يسكن منطقة أبيي عدد من القبائل, ومن كبراها قبيلتا المسيرية ودينكا نقوك. ودينكا نقوك فرع من فروع قبيلة الدينكا والتي تنتمي إلى مجموعة الشعوب الناطقة باللو والممتدة في أقاليم شرق أفريقيا. أما قبيلة المسيرية فمن كبرى القبائل ذات الأصول العربية في منطقتي كردفان ودارفور وهي من القبائل التي تنتمي إلى قبيلة جهينة التي كانت تقطن المنطقة الغربية لإقليم كردفان, وتداخلوا بالمصاهرة والنسب في النسيج الأفريقي للإقليم. وتعتبر منطقة أبيي منطقة تعايش وتصاهر قبلي يمتد إلى قرون عديدة. ومن أهم رموز المنطقة السلطان دينق مجوك سلطان دينكا نقوك والعمدة بابو نمر عمدة قبيلة المسيرية.
النزاع
قدمت لجنة الخبراء تقريرها إلى طرفي اتفاق نيفاشا، وبالرغم من أن الاتفاق حسب بروتوكول أبيي ومبادئ الاتفاق حولها يعتبر تقرير الخبراء ملزما ونهائيا، إلا أن الخلاف كان حول مدى تجاوز لجنة الخبراء للتفويض الممنوح لها بموجب اتفاقية السلام الشامل, والخاص بتحديد وترسيم حدود منطقة مشيخات دينكا نقوك التسعة والتي أحيلت إلى كردفان عام 1905م.. بعدها تمت إحالة النزاع إلى المحكمة الدولية بلاهاي, وهي مؤسسة دولية تضم عضويتها أكثر من مائة دولة. وهي مختصة بالنظر في النزاعات حول الحدود البرية والبحرية وحقوق الإنسان والقضايا المتعلقة بالتجارة الدولية. بدأت المحكمة النظر في القضية وبتاريخ 18-12-2008 قدم المؤتمر الوطني والحركة الشعبية مذكرت دفوعاتهما للمحكمة، وبتاريخ 13-2-2009 قدم كل طرف دفوعاته ورده على مذكرة الطرف الآخر وألحقت بمذكرات تعقيبية من الطرفين بتاريخ 28 فبراير 2009م.
تداعيات قرار لجنة التحكيم بلاهاي
إذا جاء قرار المحكمة, والذي يتوقع أن يصدر يوم الأربعاء القادم, أن الخبراء لم يتجاوزوا تفويضهم يتم إعلان ذلك ويصدروا قرارا بالتطبيق الفوري لتقرير الخبراء، أما إذا قررت لجنة التحكيم أن الخبراء تجاوزوا تفويضهم فيصدر قرار بذلك, وتبدأ المحكمة في تحديد وترسيم الخريطة على حدود مشيخات دينكا نقوك التسعة التي أحيلت إلى كردفان عام 1905م استناداً إلى الوثائق المقدمة للجنة التحكيم من الطرفين.
أكد الخبراء أن الحد الذي سيتم تعيينه وترسيمه لن يكون عائقاً أو حائلاً دون التعايش بين مجتمعات المسيرية ودينكا نقوك، ويجب ألا يكون للقرار تأثير فعلي على أنماط الرعي التقليدية.
في الانتظار
قال أبو القاسم عبد الواحد سفير السودان في هولندا في تصريحات للصحف إن استعدادات مكثفة وتحضيرات تقوم بها حالياً محكمة التحكيم الدولية في لاهاي لإعلان قرار المحكمة يوم الأربعاء القادم, وأشار إلى أن المحكمة وجهت الدعوات إلى طرفي نيفاشا وكل الدول الموقعة على اتفاق السلام الشامل للمشاركة في احتفال الإعلان. وأضاف: إن رئيس هيئة التحكيم سيقوم بتسليم نسخة من القرار لطرفي الاتفاقية، ثم يتلو ملخص القرار وحيثياته, ويدعو الطرفين للالتزام به. هذا ويتوقع أن تتوجه الوفود المشاركة في الاحتفال خلال اليومين القادمين إلى لاهاي. كما سيشارك ممثلون لسكان المنطقة من الدينكا والمسيرية.
دعم سياسي وشعبي
الخوف من تبعات نتائج قرار لجنة التحكيم على الاستقرار بالمنطقة, وتجنباً لأي أحداث عنف متوقعة عقب إعلان القرار وفي البال الأحداث التي اندلعت بالمنطقة العام الماضي والتي أدت إلى نزوح أكثر من خمسين ألفاً من السكان ومقتل المئات، كان وراء الحراك السياسي والدبلوماسي الذي شهدته المنطقة, وكذلك جذب المنطقة للانتباه العام. حيث دعت الولايات المتحدة الأمريكية المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إلى الاستعداد لإعلان القرار, وطالبت الإدارة الأمريكية في بيان لها بإجراء التحضيرات من أجل تطبيق قرار المحكمة بشكل كامل, واتخاذ الإجراءات الضرورية لتحاشي حدوث أعمال عنف محتملة في المنطقة. كما زار أشرف قاضي ممثل المبعوث الخاص للأمم المتحدة بالسودان مطلع هذا الشهر منطقة أبيي واجتمع برئيس إدارة المنطقة، وحث من خلال لقاءاته الجميع على تركيز جهودهم لبث الطمأنينة في المجتمعات المحلية بالمنطقة.
كما اتفق طرفا اتفاقية نيفاشا في اجتماع الآلية الثلاثية بحضور المبعوث الأمريكي للسودان اسكود غرايشن في اجتماعهما مؤخراً بالنادي الدبلوماسي على تكوين آلية مشتركة من الطرفين تعمل على حفظ الأمن في منطقة أبيي بعد صدور قرار محكمة لاهاي، بالإضافة إلى الجوانب الفنية التي يجب اتباعها وخطة كاملة تشمل تنفيذ بروتوكول المنطقة على أن تتواصل الاجتماعات اليوم بهدف مناقشة عدد من القضايا. وتعتبر هذه الجولة للمحادثات بالخرطوم استكمالاً للجولة الأولى التي بدأت بواشنطن، على أن تعقبها جولة ثالثة في جوبا.
ووصف غرايشن الاجتماعات بالمثمرة، وأعرب عن تفاؤله بمستقبل أبيي في ظل ما لاحظه من التزام الشريكين بالتعاون، داعياً كل الأطراف إلى بذل وسعهم للحيلولة دون أي أعمال عنف، والتي عبر الطرفان عن مخاوف بشأنها.
وقال نائب رئيس الحركة ورئيس وفدها في الاجتماعات مالك عقار لـ(الأخبار) إن الاجتماعات تبحث تكوين عدد من الآليات تساعد على توعية المواطنين بالقرار، مشيراً إلى أن الطرفين التزاما بتنفيذ القرار والعمل المشترك لدرء التفلتات المحتملة بعد القرار، وأضاف عقار: إن الطرفين اتفقا على سفر وفد مكون من (9 قيادات) من الجانبين إلى لاهاي لحضور إعلان القرار من داخل المحكمة. ومن المقرر أن تصدر محكمة التحكيم الدائمة قرارها في مؤتمر صحفي الأربعاء المقبل.
وفي نفس الاتجاه أكدت القوى السياسية المعارضة دعمها للجهود الرامية إلى امتصاص صدمة قرار المحكمة بلاهاي, وذلك عبر توجيه كوادرها بالمنطقة بالقيام بتوعية المواطنين وتعبئتهم لقبول نتائج التحكيم وقال يوسف حسين الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني لـ(الأخبار) إن الحزب سيساهم عبر كوادره في دعم حملات التهدئة, إضافة إلى دعم تحقيق السلام والتعايش بالمنطقة, وكشف عن اتجاه لمناقشة خيار وجود القادة السياسيين بالمنطقة.
وعلى النطاق الشعبي, هناك قلق يسيطر على سكان المنطقة الذين تم استبعادهم أو لم يشركوا في هذا الأمر، وفي هذا الجانب قال دينق أكوي باحث وهو من أبناء المنطقة لـ(الأخبار): “لم تتم مشاورة، أو إشراك سكان أبيي في كل ما تم من خطوات” وأضاف: إن سكان المنطقة غير مهتمين بنتائج التحكيم، باعتبار أن ما يدور شأن سياسي لا علاقة له بأوضاع المواطنين ومصالحهم. وزاد: إن الخوف من تكرار أحداث العنف التي اندلعت بالمنطقة في مايو 2008 يطغى على نتائج التحكيم بلاهاي وما ستفضي إليه من وضع جديد بالمنطقة. وقال داوود مالك أحد قادة المسيرية في كلمة وجهها لجماهير أبيي إن عهد الحرب قد ولى, وإنهم يريدون فتح صفحة جديدة للتعايش من أجل تنمية المنطقة. وأكد سلطان دينكا نقوك كوال دينق الالتزام بالعيش معاً مع المسيرية في المنطقة, داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة الحفاظ على حقوق المسيرية في المسارات والحركة.
مبادئ الاتفاق حول أبيي
نص الاتفاق حول منطقة أبيي على وضع خاص تحت الرئاسة إلى حين الانتخابات. قدم مبادئ الاتفاق حول أبيي المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي السناتور دانفورث. أكدت المبادئ على أن أبيي هي جسر بين الشمال والجنوب وتربط شعب السودان.. يشمل الإقليم تسع مشيخات من دينكا نقوق حولت إلى كردفان في عام 1905. كما أكد على احتفاظ المسيرية والجماعات الرعوية الأخرى بحقوقها التقليدية في الرعي والتحرك عبر أراضي أبيي. أيضاً شملت المبادئ الوضع الإداري للمنطقة في الفترة الانتقالية, حيث أشار إلى منح المنطقة وضعاً إدارياً خاصا بعد توقيع اتفاقية السلام، وأن يصبح المقيمون في أبيي مواطنين في كل من غرب كردفان وبحر الغزال, ويكون لهم ممثلون في المجالس التشريعية في الولايتين. كما أمن على أن يدير أبيي مجلس تنفيذي محلي ينتخبه المقيمون فيها، وحتى إجراء الانتخابات تعين رئاسة الجمهورية الأعضاء. وفيما يتعلق بتوزيع عائدات البترول أوضح الاتفاق الطريقة التي توزع بها عائداته حيث تحصل فيها الحكومة القومية على 50%, وحكومة جنوب السودان على 42%, ومنطقة بحر الغزال على 2%, وغرب كردفان على 2%, والجهات المحلية في دينكا نقوك على 2%, والجهات المحلية في المسيرية على 2%. ولم يغفل الاتفاق تحسين الظروف المعيشية لسكان المنطقة, حيث نص على أن تساعد الحكومة القومية أبيي على تحسين الظروف المعيشية لسكانها بما في ذلك رعاية مشاريع تنموية وحضرية. وأكد الاتفاق كذلك على نشر مراقبين دوليين في أبيي لضمان التنفيذ الكامل لهذه الاتفاقيات. ويظل الوضع كذلك إلى نهاية الفترة الانتقالية, حيث يجرى استفتاء منفصل بالتزامن مع استفتاء جنوب السودان، ويضمن الاستفتاء لسكان أبيي الخيارات التالية بصرف النظر عن نتيجة استفتاء جنوب السودان, وذلك بأن تحتفظ أبيي بوضع إداري خاص في الشمال، أو تكون أبيي جزءاً من بحر الغزال, أو لا يتم انتهاك حدود 1 يناير 1956 بين الشمال والجنوب السوداني إلا فيما اتفق عليه. وفيما يتعلق بالهيكل الإداري للمنطقة فقد أمن الاتفاق على وضع إداري بإشراف مؤسسة الرئاسة السودانية، يدير أبيي مجلس تنفيذي محلي ينتخبه سكان أبيي لحين إجراء انتخابات، وأن تكون إدارة أبيي شمولية وممثلة لكافة سكان المنطقة. ومهمة هذا المجلس تقديم الخدمات الضرورية، الإشراف على تطوير الأمن والاستقرار في المنطقة، اقتراح مشاريع تطوير وتنمية حضرية في المنطقة ويرفعها أمام مجلس منطقة أبيي ورئاسة الجمهورية، تقديم اقتراحات للحكومة القومية تتعلق بتوفير المساعدات التي يمكن تقديمها لتحسين الظروف المعيشية لسكان أبيي بما في ذلك مشروعات التنمية والتنمية الحضرية.
كما أمن اتفاق أبيى على أن يتم تحت إشراف المجلس التنفيذي إنشاء وكالات إعادة توطين أبيي وصندوق التنمية وإعادة الإعمار للإشراف على الغوث والإعادة وإعادة التوطين وبرامج إعادة التعمير والتأهيل والتكامل في المنطقة, ويمكن أن يتفرع عن الصندوق وكالات أخرى متخصصة.
حدود أبيي
تحديد ورسم حدود أبيي هو نقطة الخلاف والتي فجرت العام الماضي عنفا بالمنطقة, وحسب الاتفاق رسم الحدود الجغرافية كانت مهمة لجنة حدود أبيي التي شكلتها رئاسة الجمهورية، ومهمة هذه اللجنة أن تحدد وترسم الحدود في مشيخات دينكا نقوك التسع التي حولت إلى كردفان عام 1905 والمشار إليها هنا باسم منطقة أبيي. وتضم اللجنة خبراء وممثلين للمجتمعات المحلية وللإدارة المحلية. وتنهي اللجنة عملها في العامين الأولين في الفترة الانتقالية.
المقيمون في المنطقة
حدد الاتفاق سكان منطقة أبيي بأبناء مجتمع دينكا نقوك والسودانيين الآخرين الذين يقيمون بالمنطقة. كما ترك للجنة استفتاء أبيي تحديد معيار الإقامة. كما أمن الاتفاق على أن يكون المقيمون في أبيي مواطنين في كردفان وبحر الغزال, ويملكون حق التمثيل في المجالس التشريعية في الولايتين على النحو الذي تحدده اللجنة القومية للانتخابات، وخلال الفترة التي تسبق الانتخابات تقرر رئاسة الجمهورية هذا التمثيل.
التقرير النهائي الملحق بأبيي
يقرر النص النهائي الملحق بأبيي: التفاهم حول مفوضية أبيي, وترسيم حدود أبيي الذي تبناه الطرفان في السابع عشر من دسيمبر 3004 على أن يشمل ترسيم جدود أبيي خمسة أعضاء يمثلون الحكومة السودانية, وخمسة أعضاء يمثلون الحركة الشعبية, وخمسة محايدين يتم تعيينهم من كل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا ومنظمة الإيقاد, تستمع المفوضية إلى ممثلي منطقة أبيي وجيرانهم, كما تستمع أيضاً إلى ما يقدمه الطرفان, بالإضافة إلى ذلك يرجع الخبراء في المفوضية إلى الأرشيف البريطاني والمصادر الأخرى عن السودان أينما كانت متاحة, بغرض التوصل إلى قرار يكون مستنداً إلى التحليل العلمي والبحث، ينص الملحق كذلك على قيام الخبراء بتحديد القواعد الإجرائية لمفوضية ترسيم الحدود, وأن تقرير الخبراء الذي يتم التوصل إليه حسبما هو محدد وفقاً للإجراءات المذكورة يكون نهائياً وملزماً للأطراف.
مقتطفات من تقرير الخبراء
بتاريخ 12 أبريل 2005 قدم الطرفان إلى أعضاء المفوضية أطروحاتهما الأولية, وفي اليوم الثاني غادرت مفوضية الحدود إلى الخرطوم وعادت إلى أبيي, استمعت لمدة ستة أيام إلى شهادات السودانيين في مدينة أبيي والمناطق المجاورة لها، عاد أعضاء المفوضية إلى الخرطوم في 26 أبريل 2005 وغادروها إلى نيروبي, حيث نقحوا الشهادات.
عاد الخبراء إلى الخرطوم في السابع والعشرين من أبريل وخلال فترة الأسبوعين التاليين اطلعوا على المستندات بدار الوثائق القومية والخرائط بمصلحة المساحة ومكتبة جامعة الخرطوم, وتوصلوا إلى أنه لا توجد خرائط تبين المنطقة التي كان يسكنها دينكا نقوك عام 1905، وقرروا الاستفادة من المادة التاريخية قبل وبعد 1905.. في 15 مايو اجتمع الخبراء في مكاتب منظمة الإيقاد بالبروفيسور شادراك قوتو الخبير الخامس وتم تقديم التقرير.. وقد قامت منظمات عدة بمعاونة الخبراء.
المسيرية: تدعي المسيرية بأن المناطق الواقعة جنوب بحر العرب تابعة لها منذ عدة قرون وأن دينكا نقوك قادمون جدد.
قدم دينكا نقوك دعواهم وتم دعم ذلك من قبل دينكا توج وريك بأنهم احتلوا منطقة بحر العرب وشغلوها قبل المسيرية.
الخبراء في توصلهم لقرارهم لم يقبلوا ولم يرفضوا المواقف النهائية لكل من الحكومة والحركة الشعبية، بل على العكس من ذلك قاموا باستخدام مواقف كلا الطرفين كنقاط انطلاق لاستقصاءاتهم وتحرياتهم والتي أدت إضافياً إلى وثائق الحكومة البريطانية، وكذلك استخدم الخبراء الشهادات التي استمعوا إليها في السودان والملاحظات التي قدمتها لهم المصادر البريطانية الملمة بمنطقة أبيي قبل الاستقلال والمصادر الثانوية ذات الصلة.
تقرير : لمياء الجيلي
الأخبار