اختار الشيعة في السودان ضاحية بجنوب الخرطوم لتكون أول ظهور حاشد علني لهم في السودان، حيث احتفلوا بذكرى مولد الإمام المهدي، أحد أبرز الأئمة الشيعة. وقال مشاركون في الاحتفال لـ«الشرق الأوسط» إن الاحتفال الذي أقيم يوم الجمعة حضره المئات من معتنقي المذهب الشيعي في السودان، جاءوا من مختلف أنحاء البلاد. وقال مصدر في المجمع الفقهي الإسلامي السوداني (رسمي) معني بمتابعة الشأن الفقهي في السودان، لـ«الشرق الأوسط» إن وجودهم معروف بالنسبة للحكومة، ولكن «لن نسمح بأي نشاط من شأنه التقليل من شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ولا يستبعد المصدر الملاحظة التي تقول إن المذهب الشيعي في السودان في تمدد مستمر.
وشارك في الاحتفال الذي أقيم في استراحة في ضاحية جبل أولياء، نحو 40 كيلومترا جنوب العاصمة الخرطوم، ممثلون للشيعة من مختلف المواقع في السودان، خصوصا من كردفان، والنيل الأبيض وأم ضوا بان (وسط)، ونهر النيل (شمال). ومن بين المشاركين: طلاب في الجامعات والمراحل الثانوية، وأساتذة جامعات، وسياسيون، وصحافيون، وطلاب يدرسون في الحوزات الدينية في مدينة قم بإيران. ويجنح كل من يتحدث عن الشيعة في السودان من الخبراء إلى التخفي وعدم الإفصاح عن شخصياتهم الحقيقية، ورفض أكثر من شخصية سودانية معروفة بميولها نحو التشيع التعليق لـ«الشرق الأوسط» على واقعة الاحتفال الكبير في جبل أولياء.
ويتفق المراقبون في الخرطوم على أن السودان من أكثر البلدان العربية التي تشهد تمددا في المذهب الشيعي، غير أن الأرقام تتضارب في العاصمة السودانية حول عددهم، حيث قال خبير في شؤون الحركات الدينية في السودان لـ«الشرق الأوسط» إن وجود المذهب الشيعي في السودان حقيقة معاشة، ولكنّ هناك تضخيما في أعدادهم، ويعتقد أن من يضخمون عدد الشيعة في البلاد هم منسوبو المذهب أنفسهم، وقال: «كلهم لا يتعدون المئات القليلة»، واعتبر أن الحديث عن التمدد السريع للتشيع في السودان فيه الكثير من المبالغة، وقال: «نعم، هناك عمل للتشيع في مختلف المواقع السودانية، ولكن الأمر يمضي ببطء، والنتائج لا تأتي فورية، والسبب أن الأمر يتعلق بانقلاب عقائدي»، ولكنّ خبيرا آخر في شؤون الحركات الدينية في السودان قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن عددهم نحو 700 في مختلف أنحاء البلاد».
ويرى محمد الخليفة الخبير في شؤون الحركات الإسلامية والدينية في السودان، أن الوجود العلني الحذر للشيعة في السودان بدأ منذ النصف الأخير للثمانينات من القرن الماضي، وهو ظهور منظم ولكنه حذر، أيضا بدأ منذ قدوم حكومة الرئيس عمر البشير، التي يتولى فيه الإسلاميون في السودان زمام الأمور، وأضاف أن الحركة الإسلامية التي يقودها الدكتور حسن عبد الله الترابي على مدى ظهورها في البلاد تحمل في داخلها تيارات فكرية ومذهبية، ومضى: «فيهم من هو من الإخوان المسلمين، وهناك مجموعة محسوبة على السلفيين، وهناك قيادات ينظر إليها على أنها تعمل بالمذهب الشيعي، أو على الأقل تتعاطف معه». وقال الخليفة: «هناك شخصيات في الحركة الإسلامية على مختلف المستويات تعرض أفكارها بصورة لا تختلف عن المذهب الشيعي». وذكر أن العمل المنظم للشيعة في السودان بدأ عبر ما تسميه الثورة الإيرانية المستشاريات الثقافية الملحقة بالسفارة الإيرانية في الخرطوم، حيث أظهر عدد من الكتاب والشخصيات المحسوبة على الحركة الإسلامية ميولا كبيرة للمذهب الشيعي.
ويعتقد الخليفة أن «السرية» حتى الآن تلازم نشاط المجموعات الشيعية في السودان، وفي الأعوام الأخيرة يشار، من بُعد، إلى أسماء سياسية وصحافية بعينها في السودان على أنها فعلا تنتمي إلى المذهب الشيعي، ومن بين من يشار إليهم الزعيم الديني الشيخ النيل أبو قرون، الذي ينحدر من واحدة من أكبر الطرق الصوفية في البلاد، معقلها منطقة أم ضوا بان شرق العاصمة الخرطوم، ولكن أبو قرون الذي اشتهر بوضع عمامة سوداء على رأسه بصورة أقرب إلى الطريقة الشيعية، نفى ما يقال جملة وتفصيلا في أكثر من مناسبة، ودحض روايات عن استتابته من قبل رجال الطريقة الصوفية التي ينتمي إليها بالقول إن الأمر ليس سوى بعض الصراعات وسط أبناء العمومة على الخلافة، أي ميراث السجادة الصوفية لطريقتهم، وإن أحدا من العلماء الذين استتابوه لم يجلس إليه ليسمع رؤاه وآراءه التي كفروه بها، وإن العمامة السوداء اتخذت مكانها على رأسه منذ أن كان قاضيا في السودان.
ويرى خبراء في مجال المذهب الشيعي أن وسائل نشر المذهب الشيعي تتمثل في الندوات التي تقيمها المستشاريات من مناسبة إلى أخرى ترتبط بالمذهب الشيعي، ومسابقات تنظم في مختلف مجالات الحياة، وعبر ومنافذ تدريس اللغة الفارسية مجانا، وتوزيع الكتاب الشيعي بصورة واضحة على السكان مجانا، خصوصا في الأحياء الطرفية. ويقولون إن هناك الكثير من عناوين الدراسات في الجامعات تسعى إلى تقصي النشاط الشيعي في السودان، وإن أغلب الذين يقدمون هذه العناوين من ذوي الميول الشيعية.
وحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ«الشرق الأوسط» فإن عدد الشيعة في السودان يتركزون في العاصمة الخرطوم بصفة أساسية، وقالت إن معقلهم الثاني الناحية الجنوبية الشرقية من ولاية شمال كردفان، وفي ولاية نهر النيل شمال الخرطوم، وتشير إلى وجود مكثف لهم حول مناطق الكربة شمال السودان وأم دم في غرب السودان.
وذكرت المصادر الحكومية المطلعة أن وجود الشيعة وسط الطلاب واضح جدا وأصبح لهم نشاطهم المستمر، عبر لافتات مختلفة. وقسمت المصادر الشيعة في السودان إلى أربعة تيارات شيعية هي: تيار الخط العام، وهو خط الإمام الخميني، وقالت إن هؤلاء هم الأضعف في السودان. وتيار الإمام محمد حسين فضل الله في لبنان، وحسب المصادر فإنهم الأكثر وجودا في السودان لأنه «تيار ديمقراطي». وهناك تيار الإمام محمد تقي المدرس من كربلاء في العراق، وهم في المرتبة الثانية من حيث العدد والانتشار. وهناك شيعة سودانيون أطلقت عليهم المصادر «المحليين»، حيث لا ينتمون إلى أي تيار من التيارات السابقة ولكنهم يؤمنون بالمذهب الشيعي. وحسب المصادر فإن الشيعة في السودان بالرغم من أن عددهم في تمدد مستمر، «ليس لديهم مشروع ديني أو سياسي محدد»، ونوهت المصادر إلى أن هناك خلافات كثيرة بين تياراتها، وأشارت في هذا الخصوص إلى المعلوم أنه كان لديهم احتفال بذكرى المهدي في ضاحية الجريف وليس في ضاحية جبل أولياء، وهذا ما يعكس الخلافات وتباعد التيارات الشيعية في البلاد. وطبقا للمصادر فإن «الحكومة لا تعترض سبيل الأنشطة الشيعية في البلاد لأنها ترتبط بعلاقات جيدة مع إيران، ولا ترغب في أي تدخل قد يخل بتلك العلاقة».
وتقول تقارير غير مؤكدة إن للشيعة في السودان نحو 15 حسينية، أغلب هذا العدد في العاصمة الخرطوم، وأشهرها حسينية في الخرطوم شرق «قلب العاصمة»، ينظم فيها منتدى دوري يتناول الأمور الخاصة بالمذهب الشيعي، فيما تشير التقارير إلى أن عملها أقرب إلى السرية، «ليس تخوفا من السلطات السودانية، حيث تغمض عينيها حيال نشاطها، ولكن تخوفا من الجماعات السلفية»، وحسب التقارير فإن هذه الحسينيات تلحق بها مكتبات مقروءة وصوتية، وعبرها يتم الحصول على بعثات دراسية في إيران. ويتفق الخبراء على أن هناك ما يشبه الحبل السري بين الشيعة في السودان والطرق الصوفية، ويتفقون في الكثير من أساليب التعبد والاعتقاد، وحسب رأيهم فإن هذا هو سبب عدم حدوث أي مصادمات بين التيارات الفكرية الدينية والشيعة في السودان.
الخرطوم: إسماعيل آدم
الشرق الاوسط