لم يعكس تقدماً حقيقياً رغم إشادات قادة العالم
اتفاق السلام بين السودان والجنوب يبدو مألوفاً للمتشائمين
المصدر: ترجمة- هشام فتحي
اتفاق السلام الذي تم التوصل إليه بين السودان وجنوب السودان لن يحل النزاعات الحدودية الدموية المستشرية بين البلدين. وسيتم التماس العذر لمتابعي تطورات السياسات الإفريقية على الشعور بأنهم حيال مشهد سبق لهم أن رأوه لدى سماع أنباء اتفاق السلام بين السودان وجنوب السودان.
ويهدف الاتفاق إلى توفير حل شامل لمجموعة كاملة من الخلافات ،التي وضعت مرارا الدول المنفصلة حديثاً في مواجهة مخاطرة الحرب، و هو في صياغته النهائية يرتكب الخطأ نفسه ،مثل سابقه اتفاق السلام الشامل الذي أبرم عام 2005. و حتى يتم حل جميع القضايا العالقة في هذين الاتفاقين، فإن شعبي البلدين يتوقعان تكرار الشيء نفسه، الصراع المستمر والتطهير العرقي والكوارث الإنسانية.
منذ توقيع الاتفاق، أخيراً، يتسابق زعماء العالم، بدءاً من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مفوضة الاتحاد الأوروبي كاترين أشتون، على الإشادة به. و تركت جماعات حقوق الإنسان ونشطاء السلام الشخصيات غير الحكومية في السودان وجنوب السودان يسألون عن السبب في ذلك.
خطوة عملاقة
على الرغم من الإشادة بالاتفاق باعتباره “خطوة عملاقة إلى الأمام بالنسبة لكلا البلدين” من جانب وسيط الاتحاد الأفريقي ثابو مبيكي، فإن النتيجة البارزة الوحيدة هي أن البلدين اتفقا على حل قضية النفط. سوف يستأنف إنتاج النفط في جنوب السودان ونقله إلى الميناء الوحيد المتاح في الشمال. لكن هذه لا تعدو أن تكون حالة من حالات التحقيق المتبادل للمصالح الاقتصادية.
على الرغم من أن الرئيسين اتفقا على إقامة منطقة منزوعة السلاح ومبادئ ترسيم حدود ،وهو الأمر الذي يعد في حد ذاته خبراً جيداً، فقد تم إحراز تقدم حقيقي محدود لمعالجة مشكلات المناطق الحدودية المتنازع عليها مثل أبيي. أيضاً لم تتم معالجة مسألة مصير منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، وهما المنطقتان الواقعتان في الشمال اللتان تشنان تمرداً ضد الخرطوم.
تركت اتفاقية السلام الشامل هذه القضايا الحاسمة دون حلّ، حيث يعاني شعبا البلدين من العواقب منذ إعلان الجنوب استقلاله ،في شهر يوليو الماضي.
حالة عدم الاستقرار على الحدود السودانية سمحت بمواصلة السعي للتطهير العرقي في مناطق النيل الأزرق وجنوب كردفان، وصولا لإقامة دولة خالصة عرقياً. وأجبر مئات الألوف من المدنيين على ترك منازلهم.
أزمة اللاجئين
وقد أدت هذه الإجراءات إلى تكشف أزمة انسانية للاجئين في جنوب السودان مع فرار المدنيين من ما وصف بأسوأ جرائم حرب منذ أزمة دارفور. و كما لو كان هذا الوضع ليس سيئاً بما فيه الكفاية، فقد أكدت الأمم المتحدة، أخيراً، رؤية طائرة قادمة من السودان وهي تسقط أسلحة على المسلحين في جنوب السودان.
وكانت نتيجة الفشل في معالجة هذه القضايا واضحة لأكثر من عام الآن. مرت سبع سنوات منذ إبرام اتفاق السلام الشامل ،و يبدو أن قدراً محدوداً قد تم استيعابه. مع تجنب كلا الجانبين حلّ ما يسمى بـ “الملف الأمني”، فسوف يعيد التاريخ نفسه. فالمدنيون العزل، وليس الزعماء والسياسيون، هم الذين سيدفعون الثمن أكثر من أي وقت مضى.
التوصل إلى تسوية سلمية شاملة حقا متأخر أيضاً. وبدلا من الثناء على اتفاق غير كافٍ بشكل واضح ،فقد حان الوقت للمجتمع الدولي لكي يضغط على كلا الجانبين من أجل حلّ خلافاتهما، بدءاً من إنهاء الخلافات الحدودية بين البلدين إلى إجراء استفتاء في أبيي ، وهو الاستفتاء الذي تأخر طويلاً، حول ما إذا كان سكانها يرغبون في أن يكونوا جزءاً من الشمال أم الجنوب.
ينبغي أيضاً تنفيذ منطقة حظر جوي، عندها فقط لن تكون الخرطوم قادرة على مواصلة قصف المدنيين، وإثارة حالة عدم الاستقرار داخل حدودها وعلى امتداد الحدود.
دور دولي
يتعين على المجتمع الدولي الضغط على نظام الخرطوم من أجل الوفاء بوعده للسماح للوكالات الدولية بتقديم المساعدات لأولئك الذين يواجهون الموت جوعا في جبال النوبة. وإلى أن تتم معالجة هذه القضايا، فإن أي مساعدة يوفرها المجتمع الدولي، بما فيها مساعدات تخفيف عبء الديون، يجب أن تعتمد على مدى التقدم الذي يتم إحرازه.
إذا اتخذ سجل النظام السوداني معياراً للتقييم، في ظل عشرات الاتفاقات التي تم نقضها، فإن إحراز التقدم لن يكون أمراً سهلاً. حتى في الوقت الذي كان يجتمع الرئيس السوداني عمر البشير مع نظيره رئيس جنوب السودان سلفا كير في إثيوبيا لإجراء محادثات السلام، كان نظامه يقصف سوقا مزدحما في بلده، ما أسفر عن مقتل مدني و إصابة ستة آخرين. وبالنسبة لشعبي السودان و جنوب السودان، فإن اتفاق السلام الجديد سوف يبدو بشكل مروع ممارسة لما هو مألوف.