بسم الله الرحمن الرحيم
هجليج… والهروب للأمام
بقلم/ أحمد عيسى محمود
[email protected]
عندما أطلَّ علينا طائر العنقاء المشؤوم (نيفاشا) برأسه، تخوفنا من مآلات طلعته ولكن إنقاذ السجم قد حشدت ((الْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ)) من أجهزة إعلامها مبشرةً بأن فلق الصبح قد حان وقته وإن الشعب السوداني موعود بأيامٍ ((أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا)) في حين أن كل من ((كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)) قد قال: أن الحركة الشعبية لا تمثل الجنوب والمؤتمر الوطني لا يمثل الشمال.. فنيفاشا ما هي إلا اتفاقية ثنائية.. وكثير من قال ذلك كان وصفه على أقل تقدير أنه طابور خامس وغير وطني وغيرها من المفردات الإنقاذية التي لم ينزل الله بها من سلطان!!!
وبعد مضي رحلة قطار نفياشا ووصوله إلى نقطة اللاعودة انكشفت ((سوءة)) الاتفاقية كما انكشفت ((سوءة)) البعث الحضاري من قبل وقد صحّ قول الناس بأن تلك الاتفاقية كــ ((المنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى)) [مغني اللبيب 1/320] فجرّت ويلات مازالت مستمرة حتى يومنا هذا وفي تقديرنا أنها سوف تستمر لوقت ليس بالقصير حتى وإن رحلت الإنقاذ إلى مثواها الأخير.
فنيفاشا لم تأتِ بالسلام ولا حافظت على الوحدة, وقد خابت توقعات الإنقاذ واصطدمت في أقل من سنة بعد الانفصال بالواقع المرير الذي حذرنا منه مراراً وتكراراً فما بين متفائل ومتشائم ضاعت حقائق كثيرة فحتى رجل الشارع العادي قد عرف أن نيفاشا ما هي إلا خدعة كبيرة أتت بها إنقاذ العجائب وتأكدنا بأن هؤلاء القوم ليس ((لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا)) وعزائنا الوحيد إنها ((لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) فقد عميت بصائرهم عن إيجاد الحل الأمثل لقاضيا السودان. وما من مشكلة تحل بالسودان إلا ونجدهم أشد الناس فرحاً بها لأنها تحجب الرؤية ولو بعض الوقت عن الواقع الأليم.. فالاقتصاد السوداني أيام الوحدة كان مترنحاً ((لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)) فبعد الانفصال قد دخل في مرحلة الغيبوبة تماماً فهذه الأيام قد وصل سعر الدولار لأكثر من (6000) جنية وليس هناك في الأفق ضوابط أو خطط إستراتيجية لوقف نزيف الجنية السوداني. ومصيبة المصائب أن الشعب السوداني قدري بطبعه أي بمعنى أنه يهرب دائماً من الواقع إلى القدر في الوقت الذي فيه قد حسم الفاروق رضي الله عنه هذه القدرية ((نفر من قدر الله إلى قدر الله)) [شرح البراك للواسطية] أي بمعنى إيجاد الحل الواقعي للأزمة التي تواجهنا.. وفي مائدة القرآن الكريم كثير من الخطط الإستراتجية.. وخير دليل على ذلك قصة يوسف عليه السلام ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِى سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِى مِن بَعْدِ ذالِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)).
فها هي هجليج قد عادت لحضن الوطن ولكن من يعيد للجنية عافيته المسلوبة بأمر السياسات الخاطئة؟؟ فيجب على الدولة بدلاً من الهروب إلى الأمام من الأزمة الاقتصادية والتخفي وراء احتلال هجليج أن تجد حلاً لما نحن فيه من أزمة حقيقية