مليون شهيد فِداء الرئيس ؟؟
بقلم/ شريف ذهب
[email protected]
في خطابه الأخير أمام مليشيات الدفاع الشعبي في الخرطوم اعترف عمر البشير بأنّ الشعب السوداني قد خسر ما مجموعه 18 ألف ضحية من شبابه المقاتلين في محرقة الحرب التي دارت رحاها في جنوب الوطن خلال السنوات الماضية . وهذا الرقم بالطبع لا يشتمل أرقام الضحايا من المواطنين العزل في الجنوب الذين سحقوا بين فكي الرحى في أتون تلك الرحب اللعينة جوعاً ومرضاً وحرقاً بالرصاص فضلاً عن المقاتلين منهم في صفوف الجيش الشعبي ،” وقد تم تقدير عديد الضحايا من أبناء الجنوب جراء تلك الحرب حسب المنظمات الدولية بمليوني قتيل “. وكذلك لا تشتمل تقديرات البشير على المائتي ألف قتيل في دارفور أو في حده الأدنى عشرة ألاف حسب اعترافه الشخصي بهم .
ودونما خجل بعود البشير مجدداً ليبشر الأسر السودانية باستعداده للتضحية بذات الأرقام من فلذات أكبادها وربما أكثر في سبيل بقائه ونظامه الفاسد على كرسي السلطة ! وهو أمر يجسّد عِظم البلاء الذي يعانيه الشعب السوداني من وقوعه تحت تسلّط هذا النمط من الحكام الفاسدين الذين ابُتليت بهم معظم شعوب العالم الثالث وبخاصة في المنطقة العربية والإفريقية ، فبدلاً أن يتنحى الحاكم حينما يعجز عن إدارة شئون بلاده ورعاية مصالح شعبه يلتجئ نحو خلق الأزمات بالعزف على أوتار الجهوية والدين والوطنية كي يقتتل الشعب تحت راياتها الزائفة ويتسنى له البقاء في السلطة لفترة أطول ، شهدنا ذلك في مصر واليمن وسوريا والسودان بشكل أعمق .
ومن أنماط العجز لدى هذا الصنف من الحكام إلقاء اللائمة في نتائج فشلهم على الخارج دون النظر للأسباب الحقيقية المختمرة بالداخل وبذلك ترتهن كافة مصالح البلاد والعباد للخارج ، تنصلح بصلاح العلاقة معها وتتوقف بفسادها.
فمثلاً حينما يقف البشير أمام الملأ ليتحدث عن تعفن الجزرة الأمريكية ، فذلك يدلل على شيء مستبطن في داخله نابع عن آمال عراض كان قد بناها على تلك الجزرة وقدّم وحدة البلاد قرباناً لأجل الحصول عليها ، وحديثه بتلك النبرة العالية إنما هو احتجاج عن عدم وفاء الأمريكان بمنحه تلك الجزرة ، وهو يماثل صراخ الطفل حينما يعده والده بجائزة نظير انجاز أمرٍ ما ، ثم يخلف وعده في منحه تلك الجائزة . والصراخ هنا في كلتا حالتي الطفل والبشير إنما هو عن احتجاج وليس عن زهد في تلك الجائزة !.
إنّ أزمة السودان يا ساسة نظام الإنقاذ الفاسدين لا ترتبط بالخارج وإنما كافة فصولها بالداخل ، وأكبر العقد في طريق حلها تتجسد في نظام حكمكم الجائر الذي يمثل العائق الأوحد في وجه الحلول الجذرية المتمثلة في الإدارة الرشيدة عبر صيغة مثلى من نمط الحكم يستوعب تعدد البلاد العرقي والديني بمساحته الجغرافية الشاسعة . وقد تقدمت القوى السياسية المعارضة فيما قبل انفصال الجنوب بأطروحة لحكومة انتقالية حقيقية ربما كانت ستحفظ وحدة البلاد على أسس جديدة ولكن نظامكم الفاسد حال دون ذلك ومضى في برنامجه الاقصائي الذي أفضى إلي التقسيم دون إيجاد حلول بديلة لقضايا مماثلة في الجزء المتبقي من الوطن بما يعني استمرار ذات الأزمة كما نعايشها الآن في النيل الأزرق وجنوب كردفان ودارفور ، وإذا لم يع الساسة في الشمال حقيقة هذا الأمر والنظر إليها بجدية من منظور واقعي وليس العاطفة ، فإنّ ذات الحلول كما في الجنوب ستتكرر مع هذه المناطق وعندها لا يجدي العض على الأنامل ؟! .
إنّ تأسيس تحالف الجبهة الثورية المتحدة يمثل في تقديري تطور هام في اتجاه تسهيل الحلول الجذرية العادلة لقضايا تلك المناطق من عدة زوايا ، فتوافق أبناء هذه المناطق الثلاث على صيغة موحدة لحل قضايا مناطقهم يمثل توفيراً لكثير من الجهد وتقصيراً لمسافات طويلة في الركض وراء البحث عن حلول بالتجزئة لقضية كل منطقة على حده ، الأمر الذي عازها نيفاشا وأفضى للتقسيم . ومن زاوية أخرى فالجبهة الثورية لا تقتصر في تكوينها على أبناء هذه المناطق فحسب وإنما هو إطار اشمل من ذلك يجمع في حناياه كافة مكونات الشغب السوداني يمثلون قيادات عليا وفاعلة فيها وهي مفتوحة لاستيعاب كل من يؤمن بأطروحاتها من كافة التنظيمات السياسية السودانية ، وأرى أن الشعب السوداني بمجاميعه مدعوُُ لتأييد برنامج هذا التحالف لتغيير النظام في الخرطوم بحسبانه السبيل الأوحد لضمان وحدة ما تبقى من السودان في الشمال ، وأمامهم مسئولية كبيرة في عدم السماح للبشير وزمرته مجدداً بإرسال أبنائهم لمحرقة حربٍ معلومة النتائج ، فلدى المقاومة من الإرادة والمقدرة الذاتية ما تمكنها من تخليص البلاد والعباد من هذه الطغمة الفاسدة وتصويب مسارها نحو الديمقراطية والتطور والنماء والازدهار والاستقرار في ظل جوار إقليمي آمن وعلاقات دولية راشدة .