ألون بن مئيـــــــــــــــــــر: هناك حاجة إلى سياسة ذات شقين لكبح تدفق المهاجرين

لا يرتكز الإبطاء بشكل جذريّ من تدفق الهجرة غير الشرعية وحتى إنهائها على بناء جدران أو إرسال قوات إلى الحدود، أو انتزاع الأطفال بقسوة من أحضان أمهاتهم، أو السجن والترحيل، أو الملاحقة القضائية. جزء كبير من الإجابة يكمن في التنمية الإقتصادية وخاصة مشاريع التنمية المستدامة في بلد منشأ المهاجرين. بالفعل ، فبدلاً من بناء الأسوار نحتاج إلى بناء ذلك النوع من الجسور التي تستطيع أن تغيّر حياة أناس ٍ آخرين نحو الأفضل وتمدّهم بالأمل. فبعد كل شيء، يعود سبب زعزعة الإستقرار السياسي في بلدان أمريكا الوسطى جزئيّا ً، إن لم يكن إلى حدّ كبير، إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل أمريكا أكثر مسؤولية من الناحية المعنوية والأخلاقية لأن تفعل شيئا حيال ذلك.

وحتّى أبعد من ذلك، فالفقر المدقع واليأس يولدان الإمتعاض والقنوط ويؤديان إلى عنف العصابات والتطرف، وهذه ليست سوى نتيجة طبيعية لتلك الظروف الغير إنسانية. لن يتغيّر سوى الشيء القليل ما لم يُعطى للناس، وخاصة الشباب، فرصة لعيش حياة طبيعية ومنتجة وتنمية الشعور بالإنتماء ويكون لهم مصالح راسخة في عملهم والثقة بأنفسهم.

تحكي محنة ثلاثة بلدان في أمريكا الوسطى قصة تدفق موجات المهاجرين المتجهة إلى بلدنا من هذه الدول ومن غيرها.

هندوراس هي ثاني أفقر دولة في أمريكا الوسطى. يعيش أكثر من 60 في المائة من السكان في فقر ، ولديها أحد أعلى مستويات عدم المساواة الإقتصادية في أمريكا اللاتينية. الفقر في هندوراس هو اساسا السبب في تفشي الجريمة والعنف وعدم الإستقرار السياسي والفساد، وقابلية كبيرة للأعاصير وموجات الجفاف.

تمتلك غواتيمالا أكبر إقتصاد في أمريكا الوسطى ، ولكن على الرغم من النمو الأخير ، فقد ازداد التفاوت الإقتصادي والفقر ، خاصة بين السكان الأصليين في المناطق الريفية. وتعد معدلات سوء التغذية ووفيات الأمهات من بين أسوأ المعدلات في أمريكا اللاتينية ، لا سيما في المناطق الأصلية حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر.

والسلفادور واحدة من أدنى معدلات النمو الإقتصادي في أمريكا الوسطى. فمنذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1992 ، حققت البلاد تقدما في مجال التنمية السياسية والإجتماعية ، ولكن ارتفاع معدلات الجريمة والعنف لا زال يهدد هذه المكاسب. كما أن السلفادور معرضة للكوارث الطبيعية التي تزداد سوءا بسبب تغير المناخ الشديد.

يمارس في هذه البلدان الفقر في المناطق الريفية ضغوطاً كبيرة على المدن ويدفع في نهاية المطاف إلى الهجرة. وطالما يستمر الفقر، سيستمر عدم الإستقرار الإقتصادي والسياسي الهائل الذي يخلقه.

إن طلب ترامب لمبلغ 20 مليار دولار لبناء جدار على طول الحدود المكسيكية أمر مضلل وغير عملي وإهدار للموارد الثمينة التي يمكن أن تغير حياة الملايين من الناس إذا استثمرت بحكمة في هذه البلدان الفقيرة. هل يعلم ترامب مدى فعالية التكلفة في الترويج للمشاريع الشعبية داخل بلد المنشأ ؟

جزء من 20 مليار دولار سيغير الظروف الإجتماعية والإقتصادية في هذه البلدان. مليار دولار مستثمرة في مشاريع التنمية الإقتصادية يمكن أن توفر الغذاء ومياه الشرب والوظائف والتمكين الذاتي والأمل في حياة أفضل لمليون من الفقراء والنازحين والقانطين.

ووفقاً للدكتور يوسف بن مئير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير في المغرب و 20 عاماً من الخبرة في مجال التنمية المستدامة ، فإن استثمار 100.000 (مائة ألف) دولار فقط يمكن أن ينشئ تعاونية نسائية تضم حوالي 50 عضواً يستفيد منها ما بين 300-350 شخص تقريباً. ” الإستثمار المطلوب ينتهي به المطاف ليكون جزءا ً صغيرا ً نسبيّا ً من التكلفة التي تتكبدها الدول التي تستقبل أو تتصدى للمهاجرين”.

ففي غواتيمالا، على سبيل المثال، منعت منظمة وحدها تعمل في مجال تنظيم الأسرة في عام 2017 أكثر من 14000 حالة حمل غير مرغوب فيها و 95 حالة وفاة بين الأطفال و 6 وفيات للأمهات. كل ذلك ب 880.000 دولار فقط.

وقد تبين بشكل لا لبس فيه أن المهاجرين المحتملين يفضلون بشدة البقاء في مجتمعاتهم المحلية إذا تم تلبية احتياجاتهم الأساسية فقط وهناك فرص للنمو. وسيعملون جاهدين لضمان استدامة المشاريع التي يختارونها وتطوير اهتمامات راسخة في تنفيذها ونتائجها.

وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ التنمية الإقتصادية هو نفسه ، سواء كان في بلدان أمريكا الجنوبية أو في أفريقيا. فقط طبيعة ونوع المشروع يختلف من بلد أو مجتمع إلى آخر اعتمادا على الإحتياجات الخاصة لهذه البلدان أو المجتمعات. هنا يجب أن نستثمر لإعطاء الناس فرصة ليس فقط من أجلهم ، بل من أجلنا نحن ، لأن أمريكا تزدهر عندما يزدهر الناس الآخرون في المناطق والبلدان البعيدة أيضاً.

لا تعني الإستثمارات الإقتصادية وتنفيذ مشاريع التنمية المستدامة أن كلّ الهجرة غير الشرعية ستتوقف. ما زلنا بحاجة إلى سياسة هجرة شاملة تتماشى مع تقاليدنا الخاصة بتلقي المهاجرين بأذرع مفتوحة – أي سياسة معقولة ومُرافقة تحكم جميع جوانب الهجرة إلى أمريكا.

ينبغي علينا أن نضع حدًا لعدم الإستقرار المؤلم للحالمين من خلال تقديم مسار للمواطنة إلى ما يقرب من مليون فرد جاءوا إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفالًا. إنهم أمريكيون في قلوبهم وأرواحهم. هم هنا للبقاء ولدينا التزام رسمي لإزالة أي سحابة من عدم اليقين بشأن مستقبلهم.

يجب علينا أن نحل بشكل ٍ نهائي مشكلة أكثر من 12 مليون مهاجر غيرموثّق كانوا موجودين في البلاد منذ سنوات وأصبحوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي لأمريكا. ينبغي التأكيد لهم من أنه لن يتم ترحيلهم إذا قاموا بالتسجيل طواعية وسيتم منحهم أيضا طريقا للحصول على الجنسية ضمن إطار برنامج عفو مرة واحدة.

يجب أن نفرض إجراءات راسخة للتعامل مع اللاجئين وطالبي اللجوء ، لا أن نتجاهلهم أو نعتدي عليهم تماماً كما فعلت إدارة ترامب بقسوة، بل أن نطبّق عملية لائقة تسمح بالسلامة لأولئك الذين يهربون من رعب العنف وسيواجهون الموت الأكيد إذا ما رجعوا .

وأخيرًا ، يجب تنفيذ البرامج الحالية بالكامل للهجرة القانونية، بما في ذلك برنامج تأشيرات الهجرة المتنوعة، جمع شمل العائلات والهجرة القائمة على التوظيف. ينبغي منع إدارة ترامب من تقويض هذه العمليات التي كانت سارية لسنوات عديدة.

على أمريكا أن تواصل الترحيب بالمهاجرين من جميع الألوان والطوائف والبلدان كما كانت تفعل منذ نشأتها. كل مهاجر جديد ، بغض النظر عن خلفيته ، يجلب معه ثروات ثقافته ومواهبه ومهاراته ، وهو في النهاية مفيد اقتصاديًا للولايات المتحدة ، وليس نزيفًا لها.

هناك شيء سحري حول أمريكا. إنها دولة فتحت أبوابها للمهاجرين من جميع أنحاء العالم . وكلما فُتح الباب أوسع، كلما أصبحت أمريكا أفضل وأعظم. ولكن للأسف، الحمض النووي العنصري المرعوب من الإسلام والمؤمن بسيادة العرق الأبيض الذي ينتمي إليه ترامب قد أحدث فوضى أكبر في السياسات والأساليب الحزبية غير المستحبة والمتناقضة في معالجة مشكلة الهجرة.

يجب أن يستند حلّ مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى سياسة ذات شقين: أولاً ، الإستثمار في مشاريع التنمية الإقتصادية من خلال الكيانات والهيئات الخاصة لتخفيف حدة الفقر والحد بشكل كبير من العنف، الأمر الذي من شأنه أيضًا تشجيع الدول الأخرى على الإستثمار. وثانيا ، وضع وتطوير سياسة شاملة للهجرة تتفق مع تقاليدنا والتزامنا الأخلاقي لمدّ أيدينا لأولئك الذين خطيئتهم الوحيدة هي الهروب من أهوال الحرب والعنف والتجويع.

وسيؤدي التنفيذ المتزامن لهذه السياسة ذات الشقين في غضون فترة زمنية قصيرة نسبياً إلى الحد بشكل كبير من تدفق المهاجرين إلى حدودنا، وفي نفس الوقت تطويرالظروف الإجتماعية والإقتصادية لإعطاء مضمون وحجة لسكان هذه البلدان للبقاء في بلدانهم وبناء مستقبل مفعم بالأمل في أوطانهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *