مشكلة دارفور وتجنب التجزئة

مشكلة دارفور وتجنب التجزئة
د. محمد صالح المسفر

(1) كل ما أراد السودان الشقيق الخروج من أزمة من أزماته يقع في أزمة أخرى اشد من سابقتها، والمصيبة أن من يؤزم الأوضاع في السودان هم أبناؤه ومواطنوه. منذ منتصف الخمسينات في القرن الماضي والانقلابات العسكرية تتوالى على السودان وكل منها يدعي انه أتى إلى السلطة من اجل إصلاح الشأن السوداني والنهوض بمستوى المواطن ليحلق في معراج التقدم والازدهار، مرت مرحلة من مراحل الحياة السودانية بما يسمى الحكومة المدنية الديمقراطية.
واذكر من هؤلاء الساسة السودانيين الصادق المهدي الذي تولى الوزارة وكل الذي صنعه كما تقول بعض أدبيات السودانيين من أهل الرأي انه كرس طائفته ‘المهدية’ ولم يقدم للسودان أي انجاز سياسي أو تنموي، مشكلة الجنوب كما يقول أهل السودان ليست وليدة حكومة البشير وإنما تعود بجذورها إلى ما قبل الاستقلال لكنها اشتدت في عهد الصادق المهدي وتصاعدت منذ ذلك الحين، ومشكله دارفور لم تكن بعيدة عن أنامله وأنامل قريبه الترابي وحركة العدل والمساواة المسلحة والمنشقة عن أهل السودان ليست بعيدة عن الدكتور حسن الترابي الذي كان طرفا في حكومة الإنقاذ ‘البشير’ .
الملاحظ في الشأن السوداني اليوم إن حكومة السودان المركزية لا يسمح لها بمقاومة المتمردين والعابثين بأمنه واستقراره في دارفور أو أي ولاية من ولايات السودان، بينما يسمح لحكومة الباكستان بالإبادة العشوائية لمواطنيها الذين لهم رأي في مسيرة النظام السياسي وعلاقته بأمريكا، نموذج ذلك وادي سرت الذي هُجّر سكانه إلى أماكن متناثرة. وحصلت إبادة جماعية لكثير من قرى ذلك الإقليم استخدم فيها سلاح الطيران الباكستاني وطائرات بدون طيار يقال انها أمريكية، ولم يحتج على هذه المذابح أي إنسان في هذا الكون إلا أصوات خافتة هنا أو هناك.
الأمر الثاني ما يجري في اليمن اليوم في محافظة صعدة مع معارضي النظام، شُنت عليهم حرب ضروس وأسموها ‘حرب الأرض المحروقة’ تعاون فيها ثلاثة جيوش نظامية جيشان عربيان وآخر غربي غير منظور، وعقد مؤتمر في لندن لتمويل النظام السياسي لمواصلة اجتثاث معارضيه تحت شعار محاربة القاعدة والنفوذ الإيراني ناهيك عن ما يجري في جنوب اليمن من تصعيد امني وعسكري قد يجر البلاد إلى ما لا تحمد عقباه .الأمر الثالث حكومة حسني مبارك تضطهد وتعتقل وتلاحق وتسجن كل معارضيها وخاصة حركة الأخوان المسلمين السلمية ولا احد يشير إلى هذه الملاحقة اللا دستورية، كل هذا يجري في الباكستان واليمن ومصر حسني، وأمريكا والغرب لا يحركان ساكنا بينما الكل منشغل بما يجري في دارفور وجنوب السودان والسؤال لماذا السودان غير مسموح له أن يقمع المتمردين على النظام والداعين للانفصال؟ الجواب بكل بساطة فتش عن إسرائيل وموقف حكومة البشير منها، والثروات الطبيعية في السودان وفتش عن العملاء والخونة لأوطانهم تجد الجواب الشافي.
( 2 )
ينعقد في الدوحة هذه الأيام اجتماعات لكل أو معظم المتمردين في دارفور على النظام السوداني بوساطة قطرية حميدة بهدف الوصول إلى اتفاق يجنب السودان التفتيت والتجزئة والهيمنة الأجنبية، وقدر لي أن التقي ببعض السودانيين الذين يشاركون في هذه الحوارات بصفتي باحثا في الشأن السوداني ورأيت وسمعت العجائب، قوى متناحرة وكل هذه القوى مرتبط بقوة خارج حدود السودان. هناك مجموعة طرابلس (ليبيا) ويؤكدون انه لا يوجد في دارفور ممثل شرعي واحد يدعي انه يملك الحق في التمثيل الحصري لسكان دارفور، ومجموعة أديس أبابا تقول عنهم مجموعة طرابلس وآخرون يقولون ان هذه الجماعة ليس لديهم تنظيم مؤسسي ويوجد لديهم 9 حركات مختلفة وليست لهم قيادة معروفة. وعلمت من مصدر آخر أن هذه الجماعة ذات توجه أمريكي، والسيدة كيمي باي الأمريكية المشاركة في المفاوضات غادرت الدوحة وأصبحت المجموعة في مهب الريح لا تعلم ماذا تفعل. حركة العدل والمساواة ومقرها في تشاد وأماكن أخرى من دول الجوار السوداني وتضم 22 تنظيما ويعتبر الترابي المنشق عن النظام في الخرطوم الأب الروحي لهذه الحركة بمعنى آخر كل هذه الحركات لا قيمة لها في دارفور أو السودان عموما لأنها مرتبطة بدول وقوى أخرى خارج حدود السودان بما في ذلك إسرائيل. سلوك حركة العدل والمساواة السياسي يشير الى أنها أيضا مرتبطة بقوى متعددة تسير جنبا إلى جنب مع التوجه الغربي والأمريكي في ملاحقة الرئيس السوداني البشير وتقديمه لمحكمة الجنايات الدولية وهذا في حد ذاته خيانة وطنية عظمى للسودان وشعبه.
أخر القول: بدلا من الحوار مع هذه الحركات الدارفورية والذي لا يملك اي منها الحق في التمثيل الحصري لدارفور فاني اقترح عقد قمة مع رؤساء الدول الراعية لهذه الحركات غير الشرعية (ليبيا، إثيوبيا، مصر، تشاد)، وحسم الموقف لصالح الشعب السوداني بعيدا عن الأطماع الاوروبية والأمريكية في ثروات البلاد وفرض الهيمنة على الشعب السوداني الشقيق.

القدس العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *