الدوحة – القبس:
قال مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو إنه يعمل حاليا على جمع معلومات وحقائق يمكن أن تدين إسرائيل على عدوانها الأخير على غزة. وأوضح أن الحكومة الفلسطينية اتصلت به في يناير الفائت وقدمت طلبا للتحقيق في الحرب الإسرائيلية على غزة، مضيفا: إنني طلبت توفير بعض العناصر التي ينبغي عملها قبل القيام بأي تحقيقات تتعلق بتحديد الاتهامات وتقديم السلطة الفلسطينية لإعلان انضمامها لميثاق روما، ووعدت بإرسال تقرير يجيب عن تساؤلاتي من أجل المضي قدما في التحقيق بالحرب. ولفت أوكامبو، وهو من أصل أرجنتيني، الى أنه تسلم تقريرا آخر من الجامعة العربية يجيب عن بعض التساؤلات التي تسمح بإمكان المضي قدما في القضية، لكن الأمر يحتاج بعض الوقت، موضحا: لقد استغرقت عامين لإقامة قضية على فنزويلا، وثلاثة أعوام في قضية ضد حكومة جنوب افريقيا.
وأكد أوكامبو إن العديد من الدول العربية يتعاون بشكل جيد مع المحكمة الجنائية الدولية، قائلا إنني أثمن مواقف الدول العربية في تعاونها مع المحكمة بشأن مذكرة اعتقال البشير. أوكامبو كان يتحدث في مقابلة خاصة أجرتها معه «القبس» خلال مشاركته في ندوة دولية استضافتها الدوحة أخيرا.
وقال في معرض حديثه عن قضية دارفور: إن الرئيس السوداني عمر البشير سيمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية عاجلا أو آجلا، فالقضية مسألة وقت لا أكثر، لافتا الى أن القبض على البشير هو مسؤولية الحكومة السودانية، وأن الأمر قد يستغرق أشهرا أو سنوات، حيث يتوقف ذلك على الطريقة التي سيعالج بها المجتمع الدولي القضية برمتها.
أسلوب جديد لحل المشاكل
وتابع: نحن محكمة دائمة وبإمكاننا الانتظار لعامين، نحن نقدم الحماية لضحايا من المسلمين والأفارقة يزيد عددهم على 2.5 مليون تعرضوا للتدمير من قبل الرئيس البشير، ولذلك فمن المهم أن نجد حلا لهذه القضية.
وأضاف أوكامبو إن حكومة السودان هي الأداة التي من خلالها سيطبق القانون، موضحا أن المحكمة الجنائية الدولية تعد أسلوبا جديدا لحل المشكلات «ولن نطلب أي تدخلات من أي جهة للمساعدة على اعتقال البشير، وإنما جل ما نقوم به الآن هو مطالبة الحكومة السودانية باعتقال البشير». وتابع: الشيء ذاته حدث في الولايات المتحدة الأميركية عندما واجه الرئيس نيكسون اتهامات، حيث اضطر في نهاية المطاف الى الرضوخ والتخلي عن السلطة، كما حدث ذلك مع البرازيل عندما اضطر الرئيس البرازيلي دي ميلو الى التخلي عن السلطة، وأيضا مع الرئيس اليوغسلافي ميلوفيتشي.
وبشأن تنقلات وسفر الرئيس البشير من دولة الى أخرى دون قدرة المحكمة على إيقافه، اعتقد أوكامبو أن الرئيس السوداني يسافر عقب قرار المحكمة الى دول غير موقعة على ميثاق روما، وبالتالي لا يترتب عليها التزامات تجاه المحكمة الجنائية الدولية، مضيفا ان البشير يصطحب معه في سفره الى تلك الدول أحد محاميه باستمرار.
وكشف أوكامبو النقاب عن رفض حكومة جنوب افريقيا الموقعة على اتفاقية المحكمة السماح للرئيس البشير بالمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس جاكوب زوما وهددته في حال حضوره بالاعتقال.
ونفى أوكامبو أن يكون حكم المحكمة الجنائية الدولية بحق البشير قد تم لأسباب وأجندة خاصة، كما نفى أن تكون هناك ازدواجية في المعايير في هذا الحكم، قائلا إنه جمع الأدلة في هذه القضية من السودان وبمساعدة الحكومة السودانية، مضيفا: إنني تلقيت دعوة رسمية من الحكومة السودانية للتحقيق بشأن جرائم الحرب في دارفور، وقمت بالاطلاع على التحقيقات التي أجرتها لجنة سودانية خاصة.
احترام المحكمة
وأضاف أوكامبو: إن الجرائم ضد الإنسانية في دارفور قد ارتكبت من جميع الأطراف، بمن فيهم الحكومة السودانية، كما قمت بالتحقيق مع كل القضاة والمدعين في الخرطوم، إضافة الى حاكم دارفور العسكري كمشتبه به.
وأكد أوكامبو انه تلقى تقارير ووثائق ومعلومات من الحكومة السودانية، مضيفا: قلت للمسؤولين السودانيين إنكم وبرغم الوثائق التي قدمتموها، لم تقدموا أحدا للمحاكمة، وانه وفقا لتقاريركم فإن هناك جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها قواتكم، وإذا لم يتم تقديم أحد للمحاكمة فسأفعل أنا ذلك!
وأوضح أوكامبو: إنني عقدت آخر اجتماع مع المسؤولين السودانيين في الخرطوم في نوفمبر 2006، وفي فبراير 2007، قلت لهم سأتخذ إجراءاتي الخاصة والقرار يعود اليكم، لأنني أسير وفق نظام معين، وأحترم كل قضاة السودان، لكنكم لم تتخذوا أي قرار في هذه الجرائم، مما جعلني أمضي قدما في الإجراءات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن.
وقال أوكامبو إن صدور قرار المحكمة بحق السودان رغم أنه ليس عضوا فيها، يأتي بناء على حالة خاصة تتمثل في قيام مجلس الأمن بتحويل القضية الى المحكمة الجنائية الدولية.
وطالب أوكامبو بضرورة أن تقوم السلطات المحلية في مختلف الدول باحترام المحكمة الجنائية الدولية، على أن تراعي هذه المحكمة بالطبع القوانين والمعاهدات الموجودة في تلك الدول، وأن تقدم الضمانات اللازمة للاستقلالية وعدم الانحياز وأن تكون الأحكام الصادرة واضحة، وأن تكون حقوق الإنسان هي جوهر عملها.
التقاليد القانونية
وأشار أوكامبو الى أن العدالة تعطي حقوقا لمن لا يملكون مثل هذه الحقوق، ولكنه رأى أن التحدي الآن يكمن في «أننا نعيش أمام معضلة دمج المحلي بالعالمي، والعدالة التي تندمج مع التقاليد القانونية، وكيف يمكن للقاضي العام أن يفهم مختلف المشاكل والمسائل والأبعاد المختلفة والمحيطة».
وشدد على ضرورة أن تكون العدالة من دون معايير مزدوجة، وأن تحترم دور الدولة، لافتا الى أن «هذه المسائل تمثل تحديات لنا في الوقت الراهن».
واقترح أوكامبو أن يكون هناك نوع من التكامل بين النظامين القضائيين المحلي والدولي، حتى يعملان معا بوجود ضوابط وروابط مشتركة، وأن يكون هناك نظام عالمي مبني على النظام المحلي، حتى يشكل بالتالي نموذجا جديدا في النظام القضائي.
واعتبر أن أحد أبرز التحديات التي تواجه العالم اليوم تكمن في النظامين القضائيين المحلي والإقليمي، مستدركا: لكن العدالة ليست للعامة فقط، إنها تطبق أيضا على القادة والزعماء، ما يفعلون وما لا يفعلون، وقد ينطبق هذا الأمر أيضا على القادة السياسيين، لأن استخدام القانون من أجل السيطرة على دول معينة في العالم يعد فكرة جديدة.
وطالب أوكامبو الجميع بالقبول بفكرة أن الوضع القانوني الدولي ليس مثاليا، وبالتالي فإن الدول كلها تقع على مسافة واحدة من الخضوع للقانون، إلا أن هناك محاولات لتغيير هذا الوضع من أجل أن تكون تلك القرارات والقوانين ملزمة لجميع أعضاء المجتمع الدولي، سواء تم الاتفاق على ذلك أو لم يتم.
ورأى ضرورة أن تقدم المحكمة الجنائية الدولية نموذجا جديدا يتبع المحاكم الإقليمية والمحلية، باعتبار أنها تعمل مع حكومات أو دول، حيث يسود القانون المحلي في تلك الدول، في حين يطبق القانون الدولي بين الدول من أجل ضمان احترام القانون بما يخدم المسائل المتعلقة بالإبادة الجماعية.
ويرفض الرئيس السوداني عمر البشير مذكرة التوقيف بحقه التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من مارس الماضي بناء على طلب أوكامبو، وتحدى مرارا المجتمع الدولي عبر قيامه بزيارات خارج بلاده، لكنه يحصر تنقلاته وسفره الى دول لم توقع معاهدة روما التي نصت على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.
أوكامبو الأرجنتيني
يشغل مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو منصبه منذ عام 2003 الذي يعد من ألمع المحامين في الأرجنتين.
انتخب أوكامبو (55 عاما) في هذا المنصب عام 2003 من قبل 70 دولة موقعة على معاهدة انشاء المحكمة، وبدأ يشتهر عام 1985، حيث كان لا يزال محاميا شابا متخصصا بالدعاوى الجنائية.
وكان أوكامبو نائب المدعي العام الأرجنتيني في محاكمة أعضاء الحكومة العسكرية الأرجنتينية بتهمة انتهاك حقوق الإنسان.
وفي أعقاب الحكم على المتهمين، تم إصدار عفو عنهم من قبل الرئيس الأرجنتيني حينها كارلوس منعم.
ولطالما عرف أوكامبو بقدرته على تحدي الأغنياء وأصحاب النفوذ، حيث كان المدعي العام الذي وجه الاتهامات للقادة العسكريين المسؤولين عن احتلال جزر الفوكلاند عام 1982، كما عرف بحملاته الشرسة على الفساد.
ودافع أوكامبو عن نجم كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا ووزير الاقتصاد الأرجنتيني السابق دومينغو كافالو، كما دافع عن كاهن متهم بالاعتداء جنسيا على قاصرين.
وقضى أوكامبو فترة تدريس كأستاذ زائر في جامعة هارفارد الشهيرة في الولايات المتحدة.