من هو العدوء القادم لجنوب السودان ؟
لاشك ان الشعب جنوب السودان ظل يعتبر الشمال عدوه الرئيسى منذ استقلال السودان عن بريطانيا ومصر الى يومنا هذا . يعزز هذه النظرية احتكار الشماليين للسلطة والثروة فى السودان طوال فترة استقلال السودان اضافة الى تهميشهم ثقافات وديانات واعراق السودانية الاخرى. لكن انفصال جنوب السودان المتوقع بصورة رسمية فى التاسع من يوليو القادم سيزيد عدد اعداء الجنوب رغم اعتقاد البعض بان التحرر من العدوء الشمالى يعنى الاستقلال والخلاص من العبودية.
هنالك اعداء كثيرة لجنوب السودان غير الشمال ، وهولاء الاعداء هم الاشرس من العدوء الشمالى ، وسيصعب التغلب عليهم اذا لم تشرع الدولة فى التخطيط من الان لمحاربة هذه الاعداء قبل ان تتسع نطاقها وتخرج عن سيطرة الدولة الوليدة. فى هذا المقال اريد ان اذكر قائمة لاسماء الاعداء المهددين لجنوب السودان اعتبارا من يوليو القادم ، وساضيف وجهة نظرى عن كيف يمكن الانتصار على هذه المشكلات التى قد تجعل دولة جنوب السودان كدولة فاشلة.
الاعداء الرئيسية لجنوب السودان:
المليشيات المسلحة:-
المليشيات الجنوبية المسلحة تعتبر اكبر عائقا للتنمية والاستقرار فى الجنوب عقب الانفصال ، لان وجودهم خارج سيطرة الحكومة سيخلق عدم الاستقرار مما سينعكس سلبا على اعاقة قدوم المستثمرين الاجانب للقيام بالمشاريع الاستثمارية فى جميع المجالات داخل الجنوب ، وهذه المشاريع ستدعم بناء دولة الجنوب وغيابها يعنى غياب التنمية . وعلى حكومة جنوب السودان ان تبدا فورا من الان فى سبل حل قضية المليشيات المسلحة وعلى راسها قوات الفريق جورج اطور واللواء قبريال تانق نين . يجب على قيادة الحركة الشعبية ان تحسم الامر سلميا دون اللجؤ الى خيار الحرب مهما كانت الاسباب ، ومهما كانت قوة الجيش الشعبى او ضعف المليشيات الجنوبية . الخيار العسكرى خيار باطل ، لان تكاليفه باهظة والدماء التى ستراق بين الجانبين المتصارعين هى دماء جنوبية وارواح جنوبية ، ونحن نعيش فى زمن السلام بعد الانفصال ومحتاجين لاى جنوبى ان يساهم بما يستطيع فى بناء دولتنا الجديدة . ترقبنا كثيرا بشائر السلام الموقع مبدئيا فى يناير الماضى بين قوات اطور والجيش الشعبى بجوبا ، ولكن بعد شهر حدثت مجزرة فنجاك ضد الابرياء المدنيين وتبادل الطرفان الاتهامات بشان من بدا الهجوم ومن هو المدافع عن نفسه . نحن كشعب جنوب السودان ويهمنا السلام والاستقرار ، ندعو قادة الجنوب من ابناء جونقلى بصفة خاصة ان يدركوا اهمية السلام فيما بينهم وان يسامحوا بعضهم بعضا كما شهدناه من قبل فى شمال بحرالغزال . عليهم ان يسارعوا فى انهاء الخلافات التى خلفتها الانتخابات السابقة ، لان استمرار القتال فى جونقلى سيسود الولايات المجاورة ومن ثم سينتشر فى كل ارجاء الجنوب . وعلى الذين يراهنون على حسم المعركة بالعنف ان يدركوا بان التمرد فى الجنوب بدا قبل الاستقلال عن طريق تمرد فصيل توريت ومن ثم كبر واتسع حتى صار حركة عامة للجنوب . والعوامل التى ادت الى اتساع التمرد هو استخفاف الشماليين بالمتمردين ومطالبهم واعتبارهم قطاع الطرق ، لذلك يجب على الحركة الشعبية ان لاتسلك درب الشمال واخطائه التى ادت الى تمزق السودان .
القبلية :-
القبلية هى المشكلة الرئيسية الثانية التى تهدد الجنوب بعد المليشيات . الولاء للقبيلة فى الجنوب هو السائد والموثر ويجاوز الولاء للنظام السياسى ، وهذا سيؤثر سلبا على الاستقرار اذا لم يكون الجنوب خاليا من اى تمرد . التركيب القبلى فى الجنوب له دور فعال فى التشكيل الحكومات ، لذلك نجد فى الجنوب اكثر من عشرين وزيرا واكثر من عشرة مستشارين للرئيس رغم ان الجنوب مازال فى عهد الحكم الذاتى . كل القبيلة تريد ان تكون لها وزير ومستشار للرئيس او مفوض لاحدى المفوضيات التابعة للحكومة ، كما تريد كل القبيلة ان تمثل فى الحكومة وفقا لكثافة سكانيتها وهذا ما ادى الى وجود احد عشر وزيرا للدينكا واربعة وزراء للنوير . هذه التركيبة القبلية فى التشكيل الحكومات سبب اخر فى دعم العوامل التى تؤدى الى عدم الاستقرار السياسى فى البلد . واعتقد ان بعد انفصال عن الشمال سيزيد عدد الوزراء الى اكثر من ثلاثين وزيرا وعدد المستشارين الى خمسة عشر مستشارا لاستيعاب كل القبائل فى الحكم ، وهذا يعد مساهمة كبيرة فى الفساد . من اين ستاتى المرتبات والسكن والامتيازات لهذه الكتيبة من الوزراء والمستشارين وروساء المفوضيات ؟ بكل تاكيد ستاتى حقوقهم على حساب المواطن البسيط الذى سيفقد التنمية لقريته مقابل وجود ابن قبيلته فى الحكم . يجب تقليل عدد الوزراء الى اقل من عشرين وزيرا وعدد المستشارين الى ثلاثة فقط واقل من عشرة روساء للمفوضيات . الدول العظمى كالولايات المتحدة وكندا فيها اقل من عشرين وزيرا وعدد ضئيل من المستشارين ، فكيف يكون للجنوب الفقير وحديث ان يكون له هذا العدد من المسؤولين وهو يملك موارد محدودة ؟ يجب ان يكون التمثيل للحكومة ولائيا وحزبيا وليس قبليا كما هو سائد الان حتى يقل عدد الوزراء والمستشارين .
الفساد بانواعه:
الفساد ظاهرة عالمية مستشرى فى كل دولة ، ولكنه يختلف من بلد لبلد اخر وفقا لطرق مكافحته . فى جنوب السودان يوجد سجلات كثيرة عن اتهامات الفساد ولكن لم يتم ادانة اى متهم منذ تاسيس مفوضية مكافحة الفساد لاسباب لايعلم به المواطن العادى بما يدور فى التحقيقات عن الفساد . على الدولة ان تقضى على هذه الظاهرة بصورة تمكن الجنوب من تحقيق التنمية المنشودة للفقراء وعامة الشعب ، واستمراره يعنى ان الجنوب سيتحول الى نيجريا التى تتمتع بثروات هائلة ويعانى مواطنيها اشد الفقر بسبب سوء ادارة الدولة للموارد . وجود الفساد فى الجنوب سيدعم استياء الرى العام الجنوبى ضد النظام الحاكم وسيعزز فرص عدم الاستقرار ، لان المواطن الذى يرى مسؤولى الدولة فى الرفاهية وهو يعانى من الفقر سيفقد وطنيته ويثور ضد الدولة والحاكمين .
الفقر والبطالة :-
الفقر والبطالة هما العاملان الاساسيان الذان ادى الى وجود ثورات شعبية ضد الانظمة الحاكمة فى الوطن العربى هذه الايام . المواطن الفقير لايريد ان يكون غنيا كالاثرياء الكبار فى الدولة ، ولكنه يريد ان يجد ابسط ما يجعله قادرا على انفاق على اسرته وشراء احتياجاته الشخصية . وهذا يتمثل فى اتاحة فرص عمل لكافة المواطنين حتى يشتغلوا ويصرفوا مرتباتهم لاعالة اسرهم ، ولايمكن تحقيق ذلك الا عن طريق جلب الدولة للمستثمرين لفتح الشركات والمصانع لتشغيل ابناء البلد . وجود فرص عمل للمواطنين سيخفف نسبة الفقر وينهى البطالة ، ويجب على رجال اعمال الجنوب تشغيل الجنوبيين اولا قبل الاجانب القادمين من شرق افريقيا وعلى وزارة العمل مراقبة تشغيل العاملين وخاصة فى القطاع الخاص .
الاوبئة :-
الاوبئة تمثل كارثة انسانية هامة لجنوب السودان وخاصة مرض الايدز المنتشرة فى افريقيا بصورة واسعة النطاق ، وهى من الامراض المستعصية علاجها . وهنالك امراض اخرى انقرضت عالميا ولكنها مازالت لها موطى قدم وبيئة خصبة فى جنوب السودان مثل الملاريا والسحائى والشلل الاطفال وغيرها من امراض النساء . للتغلب على الايدز ينبغى على وزارة الصحة توعية المواطنين بخطورة هذا الوباء الذى لا وقاية له . ولمكافحة الامراض الاخرى والمذكورة اعلاه على الدولة ان تقوم بتوطين العلاج داخليا عن طريق انشاء ثلاثة مستشفيات كبرى كمرحلة اولى لبناء المستشفيات الكبرى فى كل عاصمة الولاية . تبدا المرحلة الاولى ببناء مستشفيات فى المدن واو وجوبا وملكال على غرار مستشفيات فى الدول الغربية التى تكون فيها جميع التخصصات لامراض . وعلى الدولة اغراء الاطباء الجنوبيين فى الدول الخارجية للعمل فى الجنوب ، وان تاتى باطباء اجانب فى التخصصات المختلفة للعمل فى الجنوب . اذا نفذت الحكومة ذلك سيجد المواطن نفسه قريبا لمكان العلاج ولايضطر المريض فى قوقريال ان يسافر للعلاج فى جوبا او يوغندا ، وسياتى المريض من رنك للعلاج فى ملكال دون الوصول الى جوبا . فى المرحلة الثانية بعد ان تستقر الوضع الاقتصادى للجنوب سيتم بناء مستشفيات اخرى على نفس المستوى فى كل عاصمة ولاية جنوبية.
الامية :-
اكثر من 80% من شعب جنوب السودان اميين او لم يصل مستوى دراستهم الصف الرابع الابتدائى ، وهذا خطر اخر على الجنوب وسيهدد تنفيذ الديمقراطية الحقيقية وسيدعم المشكلات التى توجج النعرات القبلية . كثير من اطفال الجنوب بلا مدارس فى القرى التى يسكنونها وعلى وزارة التربية ان تبدا فورا فى بناء المدارس فى المدن والقرى وتوفير المعلمين عن طريق صرف مرتباتهم شهريا دون تاخير . وعلى الدولة ان تبنى مدارس على مستوى الشمال او شرق افريقيا حتى لا يرسل التجار والمسؤولين ابنائهم للتعليم فى الخارج ، لان ذلك هو السبب الرئيسى فى عدم تشجيع التعليم داخل الجنوب لان المسؤولين ليس لهم ابناء فى مدارس الجنوب حتى يعرفوا كيف يتم تدريس التلاميذ فى المدارس . يجب على الدولة ان تشجع برنامج تعليم الكبار عن طريق فتح مدارس محو الامية للكبار ، وعلى الجنوب ايضا ان يسعى فى دعم التعليم الجامعى بجلب التكنولوجيا فى الغرب ، والتعاقد مع المعلمين الاجانب لتدريس الطلاب الجنوبيين فى جامعاتها الثلاث حتى تكون فى مستوى جامعات الدول المجاورة . ويجب بناء كليات الجامعة فى المدن الاقليم المختلفة ، مثلا كليات جامعة اعالى النيل يجب ان تتوزع فى مدن اعالى النيل المختلفة كفشودة وبانتيو وبور حتى تساعد فى التنمية وارساء نظرية زعيمنا قرنق فى نقل المدن الى الريف .
النظام الحكم :-
دولة السودان الجنوبى يجب ان يكون دولة علمانية وديمقراطية الحقيقية ، وان تعترف بجميع الاعراق والقبائل والاديان ، وان تعتمد على مبدا قبول الاخر الذى يمهد لتعددية حزبية تدعم الديمقراطية السلمية . يجب على الدستور الجنوبى ان ينص على فترتين رئاسيتين متتاليتين لاتزيد عن ثمان سنوات للرئيس ، وان تكون اى انتخابات حرة ونزيهة ومراقبة محليا ودوليا ، وان يبتعد الجيش عن ممارسة السياسة الا بعد استقالتهم من الجيش ، وان تكون القوات المسلحة لجنوب السودان مستقلة وبعيدة عن الاحزاب . القضاة ايضا تكون مستقلة ومحايدة لا علاقة لها بسياسة الاحزاب وكذلك الصحافة تكون حرة وان تحترم قوانين الصحافة والمطبوعات حتى تساهم فى الديمقراطية .
الالتزام بالديمقراطية الحقيقية ستجنب الجنوب من نار الفتنة والحرب الاهلية ، لانها ستقطع الطريق امام الساعين الى السلطة عن طريق القوة . تزوير الانتخابات او تضييق الحريات سيؤديان الى نشوب حروب اهلية كثيرة فى الجنوب ، وخير دليل هو تمرد اللواء جورج اطور بعد انتخابات ابريل بسبب التجاوزات التى حدثت فى بعض دوائر جونقلى . النظام الديمقراطى الحقيقى هو الحل لمشكلة الصراع على السلطة المتوقع فى الجنوب وبدونه سيكون الجنوب صومال اخر .
العدوء الشمالى او الموتمر الوطنى :-
الموتمر الوطنى او النظام الشمالى هو العدوء الثانوى للجنوب بعد الاعداء الرئيسية التى ذكرتها سابقا . بالرغم من اعتراف البشير بدولة الجنوب واطلاق سبيل الجنوب كى ينشىء دولته المستقلة ، ما زال هنالك صقور من ذوى قلوب سوداء داخل الموتمر الوطنى ويفكرون ليلا ونهار لتدمير الجنوب حتى يثبتوا حججهم السابقة بان الجنوب سيكون دولة فاشلة اذا انفصل بسبب القبلية وغيرها . هولاء الصقور سيدخلون الجنوب بطرق كثيرة لزعزع الاستقرار وسيعملون كل ما بوسعهم لتحقيق شرهم ضد الشعب الجنوبى ، ووجود المليشيات القبلية المسلحة يعتبر بيئة خصبة لنمؤ افكار هولاء الصقور فى تدمير دولة السودان الجنوبى . الحل هو ان تسعى حكومة الجنوب للتفاوض مع هذه المليشيات قبل ان تصل الامور الى طريق معقد وخاصة استخفاف باى جماعة مسلحة تؤدى دائما الى ولادة تمرد اكبر مما كان متوقع .
الموتمر الوطنى سيستمر فى دعم المليشيات بصورة خفية داخل الجنوب ، لانه يخشى من ان يرد الجنوب بدعم الحركات التحرر فى دارفور عسكريا وهو ما لايريده فى الوقت الحالى .
على حكومة الجنوب ان تنهى هذه المشكلات المذكورة الان وليس فى العام القادم لان تاجيل الحل الى غد يمنح الفرصة للمشكلة كى تكبر وتسع ، وسبل الحل فى يد حكومة الجنوب الان ولا مجال لانتظار الغد لانهاء المشاكل . نحن كشعب جنوب السودان نريد ان نبنى دولتنا كدول العالم المتحضر التى تنعم بالاستقرار والتنمية ، حتى نثبتوا للشعوب التى وقفت معنا فى الحصول على الحرية والاستقلال باننا شعب طيب نتطلع للسلام والرخاء . ويكون لنا دور مؤثر فى دعم الاستقرار العالمى والافريقى حتى نكونوا نموذجا يحتذى به كثير من الشعوب المهمشة. وبدون تحقيق عوامل التنمية والاستقرار يعتبر الانفصال بلا فائدة وسيكون كلمة التحرر والاستقلال فى واد والشعب الجنوب فى واد اخر .
كوات وول وول
Calgary, Alberta, Canada
تم نشر هذا المقال فى جريدة المصير الصادرة من جوبا بتاريخ الاحد الموافق 20 فبراير 2011