هكذا الفاروق عمر رضي الله – كيف يُصنع القانون

كيف يُصنع القانون ؟
 
الصحفى السودانى / الطاهر ساتى 
قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها
 هكذا.. الفاروق عمر رضي الله ، يخرج ليلاً في شوارع المدينة وأزقة الحواري، لا ليتلصص على رعيته ولكن ليتفقد حالها
وإذ بإعرابية تناجي زوجها الغائب وتنشد في ذكراه شعراً رصيناً : طاول هذا الليل وإسود جانبه
وأرقني إذ لا حبيب ألاعبه
فلولا الذي فوق السماوات عرشه
 
لزعزع من هذا السرير جوانبه
فيقترب الفاروق ويسترق السمع، ثم يسألها من خلف الدار : ما بك يا أختاه ؟
 
فترد الإعرابية بمنتهى الشفافية : لقد ذهب زوجي بأمرك – يا أمير المؤمنين – الى ساحات القتال منذ أشهر، وإني إشتاق إليه
 
فيرجع الفاروق الى دار إبنته حفصة رضي الله عنها ويسألها : كم تشتاق المرأة الى زوجها ؟
 
وتستحى الإبنة وتخفض رأسها
فيخاطبها الفاروق : إن الله لايستحي من الحق، ولولا انه شئ أريد أن أنظر به في أمر الرعية لما سألتك
 
فتجيب الإبنة : أربعة أشهر أو خمسة أو ستة
ويعود الفاروق الى داره، ويكتب لأمراء الجيش (لاتحبسوا الجيوش فوق أربعة أشهر)
 
ويصبح الأمر قانوناً يحفظ للمرأة أهم حقوقها
تابع القانونية لم تصغه قمة الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة
 
بل صاغه المجتمع – الإعرابية وحفصة وإعتمده قمة الجهاز التنفيذي والتشريعي للدولة لتعمل به في تنظيم بعض شئون المجتمع
 
فالمجتمع هو المناط به صياغة القانون ، حسب متغيرات العصر، ولو لم يكن كذلك ، لما إجتهد الفاروق إمتثالاً لأمر تلك الإعرابية ..!!
 
قانوناً يحفظ حقوق الأطفال
 ذاك نموذج .. والفاروق ذاته – رضي الله عنه – يواصل التجوال الليلي متفقداً وليس متلصصاً بواسطة شرطة النظام العام
وإذ بطفل يصرخ ويصدر أنيناً حزيناً ، فيقترب من البيت ويسأل من وراء الجدار عما به
 
فترد أم الطفلة : إني أفطمه يا أمير المؤمنين
حدث طبيعي، أُم تفطم طفلها ولذا يصرخ
ولكن الفاروق لايمضى الى حال سبيله .. بل يستمر في الحوار مع أُم الطفل
 ثم يكتشف بأن الأم لم تفطم طفلها قبل موعد الفطام إلا لحاجتها لمائة درهم كان يصرفها بيت مال المسلمين لكل طفل بعد الفطام
 
يرجع الفاروق الى منزله، لا لينام، إذ أنين ذاك الطفل لم يبارح عقله وقلبه
فيصدر أمراً في ذات الليلة (بصرف المائة درهم للطفل منذ الولادة ، وليس بعد الفطام)
 ويصبح الأمر قانوناً يحفظ حقوق الأطفال ويحميهم من المخاطر الناتجة عن الفطام المبكر
 لو لم يكن الفاروق في ذاك المكان في تلك الليلة ، ولو لم يدر ذاك الحوار مع فرد من أفراد مجتمعه ، لما صدر هذا القانون الذي يحمي حق الطفل في الرضاعة الكاملة
 
وعليه، فالمجتمع – عبر تلك المرأة – هو المشرع لهذا القانون
وما كان الجهاز التنفيذي للدولة إلا مشرفاً ومنفذا
 
كان هذا قانونا للطفل
وذاك قانوناً لحق المرأة ..!!
 
قانوناً يبيح للأخر (حرية التعبير)
 ولمن هذا القانون المرتقب، والذي يجسد أعظم مواقف الفاروق رضي الله؟
فلنقرأ، ونتأمل
 
كان الفاروق  يحب أخاه زيد ، وكان زيد هذا قد قتل في حروب الردة
 
ذات نهار، بسوق المدينة، يلتقي الفاروق وجهاً بوجه بقاتل زيد ، وكان قد أستسلم وأسلم بحيث صار فرداً في رعيته
 
يخاطبه غاضباً : والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح
 فيسأله الإعرابي متوجساً : وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين ؟
ويطمئنه الفاروق : لا
 
فيغادره  قائلا بمنتهى اللامبالاة : إنما تأسى على الحب النساء .. أي مالي أنا وحبك ، إذ ليس بيني وبينك سوى حقوقي التي لن تنتهكها
 
لم يغضب أمير المؤمنين، ولم يزج به في بيوت الأشباح ، ولم يقصف أهله بالأنتنوف ، ولم يتهمه بالعمالة والخيانة
 
ولكن، كما كظم حزنه على موت أخيه زيد ، كظم غضبه على جرأة الإعرابي وسخريته
 
ولم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الإعرابي في التعبير
بكظم الغضب – وهو في قمة السلطة – وضع الفاروق قانوناً يبيح للأخر (حرية التعبير)
 
ولذلك مارس ذاك الإعرابي – وكل رعية الفاروق- تلك الحرية بلا توجس على ضياع الحقوق ..!!
 
 أخطأ عمر وأصابت إمرأة
 
وإمرأة كانت تلك التي خاطبت الفاروق ذات يوم بشفافية مدهشة
إذ جردته حتى من لقب أمير المؤمنين ، حين قالت ( أخطأت ياعمر)
 
وكانت هذه بمثابة نقطة نظام ترفض قانون المهر الذي صاغه الفاروق
لم يكابر الفاروق ، ولم يزج بالمرأة في السجون ، ولم يأمر بجلدها
 
بل إعترف بالخطأ قائلاً بالنص الصريح ( أخطأ عمر وأصابت إمرأة)
وسحب قانونه ، وترك للمجتمع أمر تحديد المهور حسب الإستطاعة
 
هكذا تُصنع القوانين
أي من غايات المجتمع وطموحاته وثقافاته، وذلك بالغوص في قاع المجتمع المستهدف بتلك القوانين
 
ولذلك، كانت – ولاتزال وستظل – القوانين التي تتجاوز غايات المجتمع ولاتحترم ثقافاته ولا تواكب عصره ، غير جديرة بالتنفيذ
 
فالعقل نعمة يا أيها المتنطع (بلا فهم)..!!
  [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *