بسم الله الرحمن الرحيم 0
أين المعارضة وقد جاء تأريخ التاسع من يوليو ومرّ مرور الكِرام ؟
عبدالغني بريش اللايمى فيوف 00 الولايات المتحدة الأمريكية 0
قبل اسبوع من حلول تاريخ التاسع من يوليو 2009 عقد ما يطلق عليهم في السودان بزعماء وأقطاب المعارضة السياسية اجتماعات مكثفة بلوروا من خلالها بعض المواقف السياسية لمواجهة حكومة ( حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ) وحثهما على الالتزام باجراء الانتخابات العامة في البلاد في موعدها المحدد في اتفاقية نيفاشا للسلام الموقعة بينهما في عام 2005 حسب المادة ( 216 ) من دستور الفترة الانتقالية لجمهورية السودان 00 ، ومن المواقف التي تبنتها المعارضة في اجتماعاتها المكثفة تلك هي :
* هددت الحكومة السودانية بنزولها إلى الشارع إذا لم تقدم استقالتها بحلول التاسع من يوليو 2009 وتمهد الطريق لتشكيل حكومة وطنية واسعة تضم كل الأحزاب السودانية حتى اجراء انتخابات عامة في البلاد في عام 2010 0
* هددت الحكومة السودانية بسحب اعضاءها من البرلمان السوداني إذا لم تستجب الأخيرة لمطلبها وتشكل حكومة وحدة قومية حتى حلول موعد الانتخابات العامة 0
* لوحت بإتخاذ اجراءات أخرى ضد الحكومة بعد التاسع من يوليو 2009 0
لكن وبعد مرور تقريبا شهرين على تاريخ ( التاسع من يوليو ) لم تنفذ المعارضة تهديداتها ، بل اختفت تماما من على الساحة السياسية السودانية ولم نعد نسمع اصواتها لا في وسائل الاعلام المسموعة و لا في وسائل الاعلام المرئية ، ولا حتى في المجالس الشعبية أواماكن التجمعات الكروية التي غالبا ما تتناول مثل هذه المواضيع 00 فماذا الذي حدث يا جماعة ؟ وللإجابة على هذا السؤال القديم الجديد نستطيع القول 00 انه يبدو ان المعارضة السودانية على اختلاف اشكالها وانواعها تعيش الآن أزمة عميقة وغياب في الرؤى والتخطيط 00 وعلى الرغم من ان هذه المعارضة في بداية يوليو 2009 تحركت سياسيا لانتزاع الشرعية من حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، إلآ أنها لم تستطع انجاز هذا الهدف الذي انتظره الشارع السوداني طويلا ، بل عجزت تماما ان تواجه غطرسة النظام السوداني واستفزازاته المتكررة ، وبهذا التخبط والعشوائية السياسية فشلت المعارضة ان تُحِدث أي تغيير في الساحة السياسية السودانية ومجئ بنظام ديمقراطي تعددي فعلي وحقيقي في السودان ، رغم ان نيفاشا فعلا حددت اربعة سنوات من تاريخ 2005 لإجراء انتخابات عامة في البلاد 0
ان التحرك السياسي الضعيف للمعارضة والذي سبق تاريخ التاسع من يوليو 2009 أكد بجلاء مبين وواضح أن المعارضة السودانية بمختلف مكوناتها لم تتمتع بأي قاعدة شعبية جماهيرية لتلجأ إليها في حالات الجذب والمد السياسي في البلاد ، ويعود هذا بصورة واضحة إلى ان رؤساء وزعماء هذه الأحزاب من وجهة نظرنا أكل عليهم الدهر وشرب منهم ،، وليس لديهم شيئا جديدا يقدمونه للسودان ولشعوبه ، هم ذاتهم أي ” رؤساء تلك الأحزاب ” يفقدون الشرعية في داخل الأحزاب التي يتزعمونها لممارستهم الديكتاتورية وسلطة ( أنا الحزب ) ، وكان لا بد ان تتحول هذه الأحزاب المعارضية إلى أحزاب نخبة من المثقفين والديناصوريين والمتسلطين 00 الخ ، 00 نعم كانوا كذلك ، يدعون إلى قيام الانتخابات العامة في البلاد ، دون ان يقدموا تضحيات كبيرة لتحقيق هذا الهدف السامي ، ودون الاصرار والمطالبة بالإصلاحات الحقيقية والجذرية في البنية السياسية السودانية 00 ظلوا بعيدين كل البعد عن الشارع العام وهمومه 000 ولذا هجرهم الجمهور بالتشكيك في جديتهم ومصداقيتهم السياسية 0
زعماء ورؤساء أحزاب المعارضة السودانية عجزوا في إحداث تحول ديمقراطي حقيقي وتغيير جذري لقرابة نصف قرن من الزمان ، لذا تقدمت الطبقات والفئات الاجتماعية السودانية وشقت طريقها لتعبر عن معاناة السودانيين وتتحدى الاستبداد والديكتاتورية بالثورة والانتفاضة ، لاحظنا ذلك في ثورة اكتوبر الشعبية في عام 1964 التي اطاحت بديكتاتور البلاد الفريق ( عبود ) ، وانتفاضة ابريل عام 1985 التي اطاحت بنظام جعفر نميري 00 ولم تكن الأحزاب السياسية المعارضة وقتها جزءا منها ، لكنها كانت تسرق هذه الانجازات الشعبية كل مرة وتعتقل البلاد ببرامجها الوهمية 000 وها هي الأحزاب نفسها تعيد الكرة مجددا وتخدر شعوبها بالقول انها سنزل الشارع اذا لم تستجب الحكومة لمطالبها ، دون ان تستحي وهي نفسها التي عاشت معها وفي احضانها منذ انقلابها المشؤوم في يونيو 1989 0
إن قصور المعارضة السياسية السودانية عن تجسيد انشطتها وتحركاتها وتحويلها إلى برنامج سياسي شامل وكامل ، يتماشى مع متطلبات المرحلة التاريخية الراهنة ، جعلها غير فعالة في إنجاز ما يطلبه الشارع السوداني اليوم ، مما أدى إلى تآكل وتلاشي التأييد لها ، خاصة في السنوات التي تلت مجئ نظام الإنقاذ ، وترك هذا فراغا سياسيا وخلق وضعاً مزرياً وفوضوياً استغله النظام الحاكم لسحق الجماهير الشعبية السودانية ، وتحول اعداد متزايدة من الناس إلـى الفقر المدقع 0
وهكذا أصبحت أحزاب المعارضة السودانية اليوم قوى هامشية ضعيفة متراخية تنتظر مناسبات معينة تسمح لها بمهاجمة حكومة عمر البشير الانقلابية 00 بدلاً من المظاهرات اليومية لاجبار الانقلابيين الذين خانوا الشعب وسرقوا سلطته للتنازل وتسليم السلطة لحكومة منتخبة ديمقراطيا ، وهكذا أيضا سمحت المعارضة السودانية لحكومة المؤتمر الوطني الحاكم ان تستفزها وتضحك عليها وتقول لها أنتِ غير قادرة على تنفيذ تهديداتك لأنكِ ضعيفة ولا تتمتعي بقاعدة شعبية !! 0
ولنا ان نسأل بعد ان خيب زعماء ورؤساء المعارضة آمال الشارع السوداني وعادوا هُم إلى حيث لا يدري معظم الناس ، وتركوا الشعوب السودانية وحدها تواجه قمع النظام الرجعي في الخرطوم 00 ماذا أنتم فاعلون الآن ؟ وأين أنتم ؟ وهل ما زلتم تتحدثون عن عدم شرعية حكومة البشير 00 أم استسلمتم للواقع المُهين الفضائحي المقرف ؟ 0