إحسان عبد العزيز تروى قصة إعتقالها وتقول:تلاثون رجلاً مدججون بالسلاح لاعتقال إمرأة

مثل هذا اليوم من الشهر السابق

الثانى من اكتوبر الاغر
2/10/2013
تمّ إعتقالى
ولاسترجاع ذلك الحدث لابد من هذه المقدمة القصيرة:
كناشطة سياسية..
عرفت طريقها الى العمل العام منذ نعومة أظافرها فى الثانويات والحركة الطلابية السودانية حيث ما زال خريجى الزقازيق يذكرون تلك الصبية التى حملت قضية الوطن فى حدقات عيونها ووقفت على خشبة مسرح (الشبان المسلمين بمدينة الزقازيق) وهى برلومة جاءت لتوها الى تلك المدينة الجميلة وترنمت شعراً بما قاله الشاعر العظيم (سيد أحمد الحردلو))
(تقول لى شنو وتقول لى منو.. نحن الساس ونحن الراس ونحن الدنيا جبناها وبنيناها بويت فى بويت)
وكنقابية وكمنتمية لحزب له دوره فى التاريخ الحديث للحركة الوطنية السودانية (الحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال) بشكل عام والحركات التحررية فى مناطق الهامش بشكل خاص، ظلّ التواصل بينى وبين الناشطين على مختلف المستويات القيادية بالاحزاب والفعاليات السياسية هو الطابع الوحيد الذى يشكل معظم علاقاتى المجتمعية حيث تنحسر الاجتماعيات فى مثل الظروف التى نعيشها..
*قضيت بمدينة أسمرا ثلاثة عشر عاماً بالتمام والكمال (1995-2007
وبحكم المهام التى كلفت بها فى تلك المرحلة كممثل لــ (المجلس العام للنقابات بدولة إريتريا) والامين العام لــ (التجمع النسوى السودانى الديمقراطى بالاراضى المحررة شرق السودان وأسمرا)..
هذا بالاضافة لعضويتى فى اسرة تحرير إصدارة (عزة) الناطقة باسم التجمع النسوى والتى الت الىّ رئاسة تحريرها وإخراجها كاملاً منذ العام 2000م حيث غادرت اريتريا جميع اسرة التحرير ولم يتبقى غير شخصى الضعيف فكان لزاماً علىّ تحمل مسئولية إستمرار تلك الاصدارة التى أصبحت تتربع على العرش الاعلامى لــ (التجمع الوطنى الديمقراطى) فى غياب الاعلام المكتوب الذى يتبنى مايدور فى تلك المؤسسة
فبحكم هذا الوضع التقيت أعداداً كبيرة من القيادات السودانية السياسية وناشطيها من الشباب والطلاب وغيرهم من الفئات الجماهيرية..
نعم..
ظللت أحاول دوماً الحفاظ على إستقرار الاسرة وهدوئها وعدم إقحامها فى زحمة العمل العام على أن تجرى كل نشاطاتى فى الاماكن المخصصة لها بعيداً عن الاسرة..
ولكن لم يمنع ذلك من أن يظل بيتنا (خاصة فى أسمرا) مفتوحاً للجميع خاصة فى تلك الظروف وفى تلك المدينة التى كان عدد الاسر فيها لا يتجاوز عدد الاصابع..
*عدنا الى الوطن وبدأت كل الاشياء تأخذ شكلاً مختلفاً
فكان الوطن بكل التغيرات التى حدثت فيه وجعلت من نسيجه الاجتماعى بفعل الانقاذ مسخاً مشوهاً وشكلاً عنصرياً قبيحاً وتراكمات إجتماعية سلبية لا حصر لها.. ولكن ظللنا كاسرة نحتفظ بذات الطابع الانسانى والاجتماعى والسياسى الذى أرضعنا إجابياته لصغارنا وحاولنا العيش (مستورى الحال/ كما يقول أهلنا الطيبين) وسط تلك التناقضات المجتمعية حسب ما ظللنا نؤمن به بأننا شعب يجب أن يكون مدركاً ومؤمناً بانه شعب مختلفاً ومتنوعاً ويجب أن يظل مختلفاً ومتننوعاً مهما فعلت الانقاذ به وبنسيجه الاجتماعى وباوضاعه السياسية والاقتصادية..
وبدون الدخول فى مقدمات تلك الزيارة (سبب الاعتقال) واسبابها وما ورائها حيث أنها ضمن الحقوق المشروعة لنا كمواطنين وكاسرة وكبيت له حرمته يستقبل من يشاء..
كان فى زيارتى شابين من شباب (حركة تحرير السودان/ جناح عبد الواحد النور)، لم يمضى على وجودهما أكثر من 25 دقيقة حتى سمعت طرقاً خفيفاً على الباب..
كان الطارق إبنى والذى كان خارج المنزل لأكثر من ساعتين فى مشوار خاص بالاسرة..
فوجئت بأعداد كبيرة من رجال الامن بملابس ملكية فى باحة الدرج التى تفصل بين الشقق ويحمل كل واحد منهم سلاح في يده وحسب معلوماتى القليلة عن أنواع الاسلحة كانت فى معظمها كلاشنكوفات ورشاشات
كانوا يقفون أمام باب الشقة التى تجاورنا ويتحدثون الى صاحبها..
علمت أن الامر يخصنى..
دخل إبنى وقال إنهم يسألون عنك ويبحثون عن (ناس من دارفور) ولم يكن حينها يعلم إن من يبحثون عنهم هم ضيوف فى بيتنا..
أغلقت الشقة وأخطرت ضيوفى بما يدور فى الخارج، وقلت لهما ما يعنى بأننى لا محالة (مقتادة مقتادة بواسطة هؤلاء) ولكن هممت بهؤلاء الشباب خاصة وأنهم من دارفور..
باختصار شديد تمكن أحدهما من إيجاد مخرج له بينما القى القبض على الاخر بعد هجوم مكثف على الشقة وإثارة الزعر الذى أصاب سكان العمارة باكملها خاصة وقد تبقى جزء من القوة فى الخارج محاصراً العمارة ومانعاً أى شخص من الدخول اليها وإجلاس من كان منهم بالخارج على الارض..
كانوا مصرون على إقتياد الاسرة بأكملها بما فيها إبنتى (الوحيدة) والتى لم تكمل عامها السادس عشر بعد وكذلك إخيها الذى يصغرها بعامين.. لولا تدخل جارنا والذى كان يعمل سابقاً فى القضاء جعلهم يتراجعون عن إقتياد الطفلة وأخيها الاصغر..
*وجهت لنا إساءات شخصية بالفاظ عنصرية بالغة من بعضهم دون أن يرمش لهم جفن..
وكانت هذه الاساءات وهذه العنصرية المتوغلة فى التمييز أكثر ما أساءنى وما زلت لا أصدق ما سمعته من بعضهم فى الشقة وفى بداية الاعتقال ببحرى..
أمنت بأننا فى دولة (ستميتها وتقضى عليها) العنصرية المتوغلة فى ضبابير من يحكمونها قسراً ان لم يميتها الفقر والجوع..
*تعرض إبنى وزوجى للضرب والاهانة والاساءات اللفظية..
باتلرغم من أننى أكدت لهم وقبل ترحيلنا أن الضيوف يخصونى أنا فقط ولا علاقة لزوجى ولا إبنى ولا أسرتى بأى عمل أقوم به ويعتبرونه كأجهزة أمنية حراك سياسىى ولكن لا حياة لمن تنادى..
بالفعل تمّ إقيادنا جميعاً (أنا وضيفى وزوجى وإبنى) الى معاقل الامن بــ (موقف شندى)
كان ذلك حوالى الثامنة مساءاً.. وفى الثانية عشر بعد منتصف الليل تمً إطلاق سراح زوحى وإبنى بينما بدأ التحقيق معى، قضيت ببحرى أربعة أيام حيث تمً تحويلى الى معتقل (سجن النساء) بامدرمان..
*عند تحويلى من مبنى الى أخر ببحرى لعمل إجراءات التحويل التقيت بالرفيقات (أمل هبانى، أمل سليمان، داليا الروبى، ريان شاكر زين وإثار نصر الدين) والاتى تمّ إعتقالهن قبلى بعدة أيام وكن حينها يأتى بهن من ام درمان الى بحرى للتحقيق..
*قضيت بزنزانة معتقل سجن أم درمان يومين حيث صدر قرار الرئيس باطلاق سراح المعتقلات من النساء وتمً إطلاق سراحنا بعد التاسعة مساء بتاريخ 6/10/201013
*كانت هذه قصة إعتقال إمرأة بقوة قوامها ثلاثين رجلاً مدججين بالسلاح
*والتهمة:
فى بيتى ضيفاً من دارفور..
*بعد خروجى علمت بتفاصيل كتيرة من هنا وهناك وحدثت تفاصيل أخرى سأتركها جميعاً للوقت المناسب
فقط.. قد علمت منها وتيقنت من أننا أصبحنا مجتمع على محك الخلق السودانى، فقد أفسدت الانقاذ كثيراً من صفاتنا ومميزاتنا الاجتماعية وانتقصت من أخلاقنا الكثير..
*نصيحتى لكل الناشطين والناشطات فى داخل الوطن..
إن أردت أن تبحث عن مصادر المعلومات التى تنقل عنك تلفت يميناً ويساراً ولا تذهب بعيداً عن الدائرة التى تسكن فيها، فقد إنتهى الزمن الذى تغنى له (ود الفراش ) قائلاً:
أنا التوب العريض الباهى زيقو
وأنا فرح الرجال وقتين يضيقوا
وأنا الدابى إن رصد للزول يعيقو
وأنا المامون على بنوت فريقو
أخيراً:
ان كنا ما زلنا نتطلع الى إنقاذ ما تبقى فينا ومنا والينا من جمال ووطن معافى..
فلابد من إسقاط هذا النظام
إحسان عبد العزيز
2/11/2013م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *