اتَّفِقُوا مع العسكر على وقف قتلِ المتظاهرين أوَّلاً بقلم عبد العزيز عثمان سام

ليس مناسباً، ربَّما، أن نطلب من تحالف قحت وقف “التفاوض” مع مجلس العسكر طالما أن العسكر هم من يحكمون السودان بالأمر الواقع، هذا لو جاز تسمية ما يجرى بين الطرفين تفاوضاً. ولكن حتماً نطالب قحت أن يطلبوا من المجلس العسكرى الكفَّ عن قتلِ المتظاهرين كلما خرجوا للتظاهر.
أمس الخميس، الأوَّل من أغسطس 2019م خرج الشعب السودانى فى مظاهرات مليونية، كالسيل العرم، تطالب بـ”القصاصِ العادل” فى مجزرة طلاب مدارس الأبيض 29 يوليو2019م، فإذا بالعسكر كعادتهم يقتلون المزيد من المتظاهرين الذين خرجوا خصيصاً لمناهضة قتل المتظاهرين، فإنقلب الأمر إلى حوار طرشان بين طرفين لا يفهم أىِّ منهما ما يريد من الأخر،
وحضور وفد تحالف قحت البارحة إلى جلسة التفاوض مع العسكر عمل شجاع ومسؤول لو أنهم جاءوا لتسجيلِ صوت إدانة شديدة اللهجة للمجلس العسكرى لقتلهم أربعة متظاهرين فى مسيرة خرجت لمُناهضة قتلِ المتظاهرين لأىِّ سبب.
وعلى وفد قحت الاتِّفاق أوَّلاً، مع مجلس العسكر على أمر تمهيدى ومهم للغاية لا طائل للتفاوض بدونه، هو وقف إطلاق النار من جانب العسكر على المتظاهرين الذين يمثلهم قحت، بينما قحت لا نار له يطلقه على العسكر، خاصة الشق المدنى الذى يفاوض الآن.
وبعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين قحت والعسكر يجب أن يصدر الجنرال البرهان تعميماً لكُلِّ الوحدات العسكرية فى عموم السودان يأمرهم بعدم إطلاق طلقة واحدة نحو المتظاهرين لأىِّ سبب، ثمَّ يلتئم الطرفان للتفاوض.
فيجب وجوباً قطعياً على مجلس العسكر أن يتعهد ويوقع على بروتوكول لوقف إطلاق النار على المتظاهرين السلميين، وأن لا يطلق أى عسكرى النار على أى متظاهر فى عموم السودان، مدنه وقراه، ريفه وحضره. يلتزم المجلس العسكرى بالإمتناع التام عن إطلاق النار على السودانيين لأى سبب، فقد ملَّ الناس حديث العسكر بأفواه بنادق مُشتراه بمال الشعب الذى يقتلون.
وخرج جنرال البرهان ليبرر قتل طلاب مدارس الأبيض بأنَّهم رشقوا العسكر بالحجارة! وهبْ أن الطلاب المتظاهرين رشقوا العسكر بحجارة فهل هذا أمر مثير للدهشة فى تاريخ التظاهر؟ وهل حصب طلاب متظاهرين للعسكر بالحجارة يوجب ويبرر إنزال فوهة مدفع دوشكا مضاد للطيران (م. ط) لضرب الطلاب وقتلهم؟،
وهل أولئك الطلاب كانوا يمتطون طائرة حتَّى يُقتلوا بدوشكا مضاد للطائرات؟،
وما الحوجة أصلاً لتسليح عسكر بمدفع (دوشكا) مضاد للطائرات لتفريق مظاهرة؟
وهل هناك أدنى خِشية من إستخدام المتظاهرين فى الثورة السودانية لطائرات؟،
وإن كانت الإجابة بلا، فيجب على مجلس البرهان تبرير لماذا يستخدم العسكر مدفع دوشكا مضاد للطائرات فى قمع المتظاهرين السلميين فى السودان؟
هل لأنَّ الأسلحة المصنوعة لقتلِ البشر فشلت فى قتل السودانيين؟.
ولماذا يستخدم العسكر فى السودان مدفع دوشكا (م. ط)، وليس بينهم وبين أى عدو قاتلوه طائرات يستخدمها ضدهم؟! وهل قاتل جيش السودان يوماُ ما، عدواً خارجياً له طائرات؟. الإجابة، أن عسكر السودان يقتلون الشعب بسلاح مخصص لضرب الطائرات يُسمَّى مدفع دوشكا (م. ط).
هذا السلاح (دوشكا) يجب أن يختفى تماماً فى التعامل مع المظاهرات السودانية لأنَّ المتظاهرين بشر وليسوا طائرات، وعزَّل ليسوا مسلحين بأى سلاح غير إيمانهم بحتمية التحرر من قبضة العسكر وتحقيق سلام دائم يعيش تحته السودان شعباً وأرضاً.
لذلك، ننصح تحالف قحت بإنه لا يجوز ولا يستساغ التفاوض تحت وآبل نيران الطرف الآخر، لأن ذلك لن يكون تفاوضاً بل تركيع وإخضاع لإنتفاء الإرادة الحرة والتساوى بين الطرفين، طرف غاصب يتفاوض بفوهة بندقية مملوكة للشعب، بينما الطرف ممثل الشعب أعزل، مقيَّد الأيدى ومعصُوب العينين.
لِمَا تقدم، على تحالف قحط أن يدخل إجتماع اليوم 2 أغسطس لمناقشة جند مهم وتمهيدى هو وقف إطلاق النار على المتظاهرين وقتلهم أولاً. وأى قتل لمتظاهر أخر بعد اليوم يكون سبباً للإنسحاب من منبر التفاوض مع العسكر والعودة لمربع الثورة الشعبية لإسقاط نظام الكيزان الذى لم يسقط بعد.
ثمَّ، الحديث الذى ورد بالأمس فى المؤتمر الصحفى لقحت وجاء فيه: اتفقنا على كذا وكذا، ليس فيه جديد، هو نفس المحتوى القديم يُعَاد إعلانه كأنه جديد. وليس هذا تثبيطاً ولا تخذيلاً، ولكن الذى يجب أن يُثبَّتَ أوَّلاً هو وقف إطلاق النار على المتظاهرين، وعدم قبول أىِّ تبرير لقتلِهم.
وبعد التأكُّد من أن العسكر لن يقتلوا احداً بعد اليوم تحت أىِّ ذريعة، وإذا خالفوا ما تعاهدوا عليه يكون ذلك فراقاً بينهم وبين ممثلى الشعب كما فارق الرجل العالم سيدنا موسى عليه السلام لما اكثر من مخالفة ما اتفقا عليه، ففارقه قائلا له: ألم أقل إنك لن تستطيع معى صبرا؟، هذا فِراق بينى وبينك. وهؤلاء العسكر لن يستطيعون صبراً على ألَّا يقتلوا الشعب السودانى لأنَّهم جُبِلُوا على قتله، والفترة الإنتقالية التى ستكون شراكة بين قحت وهؤلاء العسكر سيكون كُلَّه قتلٌ للشعب السودانى ودماء ودموع وأشلاء. والشعبُ لن يكف عن الخروج والتظاهر حتى يحقق أهداف ثورته الظافرة، ويُقذف بهؤلاءِ العسكر إلى حيث يستحقون ويضع حدَّاً لما ظلوا يفعلون منذ 1925م يوم تكوينهم، فقد حان أجَلُهم والشعب قد قال كلمته وهو لا يكذب: حرية سلام وعدالة، والثورة خيار الشعب.
أمَّا الحديث عن تجاوز الخلاف حول حصانة شاغلى أجهزة الفترة الإنتقالية فيحتاج إلى مساحة أخرى للمساهمة فى تبيانه، ولكن أقول:
أولاً، أهلية الترشيح لشغل منصب عام:
الذى يترشَّح لشغل موقع عام فى أجهزة الدولة يجب أن يكون “مؤهَّلاً” لشغل ذلك المنصب، ومن شروط الأهلية خلو الصحيفة الجنائية للمُرشَّح من أيَّة إدانة سابقة، أو تُهمَة جنائية قائمة، أو إفلات Impunity بمقاومة الإتهام والمحاكمة والعقوبة.
فهل يوجد ضمن الجنرالات أعضاء المجلس العسكرى من هو”أَهْل Capable” جنائياً لشغلِ منصب فى الدولة؟ هذا هو السؤال، وعلى مفاوضى قحت عدم توريط أنفُسِهم وإلتزامهم المِهَنِى والأخلاقى والسياسى فى هذه الأوحَالِ النَتِنة.
هذا، والثابت بإعترافهم، أنَّ أعضاءَ المجلس العسكرى جميعهم قرروا بالإجماع فضَّ إعتصام القيادة العامة بالصورة التى تمَّت بها صبيحة 3 يونيو2019م وينطبق عليهم نظرية الأفعال المشتركة، فكلهم متَّهمون جنائياً على ذمة تلك الحاثة والحوادث التى تلتها إنتهاء بقتل أربعة متظاهرين فى مسيرة “القصاص العادل” بالأمس الخميس الفاتح من أغسطس 2019م. وبالنتيجة، جميع أعضاء المجلس العسكرى غير مؤهَّلِين جنائياً لشغل أىِّ وظيفة أو موقع فى هيكل الدولة حتى يُحَاكموا وتتم تبرئتهم نهائياً فى محاكمة عادلة، والقاعدة هى: (الأهلية الجنائية شرط الدخول للوظيفة العامة).
ثانياً، الحصانة: والحصانة هى ميزة تمنح لشخص/ أشخاص مؤهلون تمَّ تكليفهم لشغل مواقع ومناصب عامة فى الدولة (الرئاسة، البرلمان، الوزارة، القضاء، النيابة العامة.. إلخ)، وهؤلاء الأشخاص يُمنحون “حصانة إجرائية” تعصِمُهم من المقاضاة المباشرة من عامَّة الناس إذا تضرروا من الأعمال التى يقومون بها، أو القرارات التى يصدرونها بحُكم مناصبهم فيتضرر من تلك الأعمال والقرارات أشخاص أو جماعات أو فئات من الشعب. هذه هى فكرة الحصانة، وقد إقتضتها ظروف عملية، فهى تُمنح لوقاية الموظف العام ليقوم بمهام وظيفته دون وجل أو خوف من عواقب ردود الأفعال بسبب القيام بها.
أكرر، الحصانة تُمنح لتحصين الموظف العام من المقاضاة المباشرة ضده من أعمال قد يقوم بها فى المستقبل، وليس تحصيناً له من أعمال وأفعال قام بها فى الماضى. فالأعمال الضارة المخالفة للقانون التى قام بها فى الماضى وتضرر منها الناس يجب محاسبته عليها أولاً، فإذا ثبت براءته منها يكون الشخص مؤهلاً Eligible للتكليف بوظيفة عامة، أمَّا إذا ادين فيها سقطت عنه الأهلية القانونية.
لذلك، أرجو أن يكون الفرق بين الأهلية القانونية والحصانة واضحاً.
الأهلية شرط التكليف لشغلِ المنصب العام، بينما الحصانة تمنح للشخص المؤهل الذى نال منصباً عاماً لتحصينه إجرائياً وهو يؤدى مهام وظيفته.
وأرى أن الذى يجرى الآن هو أخر حلقة فى مسلسل مراوغة العسكر وهروبهم للأمام من ضربات الشعب المُوجِعة التى تكشف كل يوم عن زيف وفشل مؤسسة العسكر فى السودان، فاذهبوا بطوعكم أو سيقذف بكم الشعب إلى حيث تستحِقُّون.
إنى خيَّرتكم، فأختاروا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *