ما وراء احداث مليط وكتم

نامدو ابكر موسي
      لقد عادت العمليات  الممنهجة التي تشنها مليشيات الجنجويد في اقليم دارفور من جديد ..
والمعلوم ان هذه المليشيات قد تم دمجها في قوات حرس الحدود والاحتياطي المركزي بمحاولة من نظام المؤتمر الوطني اخفاء ونفي عدم وجود مليشيات قبلية عنصرية  تقاتل في صفوفه وكذلك لتقنين وضبط هذه المليشيات التي  تشارك نظام  المؤتمر الوطني في كل جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي و سياسات  الاراضي المحروقة والاغتصاب في دارفور.. ان التجمع العربي  الذي يمثل تحالف بعض القبائل العربية في دارفور وذراعه العسكري مليشيات الجنجويد مسؤولة عن عمليات التهجير القسري  لسكان الاقليم بغية تغيير التركيبة الديموغرافية في الاقليم وتهجير السكان من اراضيهم وجلب عرب مستوطنين جدد من (مالي – النيجر – تشاد – الكميرون ) للسيطرة علي دارفور سياسياً واجتماعيا كعمق استراتيجي ومن ثم الانطلاق للامساك بمفاصل الامور في كل السودان  بعد الانقلاب علي نظام الحكم  في الخرطوم وهذه الاستراتيجية التي ما زالت فصولها جارية منذ الثمانينات وحتي الان هي مخطط التجمع العربي الذي ظهر علي السطح في ثمانينات القرن المنصرم .
           في 5 أكتوبر عام 1987 ظهر تنظيم التجمع العربي ابان الديموقراطية الثالثة بمسمي قريش 1 وقدم مذكرة لحكومة الصادق المهادي يطالب فيها ببعض المطالب التي لخصها في مذكرته للسيد رئيس الوزراء انذاك الصادق المهدي وتم مخاطبته في المذكرة بالاتي :
نص جزء من المذكرة :
(( السيد رئيس الوزراء:
لقد درج الذين يعنون بدراسة أنظمة الحكم في العالم أن يعرّفوا الحكم الإقليمي عدة تعريفات وهي في مجملها تعني اللامركزية وتفويض السلطة بهدف إحداث إصلاح سياسي وإداري وإقتصادي في إدارة الحكم لابناء الإقليم بقدر ما يتوفر لكل قبيلة من أبناء يصلحون للقيادة فإننا نعرب بحسرة بأننا قد سلبنا حق التمثيل في قيادة الإقليم والمشاركة في إتخاذ القرار فأصبحنا أغلبية بلا وزن ورعايا لا مواطنين علماً بأننا نمثل:
 1| سبعين في المائة من سكان الإقليم
2| ويمثل المتعلمون منا أكثر من 40% من مجموع المتعلمن من أبناء الإقليم بينهم مئات من حملة الشهادات الجامعية وعشرات من حملة الماجستير والدكنوراة في شتى التخصصات.
3| وساهمنا في الدخل القومي بنسبة لا تقل عن 15%.
4| كما أن مساهمتنا في دخل الإقليم تزيد عن التسعين في المائة.
5| نسهم بنصيب الأسد من فلذات أكبادنا في الجيش السوداني نقدمهم قرابين لهذا الوطن.
6| أما في الجانب السياسي فإننا قد قدمنا أربعة عشرة نائباً للجمعية التأسيسية يمثلون الجانب العربي تمثيلاً حقيقياً. كما أسهمنا بنصيب كبير في تقديم ثمانية عشرة عضواً في الجمعية التأسيسية.))….. انتهي نص المذكرة .
       وفي بداية التسعينات ظهرت وثيقة اخري للتجمع العربي بمسمي قريش 2 يوضح فيها المنفستو الحقيقي للتجمع العربي وهي:
((وثيقة قريش 2:
نص وثيقة قريش 2:
بسم الله الرحمن الرحيم
“قل اللهم مالك الملك ، تؤتي الملك من تشاء ، وتنزع الملك ممن تشاء ، وتعز من تشاء ، وتذل من تشاء ، بيدك الخير إنك على كل شيئ قدير”.
صدق الله العظيم
كنا قد تناولنا في قريش -1- ميلاد قريش جديد وبعض البرامج إلا أن التطورات التي تشهدها البلاد والمستجدات السياسية بأبعادها الداخلية والخارجية تتطلب وقفة تذكير بالأهداف ومراجعة الخطط وتعزيز الإنجازات في سبيل تحقيق غايتكم السامية.
وكما تعلمون فقد حال الجعليون والدناقلة والشايقية بيننا وبين حكم السودان لمدة تناهز القرن ، وهم مهما تدثروا بثياب العروبة ، هجين أصبح عرقاً وثقافة جزء لا يتجزأ من النسيج النوبي المتمصر ، وسنظل تلك الفئة تتشبث بحكم البلاد إلى الأبد ، إذ بلغنا أن أطراف هذا الثلاثي قد أقسموا مؤخراً على أن تبقى السلطة تداولاً بينهم.
يمر قريش بمرحلة مخاض حرجة ، والمطلوب من الجميع ، وخاصة الطرفين ، التسامي على الإنتماءات الفكرية والطائفية في سبيل تحقيق الأهداف النبيلة والمحافظة على الإنجازات التي تحققت حتى الآن ، وضرورة العمل الدؤوب لبلوغ الغايات التي نراها قريباً عبر الغلتزام بالتالي:
أ – الموعد العام 2020 على حد اقصى
ب – الهدف قريش 20
ج – الهدف المرحلي: ولايات الغرب الستة
د – الخطط والبرامج والوسائل
داخلياً:
1- إعطء إهتمام خاص بالتعليم أفقياً ورأسياً وأعداد كوادر عالية التأهيل في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والإعلامية والأمنية والعسكرية.
2- إقامة مؤسسات إقتصادية.
3 – الإنخراط الواعي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.
4- مواصلة خطة إظهار التعاون مع السلطة القائمة.
–  5المحافظة على علاقات العمل القائمة مع بعض الشخصيات المحورية مع أبناء الثالوث في قيادة الدولة.
– 6  التنسيق المحلي مع أبناء العمومة في الوسط والشرق.
-7 التأكيد على أهمية قبائل التماس وحث الدولة على المزيد من دعمها وتسليحها وتدريبها (الدفاع الشعبي ، المجاهدين ، قوات السلام).
8 – حث جميع القادرين من الأهل للإنخراط في قوات السلام.
9- المحافظة على قنوات التفاهم مع الدينكا
10 – التقيد التام ببنود عملية “شاهين” لجنوب كردفان.
11- إحتواء نذر الفتنة بين النهود والفولة ومناشدة ومناشدة الأهل في أرجاء الوطن النأي عن الصراعات الداخلية التي تبدد الطاقات.
12 – عدم إثارة موضوع البترول قبل إستخراجه الفعلي.
13 – إحتواء آثار وتداعيات حادث نيالا في أضيق نطاق والسعي للإفراج عن الفرسان.
14- تأمين المراعي الكافية للرعاة في السودان وتشاد وأفريقيا الوسطى.
15- محاربة الأعراف الخاصة بحيازة الأرض (حواكير ، ديار ، ..إلخ) بشتى الوسائل.
16 – أبراز دورنا القومي في التصدي للقبائل غير العربية في الغرب كإمتداد طبيعي للتمرد.
17  – توسيع فجوة الثقة بين المركز والقبائل غير العربية بدفع القيادات المنتقاة من أبناء الزرقة إلى المزيد من التطرف في التعبير عن الظلم الواقع على الغرب ومجاراتهم بوعي في النعرات الجهوية والعنصرية.
18 -السعي للحصول على المزيد من المناصب الدستورية في المركز والولايات.
-19 الحفاظ على إنجازات برامج الجاموس لغرب دارفور بتداعياته المحسوبة.
-20 على الطريفي 2 والطريفي 3 مواصلة العمل لتمكين القرشيين في دارفور.
21- الإستعداد لأي إنتخابات ولائية في الولايات الستة.
 -22الحرص على الإنضباط والنأي عن السلوكيات الطائشة كالحديث عن دولة البقارة.
23 – ضرورة إهتمام القيادات بالإعلام الإيجابي.
24 -ضرورة ترقية الأداء المالي لقريش.
25 – تبقى القيادات البارزة في المؤتمر الوطني 3 من بين قريش 3 ، ووضع القرار حسب مقتضيات الحل.
خارجياً:
1- تقوية التنسيق والتشاور مع القرشيين في دول الجوار.
2  – تطوير التفاهم الإستراتيجي مع الجماهيرية على هدى ما إختطه البقلاني أصيل والشيخ إبن عمر.
3- تطوير برامج سباق الهجن والإستفادة منه في توثيق الروابط مع الأشقاء في دول الخليج وبالله التوفيق.
“ونريد أن نمن على الذين إستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ، ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما ما كانوا يحذرون.))  …..انتهي نص الوثيقة .
      تلك اعلاه هي الوثيقة  الثانية للتجمع العربي التي وضح فيها  التجمع استراتيجيته الاساسية كهدف مستقبلي يسعي لتحقيقه للسيطرة  علي  دارفور والدولة السودانية ..ووزع التجمع الادوار لكل منسوبيه في مواقعهم المختلفة سواء كانوا موظفين في الدولة او في القوات النظامية الحكومية وغيرها من المواقع وظل يعمل  التجمع في تنظيم سري يعمل بدقة لتنفيذ استراتيجيته وظل يجد الدعم والرعاية من دوائر عنصرية في حكومة الصادق المهدي ومن بعدها حكومة الجبهة الاسلامية وايضا من الزعيم الليبي معمر القذافي.. ففي ذلك الوقت كانت دارفور مرتع للمليشيات والنهب المسلح وظهور اسلحة ثقيلة وخفيفة في ايدي هذه المليشيات .. فشرع التجمع العربي في تنفيذ مخططه علي الارض فدخل في حروبات اهلية مع قبيلة الفور في مناطق جبل مرة ووادي صالح وكذلك مع قبيلة المساليت في مناطق دار اندوكة مما ادت هذه الحروبات الاهلية  الي حرق العديد من القري وتدمير المزارع والجناين وقتل عدد كبير من المواطنين .
 
وظل التجمع العربي يعمل وينفذ استراتيجيته حتي اندلعت الثورة في دارفور.. واعتقد ان جرائم  التجمع العربي علاوة علي  مسائل عدم وجود تنمية في الاقليم  والتهميش والاقصاء من قبل
المركز  تعتبرهي  الاسباب والدوافع الاساسية لاندلاع الثورة في دارفور.. والمصائب تجمعن المصابين- فتحالف النظام والتجمع العربي لمواجهة الثورة في دارفور فلكل طرف اجندته الخاصة فالنظام يهدف الي محاربة الثورة وضرب التجمع العربي بالحركات المسلحة بغية اضعاف الطرفين لان النظام علي علم بان التجمع العربي يسعي للوصول الي الخرطوم لتأسيس دولة عربية قريشية .. والتجمع العربي الذي تحالف مع النظام يسعي لتنفيذ استراتيجيته بالاستفادة من امكانيات الدولة تحت مسمي محاربة التمرد للشروع الفعلي في تنفيذ حملة شرسة علي مناطق القبائل ذات الجذور الافريقية ..فأسس التجمع مليشيات الجنجويد التي ظلت تعمل كقوات صديقة  للنظام في كل المواجهات العسكرية في الاقليم بواسطة  بعض عرب دارفور والوافدين الجدد من خارج السودان  وافرز تحالف الاشرار هذا ازمة وكارثة دارفور ببشاعتها الحالية والتي تم احالتها الي محكمة الجنايات الدولية من قبل مجلس الامن الدولي والتي بموجبها اصبح قيادات النظام ( عمر حسن احمد البشير وعبدالرحيم احمد حسين واحمد هارون ) مطلوبون للعدالة الدولية وكذلك قيادات الجنجويد (علي كويشيب وموسي هلال ).
فلذلك باتت مناطق الفور والزغاوة والمساليت وبعض القبائل الاخري الان تحت سيطرة مليشيات الجنجويد والوافدين الجدد وتم تشريد سكان هذه المناطق الي معسكرا ت النزوح واللجوء في دارفور وشرق تشاد وافريقيا الوسطي وبالتالي التجمع العربي حقق بعض اجندته واستراتيجياته ولكن بعد تدخل الامم المتحدة والاتحاد الافريقي لمراقبة االاوضاع  الامنية والانسانية في دارفور فضلا عن الاهتمام الدولي المتصاعد بازمة  دارفور  والضغوط من المنظمات الحقوقية ووسائل الاعلام حالت دون ان يمضي التجمع العربي قدماً  في تنفيذ ما تبقي من استراتيجيته العنصرية  .
      وبعد ان أيقنت الحركات المسلحة عدم جدوي المواجهات العسكرية في الاقليم لانها تستغل من قبل النظام والتجمع العربي في ارتكاب  المزيد من الجرائم وحرق القري وتشريد المواطنين .. وبعد انحصار العمليات بشكل نسبي  اعتبر النظام ان دور الجنجويد قد انتهي وقرر التحكم والسيطرة عليها بعد ان كانت يدها مطلوقة دون رقيب او حسيب فتم دمجها في قوات حرس الحدود والاحتياطي المركزي ولكي  تستعان بها اذا لزم الامر ولكن هذا الاجراء لم يغير من واقع الامر شيئاً لان هذه المليشيات تعودت علي الفوضي والقتل والدمار والحرق ..فلجأ النظام الي خطة اخري للتخلص من الجنجويد بحجب الدعم العسكري والتشوين والمعدات والاليات العسكرية خاصة بعد ذهاب البترول جنوباً وخواء خزينة الدولة  فأحست مليشيات الجنجويد بخطورة الموقف لان قوتها بتكمن في سلاحها وواقعها العسكري والان تسارع الزمن لتنفيذ ما تبقي من الاستراتيجية باستهداف المنطقة من كتم غرباً الي كردفان شرقاً لجر هذه المنطقة الي مربع الفوضي والاقتتال لتشريد سكان هذه المناطق وخاصة قبيلتي التنجر والبرتي ..ويعتبر اللواء تيار عبدالله علي صافي النور والفريق اول ادم حامد موسي ومحمد سليمان رابح معتمد الكومة هم وراء الاحداث الاخيرة في مدينتي كتم ومليط.. ولقد تم تدبير حوادث محددة بدقة كقتل معتمد الواحة في كتم وكذلك قتل مواطنين في مليط والاستفادة من الافعال هذه  وردودالافعال لكي تستغل لتمرير اجندة هذه المليشيات ..فنجحت في استهداف اهل كتم ونهب السوق وتشريد نازحي معسكر كساب وتحويل مدينة كتم الي ساحة حرب غير معروفة النتائج بعد حشود الجنجويد وتهديدات القوات المسلحة الحكومية ..اما في مدينة مليط فقد شهدت مواجهات عنيفة بين مليشيات الجنجويد واهل مليط لمدة يومين علي التوالي تمكن الاهالي من السيطرة علي الاوضاع ..وجاءت السلطات في الفاشر لتشرف علي توقيع اتفاق هدنة بين قبيلتي البرتي صاحبة الحاكورة والزيادية  التي  تنتمي اعضاء المليشيات  المهاجمة اليها ولكن في اعتقادي هدنة هشة قابلة للانفجار تحت اي لحظة لان نحن علي يقين  بان هذه المليشيات لا تحييد عن اجندتها المرسومة وقد تستأنف عملياتها في اي وقت متي  ما سنحت لها الفرصة ذلك لانها تسعي لاحتلال حواكير القبائل وتشريد سكانها.
مليشيات الجنجويد  اصبحت الان شبه قوات خارجة  علي النظام  وتستهدف المواطنين وباتت  الان مهدد خطير لآمن المواطن واستقراره في اقليم دارفور واذا  ما استمرت الامور كما هي عليه الان ستدخل دارفور  حتماُ الي مربع خطير من الحروبات والكوارث والفوضي  .
 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *