أكد في حوار مع «الشرق الأوسط» أنه لا توجد نية لتقديم أموم إلى «محاكمة عسكرية»…وزير خارجية جنوب السودان: طلبنا الانضمام إلى «الكومنولث» وننتظر القرار نهاية العام

   
لندن: مصطفى سري
قال وزير خارجية جنوب السودان الدكتور برنابا مريال بنجامين إن حكومة بلاده عازمة على تحقيق الاستقرار والسلام عبر المفاوضات مع المتمردين بقيادة نائب الرئيس السابق رياك مشار، مؤكدا أن القوات الأوغندية ستنسحب إلى ولاية غرب الاستوائية لمتابعة مهامها مع القوات المشتركة من جيش جنوب السودان والكونغو الديمقراطية لمطاردة قوات «جيش الرب» الأوغندية المتمردة بمساعدة من القوات الأميركية.
ونفى بنجامين في حوار مع «الشرق الأوسط»، خلال وجوده في العاصمة البريطانية لندن في زيارة استغرقت أربعة أيام، بشدة، وجود أي اتجاه من قبل حكومته لتقديم المعتقلين السياسيين الأربعة الذين لم يطلق سراحهم، وعلى رأسهم الأمين العام السابق للحزب الحاكم باقان أموم، إلى محاكمة عسكرية، أو تصفيتهم جسديا، مشيرا إلى أن وزير العدل سيقدم توصياته إلى رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت عقب انتهاء التحقيقات.

وأوضح وزير الخارجية أن بلاده تقدمت بطلب للانضمام إلى رابطة «دول الكومنولث»، وسينظر إلى الطلب خلال الاجتماع المقبل على مستوى الرؤساء نهاية العام الجاري. وإلى نص الحوار.
* ما هي أهمية زيارتك إلى لندن، وكونها الأولى لمسؤول من جنوب السودان منذ إعلان الاستقلال قبل عامين؟
– الزيارة مهمة في هذه الظروف التي تمر بها بلادنا، وهي بالفعل الأولى لمسؤول من بلادنا منذ أن حققنا الاستقلال. وأعتقد أنها كانت مثمرة، خاصة أنني التقيت بوزير الدولة للشؤون الأفريقية في الخارجية البريطانية ووزيرة التعاون الدولي، وخاطبت مجلس الكومنولث، وكذلك مركز «شاتهام هاووس» للدراسات، والعديد من الدوائر المهمة في لندن.
* وما هي القضايا التي أثرتها أو ناقشها معك المسؤولون البريطانيون؟
– طبعا تركزت حول الأحداث التي تشهدها بلادنا من أعمال عنف، وعملية السلام الجارية حاليا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا تحت رعاية دول «الإيقاد» (شرق أفريقيا) وبدعم غير محدود من المجتمع الدولي. وتطرقنا إلى المساعدات الإنسانية التي تقدمها بريطانيا لتخفيف آثار الدمار الذي خلفه المتمردون، وهناك مشاريع تنمية وأخرى متعلقة بالبنية التحتية في التعليم والصحة. وتحولت بعض المشاريع إلى الاحتياجات الإنسانية العاجلة بعد الانقلاب الفاشل الذي قاده نائب الرئيس السابق الدكتور رياك مشار. وأكد المسؤولون في لندن استمرار تعاونهم مع جنوب السودان لحل الأزمة وكيفية الخروج منها إلى رحاب التنمية والاستقرار، كما أننا جددنا طلبنا الانضمام إلى رابطة دول الكومنولث، ووعدنا بالنظر إلى ذلك في نهاية هذا العام خلال اجتماع رؤساء الدول الأعضاء. إضافة إلى أن هناك مطالب بريطانية بضرورة وجود ضمانات للاستثمار لرجال الأعمال البريطانيين، خاصة في مجالي الزراعة والنفط، وأكدنا أن الولايات التي تأثرت بهذه الأحداث لا تتعدى ثلاث ولايات من جملة عشر ولايات. على العموم الزيارة ناجحة بكل المقاييس، واستطعنا أن نوضح الأوضاع في بلادنا بشكل جيد، خاصة أن هناك عمليات تشويش حول ما يجري خلال هذه الحرب.
* المفاوضات بين وفدكم والمتمردين تشهد عثرات، كيف تمضي الأمور حاليا في أديس أبابا؟
– دخلنا التفاوض مع المتمردين من دون شروط مسبقة، ووافقت الحكومة على مشاركة المفرج عنهم السبعة، ووصلوا إلى أديس أبابا بالفعل مساء أول من أمس. وسنواصل الحوار مع المتمردين إلى أن نصل إلى اتفاق ينهي الأزمة لوقف معاناة شعبنا وتحقيق المصالحة الشاملة.
* هناك قلق من تقديم الأمين العام السابق لحزب الحركة الشعبية الحاكم باقان أموم وبقية رفاقه إلى محاكمة عسكرية بغرض تصفيتهم، ما الذي يجري بخصوصهم؟
– لن يجري تقديمهم إلى محاكمة عسكرية، وليس هناك أي اتجاه لتصفيتهم. هذه شائعات يطلقها البعض، والتحقيقات لم تنته بعد معهم، ووزير العدل عندما تصل إليه نتائج التحقيقات سيقدمها إلى الرئيس سلفا كير، والذي سينظر إلى التوصية ويتعامل معها وفقا للقانون والدستور. كما أن هناك اتهامات بالفساد حول أموم في تصرفه بأموال الحزب، لكن ذلك ليس له علاقة بالأحداث التي جرت.
* حددتم الانتخابات في العام المقبل، وفي الوقت نفسه قمتم بفصل القيادات التاريخية أو عزلها من مواقعها في الحزب الحاكم، فما هو مستقبل جنوب السودان؟
– نعم الانتخابات في موعدها العام المقبل، وسيعقد الحزب مؤتمره العام، والقيادات التي خرجت أو فصلت لديها الخيار في تشكيل حزب خاص بها. وقد تحدث مصالحة مع هذه القيادات ويعودون إلى الحزب. وسنحقق السلام والمصالحة الوطنية الشاملة ونفتح صفحة جديدة لشعبنا.
* المجتمع الدولي محبط من حكومتكم، ولا سيما أنكم بعد عامين فقط من الاستقلال دخلتم في أتون هذه الحرب المدمرة، هل عبرت بريطانيا عن ذلك خلال لقاءاتك مع المسؤولين؟
– الحروب والنزاعات موجودة في أفريقيا قبل وبعد استقلال جنوب السودان. وهناك نزاعات في الصومال وأنغولا وموزمبيق والسودان وغيرها من الدول، ونحن لسنا خارج هذه القارة. ولكن أعتقد أن وضعنا أفضل بحكم أننا حديثو عهد ودولتنا جديدة، وما حدث سيضع الجميع أمام مسؤوليات وتحديات لتحقيق وضع أفضل لشعبنا، والآمال كبيرة في تحقيق السلام والاستقرار والتنمية.
من المعروف أن شعبنا ناضل طوال 50 سنة من أجل حريته وكرامته، وعبر شعبنا بإرادته في الاستفتاء الذي جرى عام 2011 وبنسبة تفوق 98 في المائة عن حقه في الاستقلال. وساعدنا المجتمع الدولي مشكورا لكي نصل لهذه المرحلة، لذلك من الطبيعي أن يساور من ساعدونا هذا القلق، وعليه أقول إن بلادنا ستخرج من هذه الأزمة أكثر قوة وتماسكا.
* المجتمع الدولي غير مقتنع بما تردده حكومتكم بأن هناك انقلابا قام به مشار ومجموعته، ماذا كان ردكم على المسؤولين في لندن في هذا الخصوص؟
– طبعا هناك عدة تفسيرات لما حدث، من جانبنا نؤكد أن ما حدث هو محاولة مجموعة قلب نظام الحكم بالقوة العسكرية، وليس صحيحا أن كل المجتمع الدولي متفق على تعريف واحد حول ما حدث، حيث إن هناك بعضا من الدول عدته محاولة لتغيير الحكم بقوة السلاح.
لقد حدث تمرد في الجيش، وحدث استخدام كبير للسلاح وقتل عشوائي، خاصة في يومي 15 و16 ديسمبر من قبل العناصر التي ساندت مشار. وكيف لا يكون ما حدث انقلابا بعد أن قام مشار بتعيين ولاة في المناطق التي حاول السيطرة عليها في ولايات الوحدة وأعالي النيل وجونقلي؟! كما أن تصريحاته دليل آخر على أنه حاول الانقلاب على رئيس البلاد المنتخب.. ويوجد أيضا برلمان منتخب.
* ولكن المجتمع الدولي عبر عن قلقه حول «الصراع الإثني» بين أكبر قبائل جنوب السودان، الدينكا التي ينتمي إليها كير، والنوير التي ينتمي إليها مشار.. وحدث القتل على هذا الأساس؟
– ليس صحيحا أن الصراع كان إثنيا، هذا تفسير خاطئ وسمعناه من الإعلام وبعض المهتمين في المجتمع الدولي. وأفشلت قواتنا المسلحة محاولة جرها إلى صراع قبلي، وهذا أكد تماسك الشعب الجنوبي ووحدته.
بالفعل حدثت «تفلتات» من بعض الجنود بأن قاموا بقتل مواطنين من قبيلة النوير في اليومين الأولين داخل جوبا، كما قام المتمردون بحملة ثأرية في مدينة بور عاصمة جونقلي، وقتل العديد من أبناء الدينكا. ولكن كل ذلك لم ينعكس على الشعب، ولم تحدث احتكاكات بين قبيلتي الدينكا والنوير. إلى جانب ذلك، فإن رئيس هيئة أركان الجيش الوطني هو من قبيلة النوير، وهناك أربعة أو خمسة يتولون مسؤوليات كبيرة في الحكومة منهم من قبيلة النوير. لذلك ما ذهب إليه البعض من تشبيه ما حدث بما جرى في رواندا في النصف الأول من تسعينات القرن الماضي وأدى إلى إبادة جماعية، لا يمكن أن ينطبق في جنوب السودان، وبلدنا يذخر بالتعدد العرقي والإثني، حيث إن لدينا 64 قبيلة.
* لكن الأحداث أسفرت عن «أحاديث» حول فرض وصاية دولية لمدة عشر سنوات حتى تقف الدولة على قدميها، ما هو ردكم؟
– هذا أمر غير وارد على الإطلاق، لماذا لم يتدخل المجتمع الدولي في الحرب المستمرة لأكثر من 30 سنة في الكونغو الديمقراطية، أو ما حدث من قبل في جنوب أفريقيا، وكذلك في موزمبيق والصومال حاليا؟ إن حكومة جنوب السودان قادرة على ممارسة سيادتها الوطنية، ولديها الإرادة السياسية في إنهاء الأزمات الداخلية. وكما ذكرت من قبل هذه الأحداث موجودة في دول كثيرة، فلماذا التفكير بأن جنوب السودان «كسيح» ولا يملك قيادة وإرادة سياسية؟ نحن لا نحتاج إلى أي تدخل دولي لنكون تحت حكومة من الأمم المتحدة لعشر سنوات.
* وما هو تفسيركم لوجود عدد هائل من قوات الأمم المتحدة، 12 ألف جندي، ومجلس الأمن قرر زيادة خمسة آلاف آخرين؟
– الأمم المتحدة نشرت هذه القوات منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل عام 2005، وظل مجلس الأمن يجدد لهذه القوات بسبب وجود بعض المخاطر ولمساعدتنا في تحقيق الاستقرار والسلام. لكن نحن لدينا جيش وطني أثبت قدرته بكفاءة في حماية البلاد، ونملك خدمة مدنية تتطور والشرطة كذلك، وهذه عملية مستمرة في تنمية القدرات في دول العالم، خاصة في دولة حديثة مثل دولتنا.
* سجل ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات واسعة ضد حقوق الإنسان، ماذا فعلت الحكومة في ذلك؟ وهل هناك وزراء أو مسؤولون متورطون؟
– الحكومة شكلت لجنة برئاسة رئيس القضاء السابق، وهناك تحقيقات جارية بتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي. وألقي القبض على ضباط وجنود وسيقدمون إلى محاكمات في حال ثبوت الاتهامات في حقهم، ولا أعتقد أن هناك مسؤولا أو وزيرا وقعت عليه اتهامات.
* الأوساط السياسية في جوبا تتحدث عن وقوف حكومة الخرطوم وراء الأحداث التي شهدتها بلادكم، عبر وزراء ومسؤولين في حكومتكم لديهم علاقة وثيقة منذ فترة طويلة.. ما صحة ذلك؟
– بالطبع تلك الاجتهادات ليست صحيحة.. بل إن الرئيس السوداني عمر البشير قال في أول تصريح له إنه يساند الحكومة المنتخبة برئاسة كير. كما أن الخرطوم كلفت سفيرها محمد أحمد مصطفى الدابي بالعمل مع وسطاء «الإيقاد»، ونحن في جنوب السودان نثق في الرئيس البشير.
* لماذا طلبتم تدخل القوات الأوغندية؟ ومتى ستخرج من بلادكم؟
– القوات الأوغندية موجودة منذ عام 2008 بموجب اتفاق مشترك بين دول جنوب السودان وأوغندا والكونغو لمطاردة «جيش الرب» في تلك المنطقة، كما أن الجيش الأميركي يساعدنا في تلك المهمة. وخلال أحداث ديسمبر في جوبا طلبنا من القوات الأوغندية نقل جنودها من غرب الاستوائية إلى مطار جوبا الدولي للمساعدة في عمليات الإجلاء للأجانب من الأميركيين، الذين كانت لهم قوات أيضا، وكذلك من كينيا والسودان وأوغندا نفسها. لذلك كانت المهمة لتأمين المطار، وحماية وصول المساعدات الإنسانية التي كانت تصل إليه، وحماية الطريق الرابط بين نمولي وجوبا حيث تنقل البضائع من ميناء ممبسا الكيني وتصل إلى أوغندا، ومنها إلى جنوب السودان.
* ولكن المتمردين يقولون إن لديهم أدلة على تدخل القوات الأوغندية في مدينة بور، كما أن واشنطن كررت خلال الأسبوع الماضي أكثر من مرة ضرورة خروج القوات الأجنبية.
– القوات الأوغندية كانت تحمي المطار الصغير في بور حيث كانت تجري عمليات إجلاء لرعايا أميركيين، واستهدف المتمردون المطار بالقصف لتعطيل الإجلاء، وحدث تبادل لإطلاق النار. ولكن القوات الأوغندية لم تتدخل في أي عمليات عسكرية في ولايتي أعالي النيل والوحدة. وأوضحنا للمجتمع الدولي دواعي وجود القوات الأوغندية في بلادنا بموجب الاتفاق، وبعد اتفاق وقف العدائيات ستعود هذه القوات إلى ولاية غرب الاستوائية لمتابعة مهمتها. والمستغرب أن مشار الذي يدعو لطرد الجيش الأوغندي هو من وافق على الاتفاق الذي وقعناه مع أوغندا والكونغو الديمقراطية عندما كان نائبا للرئيس!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *