بسم الله الرحمن الرحيم
أين الضمير الإسلامي والعربي من مأساة ” هاييتي ” ؟
عبدالغني بريش اللايمى / أمريكا
ضرب يوم الثلاثاء الموافق 12 يناير 2010 زلزال بقوة سبع درجات مغنتيوت مدينة ” بورتا برينس ” عاصمة دولة هاييتي التي تقع في الجزر الكاريبي وهو الأسوأ في تاريخ الجزيرة منذ قرنين وقال الصليب الأحمر إن ما يربو على ثلاثة ملايين شخص قد تأثروا بالزلازل ، وقدر رئيس وزراء هايتي جان ماكس بيلريف ان تتجاوز حصيلة قتلى الزلزال 100 الف قتيل ، وقال في تصريحات لشبكة سي إن إن الأمريكية ” انه من الصعب تحديد عدد الضحايا والمباني التي دمرت مع السكان في داخلها ، اعتقد اننا سنتخطى حصيلة من 100 الف قتيل ” 0
وأكدت السلطات الهاييتية يوم الاثنين 18 يناير 2010 أنه تم انتشال 70 ألف جثة ودفنها في مقابر جماعية منذ الزلزال المدمر ، في حين فرضت الحكومة حال الطوارئ حتى نهاية كانون الثاني (يناير) الجاري خوفاً من انتشار الأمراض بين الأحياء 0
ان المأساة الهاييتية حقاً امتحان للضمير الإنساني فقد هبت المنظمات الإنسانية – اليهودية والمسيحية والبوذية والفودية 00 الخ لنجدة أهالي مدينة ” بورتا برينس ” وتقديم المساعدات اللازمة لهم كونهم بشرا بغض النظر عن ديانتهم ولونهم ، وقامت المنظمات الحكومية سيما الغربية منها أيضا بدورها الإنساني الفعال في اغاثة المتضررين 0 كما قامت الحكومات الغربية بدورها الإنساني تجاه المتضررين من زلزال هاييتي فكانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على رأس تلك الحكومات ثم الحكومة الكندية وحكومة اليابان والاسترالية والارجنتينية والكورية الجنوبية والاسرائيلية وغيرها من الحكومات 0 وفي غضون ذلك ، أعلن مصدر دبلوماسي أن الاتحاد الأوروبي سيقر الاثنين 18-1-2010 مساعدة تفوق قيمتها 100 مليون يورو لإعادة إعمار هاييتي ، في حين أعلن الاتحاد انه سيبحث امكان إرسال بعثة شرطة أوروبية الى هذا البلد ،وأضاف المصدر ذاته أن الإعلان عن هذه المساعدة سيتم الاثنين خلال الاجتماع الوزاري المقرر في بروكسل والذي سيضم وزراء شؤون التنمية في دول الاتحاد الأوروبي وسترأسه وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين آشتون التي جعلت من هذه القضية أولوية 0
أما على صعيد الأفراد والجماعات الصغيرة فقد بدأت حملة جمع التبرعات في العالم الغربي لمتضرري الزلازل منذ وقوع الكارثة ، وكان أوائل المتبرعين / مشاهير هوليود وأغنياء المجتمع الامريكي والبريطاني والكندي 00 الخ ، كما بدأت اتحادات كل من – كرة السلة – القدم – المضرب الأمريكية جمع التبرعات المختلفة لإرسالها لسكان هاييتي 0
لم تحرك كارثة هاييتي فقط منظمات المجتمع المدني والأهلي والمنظمات الحكومية 00 الخ ، بل حركت ايضا تلاميذ وطلاب المدارس والجامعات الغربية ، حيث بدأوا منذ وقوع الكارثة باستقطاع جزء من مصروفاتهم الخاصة من أجل المتأثرين بزلزال هاييتي 0
كارثة زلزال هاييتي بكل المعايير مأساة انسانية عظيمة وكبيرة سيما انها وقعت في الوقت الذي يمر فيه العالم كله بحالة كساد وانكماش اقتصادي تأريخي ، ورغم الظرف الاقتصادي العالمي الكئيب هب اصحاب الضمائر الانسانية لنصرة فقراء هاييتي وتقديم المساعدات الضرورية واللازمة لهم 00 غير ان هناك جزءا من هذا العالم الكبير كان غائبا تماما عن مسرح الأحداث الهاييتية التي أبكت الأطفال والشيوخ وحيرت حتى الحيوانات الأليفة ، وهذا العالم الغائب هو ما يعرف بالعالم الإسلامي والعربي ، الأمر الذي يجعلنا نسأل لماذا هذا الغياب العربي والإسلامي – ولماذا هذا الصمت من كارثة تعد أسوأ حتى من سونامي عام 2005 الذي ضرب الجزر الأندونيسية المسلمة وحينها سارعت الحكومات العربية والاسلامية بتقديم المساعدات العينية والمالية للمتضررين ؟ 0
الإجابة على السؤال أعلاه في غاية البساطة والسهولة وهي عندما وقعت كارثة هاييتي كان العرب والمسلمين منشغلين بذبح المسحيين الأقباط في مدينة نجع حمادي المصرية حيث قتل 7 اشخاص 6 منهم مسيحيين وواحد مسلم وهو جندي شرطة وقتل السبع اثناء خروجهم من الكنيسة بعد قداس عيد الميلاد حيث اقتربت منهم سيارة “فيات” بداخلها 3 اشخاص اطلق احدهم عليهم النار من 3 مواقع مختلفة مما ادى الى مقتلهم بالاضافة لعدد اخر من الاصابات 00 وعندما وقعت كارثة هاييتي كان المسلمين يقومون بإرتكاب أعمال عنف ضد الأقلية المسيحية في مدينة جوس وسط نيجيريا مما دفع السلطات الأمنية إلى فرض حظر تجول وسط تقديرات بأن تكون الاشتباكات قد أسفرت عن مقتل نحو مائة شخصا وتشريد 3 آلاف آخرين 00 وعندما وقعت كارثة هاييتي كان العالم العربي والإسلامي منشغلا بالسجال المذهبي الذي دار بين الشيخ العريفي ” سني وهابي ” وبين نوري المالكي رئيس وزراء العراق ” شيعي ” حول اساءة الأول للمرجع الشيعي ” آية الله السيستاني ” 00 وبينما العالم كان منهمكا ومنشغلا بزلزال هاييتي كان الشيخ يوسف القرضاوي له وجوده الدائم على فضائيات ” البدو ” يصدر فتاويه البغيضة التي يدعو فيها بكل بجاحة ووقاحة المسلمين بعدم مشاركة المسحيين اعيادهم وأفراحهم 00 وبينما أثرياء وأغنياء وفقراء الغرب تأثروا جدا عند رؤيتهم للدمار الذي وقع في الجزيرة وساهموا بكل سخاء من أجل اعادة اعمارها ، كان أثرياء العرب والمسلمين يتصدرون قوائم المتبرعين للجماعات الارهابية الاسلامية في كل من العراق واليمن ومصر والصومال وباكستان وافغانستان ونيجيريا لإشاعة الفوضى والخوف والذعر بين الأبرياء والآمنين بتأييد من الشيوخ العرب والمسلمين الذين اصدروا الفتاوى التي تحث على الحقد والكراهية والبغضاء وتبيح قتل غير المسلمين 00 حتى ما يطلق عليهم بالمثقفين في العالم ” البدوي الصحراوي ” لم نسمع في مجالسهم العامة عن الأحداث الهاييتية التي ندى لها جبين الإنسانية ، الأمر الذي يجعلنا نسأل – هل تحول العرب والمسلمين إلى حيوانات دون ضمير واحساس ؟ وهل أصبحت الكوارث والمآسي التي تلحق بالشعوب الأخرى بركة ورحمة عندهم ؟ 0
ختاما – نقول للعالم الإسلامي والعربي ان الإنسان هو إنسان سواء كان مسلما او مسيحيا او يهوديا او منتميا إلى أصحاب الديانات الأرضية وكريم المعتقدات – جميعهم لآدم وآدم من تراب ، وما حدث للشعب الهاييتي يمكن ان يحدث لأي شخص ولأي شعب في أي مكان ، وكان الواجب الديني والأخلاقي والإنساني يتطلب من العرب والمسلمين تقديم ولو رسائل عزاء للحكومة الهاييتية وللأحياء من شعبها على الأقل ، أما ان يتجاهل هذا الجزء من العالم الكارثة الهاييتية وكأن شيئا لم يحدث هذا ما يجعل الآخرين ينظرون إليه بعين من الشك والريبة دائما