إصلاح التعليم والحرب ضد القراي

الباقر العفيف
التعليم شأن مجتمعي وليس شأنا حكوميا. هذه معلومة بديهية ولكنها غائبة عن أذهان الناس. وعندما نقول عن التعليم أنه مجتمع نعني أن القرار فيه هو حق أصيل للمجتمع. أي أن المجتمع في عمومه هو الذي يجب أن يُقرِّر نوع التعليم الذي يريده لأطفاله وألا يترك الأمر للحكومات وحدها. غياب هذه المعلومة البسيطة هي السبب الرئيسي في تدهور التعليم في البلاد حتى قبل وصول الكيزان للسلطة. مشكلة تعليمنا الكبرى هي أن الحكومات أعطت نفسها الحق في السيطرة على عقول أطفالنا وأن المجتمع سمح لها بذلك. أصبح المجتمع غير معني بنوع التعليم الذي تتعرض له أجياله. وهذا ما مهٍّد الطريق للكيزان ليتخذوا من المناهج وسيلة للسيطرة على عقول النشء. وهذا أدى بدوره لعدم استقرار المناهج وعدم ثبات العملية التعليمية. التعليم كمؤسسة من مؤسسات الدولة، مثلها ومثل الخدمة المدنية، يجب ألا تتأثر بتغيُّر الحكومات وتبدل السياسات. وتغيير مناهج التعليم لابد أن يقوم على أسس تربوية وليس على أسس سياسية. فالتغيير الذي يحدث فيه هو تطوير المناهج وأساليب التدريس التي تتطور بتطور المفاهيم والعلوم التربوية.
الدكتور عمر القراي أعاد هذا الحق للمجتمع لأول مرة في تاريخ السودان. نَظَّم مؤتمرات قاعدية للتعليم في جميع أنحاء البلد أمٍّها الآباء والأمهات والطلاب والمعلمون والتربويون والمثقفون عموما وتحدثوا عن نوع التعليم المطلوب ومحتواه وأساليبه والبيئة المدرسية وتأهيل المعلمين وإنصافهم ماليا وإعادة الهيبة لهم، وإعادة الكفاءة الأكاديمية للمدارس الحكومية وإحياء بخت الرضا ومؤسسات النشر الحكومية، واتباع أحدث أساليب التربية والتعليم التي تحفز العقل على التفكير والتحليل والفهم والذكاء ولا تنتج لنا ببغاوات عقولها في آذانها كما يريد لنا الكيزان والوهابية ومن لف لفهم من سارقي العقول.
لقد ظل الكيزان يعبثون بعقول أبنائنا وبناتنا لثلاثة عقود وهذه أكبر جرائمهم على الإطلاق ولكنها جريمة لا يتحدث الناس عنها. لقد دمروا عقول أجيال من شبابنا وملأوها بالسخف والجهالة والهراء فنشروا البلادة والبلاهة التي نراها في تجمعاتهم التي يعلوا فيها الزعيق والنهيق والهبل ويغيب فيها العقل والرشد والمنطق. فهم لم يكتفوا بسرقة الأموال والأراضي وحسب بل أرادوا أيضا سرقة العقول والأرواح. أرادوا أن يسلبوا عقل الشعب ويجعلونه كقطيع من الحيوانات. بينما الوهابية يسعون لقتل الروح في الدين وجعله أشبه بدين الفريسيين. والفريسيون طائفة يهود من المرائين الذين يحافظون على المظهر ويهملون الجوهر. وينهون عن المنكر ويأتونه. ويعظون الناس وينسون أنفسهم.. ويداهنون السلطان. وصفهم يوحنا المعمدان “بأبناء الأفاعي” لأنهم ينظرون القذى في أعين الناس ولا يرون العود في أعينهم. إنهم نظراء الوهابية في عهدنا الحالي.. لذلك يجب وصفهم بوصف يوحنا المعمدان وقولوا للوهابية يا “أبناء الأفاعي”.
الدكتور القراي يا سادتي يقود فريقا من خبراء التربية للنهوض بمهمة جليلة هي التي ستنتشل بلادنا من وهدة التخلف وترفعنا إلى مصاف الأمم المتحضرة. لأنه ما من نهضة إلا والتعليم الجيد هو حاديها وشرطها الأساسي على الإطلاق. لذلك من واجبنا دعمه والتصدي للدفاع عنه في وجه الحملة الفاجرة التي لا اخلاق فيها ولا مروءة وإنما يجللها العار والشنار والانحطاط التام. مثل هذه الحملة القذرة، إن سكتنا عنها أو تراخينا في مقاومتها وهزيمتها، فسرعان ما تتحول إلى حرب شاملة ضد كل الشرفاء لا تستثني أحدا. حرب ضد كل من يحاول بإصلاح أي جانب من جوانب الدمار الشامل الذي خلفه تسونامي الكيزان الذي ظل يضرب بلادنا بلا هوادة وبلا رحمة لثلاثين عاما حسوما.
نحن نعلم دوافع الكيزان والوهابية التي تسوق هذه الحرب القذرة، وسوف نعمل على كشفها وفضحها حتى تجلب لهم الاحتقار الذي يستحقونه. ولكن نعيب على الإمام الصادق المهدي سقوطه في مستنقع الفجور في الخصومة السياسية. نعم يا سيادة الإمام، نعلم أن الدكتور عمر القراي انتقدك بمقالات كثيرة وحادة ولكنها مبنية على حقائق موضوعية لم يفتئت عليك فيها ولم يختلقها من خياله.. وإنما كان يقرأ من كتاب أعمالك، وقال لك فيه قولا بليغا.. ونعلم كذلك أنها أحدثت موجدة كبيرة في نفسك ضده. ولكنك شخصية سياسية عامة وأنت بهذه الصفة عرضة للنقد الموضوعي وغير الموضوعي وكان حَرِيَّا بشخص في مقامك وقامتك أن يكون هديه القرآن. والقرآن يقول “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون”. لا يشرفك أبدا الوقوف في خندق واحد مع أعداء الثورة من الكيزان والوهابية وحرامية المؤتمر الوطني ضد الشعب وثورته العملاقة. هذا فعلٌ أسوأ من سحب خيمتكم من أرض الاعتصام والإدبار عشية يوم الزحف.
القراي يا شانئيه له رب يحميه، وهو القائل في محكم تنزيله “إن الله يدافع عن الذين آمنوا”. وتحفه رعاية ودعوات فقراء الشعب الذين ينتظرون تعليما جيدا ومجانيا لفلذات أكبادهم.. ومن حوله سواعد الشباب والكنداكات التي دكت عرش الطغيان. ومن معه كل أولئك فمنذ الذي يقوى على الوقوف ضده؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *