د. فيصل عوض حسن
تَوَاصَلَ معي بعض الأساتذة السُّودانيين الأفاضل، عقب نشر مقالتي (اَلْحِرَاْكُ اَلْشَّعْبِيُّ وَاَلْدَوْرُ اَلْمَفْقُوْدُ لِلْنُّخَبِ اَلْسُّوْدَاْنِيَّة)، والتي نَاديتُ فيها بالمُسَارَعَة في إعداد استراتيجيَّة مابعد التغيير، تُعيننا على احتواء ومُعالجة التحديات/العقبات الخطيرة الماثلة في جميع المجالات (سياسيَّة/سياديَّة/أمنيَّة، اقتصاديَّة، اجتماعيَّة، ثقافيَّة). وأبدَى أُولئك الأساتذة الكِرَام استعدادهم للمُشاركة في إعداد هذه الاستراتيجيَّة، وطلبوا مني طَرْح تَصَوُّر أوَّلي للعامَّة واستقطاب المزيد للمشاركة في هذا العمل.
لإحداث المُواءمة بين البدائل/الخيارات المُتاحة، ومُجابهة تَدَاعيات أسلوب الإدارة بالأزمات Management by Crisis الذي ينتهجه المُتأسلمون، من المُهم أن تشمل الاستراتيجيَّة المُقترحة نظامنا الحياتي بالكامل، بدءاً بترقية الوعي وحِماية السُّودان وتعزيز (وحدته) ونهضته، وفق (مصالح) محسوبة بِدِقَّة، وعادلة ومُرْضِيَة للجميع، مع الالتزام بمبادئ الإدارة العلميَّة (المُجرَّدة)، بعيداً عن التخمينات والأمزجة الشخصيَّة. وتلبيةً للمَطَالِب السابقة، تستهدف الاستراتيجيَّة المُقترحة (رَفْعْ مُستويات التنمية والوعي)، مع بعض الأهداف/المحاور الفرعيَّة، التي اجتهدتُ في تحديدها كما يلي:
· التحديد الدقيق لأهداف التغيير الرئيسيَّة/الفرعيَّة ونتائجه المُتوقَّعة، وتفعيل التواصُل لتخفيف القلق الجماهيري.
· التهيئة النفسيَّة وإرساء الثقة المُتبادلة، بعرض ومُناقشة المشاكل المُشتركة والنَّوعيَّة بشفافيَّة، وتعزيز التعاوُن بين السُّودانيين وتعميق ارتباطهم بالتغيير.
· التوافُق بين القائمين على التغيير والراغبين فيه، والمُتوقَّع تحمُّلهم لتبعاته والمُحايدون، وتعزيز تفاعلهم ومُشاركتهم لضمان (مشروعيَّة) التغيير، واستدامته وتطوُّره والتَكَيُّف مع تغيُّراته/مُستجداَّته.
· توحيد جهة التخطيط واتخاذ القرارات، وإمكانيَّة الـ(تفويض) في تنفيذ مراحل الخطة العامَّة/الكُلِّيَّة، والانتقال التدريجي من الفكرة للتنفيذ والمُتابعة والتقييم والتقويم/المُعالجة وعدم استعجال النتائج.
· تَوَقُّع أسباب/دوافع مُقاومة التغيير، كالأسباب الشخصيَّة والاجتماعيَّة والاعتبارات الدينيَّة، والفهم الانتقائي للتغيير، والتنبُّؤ بردود أفعال المُتأسلمين ومُؤيِّديهم وداعميهم في الدَّاخل (مُنتسبيهم، المُنتفعين خاصَّةً الذين تمَّ تجنيسهم واستيعابهم في مرافق الدولة، والكيانات/الشخصيات الانتهازيَّة)، ومن الخارج (الصين وأمريكا وروسيا وتركيا وبعض الدول العربيَّة والأفريقيَّة والأوروبيَّة)، ووضع خيارات/بدائل التعاطي معهم بصورةٍ علميَّةٍ/موضوعيَّة، بعيداً عن الاستسهال أو الارتجال.
يُقترح أن تتكوَّن الاستراتيجيَّة من الاستراتيجيَّات القطاعيَّة التالية:
1- السياسة والسيادة الوطنيَّة:
· تهيئة وتنظيم الجيش ليضطلع بالحفاظ على حدودنا الخارجيَّة، والشرطة بالأمن/النظام الداخلي، ووضع معايير الالتحاق بهما والالتزام بها، دون تمييز/استثناء (عسكريُّون + قانونيُّون + علم نفس واجتماع + آداب وفنون + إعلام).
· احتواء/مُواجهة المليشيات بمُختلف مُسمَّياتها، ونزع أسلحتها وتسليم قادتها/أفرادها المُتورِّطين للعدالة (عسكريُّون + قانونيُّون + آداب وفنون + إعلام).
· استرجاع الأراضي السُّودانيَّة المُحتلَّة كحلايب والأراضي النوبيَّة، والفشقة وبني شنقول وغيرها، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتلبية هذا المطلب ديبلوماسياً/قانونياً (عسكريُّون + اقتصاديُّون وإداريُّون + علوم سياسيَّة/علاقات دوليَّة + قانونيُّون + آداب وفنون + إعلام).
· مُراجعة اتفاقيَّة سد النهضة دون تأجيل، واتخاذ إجراءات قانونيَّة/ديبلوماسيَّة فوريَّة لحفظ حقوق السُّودان بنصوصٍ واضحة (عسكريُّون + اقتصاديُّون وإداريُّون + بيئة ومياه وزراعيُّون + علوم سياسيَّة/علاقات دوليَّة + قانونيُّون + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
· وضع الخيارات/البدائل المُلائمة لاحتواء وحَسمِ ردود أفعال المُتأسلمين ومُؤيِّديهم/داعميهم بالدَّاخل والخارج (عسكريُّون + اقتصاديُّون وإداريُّون + علوم سياسيَّة/علاقات دوليَّة + قانونيُّون).
· حظر بيع أراضي/مُقدَّرات الدولة أو تأجيرها، وإمكانيَّة (الشَرَاكَة الاستثماريَّة)، بحيث تُشكِّل الأرض حِصَّة السُّودان في رأسمال المشروع المعني (اقتصاديُّون وإداريُّون + علوم سياسيَّة + عسكريُّون + قانونيُّون + آداب وفنون + إعلام).
· مصلحة السُّودان في العلاقات الخارجيَّة، وعدم التَدَخُّل في شئون الغير والارتزاق وتجارة البشر، ومُعاقبة المُتورطين السابقين (اقتصاديُّون وإداريُّون + علوم سياسيَّة/علاقات دَوْلِيَّة + عسكريُّون + قانونيُّون + آداب وفنون + إعلام).
2- التنمية:
· حَصرْ القروض الخارجيَّة وأوْجُه صرفها، والضمانات المُقدَّمة، والأقساط وآجالها وطريقة الدفع (اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون).
· الزراعة بشقَّيها النَّباتي والحيواني وصناعاتهما وفقاً للميزة النسبيَّة (زراعيُّون بمُختلف التَخصُّصات + اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون + علم نفس واجتماع + آداب وفنون + إعلام).
· السياحة (اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون + علم نفس واجتماع + آداب وفنون + إعلام + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
· الخدمات المُساندة (التَوَازُن بين الأقاليم).
· التَدَاوُل المالي والنَّقدي (اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون).
· السياسات الضرائبيَّة والرُّسوم الإنتاجيَّة (اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون).
· إطار عام تنظيمي/قانوني لتفعيل دور القطاع الخاص ومُتابعته وتقييمه وتقويمه (اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون).
· الصناعات التكميليَّة والتحويليَّة/التشكيليَّة (زراعيُّون بمُختلف التَخصُّصات + اقتصاديُّون وإداريُّون + قانونيُّون + علم نفس واجتماع + آداب وفنون + إعلام + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
3- ترقية الوعي/التنمية البشريَّة:
· مبادئ الإدارة العلميَّة والعمل (الاستراتيجيّ) كبوصلة/خريطة لأسلوب/شكل إدارة الدولة ونظام الحكم، وفقاً لقدراتنا/مواردنا الحقيقيَّة (اقتصاد وعلوم إداريَّة + قانون + علم نَّفس واجتماع + تربية + علوم سياسيَّة + آداب وفنون + إعلام).
· تطبيقات إدارة المعرفة والتفكير والتخطيط الاستراتيجي، والعمل الجماعي (الفريق الواحد) وفقاً للمُعطيات/المُقوِّمات المُتاحة (اقتصاد وعلوم إداريَّة + قانون + علم نَّفس واجتماع + تربية + علوم سياسيَّة + آداب وفنون + إعلام).
· الوحدة كخيارٍ أَسْلَم وأكثر أماناً، استناداً للمنافع المُشتركة بين أقاليم السُّودان (اقتصاد وعلوم إداريَّة + قانون + علم نَّفس واجتماع + تربية + آداب وفنون + إعلام).
· الاستفادة من تنوُّع السُّودان، واستلهام الدروس من التجارُب المُعاصرة كالاتحاد الأوروبي (اقتصاد وعلوم إداريَّة + قانون + علم نَّفس واجتماع + تربية + علوم سياسيَّة + آداب وفنون + إعلام + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
· تأهيل المُؤسَّسات الصِحِّيَّة الحكوميَّة بنحوٍ مُتوازنٍ والبدء بالأطراف (علوم طِبِّيَّة + اقتصاد وعلوم إداريَّة + قانون + علم نَّفس واجتماع + تربية + علوم سياسيَّة + آداب وفنون + إعلام + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
· ترقية قطاع التعليم خاصَّةً الأساسي ومُكوِّناته (المُؤسَّسة التعليميَّة/المدرسة، المنهج والمُعلم)، وتحجيم مُؤسَّسات التعليم الخاص (ابتدائي، مُتوسط، ثانوي، جامعي)، وتقوية التعليم التقني وتشجيع/تحفيز المُلتحقين به، تبعاً لمبادئ اقتصاد المعرفة وربط التعليم بسوق العمل، بما يُحقق التوازُن بين التأهيل الأكاديمي/المعرفي وبين احتياجات سوق العمل (اقتصاد وعلوم إداريَّة + علم نفس واجتماع + تربية + آداب وفنون + إعلام + قانون + مُهندِّسون بتَخصُّصاتٍ مُختلفة).
· تكثيف الدراسات الاجتماعيَّة وعلم النفس بتخصُّصاتها المُختلفة في عمليَّة البناء والتعمير المُستدام (اقتصاد وعلوم إداريَّة + علم نفس واجتماع + تربية + آداب وفنون + إعلام).
· تطويع الفنون والآداب في دعم وتعزيز السِلْم الاجتماعي.
4- القانون/التشريعات:
· قوانين الجيش والشرطة وحدود علاقتهما بالمُجتمع وتنظيمها.
· قوانين الجنسيَّة والمُواطَنَة وتعزيز النسيج الاجتماعي (حَصْرْ ومُراجعة الجنسيات المُستخرجة منذ 1989 وإلغائها عدا المُستوفين لشروط الجنسيَّة المعمول بها سابقاً، عقوبات لمُخالفات العُنصريَّة/الجَهَوِيَّة… إلخ).
· مُحاسبة ومُحاكمة رموز المُتأسلمين ومُعاونيهم دون استثناء وفقاً لتجاوُزاتهم.
· إنصاف أصحاب الأراضي المنزوعة قسراً والمفصولين من الخدمة تَعَسُّفياً ومُحاسبة ومُحاكمة المُتَسَبِّبين في ذلك.
· تعزيز دور المرأة وحماية الطفل (قانونيين + عِلْمَي الاجتماع والنَّفس).
· الأموال المنهوبة واستردادها (قانونيين+ اقتصاديين).
· القانون الجنائي والمدني والتجاري (حَظْرْ تَمَلُّكْ الأجانب للأراضي).
· التجارة الخارجيَّة/الاستيراد والتصدير (قانونيُّون + اقتصاديُّون وإداريُّون + مُهندِّسون بتَخصُّصات مُختلفة + زراعيُّون).
آلية العمل:
1- تشكيل مجموعات عمل/خُبراء لإعداد استراتيجيَّات قطاعيَّة، كما يلي:
o اجتماع وعلم نفس وتربية (بمُختلف التخصُّصات الدقيقة الدَّاخليَّة).
o قانون وعلوم سياسيَّة وعلاقات دَوْلِيَّة (جنائي، دولي، تجاري، مدني).
o اقتصاد وعلوم إداريَّة (بمُختلف التخصُّصات الدقيقة).
o عسكريُّون سابقون مشهودون بالكفاءة والنَّزاهة (الجيش + الشرطة).
o الزراعة والثروة الحيوانيَّة/السمكيَّة (بمُختلف التخصُّصات الدقيقة).
o آداب وفنون وإعلام (مسرح، أدب، سينما، غناء، صُحُف، تلفزيون، إذاعة… إلخ التخصُّصات)، وهذه التخصُّصات بجانب عِلْمَيْ النَّفس والاجتماع مطلوبة في جميع الاستراتيجيَّات القطاعيَّة.
o مُهندِّسون في مُختلف التَخصُّصات.
2- يتم تجميع الاستراتيجيات القطاعيَّة، لتُشَكِّل الاستراتيجيَّة العامَّة/الشاملة للسُّودان، ثُمَّ عرضها على خُبراء سُّودانيُّين مشهودين بالكفاءة، بجانب بعض الخُبراء الخارجيين من أصدقاء السُّودان بالعالم المُتقدِّم، لتقييمها وتقويمها.
3- يقوم فريق الإعداد بإدخال مُلاحظات فريق التقييم والتقويم، ثُمَّ يُتيح الاستراتيجيَّة للسُّودانيين وكياناتهم كبرنامجٍ علميٍ وعملي للمرحلة الانتقاليَّة.
4- يُمكن البدء بمجموعاتٍ صغيرةٍ من الخُبراء وقبول جميع المُخلصين الرَّاغبين في المُشاركة لاحقاً.
5- في حال اكتمال تشكيل المجموعات القطاعيَّة، يُتوقَّع إعداد مُسوَّدة الاستراتيجيَّة الأولى خلال (21) يوماً، وتخضع للتقييم والتقويم لمُدَّة أُسبوعين، وبذلك تكون الاستراتيجيَّة الشاملة جاهزة في 35 يوماً فقط وتُصبح قابلة للتطبيق.
هذه أهمَّ مَلامِح الاستراتيجيَّة المُقترحة، والتي (تُحتِّمها) طبيعة و(تعقيدات) أزماتنا الماثلة، وحاجة مرحلة ما بعد التغيير لرُؤيةٍ/استراتيجيَّةٍ رصينة، تكون جاهزة وقابلة للتنفيذ منذ الساعة الأولى لاقتلاع المتأسلمين، تلافياً لأي فراغٍ مُؤسَّسيٍ أو فوضوي قد يحدث. ولقد حَدَّدتُ المَلامح العامَّة أعلاه، عقب تمحيص لأبرز الفرص والمُهدِّدات الخارجيَّة للسُّودان ونقاط القُوَّة والضعف الدَّاخليَّة، دون التعويل على العالم الخارجي نهائياً، والاعتماد فقط على مواردنا/قدراتنا الذاتية، فقناعتي الرَّاسخة أنَّ العالم الخارجي من أكبر مُحِّددات/مُعيقات التغيير في السُّودان، تبعاً (لتَوَاطُئه) الواضح مع المُتأسلمين.
يبقى فقط، التعجيل بتشكيل مجموعات العمل، والبدء بإعداد الاستراتيجيات القطاعيَّة، وتجميعها كاستراتيجيَّةٍ/رُؤيةٍ عامَّة للفترة الانتقاليَّة، وهي مُهمَّة (حتميَّة) وحَسَّاسة تحتاجها بلادنا بشدَّة، لمُواجهة التحدِّيات المُخيفة الماثلة.