1- استقيل يا ثقيل ؟
في يوم الاربعاء 14 فبراير 2018 ، إستقال الرئيس جاكوب زوما من رئاسة الجمهورية في جنوب افريقيا ، إحتراماً لرغبة زملائه في حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم .
في يوم الخميس 15 فبراير 2018 ، استقال رئيس الوزراء الاثيوب
ي هايليمريم ديسالين من منصبه كرئيس لمجلس الوزراء ورئيس للجبهة الاثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية الحاكمة .
في يوم الخميس 15 فبراير 2018 ، قال لسان حال الرئيسين زوما وديسالين لاخيهما الرئيس البشير :
إستقيل يا ثقيل !
كفاية 29 سنة متواصلة من الاستبداد والفساد والابادات الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب .
لا يستحق الشعب السوداني هذه المذلة ، فهو اول الخليقة ، وأول من عبد الله ، واول من قدم القرابين ، وأول من إستأنس البقر الوحشي ، وأول من خاط الثياب ، واول من طرد المستعمر الاجنبي في ثورة شعبية قال عنها كارل ماركس انها غيرت المرجعيات الشيوعية وقلبتها راساً على عقب ، وأخيراً وليس آخراً هو اول شعب يقوم بثورة ربيعية سلمية بعد الحرب العالمية الثانية ، لطرد المستعمر الداخلي العسكري .
هذا شعب تأتم الهداة به ، ويتغنى بسودانياته المغنون .
نستعرض ادناه تجربة جنوب افريقيا ، وتجربة اثيوبيا في التبادل السلمي للسلطة … آيات لقوم يتفكرون .
2- زوما والبشير ؟
حسب دستور دولة جنوب افريقيا ، تنتهي ولاية الرئيس جاكوب زوما ( 75 سنة ) الرئاسية بعد حوالي سنة ، ولكن اُرغمه حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم على الاستقالة مساء الاربعاء 14 فبراير 2018 .
في يوم الخميس 15 فبراير 2018 ، صار نائبه ورئيس حزب المؤتمر الوطني الافريقي السيد سيريل راموفوزا ( 65 سنة ) ، رئيساً للجمهورية ، بالاضافة لرئاسته للحزب ، وحتى الانتخابات العامة في 2019 .
في يوم الخميس 15 فبراير 2018 ، قال السيد سيريل راموفوزا مستهجناً وساخراً :
تخيل جاكوب انه بشير ، ولكنه نسي انه في جنوب افريقيا وليس في السودان ؟
يالها من مسخرة وملطشة ؟
اعلنت محكمة الاستئناف العليا في جنوب افريقيا ان المواطن جاكوب زوما سوف تتم محاكمته في 18 تهمة جنائية ، منها تهمة تسهيل هروب الرئيس البشير من قاعدة وتركلوف الجوية في جنوب افريقيا ظهر الاثنين 15 يونيو 2015 ، في مخالفة لامر قبض صدر ضد الرئيس البشير يوم الثلاثاء 16 يونيو 2015 ، من محكمة الاستئناف العليا في بريتوريا ، التي طالبت بالقبض على الرئيس البشير ، وحبسه ومنع سفره ، حتى البت في البلاغ المقدم ضده ، والداعي لتسليمه لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي .
من حسن حظ الرئيس البشير انه في السودان وليس في جنوب افريقيا ، وإلا لتم القبض عليه وترحيله مخفوراً إلى لاهاي . ولكن سوف يدفع الرئيس السابق والمواطن حالياً جاكوب زوما ثمن تواطئه مع الرئيس البشير .
انتظروا … إنا معكم منتظرون .
دعنا نحاول تدبر خمسة دروس من نموذج جنوب افريقيا ، كما يلي :
اولاً :
خلال ال 24 سنة التي مرت على جنوب افريقيا منذ تدمير نظام الابارتيد في 1994 ، مر على رئاسة جنوب افريقيا 6 رؤساء ، كما يلي :
+ نلسون مانديلا … 1994- 1999 .
+ تابو مبيكي … 1999- 2008 .
+ إيفي ماتسيب كاسابري … ليومين من 24 الى 25 سبتمبر 2008 .
+ كاقاليما موتلانث … 2008 – 2009.
+ جاكوب زوما … 2009- 2018 .
+ سيريل راموفوزا … 2018 –
في المقابل ، خلال ال 29 سنة منذ انقلاب الانقاذ في 1989 ، استمر ( الكل يوم معانا وما قادرين نقول ليك ) يحكمنا امنجياً وحميتياً .
ثانياً :
نحى حزب المؤتمر الوطني الافريقي الحاكم في جنوب افريقيا الرئيس جاكوب زوما رئيسه ورئيس الجمهورية من رئاسة الحزب والدولة ، الامر الذي يؤكد قوة ومناعة المؤوسسات في جنوب افريقيا .
في المقابل ، صار ( الكل يوم معانا ) يجسد المجتمع والدولة والدستور والسلطات الثلاثة والحزب الحاكم والحركة الاسلامية وما رحم ربك من مؤوسسات ذابت كلها جميعا في شخصه … وكما انتم يولى عليكم .
ثالثاً :
يحترم القوم في جنوب افريقيا الدستور ، ولكن الفرعون الإله عندنا يرغمنا على مص موية الدستور وشربها .
عندما رفع الدكتور غازي عتباني نخرته وصوته مطالباً من داخل المجلس الوطني بإحترام الدستور ، تمت تنحيته من المجلس الوطني ومن حزب المؤتمر الوطني الحاكم .
فتأمل !
رابعاً :
إستقال الرئيس السابق زوما رغم انه يعرف انه سوف تتم محاكمته في 18 تهمة جنائية عندما يصير مواطناً عادياً .
اما ( الكل يوم معانا ) فيكنكش في السلطة خوفاً من بروش لاهاي .
خامساً :
تم الانتقال من سلطة زوما الى سلطة راموفوزا ، داخل الحزب الحاكم وداخل الحكومة وداخل الدولة وفي مناطق نفوذ زوما ، سلمياً ، حتى بدون اي شماتة من المعارضة .
يرفض ( الكل يوم معانا ) نقل السلطة حتى لنائبه الاول ، بل يغير في نوابه الاوائل حتى لا يطمعوا في موقعه .
هذه جنوب افريقيا … وهذا هو السودان .
السودان الذي كان منارة للديمقراطية منذ 1956 اي قبل جنوب افريقيا ب 38 سنة … جنوب افريقيا التي نالت استقلالها في 1994 .
3- ديسالين والبشير ؟
في يوم الخميس 15 فبراير 2018 ، استقال السيد هايليمريم ديسالين من منصبه كرئيس لمجلس الوزراء في اثيوبيا ، وكرئيس للجبهة الاثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية الحاكمة . ولكنه سوف يستمر في تصريف مهامه الحكومية والحزبية ، بصفة مؤقتة ، وحتى تختار الجبهة من يخلفه في رئاسة الحكومة والجبهة .
دعنا نحاول إسنعراض خلفيات وملابسات وتداعيات ومآلات قرار السيد ديسالين الاستقالة من منصبيه ، وبالأخص تداعيات إستقالته على السودان في النقاط التالية :
اولاً :
ليس لاستقالة الرئيس ديسالين اي علاقة بالمفاوضات حول سد النهضة ، والاتفاقيات التي تم ابرامها بين اثيوبيا ومصر والسودان .
زعماء وقادة اثيوبيا في الجبهة الاثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية الحاكمة وفي المعارضة متفقون وعلى قلب رجل واحد حول كل التفاصيل السياسية والفنية المتعلقة بسد النهضة .
لا صلة لاستقالة الرئيس ديسالين بسد النهضة لا من قريب او بعيد .
نقطة على السطر .
اقلب الصفحة .
نقول ذلك لان وسائط الاعلام المصرية سوف تبدأ النباح من اليوم ، وتربط بين استقالة الرئيس ديسالين وسد النهضة ، وسوف تطبخ وتخرج في السيناريوهات التي لم ولن ينزل الله بها من سلطان .
ثانياً :
يمكن الاشارة للمظاهرات التي بدات في ديسمبر 2015 واستمرت طيلة عام 2016 ، وشملت اقاليم الاورمو والامهرا وبقية الاقاليم ، والتي كانت تطالب بوقف القمع الامني وبسط الحريات والديمقراطية ، والتي قمعها النظام الحاكم بكثير من القسوة ، مما أدى لموت الآلاف ، واعتقال مئات القادة السياسيين في المعارضة . كما تم اعلان حالة الطوارئ في كل اقاليم اثيوبيا ، ولكن تم رفعها مؤخراً .
نتجت عن هذه المظاهرات وحالة الطوارئ المتشددة فرار الآلاف من اثيوبيا ، وتدفقهم نحو السودان في طريقهم لاوروبا وامريكا ، مما خلق مشكلة لجؤ ولاجئين في السودان ، لا زلنا نعاني منها .
ونسبة لسودانيات السودانيين فقد تمت معاملة اللاجئين من اثيوبيا كمواطنين يتمتعون بكافة الحقوق بخلاف حق الانتخاب والترشح .
تجد الاثيوبي يجر في درداقة في سوق ليبيا ، او يسوق في رقشة ، او يعمل كحلاق ، او كجرسون في مطعم ، بدون ان يحس بأنه غريب ، وبدون ان يشعره السودانيون بأنه يسرق رزقهم ، كما هي القاعدة في الدول العربية ، التي ترفض دخول اللاجئين الى اراضيها ، واذا دخلوا خلسة فالويل الويل لهم … تصوب شرطة الحدود المصرية الرشاشات ضد الاثيوبيين والسودانيين الفارين من مصر الى اسرائيل فتقتلهم . كما يعامل الشعب المصري اللاجئين من اثيوبيا والسودان كنفايات .
ثالثاً :
ينتمي السيد ديسالين لقبيلة الولايتا ، وهي قبيلة فقيرة ومهمشة في جنوب اثيوبيا ، ويغلب السواد على سحنة افراد هذه القبيلة ، ويتميزون بشعرهم المجعد . وتجد قبيلة الامهرا هي قبيلة الاباطرة والحكام والاقطاعيين ورجال الاعمال الذين يهزون ويلزون .
كما يدين السيد ديسالين بدين الكنيسة الابوستولكية المسيحية ، وهي كنيسة اقلية ، مقارنة بالطائفة المسيحية البروتستانتية الغالبة في اثيوبيا .
إذن السيد ديسالين في اقلية عرقية ، واقلية دينية .
وقد اختاره زملاؤه في الجبهة الاثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية الحاكمة الممسكين بمقاليد السلطة الفعلية من قبيلة التقراي كواجهة لهم يحركونها كيفما شاءوا
لعدم وجود رافعة قبلية او دينية تحمي السيد ديسالين .
كانت مهمة السيد ديسالين ان يعمل كنشارة خشب بين قزاز الشخصيات الفاعلة والفعالة في الجبهة الاثيوبية الشعبية الثورية الديمقراطية الحاكمة .
وبزواله ، سوف تبدأ الخيل الجامحة في الفنجطة ، حتى يستقر الامر لحصان تقبل به بقية الاحصنة .
رابعاً :
عارض السيد ديسالين قمع السلطات الامنية للمتظاهرين والقتل بالجملة والقطاعي للمتظاهرين ، كما طالب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، ونشر الحريات الخاصة والعامة ، وإحترام حقوق الانسان . لم يقبل المتنفذون التقراي في المؤسسة الامنية – العسكرية بطلب السيد ديسالين ، وطلبوا منه الاستقالة .
إضطر السيد ديسالين للإستقالة ، لأنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً امام المؤوسسة الامنية- العسكرية ، الحاكم الفعلي في اثيوبيا .
كما في جنوب افريقيا ، إنتصرت المؤوسسة على شخص الرئيس في اثيوبيا .
ولكن الامر مختلف جداً في السودان . فالرئيس البشير يضع في جيبه ( كل ) المؤوسسات . وصار الحاكم بامره ، والفرعون الذي لا يريهم إلا ما يرى .
أنتظروا نهاية الفرعون … إنا معكم منتظرون .