نائب حاكم جنوب كردفان لـ «الشرق الأوسط»: لا نريد تكرار ما حصل بالجنوب
عبد العزيز الحلو حذر من تمزيق السودان على الطريقة اليوغوسلافية.. وقال: «لدينا آلاف المحاربين قاتلوا 20 عاما»
فايز الشيخ
شدد القيادي بالحركة الشعبية نائب حاكم ولاية جنوب كردفان عبد العزيز الحلو على تمسكه باتفاقية السلام واستمرار تطبيقها حتى إذا انفصل الجنوب، وحذر من أية «انتكاسة، أو ردة، أو تراجع محتمل من قبل المؤتمر الوطني». وقال في حوار مع «الشرق الأوسط»: «من يسعى لإلغاء الاتفاقية وإلغاء الحركة الشعبية في الشمال يريد أن يكرر ما حصل في الجنوب». محذرا أيضا من تمزيق السودان على الطريقة اليوغوسلافية، أو شرق أوروبا، وأكد أن «الحركة الشعبية جاءت لتبقى في الشمال، ولديها ما يحميها من قواعد شعبية، أو حتى جنود يحملون السلاح بالنيل الأزرق وبجنوب كردفان لكننا نفضل طريق السلام ودولة المواطنة».
واستنكر الحلو، وهو من القيادات الشمالية في الحركة الشعبية، الدعوة التي أطلقها الرئيس البشير بكتابة دستور جديد يقوم على إسلامية وعروبة الدولة في السودان، وقال «التنوع الثقافي والديني والإثني هو حقيقة واقعة وموجودة على امتداد الوطن.. موجودة في جنوب كردفان ومناطق النيل الأزرق ودارفور وحتى في الخرطوم نفسها والشرق وأقصى الشمال». وأضاف «التعدد واقع لا أحد يستطيع إنكاره لكن العبرة بالبحث عن وسائل وآليات لإدارة هذا التنوع.. وليس إنكاره».
* كل المؤشرات تؤكد أن الجنوبيين يتجهون بعد أيام للتصويت لخيار الدولة الجديدة.. والحركة الشعبية تاريخيا ذات ارتباط قوي بالجنوب، هل بدأتم شمالا الترتيب لمرحلة ما بعد الانفصال؟
– لم نجلس حتى الآن كحركة شعبية في الشمال باعتبار أن الحركة ما زالت موحدة والسودان ما زال موحدا ولا نريد أن نستبق الأحداث قبل الاستفتاء لأنه مفتوح ويمكن أن يقود إلى انفصال أو وحدة، ولكننا سنجلس حتما بعد اختيار الجنوب وخاصة في حالة اختياره للانفصال وفي تلك اللحظة سنقرر كيفية ترتيب أوضاعنا في الداخل من أجل مواصلة النضال لتحقيق مشروع السودان الجديد.
* اتفاقية نيفاشا وردت فيها نصوص عن «مشورة شعبية» لأهالي ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ما هي رؤيتكم للمشورة الشعبية وإلى أين يمكن أن تؤدي في تقديركم؟
– المشورة الشعبية أهم آلية وفرتها اتفاقية نيفاشا من أجل تحقيق وحدة عادلة وسلام دائم، والهدف منها الاستماع لصوت الولايات الأخرى وسكان الأطراف وتصحيح العلاقة بين المركز وهذه الولايات، وإذا نجحت المشورة الشعبية في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان فستقدم نموذجا للولايات الأخرى، من الذي قال مثلا إن أهالي ولاية الجزيرة في وسط السودان مثلا راضون عن العلاقة التي تربطهم بالمركز والآلاف منهم يرحلون للخرطوم لتلقي الخدمات الضرورية مثل العلاج والتعليم ويضطرون للإقامة هناك لهذا الغرض.
* هل أنت متفائل بتحقيق المشورة الشعبية لأهدافها، ألا تتخوفون من تدخل المركز الذي قد يعارض أو يتخوف من قيامها حتى لا تؤثر على مناطق أخرى كما تعلن أنت؟
– المشورة الشعبية حق لسكان المنطقتين وأي محاولة لمنعهم من ممارسة هذا الحق ستواجه بمقاومة لأن هذا الحق وراءه جماهير لديها مصلحة في التغيير.
* حتى لو أدى ذلك لمواجهة مسلحة؟
– لا نستطيع الآن أن نحدد شكل المواجهة وآليات النضال لأن الشعب السوداني لديه قدرات على الإبداع والابتكار وتمكن حتى من تغيير أنظمة عبر الانتفاضة الشعبية.
* الرئيس البشير أعلن قبل أيام في خطاب جماهيري بولاية القضارف أنه لا يوجد تنوع ثقافي في السودان ووصفه بالجغمسه (وهي مفردة دارجة تعني خلط الأشياء غير المتجانسة) وأن السودان دولة عربية إسلامية، ما هو رأيك أنت كزعيم من جبال النوبة وقائد في الحركة الشعبية؟
– هذه القضية ليست قاصرة على جبال النوبة، والتنوع الثقافي والديني والإثني هو واقع وحقيقة موجودة على امتداد الوطن، إذا أخذت جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وحتى الخرطوم نفسها والشرق وأقصى الشمال، التعدد واقع لا أحد يستطيع إنكاره لكن العبرة بالبحث عن وسائل وآليات لإدارة هذا التنوع والتعدد وليس بإنكاره، وحقيقة الحركة الوطنية السودانية ومنذ عام 56 كانت تجتهد من أجل تشخيص الأزمة السودانية وأسباب القعود والتخلف والحروب الأهلية إضافة للحلقة المفرغة؛ حرب أهلية ثم اتفاقية سلام ثم عودة للحرب مرة أخرى؛ ومن جانب آخر ديمقراطية تعددية ومن ثم انقلابات عسكرية ثم انتفاضات، تلك الحلقة المفرغة ما هي أسبابها؟ وقد توصلت الحركة الوطنية بعد مجهود إلى أن المشكلة في التعدد الثقافي وفشلنا في إدارته والتباين الديني والعرقي، وهذه حقيقة يجب علينا الاعتراف بها كما فعلنا من قبل في اتفاقية نيفاشا وقدمنا مشروعا للحل، ونيفاشا هي أساس لمشروع وطني يمكن أن يقود للسلام الدائم والاستقرار ودولة الرفاهية.
* نيفاشا ستنتهي في التاسع من يوليو بالاستفتاء، بعد ذلك هناك حديث عن ترتيبات دستورية جديدة ووضع جديد؟
– نيفاشا ترجمت في شكل دستور وحقوق وآليات لمعالجة الأزمة، ونهاية الاتفاقية لا يعني نهاية المكاسب التي تحققت؛ بالعكس هذه المكاسب ستستمر ونقوم باعتمادها والبناء عليها وتطويرها حتى تجيب عن كل الأسئلة التي تقود للسلام الدائم؛ بمعنى أن نهاية الفترة الانتقالية لا تعني نهاية المكاسب التي تحققت مثل اللامركزية والدرجة من الحكم الذاتي التي تحققت وحقوق الإنسان وقواعد قسمة السلطة والثروة، وكل هذه الأسس تعتبر مكاسب لا يمكن أن نلقي بها في سلة المهملات.
* لكن حزب المؤتمر – الشريك الأكبر – وعلى لسان رئيسه البشير يؤكد بشكل قاطع ولغة واضحة أنه بعد انتهاء أجل اتفاقية السلام مباشرة سيتم كتابة دستور إسلامي واللغة العربية ستكون هي اللغة الرئيسية؟
– هذا طبعا النكوص والتراجع عن ما تم الاتفاق عليه في نيفاشا وعودة للمربع الأول، أعتقد أن السيد الرئيس يجب أن يدعو لمؤتمر دستوري تشارك فيه كل القوى السياسية في ما تبقى من الوطن؛ من أجل خلق دستور جديد يأخذ في اعتباره التنوع والتعدد والتجارب السابقة والأسباب التي قادت للحرب والطريق للأمام من أجل تحقيق العدالة والمساواة والديمقراطية؛ ومن أجل تحقيق قطيعة مع السودان القديم الذي ولّد الحروب الأهلية وولّد الفقر والمجاعات الشمولية والإقصاء، بمعنى أن هذا المؤتمر الدستوري يجب أن يأخذ في اعتباره إصلاحات دستورية خاصة في مسائل علاقة الدين والدولة التي يجب أن تتم معالجتها بشكل يحقق الاستقرار دون إقصاء أو تفرقة بين الأديان، أيضا في معالجة قضية المركز والهامش وإنهاء هذه المركزية القابضة بالتوزيع العادل للسلطة والثروة بين المركز والولايات حتى نحيي روح الوطن وكل الناس تبدأ تدافع عن هذا الوطن لأنها ترى أن هذا المركز يمثلها ويخدم مصالحها، وهناك أيضا قضايا التعدد الثقافي ومناهج التعليم واللغات القومية والموروثات الثقافية. أعتقد أن المخرج في المؤتمر الدستوري الذي دعت له الحركة الشعبية منذ نشأتها في 1983م للعلاج بدلا من التعصب لوجهة نظر واحدة وبدلا عن الإصرار على الأحادية إذا كانت ثقافية أو دينية.
* الرئيس يتحدث عن واقع جديد، باعتباره الموقع الرئيسي على اتفاقية السلام والطرف الآخر هو الحركة، وفي ذهنه أن الحركة معنية بالجنوب فقط وإذا ذهب الجنوب فبالتالي لا توجد حركة شعبية؟
– طبعا هذه مغالطة لحقائق الواقع، لأن الحركة الشعبية كانت موجودة في الشمال ومنذ عام 1984م عندما انضم إليها آلاف الشباب من جنوب كردفان بقيادة الراحل يوسف كوة مكي وكذلك الآلاف من الشباب وملايين المواطنين في النيل الأزرق وأنحاء السودان الأخرى، والحركة الشعبية كانت موجودة في صدور الرجال والنساء والشباب الذين آمنوا بها وليست جسما مصدره جنوب السودان أو كأنها عربة مستوردة من اليابان، هي مشروع ورؤية وفكر سياسي وحاجة أصيلة ومتوطنة يؤمن بها الآلاف من الناس المنتشرين في كل أنحاء السودان. وانفصال الجنوب لن يذهب بمشروع السودان الجديد ولن يذهب بياسر عرمان أو مالك عقار أو وليد حامد أو عبد العزيز الحلو أو كل الآلاف من هؤلاء لجنوب السودان، والحركة الشعبية وجدت في شمال السودان لتبقى وستواصل النضال من أجل تحقيق مشروعها في الشمال ومن أجل تحقيق العدالة والسلام والديمقراطية والتنمية المتوازنة ودولة الرفاهية.
* من يتبنون هذا الرأي ربما ينطلقون من طبيعة نشأة الحركة الشعبية في الجنوب، لذا يعتقدون أن الحركة ولدت جنوبية وستظل ولا تعني الشمال في أي شيء؟
– طبعا هذا غير صحيح، الحركة الإسلامية مثلا نشأت في مصر على يد الأستاذ حسن البنا وانتقلت للسودان، وعلى مستوى العالم العربي والإسلامي لم تجد فرصتها في الحكم والتطبيق إلا في السودان، هل هذا يعني أن الشيخ حسن البنا وأنصاره هم الذين أتوا للسودان لتطبيق الرؤية والمشروع إنما الرؤية والفكرة أتت عبر سودانيين آمنوا بها وقاموا بتنفيذها، بنفس القدر الحركة الشعبية انتشرت في شمال السودان كرؤية وكبرنامج وكمشروع للتغيير وستظل في قلوب وصدور وعقول المؤمنين بها من أبناء السودان في الشمال.
* لكن قيادات المؤتمر الوطني أعلنت أنها لن تسمح للحركة بممارسة نشاطها وهناك تعبئة ومسيرات وفتاوى إسلامية بتكفير الحركة الشعبية والانتماء إليها؟
– هذه كذلك مغالطة كبيرة مع النفس، لا أحد يستطيع أن يمنع أعضاء الحركة الشعبية من ممارسة نشاطهم ونضالهم، وحتى إذا تم إقفال هذه المكاتب فإن النضال سيتواصل بطرق أخرى، وهناك تجارب لأحزاب تم منعها من ممارسة نشاطها منذ عام 1989م ولكنها استمرت في المقاومة والنضال.
* ما ردة فعلكم في حال صدور قرارات بإغلاق مكاتبكم وتقييد حريتكم في الحركة والتعبير؟
– لا أحد يستطيع إصدار قرار مثل هذا لأنه يتناقض مع الدستور ومع الأعراف والقيم ويعتبر عودة للشمولية ونكوصا عن مكاسب الاتفاقية، وأي انقلاب على الدستور وعلى هذه المكاسب لا بد أن يكون له رد فعل.
* ما هو رد فعلكم؟
– لا أستطيع أن أحدد شكل رد الفعل، ولكني أشرت إلى أن هناك أساليب ووسائل كثيرة للنضال ولمواصلة العمل من أجل تحقيق مشروع السودان الجديد.
* وما ردكم على الدعوات والفتاوى التي تظهر من حين لآخر ضد الحركة الشعبية من قبل جماعات إسلامية؟
– أنا أعتقد أن هذه الجماعات ليست حريصة على الإسلام والشريعة بقدر ما هي حريصة على مصالحها الحزبية والشخصية الضيقة، فهم يتجاهلون مصلحة الوطن والاستقرار والسلام في هذا البلد، وإذا أعادوا السودان لمربع الحرب فلن يكون الخاسر أعضاء الحركة الشعبية وحدهم وإنما سيدفع الجميع الثمن بما في ذلك دعاة الحرب والأحادية والتعصب، ولذلك ظللنا على الدوام نحذر من تجربة شرق أوروبا وانقسام دوله لدويلات، وهو أمر يمكن أن يحصل في السودان مثلما حصل في يوغوسلافيا، وسيكون المسؤول من ذلك هم حملة مشاريع الإقصاء ومن يرفضون التنوع الثقافي والديني، وكذلك المتطرفون والمتعصبون، ولذلك نفضل مواصلة الحوار والبعد عن ما يقودنا لفتنة، ونخسر بقية السودان مثلما سنخسر الجنوب.
* لكن يبدو أن حسابات المؤتمر الوطني قائمة على أن الحركة الشعبية كانت تعتمد على الجيش والمال الموجود في جنوب السودان، والآن الحركة قد تفقد هذا الجيش والمال وتصبح مثلها مثل أي حزب يمكن السيطرة عليه؟
– أعتقد أن أحزابا مثل الحزب الديمقراطي والأمة والشيوعي وأحزاب أخرى كثيرة كانت موجودة في السودان منذ الاستقلال وحتى اليوم، ومعظمها لم تمتلك قوة عسكرية ولم تنشئ أي قوة عسكرية؛ ولكنها واصلت النضال واستطاعت إسقاط نظامي عبود ونميري فقط بتعبئة الشعب، فالسلاح ليس شرطا أساسيا للتغيير وإنما المهم هو قوة الطرح والرؤية وسلامة المنظور والمشروع والبرنامج.
* ولكن التعامل معكم قد لا يكون مثل التعامل مع الحزب الاتحادي والشيوعي والأمة، قد يكون مختلفا باعتباركم كنتم حركة تحمل السلاح وترتبطون بالجنوب الذي انفصل، وربما البعض قد يحمل من تبقى من الحركة وزر الانفصال، فلهذا التعامل قد يكون بشكل أقسى؟
– أعضاء الحركة الشعبية وخاصة أعضاء الجيش الشعبي من أبناء جبال النوبة والنيل الأزرق ومناطق السودان الأخرى لا يزالون يحملون أسلحتهم ولم يقوموا بإلقائها، وهم بموجب الاتفاقية كانوا جزءا من المكون للجيش القومي وحتى هذه اللحظة يتمتعون بشرعية دستورية ولديهم الحق في حمل السلاح، وللحركة كذلك قواعدها العريضة في الشمال والشرق ودارفور، وهو ما ظهر خلال حملات الانتخابات الأخيرة، وهم من يحمون الحركة التي لا تحتاج لأحد كي يحدد مشروعية عملها، ولذلك سنعمل من أجل السلام ولا نريد اللجوء لأي عنف، ولو اضطررنا فلنا وسائلنا التي يعرفها الجميع، وهي مجربة.
* لكن بعد الاتفاقية هؤلاء يجب أن يتم دمجهم في الجيش الحكومي؟
– غير صحيح، حتى الآن لم يتم الاتفاق حول مصير هذه القوات، وهي جزء من أجندة المفاوضات الجارية الآن حول قضايا ما بعد الاستفتاء وخاصة في حالة اختيار شعب جنوب السودان لخيار الانفصال، وهذه القوات ما زالت قائمة وموجودة ولها مشروعية بموجب اتفاقية السلام وبموجب الدستور؛ فقط يجري الآن الاتفاق والتفاوض حول وضعيتها ومستقبلها في حال انفصال جنوب السودان.
* ولكن اتفاقية نيفاشا حددت لكل من جبال النوبة والنيل الأزرق ستة آلاف جندي، بواقع ثلاثة آلاف فقط في كل منطقة، وأي زيادة في هذا العدد ربما يعد انتقاصا للاتفاقية أو عملا عدائيا أو أي شيء آخر من هذا القبيل؟
– الصحيح أن ما زاد على الثلاثة آلاف ينسحب جنوب خط 1/1/1956 ويعتبر جزءا من قوات الجيش الشعبي التابعة لحكومة جنوب السودان، القوات المشتركة نعم ثلاثة آلاف في كل من الولايتين ولكن ما زاد على ذلك هو جزء من الجيش الشعبي ويتم الآن التفاوض حول مصيره في حالة اختيار الجنوب للانفصال.
* هل لديكم قوات بجنوب السودان، وهل يمكن تقدير أعدادها؟
– بالتأكيد لدينا قوات، وبأعداد كبيرة.
* هل يمكن أن تعطينا أرقاما لها؟
– عليك أنت أن تقدر ذلك، قوات تستطيع أن تناضل وتقاوم طوال عشرين عاما ضد هجمة المركز.
* لديهم رتب ومواقع داخل الجيش الشعبي؟
– هم جزء من الجيش الشعبي ويتوزعون بين مختلف الرتب كغيرهم من جنود وضباط الجيش الشعبي وموجودون في الجنوب، وكما قلت لك هم جزء من أجندة قضايا ما بعد الاستفتاء بين الحركة والمؤتمر الوطني.