إنّ قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا هو قرار متهور للغاية ومن المؤكد أنه سيؤدي إلى نتائج عكسية في أكثر من طريقة. إن اتخاذ مثل هذا القرار الذي له تداعيات كبيرة تؤثر تأثيراً مباشراً وسلبياً على حلفائنا داخل المنطقة وخارجها واتّخذ من خلال تغريدة بسيطة وضد مشورة كبار مستشاريه، لا يعدو إلاّ أن يكون شيئاً فاحشاً. هذه هي أثمن هدية للسنة الجديدة يمكن لترامب أن يمنحها لروسيا وإيران وحزب الله وتركيا. فعلى أي شيء في هذا العالم استند ترامب في قراره ، حيث أننا من كل زاوية نقوم بفحصه يبدو أنه ليس هناك أي شيء جيد يمكن أن يخرج منه.
في الواقع ، يجب ألا تبقى قواتنا في سوريا فقط ، بل يجب أن تزداد قوة لتأمين مصالحنا الوطنية ومصالح حلفائنا على المدى القصير والبعيد في جميع أنحاء المنطقة. أسباب البقاء وحتى زيادة تعزيز القوات الأمريكية في سوريا متعددة.
إن انسحاب القوات الأمريكية في الوقت الذي تقوم فيه إيران بإعداد عدة قواعد عسكرية دائمة في سوريا محملة بصواريخ متوسطة المدى وطويلة المدى يمكن أن تصل إلى أي جزء من إسرائيل هو وصفة للحرب بين إسرائيل وإيران. من شأن الإنسحاب الأميركي أن يدفع إيران إلى مزيد من زعزعة استقرار المنطقة ودعم الجماعات المتطرفة، وخاصة حزب الله، وتسريع برنامج الصواريخ البالستية. والأهم من ذلك ، إنها ستسمح لإيران بتأمين أرضية متواصلة الأرجاء من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط.
الرأي الجازم لكل مراقب عسكري هو أنّ استمرار الوجود العسكري الأمريكي في سوريا سيجبر طهران على التفكير مرتين قبل أن ترسخ نفسها في البلاد خوفًا من رد الفعل الأمريكي الذي لا تستطيع إيران الإستخفاف به.
ظل حلفاؤنا في المنطقة (دول الخليج والأردن وإسرائيل) طوال عقود يعتمدون حتّى يومنا هذا على درجات متفاوتة من حماية الولايات المتحدة لأمنهم القومي. إن الوجود العسكري الأمريكي في سوريا محوري وبدونه فإن روسيا وإيران وتركيا ستزيد من زعزعة استقرار المنطقة وتجبر حلفاء أميركا على تحمل عواقب الفراغ الذي نتركه وراءنا، والذي سرعان ما سيملؤه خصومنا.
علاوة على ذلك ، فإن ادعاء ترامب بأن داعش قد هزم وأن مهمتنا قد أنجزت ليس سوى كذبة وقحة. لا يزال تنظيم الدولة الإسلامية إلى حد كبير على قيد الحياة ، والوجود العسكري للولايات المتحدة في سوريا له تداعيات عملية ورمزية لا يمكن تجاهلها. تشير التقديرات إلى أن ما بين 15 إلى 20 ألف مقاتل “داعشي” موجود في المنطقة وأن هناك عشرات من الخلايا النائمة موجودة في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا. ولكن للأسف ، في ضوء المشاكل الداخلية التي يواجهها ترامب، هو يائس للغاية لتحقيق الفوز ، مهما كان إفتراضيّا ً وغريبا ً، قبل نهاية العام. فقط شخص مريض ، مثل هذا الرئيس، قادر على خيانة بلاده وشعبه إرضاء لغروره المتضخم.
وأكثر إثارة للقلق من أي شيء آخر هو قيام ترامب دون خجل بالإغرار بواحد ٍ من أقرب حلفائنا في القتال ضد تنظيم الدول الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ألا هم الأكراد السوريون، فبقراره الأهوج غير العقلاني ترك مصيرهم لجزار أنقرة – أردوغان – المصمم على محاربة الأكراد السوريين حتّى الخضوع بينما يهدف إلى إقامة وجود دائم في البلاد.
لا شيء من شأنه أن يردع اللاعبين العدائيين الرئيسيين في سوريا، وهم نظام الأسد و روسيا وإيران وتركيا – سوى الوجود العسكري الأمريكي القوي. بالنسبة لهذه البلدان مجرد وجود أمريكا يبعث برسالة واضحة مفادها أن الولايات المتحدة تنوي لعب دور مهم في البحث عن حل للحرب الأهلية في سوريا يحمي مصالحها الوطنية ومصالح حلفائها.
إن غياب أمريكا العسكري هو أحد العوامل، ولا يمكن لأي شخص يعرف ديناميكية الصراع والسلطة والتذبذبات المستمرة في المنطقة أن يدعي غير ذلك. وحتى استعراض سريع للصراعات الدائرة حالياً في الشرق الأوسط يشير إلى أن مكانة الولايات المتحدة آخذة في التناقص ، ونحن أسوأ حالاً اليوم مما كنا عليه في عام 2003.
إن غياب القوة العسكرية الأمريكية في سوريا من شأنه أن يزيد تهميش الولايات المتحدة بينما يسمح لروسيا وإيران وتركيا بتجاهل الولايات المتحدة دون أن تتعرض لأية عواقب ويمنح روسيا حرية مطلقة مما يجعلها الحكم النهائي في البلاد.
التاريخ مفيد ويلقّن دروس. ولا تستطيع الولايات المتحدة ، بغض النظر عن مصالحها الجغرافية الإستراتيجية العالمية ، أن تنخرط في كل صراع. ومع ذلك ، لا يجب شلّ الولايات المتحدة بسبب السياسات المضللة السابقة. ولكن إذا كان علينا أن نسحب قواتنا من أي بلد، فبعد 17 عاماً يجب أن يكون هذا البلد أفغانستان حيث نخوض حرباً لا يمكن الفوز بها، بغض النظر عن مقدار المال والقوة البشرية التي نواصل تكريسها للجهد الحربي ضد طالبان.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تؤثر على تطور الأحداث في سوريا دون دعم عسكري قوي وموثوق به لردع أي خصم من التصرف دون عقاب بأي طريقة تعتبر غير منسجمة مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائنا.
وقرار ترامب العشوائي وبدون تفكير بسحب القوات من سوريا يشير فقط إلى تنازله عن المسؤولية الأخلاقية للولايات المتحدة، فما بالك الحديث عن قيادتها العالمية التي تراجعت بشكل خطير في ظل سياساته الكارثية.