أديس ابابا “..هل تحسم صراع دولتى السودان
بدأ العد التنازلى صوب موعد الثانى من أغسطس الذى حدده مجلس الأمن الدولى كحد أقصى لدولتى السودان للوصول إلى إتفاق حول القضايا العالقة بينهما ،وإلا فسيتعرض الطرف المعرقل للعقوبات الدولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ،وحتى كتابة هذه السطور لم يكن الطرفان قد توصلا بعد إلى إتفاق حول أى من القضايا المطروحة ،فهل يتمكن الطرفان فى الأيام السبعة المتبقية من إنجاز ماعجزا عن إنجازه في الأعوام السبعة الماضية ،أم تظل المراوغة وكسب الوقت وتضييع الفرص هى المنهج السائد .
يبدو أن ساعة الحسم اقتربت ، وأن الطرفين سيكونان مجبرين على إنجاز تقدم ما فى ملفات القضايا العالقة بينهما ،رغم عدم ثقة كل طرف منهما فى الآخر ،مدفوعين إلى ذلك بضغوط دولية هائلة من قبل مجلس الأمن و قوى دولية عديدة ،فضلا عن إنهيار إقتصادى هائل فى الدولتين جعل حكومتى كل من الخرطوم وجوبا فى مأزق حاد عى جميع المستويات ،وإن كانت كل منهما ظلت تحاول أن تتماسك فى إنتظار إنهيار الطرف الآخر ،ومايفاقم وضع المفاوضات بين البلدين مايبدو من إنقسامات كبيرة وارتباك بشأنها داخل الأوساط الحاكمة فى الخرطوم التى توجست من إنتقالها من إطارها الأفريقى إلى إطار مجلس الأمن ،وفى جوبا يبدو أيضا هناك تباينا بشأن العلاقة مع الخرطوم ،وقد اندفعت جوبا رغم الأوضاع الإقتصادية السيئة التى تعانيها بمفاجئة الخرطوم والعالم بوقف إنتاجها من البترول مطلع العام الحالى ،حتى لا تظل تحت سيف ابتزاز الخرطوم وسرقتها لبترولها على حد تعبير القيادات الجنوبية ،ولازالت الهواجس بين الجانبين قائمة ،وقد فاقمتها معارك هجليج قبل أسابيع وماسبقها وما أعقبها من حرب كلامية ،تم فيها تبادل الإتهامات والإهانات على أوسع نطاق ،كما يزيد التفاوض تعقيدا التطورات على صعيد الإعتداءات المتبادلة ،وتصعيد الحركات الشمالية المسلحة ولاسيما حركة العدل والمساواة لعملياتها فى الآونة الأخيرة .
وقد طرحت جوبا مؤخرا مقترحات على الخرطوم ،تتضمن عرض مايتراوح بين 7 و9 دولار مقابل إستخدام خطوط أنابيب السودان ،مقابل المبلغ الذى كانت تطرحه فى السابق ويقدر باقل من دولار ،فيما لازالت الخرطوم تطالب بحوالى 35 دولار مقابل مرورالبرميل الواحد،وكذلك عرضت جوبا منح مبلغ مالى يقدر بأكثر من 3 مليار دولار للخرطوم،وإعفائها من حوالى 5 مليار دولار من الديون المستحقة عليه ،ولكن هذه المقترحات السخية والقوية كما وصفها باقان أموم رئيس الوفد التفاوضى لدولة الجنوب فى مباحثات أديس أبابا ،لم تقابل من الخرطوم بحماس شديد ،حيث وصفها مطرف صديق المتحدث بإسم وفد الخرطوم المفاوض بانها لاتتضمن جديدا ،وانها بمثابة تكرار لمقترحات سابقة ،وأن الجديد فيها هو أن وفد الجنوب أراد نقل نقل مقترح إستفتاء ابيى من إطاره المحلى إلى آلية خارجية من خلال المجتمع الدولى ،وهو ما اعتبره تجاوزا من الجنوب ،وبخصوص التحكيم بشأن المناطق المتنازع عليها عبر عن رغبة الخرطوم فى الوصول إلى حلول بالتوافق وعدم القفز إلى التحكيم الدولى .
وهناك ثلاثة سيناريوهات مطروحة أمام كل من جوبا والخرطوم فى مفاوضات أديس أبابا ،فإما أن يغلب سوء النوايا وإنعدام الثقة وتعقد القضايا ويفشلا فى التوصل إلى إتفاق ،وهذا سيناريو مستبعد للطرفين اللذين يسعى كل منهما لتفادى العقوبات الدولية وأيضا لإنقاذ أوضاعه المنهارة ،والسيناريو الثانى أن ينجح الطرفان إلى التوصل إلى إتفاق شامل ونهائي حول كل القضايا المطروحة تتأسس بموجبه علاقة تعاون وإخاء بين الدولتين ،وهذا أيضا أمر مستبعد بالنظر إلى طبيعة العداء المستحكم بين النظامين الحاكمين فى الدولتين ،الذى مازال يرى كل منهما بقاءه مرتبط بزوال الطرف الآخر ،ولا يأمن أى منهما تآمر الآخر ،وأيضا لتعقد القضايا التى يبدو أن بعضها سيسلك طريقه نحو التدويل بشكل أكبر ،أما السيناريو الثالث المطروح فهو حل جزئى تحسم فيه بعض القضايا دون غيرها ،وفى مقدمتها قضية البترول الذى يحتاج الطرفان عوائده بشدة ،وترسيم 80% من الحدود المحسومة بين الجانبين ،وغيرها من القضايا السهلة ،أما قضية أبيى والمناطق الخمس المتنازع عليها فستظل ربما قضايا شائكة يصعب على الطرفين حسمها ،ومن الأرجح أن تنتقل إلى أبيى إلى إشراف مجلس الأمن ، وأن تنتقل باقى المناطق إلى ساحة التحكيم الدولي ،أما قضية الأمن وهى القضية الأهم والأكثر خطورة بالنسبة للخرطوم ،فستظل مهددا كبيرا لها ، وحسم هذه القضية ليس مربوطا فقط بالإتفاق مع جوبا ،بقدر ماهو مرتبط بحل الخرطوم لقضاياها الداخلية حلا عادلا شاملا ،وإجراء تعديلات جوهرية على شكل وطبيعة الحكم فى الخرطوم ،الذى بات يمثل بشكله الحالى عبئا على وحدة وسلام ماتبقى من السودان ،وعلى إمكان قيام علاقة طبيعية بينه وبين دولة الجنوب.
ومثل هذا السيناريو للحل الجزئي قد يحتاج تحقيقه ربما لمهلة إضافية ،ولكنه لن يكون كافيا لتحقيق علاقة حسن جوار دائمة ،ستظل مرهونة بمدى حراك البلدين نحو تحول ديمقراطى وعدالة إجتماعية وتنمية إقتصادية ،ولكن خطورة هذا السيناريو فى حال التوصل إليه أنه سيظل استمرارا للمرحلة التى سادت بين البلدين عقب إنفصال الجنوب ،والتى يمكن وصفها ب “حالة اللا حرب واللاسلم “.