إدارة أوباما تعمل على صياغة توجه جديد قد يخفف العقوبات على السودان بحذر

التوجه الجديد سوف يكون قابلا للتطبيق مع الفعل الواقعي من قبل النظام في الخرطوم
بعد أعوام من الاستياء العالمي بسبب معاناة دارفور، سوف تبدأ إدارة أوباما سياسة جديدة قد تخفف بعض العقوبات الأميركية المفروضة منذ وقت طويل على الحكومة السودانية المتورطة في أعمال قتل وتشريد على نطاق واسع للقبائل الأفريقية في دارفور.

يقول مسؤولو البيت الأبيض إنه يجب الالتزام بشروط محددة قبل رفع العقوبات، وإنه يمكن أن يواجه السودان عقوبات أشد إذا لم يحسن قادته التصرف. لكن مبعوث الرئيس أوباما إلى السودان جاي سكوت غريشن قال في مقابلة معه الاثنين إن حكومة الخرطوم التي طردت جمعيات الإغاثة قد أظهرت رغبة في العمل نحو استقرار دارفور لكي تسمح بعودة تقديم المساعدات.

وقال غريشن «نرى أن هناك روحا للتعاون ورغبة في المساعدة».

وقد أفاد المبعوث الأميركي أن رفع العقوبات يمكن أن يساعد في دعم الحكومة السودانية، لكنه قال إن السياسة سوف تكون حذرة ومتعقلة.

وأضاف غريشن قائلا «هناك طرق يمكن من خلالها الرجوع عن هذه العقوبات بطريقة تسمح لنا برفع العقوبات التي نرغب فيها، بحيث تستمر العقوبات على الحكومة السودانية وكذلك حظر توريد السلاح».

وقد أثارت هذه السياسة الجديدة الكثير من الجدل بين مستشاري أوباما كما تثير الخوف بين أقوى مؤيديه الذين توقعوا من الرئيس أن يشدد من سياسة الولايات المتحدة ضد حكومة كان قد انتقدها بعنف ووصفها بأنها غير جديرة بالثقة أثناء حملته الانتخابية العام الماضي. وكانت إدارة الرئيس كلينتون قد فرضت عقوبات واسعة النطاق على السودان منذ 12 عاما، كرد فعل لتحالف النظام الإسلامي مع الإرهابيين وتوفير الملاذ الآمن لهم ومنهم أسامة بن لادن في التسعينات، ولقمع المسيحيين وغيرهم من الأقليات خلال الحرب الأهلية في السودان. وقد تم حظر المساعدات الأجنبية الأميركية وكذلك العلاقات التجارية بين البلدين.

وكذلك فإن الحديث عن رفع بعض العقوبات ـ وهو ما كانت تفكر فيه إدارة بوش كذلك ـ يثير جدلا سياسيا. وكانت دارفور محل اهتمام الكثير من نجوم هوليوود والناشطين في مجال حقوق الإنسان والأميركيين من أصول أفريقية والمنصرين. وخلال حملاتهم الانتخابية في العام الماضي، تعهد أوباما ونائب الرئيس جو بايدن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالاستمرار في التشدد تجاه الخرطوم. وقد دعت سفيرة أوباما لدى الأمم المتحدة سوزان رايس التي ساعدت إدارة كلينتون في وضع العقوبات، إلى موقف أكثر تشددا وأعلنت عن استمرار الإبادة الجماعية في دارفور.

ويقول مؤيدو التوجه نحو التعاون مثل غريشن، إن عدد الوفيات قد انخفض في دارفور وإن العقوبات الأميركية تعوق جهود بناء الطرق وغيرها من المشاريع في جنوب السودان التي توجد حاجة ملحة لإنجازها بحلول عام 2011. وهذا العام هو العام الذي يتوقع فيه التصويت على الاستقلال عن البلاد من خلال الاستفتاء الذي يعتبر عنصرا هاما في اتفاقية السلام التي رعتها الولايات المتحدة عام 2005 والتي أنهت الحرب الأهلية التي استمرت 21 عاما في السودان.

وقد استشهد غريشن على التعاون الجديد من قبل الخرطوم برغبة الحكومة في تليين موقفها تجاه مؤسسات الإغاثة الدولية التي طردتها من البلاد واتهمتها بالتجسس بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا باعتقال الرئيس عمر حسن البشير في شهر مارس (آذار) الماضي. وقد تم طرد نحو عشر منظمات إغاثة ولكن تم منح العديد منها الآن ضمانات بالعودة ـ على الرغم من أن المنتقدين يشيرون إلى أن الحظر قد أعاق جهود توصيل المساعدات. وليس من المرجح الإعلان عن السياسة الجديدة للبيت الأبيض قبل عدة أسابيع، ولكن خلال مقابلات وشهادات أمام الكونغرس، بدأ المسؤولون في الإدارة وضع الأطر الرئيسية لها.

ويقول هؤلاء المسؤولون إن السياسة الجديدة لن تتعارض مع وعود الرئيس أثناء حملته الانتخابية، وسوف ينتج عنها عقوبات أقسى إذا لم تف الخرطوم بتعهداتها. وقال أحد مسؤولي البيت الأبيض رافضا الإفصاح عن هويته بسبب استمرار التشاور بشأن هذه السياسة، إن أي مبادرات جديدة سوف يتم تقديمها كجزء من مجموعة حوافز تساعد النظام السوداني على إحلال السلام في دارفور والالتزام بشروط معاهدة السلام الموقعة عام 2005. وتقدر المحكمة الجنائية الدولية عدد السكان الذين قتلتهم القوات الحكومة والميليشيا الحليفة لها خلال ستة أعوام بنحو 35.000 قتيل. ومات أكثر من 100.000 آخرين بسبب تفشي الأمراض والمجاعات حسبما أفادت المحكمة الجنائية الدولية.

وقال مسؤول البيت الأبيض إن سياسة أوباما سوف تضع الخطوط العريضة «لنوع الخطوات التي سوف يتم إعدادها لتكون محفزة للحكومة السودانية كرد فعل للتغير الحادث على الأرض».

وقال المسؤول إن التوجه الجديد سوف يكون قابلا للتطبيق مع الفعل الواقعي من قبل النظام في الخرطوم من أجل استتباب الأمن في البلاد وإنهاء الأزمة الإنسانية في دارفور. وأضاف بقوله «علينا أن نرى تغييرات جوهرية للشعب السوداني». وانتقد «الفكرة المغلوطة» التي تقول إننا «بطريقة ما، نرغب في تناول الآيس كريم مع النظام ثم نظن أن ذلك قد غير كل شيء في السودان».

وتعتبر هذه المصالحة المتوقعة أمرا ذا حساسية بالغة بسبب التهم بارتكاب جرائم حرب ضد الرئيس البشير. وتخطط بعض جماعات الضغط للقيام بحملة لإقناع البيت الأبيض بالاستمرار في الضغط على السودان في ضوء رغبة غريشن في إشراك الخرطوم. وسوف تتضمن الجهود الإعلامية لهذه الحملة مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب والإعلانات التي تلقي الضوء على وعود الرئيس أوباما أثناء حملته الانتخابية وتعهدات فريقه باتخاذ إجراءات قوية لإنقاذ دارفور.

ويقول راندي نيوكوم وهو رئيس مؤسسة «هيومانيتي يونايتد» وهي مؤسسة تحصل على تمويلها من مؤسسي موقع «إي باي» وتمول الحملة «إننا نخشى من أن يكون (غريشن) متنازلا أكثر من اللازم. إننا أصدقاء لهؤلاء الناس في الإدارة، ولكن علينا أن نستمر في الضغط عليهم للتأكد من تعاملهم بحزم».

ومن مؤيدي الموقف المتشدد تجاه الخرطوم، السناتور راسل دي فينغولد وهو رئيس اللجنة الفرعية لأفريقيا الذي قال إن توجه غريشن «مهذب أكثر من اللازم، بالنظر إلى ما تفعله (الحكومة السودانية) وما فعلته في السابق».

ومن التعليقات التي يمكن أن تستخدم في الحملة الإعلامية ذلك التعليق الذي قاله أوباما بشأن رفضه التطبيع مع السودان لأننا بذلك «نكافئ نظام الخرطوم الذي لديه سجل حافل بعدم الوفاء بالتزاماته».

وقال مسؤولون في الإدارة إن إشراك الحكومة السودانية يعكس أهدافا سياسية خارجية واسعة لإدارة أوباما تهدف إلى الحوار مع المخالفين، كما أنها تناسب تواصله مع العالم الإسلامي. ولكن ما زال النقاش مستمرا. فغريشن الذي سافر مع أوباما إلى أفريقيا عندما كان الأخير عضوا في الكونغرس عام 2006، وكانت له علاقات قوية مع الرئيس، قد دافع عن إشراك السودان. كما أنه أعلن أن الإبادة الجماعية في دارفور قد انتهت ولم يبق منها غير «الآثار».

وقد استمر أوباما، شأنه في ذلك شأن رايس سفير الأمم المتحدة، في استخدام تعبير «الإبادة الجماعية» عند الإشارة إلى الوضع الراهن في دارفور. ومع ذلك، فقد بقي على اتصال مع غريشن في لقاءات خاصة كما حدث في الأسبوع الماضي قبل وقوف المبعوث أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حيث دعا إلى تخفيف العقوبات.

وقال غريشن يوم الاثنين إن أفعاله وبياناته تتوافق تماما مع الحدود التي يتوقعها من السياسة الأميركية. وقال «من الواضح أنني أعمل في هذا الإطار لأنني أعلم فحوى النقاش جيدا».

وما يدعم التوجه نحو التغيير، ذلك التعاون الوثيق من قبل حكومة الخرطوم مع وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي في مجال مكافحة الإرهاب داخل العراق وباكستان والصومال ـ على الرغم من أن المنتقدين يقولون إن مساعدة السودان كانت محدودة وبدأت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر فقط، عندما خشي النظام من استهدافه من قبل الولايات المتحدة. وقد اتهم المسؤولون السودانيون إدارة بوش بعدم الوفاء بوعودها الخاصة بتطبيع العلاقات في مقابل الموافقة على اتفاقية السلام المبرمة عام 2005.

والآن، فإن المسؤولين في الخرطوم يمدحون غريشن. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية في السودان السماني الوسيلة إن المبعوث «يخلق جوا صحيا بدلا من تسميمه، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقود الناس إلى الجلوس والحديث».

وأضاف أن الحكومة في الماضي قد تعاونت مع مبعوثي الولايات المتحدة الذين حاولوا الإسراع في تغيير الوضع أو شجب الحكومة. ولم يفصح الوسيلة عن ماهية الخطوات التي اتخذتها حكومته أو سوف تتخذها في الأسابيع المقبلة في مقابل تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة. وما زال نحو 2.5 مليون مشرد في درافور. وتستمر المعاناة.

واشنطن ـ نيروبي: بيتر والسون وإدموند ساندرس**خدمة «نيوريوك تايمز»
الشرق الاوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *