هل يمكن انكار التعذيب ، وهل نسجت حريات تعذيب سعاد عبد الله ؟
(حريات شاهد الفيديو)
كما سبق وذكرنا بالامس ، تحاول عناصر جهاز الامن والمتعاونون معهم انكار وقائع التعذيب التي وثقتها (حريات) . ويعتمدون في ذلك على الكذب والانكار ، وهو ذات التاكتيك الذي سبق وانتهجوه تجاه بيوت الاشباح – مراكز الاحتجاز السرية لتعذيب المعتقلين – حيث ادعوا لسنوات بانها محض (فبركات) من المعارضين ، لكن لاحقا ، وفي فلتة من فلتات لسانه اقر بها البشير شخصيا.
وهو نفس التكتيك الذي اعتمدوه تجاه المأساة الانسانية في دارفور ، ففي البداية انكروا الفظائع وادعوا بانها اكاذيب (المؤامرة الامبريالية الصهيونية) ، ثم لاحقا ومع اشتداد الضغط الدولي وتكاثر وتكاثف المعلومات عما يجري في الاقليم اعترف البشير بمقتل عشرة آلاف شخص فقط (!) ، وهم على قلتهم- مقارنة بتقديرات الامم المتحدة التي تصل بالرقم الى 300 الف شخص – يجعلون دارفور من أسوأ الكوارث الانسانية .
وكذلك انكروا في البداية اغتصاب النساء ، وقالوا بان نساء دارفور لا يفرقن بين (غصبني) و(اغتصبني) ، هذا رغم وجود مئات التقارير الطبية التي تؤكد وقائع الاغتصاب ! ولاحقا حين تزايدت الحالات بحيث لا يمكن انكارها انكارا تاما ، اعترفت اللجنة التي شكلتها الحكومة بنفسها برئاسة دفع الله الحاج يوسف بعدد من حالات الاغتصاب ، ثم وثق النائب العام الحكومي نفسه لاكثر من ثلاثين من حالات الاغتصاب .
وسنتابع في (حريات) فضح التعذيب وتوثيقه ، وكذلك دحض الاكاذيب التي يروجها جهاز الامن ويهدف بها الى انكار التعذيب والى تدمير مصداقية (حريات) .
وبدأنا بالامس بالرد على كذبتهم التي نشروها باحد المواقع الالكترونية والقائلة بان الصورة التي نشرتها (حريات) لعلي محمد عثمان – ولم تكن تظهر وجهه – ليست صورة شخص سوداني وانما صورة لمصري من متظاهري ميدان التحرير ! . فنشرنا صورة مكتملة لعلي محمد عثمان تظهر كامل جسده وآثار التعذيب عليه ، كما نشرنا سيرته الذاتية .
واليوم نواصل بدحض كذبتهم التي حاولوا فيها الايحاء بان شهادة سعاد عبد الله انما من نسج خيال (حريات) ، وانها لم تشهد ابدا بتعذيب الامن لها ! وهذه الكذبة ، ولسوء تدبيرهم ، من اسهل الكذبات دحضا ، فعلى عكس توقعاتهم ، لم تكتف (حريات) باخذ افادات الشابات ، وحسب ، وانما وثقت جميع افاداتهن بمقاطع فيديو ، وتنشر اليوم مقاطع من مقابله البطلة سعاد عبدالله جمعه ، والتي توضح فيها بجلاء لا يتطرق اليه شك ، بان جهاز الامن قام بتعذيبها .
وكنا في (حريات) ومنذ البداية ، نعلم مقدار الضغط الذي ستتعرض له هؤلاء البطلات ، سواء من جهاز الامن ، او الضغط الاجتماعي والاسري ، وكنا واضحين معهن في ذلك ، وقلنا باننا يمكن اخذ شهادتهن والرمز لهن بحروفهن الابجدية ، وتغطية وجوههن ، اذا اردن ذلك ، ولكنهن تصدين للشهادة بكل شجاعة ، لانهن يعرفن بان صمتهن عن خساسات جهاز الامن ، وتعذيبه وتحرشه ، مثل هذا الصمت يشجع المجرمين على التمادي في اجرامهم ، كما سبق ودرجوا على ذلك في مناطق اخرى من البلاد ، كدارفور .
ويشكل الصدع بالانتهاكات ، وايا كانت حدودها بداية حماية لنا جميعا ، ولكن تبقى الحقيقة الاساسية قائمة ، وهي انه اذا ظل عناصر جهاز الامن يتمتعون بالحصانة الحالية والتي تعفيهم من المساءلة والمحاسبة فلا احد في السودان سيكون بمأمن – لا انا ولا انت ، لا امي ولا امك ، لا اختك ولا اختي ، ولا ابنتك ولا ابنتي ، ولا زوجتك ولا زوجتي .
وهكذا فاننا في (حريات) ننطلق من حقيقة ان الصمت يخدم المجرمين ، وسنستمر بالتالي في فضح وتوثيق جرائم التعذيب ، ولكننا في ذات الوقت نتفهم الضغوط الاجتماعية التي تتعرض لها الشابات في مجتمع تقليدي حين يشهدن بما يتعرضن له من تحرشات ، حيث يميل اناس في المجتمع التقليدي الى ادانة الضحايا بدلا عن ادانة المجرمين ، ولذا فاننا سنستمر نوثق لهذه الانتهاكات ولكن بالصورة التي تراعي عدم زيادة الاضرار بالضحايا .
وهكذا وبعد اثبات مصداقية تعذيب سماح محمد ادم بالفيديو المرفوع الآن على الموقع ، واثبات تعذيب سعاد عبدالله جمعة بفيديو اليوم ، فاننا ومنذ الغد سنقوم بسحب مقطعي الفيديو من الموقع ، ولكننا سنستعيض عنها بمقاطع اخرى شبيهة لاثبات وقائع التعذيب .
هذا وتجدر الاشارة الى ان التعذيب يشكل متعلقا لازما وضروريا لجهاز أمن الانقاذ .
فكما قال ناشط حقوقي بارز لـ (حريات) يتأسس التعذيب على البيئة الفكرية النفسية والقانونية لنظام الإنقاذ.
من الناحية الفكرية النفسية يقوم على تصورات الأصولية الفاشية والتي تقضي بأنه مادامت غاياتها سامية فإن جميع وسائلها تكون مشروعة، ولذلك فإنهم لا يتحرجون في تدبير الإنقلابات، وفي ممارسة العنف الأعمى والظلامي، واستهداف الأبرياء والعزل، والشيوخ والنساء، بل والأطفال، وقد قدمت محرقة دارفور النموذج الصافي لكيفية ممارستهم للسياسة. ثم إنهم لا يتحرجون في الكذب مدعين بأن الكذب في مصلحة الدعوة حلال ! وهكذا يكرسون حياتهم كلها في اعتماد الوسائل الخسيسة تمنياً للوصول الى غايات كبرى ما، ولكن وعلى عكس ادعاءاتهم الكبرى فإنهم يصرفون حياتهم في الشرور، وقد وصف القرآن الكريم هؤلاء بالأخسرين أعمالاً (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
وأما عن البيئة القانونية فقال الناشط الحقوقي بأنها تقوم على الحصانة الكاملة التي يمنحها قانون الأمن لأفراده، وعلى المكانة التي يحتلها جهاز الأمن في النظام السياسي والتشريعي للانقاذ ، حيث يشكل (درقة وسيف) السلطة الشمولية، ولذلك فإنه فوق الشرطة والنيابات، والقوات المسلحة، والسياسيين، بل وفوق القضاء نفسه.
واضاف بان التعذيب الذي تعرض له الشباب والطلاب هدف الى كسر الكرامة. ولأن جهاز الامن لم يكن يريد اعتقال النشطاء لفترة طويلة وكافية لحد نشاطهم ، مما قد يؤلب عليه الراي العام المحلي والعالمي فاختار إعتقال النشطاء لفترة قصيرة ولكن تعذيبهم تعذيباً بدنيا ونفسياً ومن ثم إطلاق سراحهم مكسوري الإرادة، ولكن على عكس ماخطط جهاز الأمن فإن الشباب الذين خرجوا، خرجوا مرفوعي الرؤوس، ومملوئين عزيمة وإصراراً على مواصلة الكفاح، بل وقدموا شهادات باسلة في إدانة جهاز الأمن.
واضاف الناشط الحقوقي بأن التحرش الجنسي والتهديد بالإغتصاب للشابات تحديدا يهدف الى إخراج النساء من المجال العام، بسبب ان جميع تحركات المقاومة الاخيرة شهدت وجوداً كثيفاً للنساء .
وختم الناشط الحقوقي تصريحه بدعوة مبادرة (لا لقهر النساء) خصوصاً الى تبني قضية الشابات المعذبات، وتصعيدها بالسعي لفتح بلاغات ضد مدير جهاز الأمن، وتقديم طعون دستورية ضد قانون الأمن، وبرفع المذكرات، وعقد الندوات، وتنظيم المسيرات، ذلك لأن إرهاب جهاز الأمن إنما يستهدف في المقام الأول إخراج النساء من مجال العمل العام وهذا ماناضلت وتناضل ضده مبادرة (لا لقهر النساء) .
هذا وكان مدير جهاز الأمن محمد عطا عبد المولى قال يوم الأحد 6 فبراير عند زيارة الرئيس البشير لهم لمكافأتهم على قمع التظاهرات، وتناغماً مع قول البشير بأن جهاز الأمن (يحمي عقيدة وأمة)، قال محمد عطا أن عناصر الأمن يظلون (مستودعاً لكل خير وفضيلة وحكمة….!)، ولكن شهادات المفرج عنهم ، تؤكد أن الإدعاءات الكبرى غالباً ماتقود الى إرتكاب الشرور الكبرى ، والذين يدعون بأنهم ملائكة وفوق البشر، غالباً مايكشفون في الممارسة العملية بأنهم أدنى من البشر والشياطين.
ولو أن البشير ومحمد عطا سلما بأن أفرادهم في الأمن من البشر الخطائين، لأحاطوهم بنظم من المراقبة والمساءلة، ولكن قانون جهاز (أمن الملائكة) يعطي أفراده حصانة كاملة، فمن غير الممكن قانونياً فتح بلاغ في مواجهة أي من عناصره الا بإذن مكتوب من مدير الجهاز نفسه ! كما لا يحتوي القانون على أية عقوبات لاولئك الذين يمارسون التعذيب، مما يعني عملياً إجازة ممارسة التعذيب، وعلى ذلك إستندت ممارسات جهاز الأمن فيما يعرف بـ (بيوت الأشباح)، والتي تعرض فيها الآلاف للتعذيب، بل وقتل فيها العديدون كعلي فضل، وعبد المنعم رحمة، وعبد المنعم سلمان، ومحمد عبد السلام، ومحمد موسى، وغيرهم .
ورغم الإنكار الرسمي لبيوت الأشباح طيلة عدة سنوات، الا أن البشير نفسه، وفي إحدى فلتات لسانه إعترف بها في لقائه مع الإعلاميين السودانيين العاملين في الخارج بتاريخ 13مايو2009، وقد تم توثيق هذا الإعتراف بواسطة الصحفي فتح الرحمن شبارقة في صحيفة الرأي العام 14مايو2009، والأستاذ فتحي الضو في صحيفة الأحداث 28مايو2009 ، والصحفي الاستاذ طلحة جبريل في الشرق الأوسط 13أغسطس 2009 م. وبالطبع لم تتعدى فلتة لسان البشير حد الإعتراف، فلم يضع موضع التساؤل البيئة السياسية والقانونية والنفسية التي شيدت بيوت الأشباح، والتي يتحمل هو شخصياً وزرها الأكبر.
وتؤكد وقائع التعذيب وغيرها من مظاهر فساد وسوء إستخدام السلطة، أنه عندما تنعدم المساءلة والمحاسبة للسلطة، فإنه (يسود أناس بعقلية العصابات). والعصابة الحاكمة حالياً في البلاد لا تكتفي بممارسة الأفعال الخسيسة وحسب، وإنما تغطي عليها كذلك بالإدعاءات الكبيرة، مثل (حماية العقيدة) و(حماية الأمة) و(الشريعة) و(الخير والفضيلة)…وغيرها. هذا في حين أن مثل هذا الدرك من الخسة لا ينحط اليه اي سوداني عادي، بل ولم تنحط اليه النظم الأخرى في تاريخ السودان، بما في ذلك النظم الإستبدادية، مما يؤكد بأن (الإدعاءات الكبرى) غالباً ما تقود الى (الشرور الكبرى) .