع وشحنه بالتناقضات وعزز تأخره وضعفه وانقسام صفوفه, ومنعه لفترة طويلة من بلورة وتكوين تعبيرات تنظيمية مستقلة تتصف بالقوة. لذلك , من غير الجائز اطلاقا وقوع تنافس بين خصومه وهو في عز قوته, أو قبل أن يخسر القسم الأكبر منه ويغدو ذهابه محتما(لان قوته العسكرية قد انتهت بوجود قوة عسكرية ثورية). المشكلة التي يواجها النضال اليوم هي أن بعض قواه بدأت تخوض منذ اليوم معركة ما بعد النظام, وتنقل المعركة الي داخل المجتمع, في تجاهل فاضح لأسس الصراع ضد نظام الابادة الجماعية, مع أن ما تفعله يلاقي سياسات النظام في نقاط عديدة, كتقسيم وشق المجتمع الي كتل وتجمعات متناحرة أو متقاتلة أو مشاركة النظام في حوار تضليلي لاطالة أمد النظام.
ليس ما يجري بالأمر العفوي أو قليل الأهمية ، ولابد من وقفه عبر جهد وطني جامع يضم كل من يرغب في اصطياد الفهد وتاجيل تقاسم جلده الى ما بعد القضاء عليه وهو امر واقعى وعملى , والا أصاب الحراك الوطني وتعبيراته السياسية ضرر يصعب جدا اصلاحه لاسقاط النظام.
أما السؤال الذي يطرح نفسه الآن فهو: ألا يستحق تطور كهذا وقفة تأمل ومصارحة تنجزها أطراف المعارضة السودانية, يكون بين مقاصدها وضع اليد علي الجرح, وفعل كل ما يلزم للتخلص من هذا النهج وسياساته ومضاره, ونبذ القائمين عليه, انقاذا للانتفاضة أو الثورة ولوحدتها ولأهدافها؟.
نعم, أنا وغيري ممن يكتبون وينصحون نسعي علي ضرورة وحدة المعارضة وعلي عدم تشرزمها لأن تشرزم المعارضة هي خدمة جليلة ومجانية للنظام المستبد ، والمطلوب من الجميع أن تتوحد بهدف اسقاط النظام وأن تضع برنامجا لعملها الداخلي والخارجي حتي يستطيع المجتمع الدولي دعمها وقبولها كممثل شرعي للشعب السوداني الاعزل الذي يباد علي ايدي هؤلاء المستبدين القاسين.
بقلم: احمد قارديا خميس
[email protected]